نظرة سريعة على نشأة قانون الصحافه في البحرين
تحرّك ملف مشروع قانون الصحافة الذي بدأت مناقشته أخيراً في البرلمان في 23/2/2009. لقد سبب تأخير مناقشة القانون في الأعوام الماضية الكثير
من الجدل داخل البحرين وخارجها. ولا يعلم حتى الآن كيف ستكون نتيجة النقاش وطبيعة القانون نفسه. القانون الحالي لعام 2002 غير مرضي عنه من الصحافيين البحرينيين، وقد تعرّض للنقد الدائم من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، فهل سيكون القانون المعدّل (الجديد) مرضياً لمختلف الأطراف، ويتماشى مع معايير الحريات العامّة؟
لقد قدّمت الحكومة مشروع قانون للصحافة، ومجلس الشورى قدّم مشروعاً آخر موازياً، رحّب به، ومال إليه جمعية الصحافيين البحرينيين، والجسم الصحافي البحريني عامّة، باعتباره أقرب الى تطلعاتهم، يوافقهم في ذلك عدد من النواب المنتخبين. كما رحّبت به منظمات عربية ودولية معنية بحرية التعبير. صراع الرؤى والمواقف حول المشروع، سواء بين الحكومة والبرلمان، أو بين البرلمايين أنفسهم من المجلسين النواب والشورى، سترسم صورة مشروع قانون صحافة المستقبل. ومع هذا، فإن من الواضح، أن النقاش وصل الى الشارع البحريني نفسه، وبدأت جماعات الضغط تتحرّك في اتجاهات مختلفة، خاصة جمعية الصحافيين ومؤسسات المجتمع المدني، التي تحاول التأثير على السلطتين التشريعية والتنفيذية، للخروج بقانون يعزز وضع الحريات في البحرين.
لهذا، ما إن أعلنت بداية النقاش لمشروع الصحافة الجديد، حتى هبّ الصحافيون فاجتمعوا برئيس مجلس النواب، ثم ما لبث أن دعت جمعية الصحافيين (في بيان لها بتاريخ 13/2/2010) أعضاءها للإحتشاد أمام مجلس النواب للمطالبة بإقرار قانون مستنير ومتطور للصحافة. وعبّرت الجمعية عن أسفها لتبني بعض النواب (لجنة الخدمات) رؤية تربط قانون الصحافة بقانون العقوبات، مؤكدة على (أن حبس الصحفي يتعارض مع القواعد الديمقراطية… ويتعارض بشكل واضح مع توجهات القيادة بحذف العقوبات التي من شأنها حبس الصحفي، ويتعارض مع مطالبات الجسم الصحفي بالكامل).
وبسبب الضغوط، قررت لجنة الخدمات بالمجلس حذف مقترحها المتعلق بحبس الصحافي، مكتفية بتغريم الصحافي مالياً إذا ما (ساهم في نشر ما من شأنه التحريض على ارتكاب جنايات القتل أو النهب أو الحرق، حتى ولو لم يترتب على هذا التحريض أية نتيجة). واعتمدت اللجنة مشروع قانون الصحافة المقدم من مجلس الشورى باعتباره (الأصل)، وأن مشروع الحكومة يمثل (التعديل على الأصل)، خلاف رغبة الحكومة.
في ذات السياق كانت هنالك مقابلة صحافية لافتة لعضو مجلس الشورى ابراهيم بشمي، حول قانون الصحافة وأجواء مناقشته، وصف فيها محاولات مجلس النواب الجمع بين مشروعي الشورى والحكومة بأنهم قد خلقوا قانون مسخ (أحدب نوتردام جديد). وانتقد الحكومة لعدم توضيح وإيصال رسالتها الى المنظمات الدولية أو حتى التواصل معها؛ كما انتقد تلك المنظمات لأنها (تعتمد على عناصر من منظمات سياسية لا تعمل تحت مظلة العمل السياسي الشرعي، وتنقل وجهات نظرها أحادية الجانب) ورأى (أن ما تشهده البحرين حالياً من حريات تعبير يجعلها في مرتبة متقدمة على كثير من الدول الخليجية والعربية).
النواب من جانبهم، وفي أول جلسة نقاش لمشروع قانون الصحافة في 23/2/2010، حاولوا أن يقرّبوا ويسددوا مواقفهم، فشهدت الجلسة مداخلات لأربعة وعشرين نائباً، جلّهم تحدّثوا في سياق تأييد تشريع عصري ومتطوّر ويلبّي رغبات الصحافيين وتطلعات الرأي العام المراقب للوضع البحريني. النائب عادل المعاودة قال: (نحن مع زيادة حرية التعبير)؛ والنائب عبدالجليل خليل أعلن: (نقف مع قانون صحافة مستنير، ونحتاج لرأي صريح من الكتاب.. لسنا مع من يسب ويشتم، لكن نحتاج لمصارحة حقيقية… نستغرب أن يجرجر الصحافي للقضاء على قضايا تافهة). وشدد النائب خليل المرزوق على عدم (تسلط السلطة التنفيذية على الصحافة)، كما أعلن النائب عبدالرحمن: (نرفض الحبس للصحافي). وفي وقت طالب فيه النائب جواد فيروز بـ (حفظ حق الصحافة، وأن يكون لدى الصحفيين نوع من الحصانة)، طالبت النائبة لطيفة القعود بأن (تستأنس اللجنة ـ البرلمانية التي تدرس القانون ـ بآراء المنظمات الدولية… لا يسرنا أن نرى الصحافيين يجرجرون في المحاكم لأنهم عبروا عن رأيهم).
وفي مداخلة النائب السيد جميل كاظم جاء: (الصحافة التي نريدها هي صحافة تكشف الفساد، لا صحافة تتستر عليه. نحن مع صحافة حرة ونزيهة تمارس الرقابة من أوسع أبوابها، ومع صحافة مسئولة لا تقتات على الطائفية). وأشار النائب صلاح علي إلى أن (الصحافة كشفت عن أمور كانت خافية حتى على النواب، وقادت بعض المعلومات التي كشفتها إلى تشكيل لجان تحقيق نيابية اكتشف المجلس فيما بعد صحتها). وأيّد النائب عيسى أبوالفتح الرأي القائل بأنه (لا مشروع إصلاحي دون حرية رأي وتعبير، لذلك لابد من قانون يدعم الجسم الصحافي).. وأمسك النائب عبدالرحمن بومجيد العصا من الوسط فقال: (لا بد من وضع ضوابط ولكننا نرفض الحبس)؛ في حين لفت النائب محمد جميل الجمري إلى انه (لا يمكن أن يتفاعل الناس مع النواب أو مع أية قضية دون الصحافة… الدعوات التي تتجه إلى الحد من الحريات تحت أي عنوان تستهدف خنق كل أجواء الديمقراطية). وأخيراً أوضح النائب السيد عبدالله العالي أنه (ما لم تتسع مساحة حرية الصحافة، فلن تتطور وسائل الضبط والمساءلة والرقابة الحقيقية).
هذه هي الأجواء العامّة، عشيّة مناقشة مشروع قانون الصحافة في البحرين. وهي أجواء إيجابية حافلة بالآراء السديدة، والتطلّعات الحرّة غير المحدودة. نأمل أن تسفر عمّا قريب في إقرار قانون يقفز بالبحرين ديمقراطياً الى الأمام.
نظرة سريعة على نشأة قانون الصحافة في البحرين