عقوبة الإعدام في القانون الدولي بقلم المحامي علاء الدين البطة

عقوبة الإعدام من أكثر أنواع العقوبات التي تثير جدلاً في العالم رغم من أنها من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية، ولعل في القوانين القديمة التي عرفتها البشرية قوانين تنص على ذلك صراحة مثل قوانين مورابي (العين بالعين والسن بالسن) . وفيما بعد استمرت العقوبة ضمن الأعراف التي أصبحت قوانيناً في المجتمعات ، حيث كان يتم إنهاء حياة القاتل .

والشرائع السماوية جميعها جاءت لتثبت هذه العقوبة حيث جاءت اليهودية والمسيحية للتأكيد على ضرورة عقوبة القاتل بالقتل ، ثم جاء الإسلام ليثبت هذه العقوبة في ايات صريحة واضحة في قوله تعالى ( وكتب عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين) وبعد ذلك ومع بداية الحديث عن حقوق الإنسان بداية القرن الماضي ، بدا أن هناك اتجاها عالميا واضحا لوضع حد لهذه العقوبة حيث كانت البداية في عام 1948 في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة رقم (5) التي نصت على أنه ” لا يُعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات القاسية أو الوحشية ” حيث اعتبر الفقهاء هذه العقوبة تندرج تحت هذه المادة.

اولا: الإعدام في القانون الدولي

منذ نهاية القرن ال 19 سعى المشرعون إلى الضغط من اجل وضع حد لهذه العقوبة ، واستمرت هذه المحاولات حتى تم ترجمتها بصورة ما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام 1966 . وفيما بعد استمرت المحاولات حتى تبنى المجتمع الدولي أربع معاهدات دولية وثلاث معاهدات اقليمية أبرزها:

1. البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام في 1989، ويشمل نطاقه العالم بأسره. وينص على الإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام، ولكنه يسمح للدول الأطراف بأن تُبقي على عقوبة الإعدام في أوقات الحرب إذا ما تقدمت بتحفظ في هذا الشأن في وقت التصديق على البروتوكول أو الانضمام إليه..

2. البروتوكول الملحق باتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان
تبنت الجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية البروتوكول الملحق باتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام في 1990، وينص على الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، غير أنه يسمح للدول الأطراف بالاحتفاظ بعقوبة الإعدام في أوقات الحرب إذا ما تقدمت بتحفظ في هذا الشأن في وقت التصديق على البروتوكول أو الانضمام إليه.

3. البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
تبنى مجلس أوروبا البروتوكول رقم 6 لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية [“الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”] بشأن إلغاء عقوبة الإعدام في 1982، وينص على إلغاء عقوبة الإعدام في أوقات السلم؛ ويجيز للدول الأطراف الاحتفاظ بعقوبة الإعدام لجرائم ترتكب “في أوقات الحرب أو التهديد الوشيك بالحرب”.

البروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
ينص البروتوكول رقم 13 الملحق باتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية [الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان] بشأن إلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف، الذي اعتمده مجلس أوروبا في عام 2002، على إلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف، بما في ذلك في أوقات الحرب أو خطر الحرب الوشيك.

ثانيا: واقع عقوبة الإعدام في العالم

بالنظر إلى واقع عقوبة الإعدام في العالم والتعاطي معها فانه يمكن تقسيم دول العالم إلى أربع فئات :

1- هناك 97 دولة قامت بإلغاء عقوبة الإعدام لجميع الجرائم بدون استثناء ومن أبرزها (بلجيكا ، كندا ، فرنسا، المانيا، إيطاليا ، هولندا، تركيا، السويد، اسبانيا، بريطانيا).

2- هناك 8 دول فقط قامت بإلغاء عقوبة الإعدام للجرائم العادية فقط مثل جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والفساد ، فيما أبقت عليها للجرائم العسكرية الصرفة كالخيانة او الجرائم المرتكبة في ظروف استثنائية كإحالة الحرب ، ومن ابرز هذه الدول ( البرازيل ، بوليفيا، السلفادور ، إسرائيل، كازاخستان).

3- هناك 35 دولة ألغت العقوبة عملياً ومن أبرزها ( الجزائر ،والمغرب ،وموريتانيا ،وتونس ، وطاجيكستان ،وروسيا الاتحاد ، وكوريا الجنوبية )

4- هناك 58 دولة مازالت تبقى على عقوبة الاعدام وابرز هذه الدول ( الولايات المتحدة ، الصين ، إيران ، السعودية،مصر ، واندونيسيا ،الكويت ،السلطة الفلسطينية ).

وعليه فانه من الواضح ان ثلثى دول العالم الغت عقوبة الاعدام فى القانون والممارسة ويبلغ اجمالى عددها 140 دولة فيما بقى ثلت العالم متمسكا بالعقوبة وباجمالى 58 دولة

ثالثا: لمحة على واقع العقوبة في العالم في الأعوام الاخيرة

انه يمك الاطلاع على تقارير منظمة العفو الدولية بخصوص تنفيذ عقوبة الاعدام فى العالم خلال عامى 2011 – 2012

فى عام 2011 : سجلت منظمة العفو الدولية قيام 21 بلدا بتنفيذ عمليات اعدام بـ 63 شخص وابرز هذه الدول هي ( الصين ، ايران ، العراق ، السعودية ، الولايات المتحدة ).

وفى عام 2012 : سجلت المنظمة قيام 21 بلدا بتنفيذ عمليات اعدام بحق 58 شخص وكانت نفس الدول الخمس السابقة هى اكثر من نفذ عمليات الاعدام.

