أضوآء على مشروع قآنون التشويش الإلكتروني
تلجأ الدول المتطورة بلحظة منتقاة في الحروب الحديثة إلى استعمال التشويش الالكتروني لتحويل جميع الآليات الالكترونية الفعالة بلمسة واحدة إلى آلات جوفاء لا قيمة لها ،فتبطل عملها و تقضي على جميع الجهود التي بذلت لصنع هذه الآلات الالكترونية و تحول القائمين عليها إلى عناصر لا حول لهم ولا قوة، يقفون متفرجين على مصير آلاتهم التي فخروا بها يوما و أنجزوا من خلالها الكثير و تحولت في لحظة واحدة فقط إلى جثث هامدة تبدأ من لحظة الضغط على زر التشويش الالكتروني.
تبادر إلى ذهني فورا هذه المعلومات التي شاهدتها في برنامج علمي قديم نسبياً عن فنون القضاء على قوة الأعداء عندما وصل إلى يدي مشروع قانون معد بعناية ( ربما من أعده تابع مثلي ذلك البرنامج ) و قد سمي ذلك المشروع باسم غريب ( قانون التواصل مع العموم بواسطة الشبكة ) .
تفحصت بنود المشروع التي أوصاني من أعطاني إياها بالسرية المطلقة – التي لا أدري ما هو سببها – و قال لي: أُعطي هذا المشروع للصحفيين العاملين في المواقع الالكترونية مع توصية شديدة بسريته.
قلت له : هل يعقل أن يعطي أحد شيئا لصحفي و يوصيه بالسرية ، لا بد أنه غير جاد في طلبه أو يهزأ من الصحفي ، أو أن يكون لا علاقة له بطبيعة الصحفيين .
الملاحقة الجزائية و أثارها على الموقع :
1- إلغاء اعتماد الموقع :
بدأت بقراءة المشروع من الوجهة القانونية البحتة فوجدت في المادة 13 نصا يقول: أن اعتماد الموقع الالكتروني يلغى إذا صدر بحق الموقع حكمان جزائيان بسنة واحدة.
لاحظ التعبير المستعمل إذا صدر بحق الموقع .
مع العلم أن مشروع القانون حدد في نصوصه الأولى أن الأحكام الجزائية تصدر إما بحق صاحب الموقع أو مديره المسؤول أو رئيس التحرير أو كاتب النص.
أي تصدر بحق أشخاص طبيعيين من لحم ودم، و هذا الأمر منطقي لأنه لا يمكن إصدار قراراً بحبس شخص اعتباري غير موجود فعلياً على أرض الواقع.
أي بالعربي لا يمكن أن يصدر حكم جزائي بحق الموقع ، و لا يمكن القبض على الموقع ووضعه خلف القضبان.
وبالتالي فان نص هذه المادة الذي ورد فيه عبارة “إذا صدر بحق الموقع حكمان” غير وارد قانوناً ويتسبب بلبلة في تطبيق هذه المادة.
و الصحيح أن يحدد النص : إذا صدر حكمان جزائيان بحق فلان في الموقع كرئيس التحرير أو المدير المسؤول أو غيرهم ..و لكن بشكل محدد و واضح.
2- المسؤولية الجرمية تطال الجميع إذا ثبتت مساهمتهم في نص مخالف لأصول النشر :
جاء في المادة 28 من مشروع القانون: أن صاحب الموقع والمدير المسؤول ورئيس التحرير وكاتب النص جميعهم مسؤولون جزائياً إذا ثبت بحقهم عنصر المساهمة الجرمية.
أي إذا قام كاتب النص بإيراد نص ثبت مخالفته لأصول النشر فإن رئيس التحرير والمدير المسؤول في حال ثبت إطلاعهم على هذا النص قبل نشره و معرفتهم بمخالفته القانون فهم مساهمون في الجريمة .