رابعا: لمحة عن الاعدام في الولايات المتحدة:

حيث انه وبالنظر الى ان الولايات المتحدة هى التى تدعى رعاية حقوق الانسان فى العالم فانه من المفيد الوقوف على تجربة الولايات المتحدة فى موضوع عقوبة الاعدام عبر الملاحظات التالية:

– تطبق 35 ولاية من 50 ولاية امريكية عقوبة الاعدام ولكن يجري ارجاء التنفيذ لسنوات طوال .

– تعتبر الولايات المتحدة من اكثر الدول تنفيذا لعمليات الاعدام خصوصا في الاعوام الاخيرة 2011،2012.

– لا يملك الكونغرس الامريكي سلطة قانونية لفرض الغاء عقوبة الاعدام على المستوى القومي لان الدستور الامريكي يعطي للولايات الامريكية الخمسين سلطة تشريعية مستقلة حول القانون الجنائي .

– في استطلاع قامت به مؤسسة غالوب للاستطلاعات (Gall up) في عام 2012 عبرت غالبية الشعب الامريكي عن دعمها لوجود عقوبة الاعدام لمن يقترن ببعض الجرائم.

– في الممارسة الفعلية لا يسمح بإصدار حكم الاعدام إلا على جريمة القتل العمد المتفاقمة.

– عام 2011 ثم تنفيذ الاعدام بحق 43 حالة في الولايات المتحدة.

خامسا: حجج الفريقين المؤيد والمعارض للعقوبة:

الفريق المعارض لعقوبة الإعدام:
– إن الهيئة الاجتماعية لم تهب الفرد الحياة حتى يكون لها الحق في سلبه إياه.

– كما أن القانون الذي يحرم القتل لا يجوز له أن يأمر به.

– كما وان هذه العقوبة تمثل معنى الانتقام من الجاني, إذ هي عقوبة بالغة القسوة تنم عن وحشية لا تتفق وتقدم المدنية. ولذلك تشمئز منها النفوس ويتأذى بها الشعور الإنساني.

– وكذلك فإنها قد تحدث ضررا جسيما لا سبيل إلى إصلاحه ولا إيقافه إذا ما نفذت خطا في المحكوم عليه ثم تثبت براءته، ذلك لان الأخطاء القضائية ليست نادرة, فالقضاة بشر, والعدالة الإنسانية نسبية، لذلك تقر غالبية التشريعات الحق في تصحيح الأخطاء القضائية.

ب- حجج الفريق المؤيد لعقوبة الإعدام

– ان الهيئة الاجتماعية لم تهب الحق في الحياة ، فالهيئة الاجتماعية لم تهب الفرد حريته حتى يكون لها الحق في سلبه إياها أو تقييدها، والتمشي مع هذا التفكير يؤدي إلى تعطيل حق الجماعة في توقيع أي عقوبة.

– أما القول بان القانون الذي يحرم القتل لا يجوز أن يأمر به ، فمردود عليه أيضا بان القانون يحرم القبض على الناس وحبسهم، ومع ذلك لم يعترض احد على العقوبات السالبة أو المقيدة للحرية.

– أما القول بأنها تمثل معنى الانتقام لقسوتها ووحشيتها ، فيرد عليه بان الإعدام لا يطبق إلا على مرتكبي الجرائم الخطيرة وعلى الأخص الجنايات التي تهدد حياة الأفراد أو كيان المجتمعات . ومن حججهم لا يجوز المطالبة بالمحافظة على حياة الجاني إذ هو لم يحترم حياة المجني عليه ,فحياة الجاني ليست أكثر قيمة من حياة المجني عليه.

– والشعور الإنساني يتأذى بالاعتداء على حياة الأبرياء ،ولا يهدأ إلا بتحقيق واقعية تعيد التوازن للحياة الاجتماعية.

– أما عن الحجة المستمدة من انه لا يمكن تلافي آثار ما بعد التنفيذ إذا ما تبين براءة المحكوم عليه ،فعل الرغم من أنها تعد أقوى الحجج المناهضة للإعدام ، إلا أن ذلك يصدق أيضا على بقية العقوبات الأخرى وخاصة السالبة للحرية التي قد يظهر بعد تنفيذها إنها وقعت خطا ، والإفراج عن المحكوم عليه لا يمحي ما ناله من الم.

ختاما: ان عقوبة الإعدام مشروعة في الإسلام للأدلة الشرعية حسب قوله تعالى: (( ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب لعلكم تتقون)) وقال أيضا:((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين)) وقال في أية أخرى: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله)ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم( الجزاء من جنس العمل) ،

عدا ان علم الاجتماع الجنائي يؤكد إذا كانت العقوبة اضعف من الجريمة فتزداد الجريمة لذالك يجب أن تكون العقوبة متساوية مع الجرم فإلغاء عقوبة الإعدام ستزيد من ارتكاب الجرائم وارتكاب المشاكل الأخرى وان لم تنفذ عقوبة الإعدام على الجاني ستؤدي ذلك إلى إثارة المشاكل والنعرات القبلية واخذ الثأر بالثأر وإزهاق أرواح الكثير من الأبرياء، فعقوبة الإعدام بالإسلام هي زاجرة ورادعة وهي عقوبة شرعية لا يجوز إلغائها لا شرعا ولا قانونا لأنها عقوبة ربانية شرعية شرعها الله سبحانه وتعالى وهو أعلى بما يصلح العباد.

المحامي علاء الدين البطة يكتب عن عقوبة الإعدام في القانون الدولي