والسؤال الذي يطرح هنا كيف يمكن إثبات إطلاعهم على النص قبل نشره ؟
ففي الصحافة الورقية لا يمكن نشر أي موضوع قبل توقيع رئيس التحرير عليه و اثبات علمهم سهل ، و لكن في الصحافة الالكترونية يمكن لأي كان ممن يملكون كلمات سر الموقع أو ممن لا يملكونها- كحالة النشر المباشر في المنتديات – أن يقوموا بالنشر فيه …و الإشكالية هنا كيف سيتم إثبات مساهمة رئيس التحرير و رفاقه بالجرم عبر علمهم المسبق بما نشر .الاثبات بالوسائل الخطية أم بالشهود أم بماذا ؟
فمثلا ما الذي يثبت ( أو لا يثبت ) العلاقة و العلم بين كاتب النص ورئيس التحرير ضمن الموقع. فهل يمكن لمتضرر أن يحضر شهوداً ليثبت أن رئيس التحرير مثلاً كان عالماً بما نشر. هذا الأمر مستحيل التطبيق فعلياً.
3- ملاحقة العاملين على الموقع بجرم إساءة استعمال السلطة :
جاء في المادة 34 : أن من يمتنع عن إجابة السلطة القضائية بسحب جزء مما نُشر لديه أو حجبه فيعاقب بجرم إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة وفقا لقانون العقوبات.
عندما رجعت إلى المواد من 349 حتى 367 في قانون العقوبات التي نصت على جرم إساءة استعمال السلطة
وجدتها جميعا تبدأ بعبارة كل موظف يرتكب كذا و كذا . أي أن إساءة استعمال السلطة و الإخلال بواجبات الوظيفة تتعلق بالموظفين لدى الدوائر الرسمية الحكومية حصراً.
وهذه المواد لا تنطبق بأي حال من الأحوال على المسؤول عن الموقع الالكتروني. فلا يمكن اعتبار المسؤول عن الموقع ( موظف حكومي ). و كان يجب على مشروع القانون أن ينص : يلاحق من يمتنع عن تنفيذ أوامر السلطة القضائية بجرم الامتناع عن تنفيذ قرار قضائي. و هو جرم آخر نص عليه قانون العقوبات .
شروط العمل في المواقع الالكترونية :
1- يمنع على رئيس التحرير و المدير المسؤول أن يكون موظفاً لدى جهة عامة :
جاء في المادة 16: يشترط في المدير المسؤول وكذلك رئيس التحرير ألا يجمعا بين عملهما في هذا الموقع ووظيفة عامة.
مع العلم أن الكثير من رؤساء تحرير المواقع الالكترونية موظفون في الصحافة الرسمية وهذا الأمر سيتعارض مع عملهم مما سيدعوهم فجأة إلى اعتزال العمل الصحفي الحكومي او اعتزال العمل الصحفي الالكتروني مما سيسبب بلبلة في كلا النوعين .
2- اشتراط شهادة خبرة صحافية :
اشترط مشروع القانون على رئيس التحرير أن يكون لديه خبرة لا تقل عن خمس سنوات في مجال الإعلام…. دون أن يحدد الجهة التي تعترف بهذه الخبرة.
وهنا يثار التساؤل من هي الجهة التي ستصدر شهادة الخبرة هذه .
فمن المعلوم أن العديد من رؤساء التحرير العاملين بالمواقع الالكترونية السورية يعملون منذ عدة سنوات بعيداً عن اتحاد الصحفيين وحققوا خبرة ممتازة لا تقل – وربما تزيد – عن خبرة الصحفيين المسجلين رسمياً.
فهل يحرم هؤلاء من اعتبارهم رؤساء تحرير لمجرد عدم وجود جهة محددة تعطيهم شهادة خبرة.
3- اشتراط تسجيل العاملين في اتحاد الصحفيين :
جاء في المادة 18: أن العاملين العاديون في المواقع الالكترونية يجب أن يكونوا مسجلين في اتحاد الصحفيين وكذلك الأمر بالنسبة للصحفيين المتمرنين والمراسلين.
ومن المعلوم أن أغلب ( إن لم نقل جميع ) العاملين في الصحافة الالكترونية غير مسجلين في إتحاد الصحفيين الذي يشترط شروطاً غير متوفرة في معظمهم مثل:
أن يكون لطالب الإنتساب للاتحاد عشرون مقالة منشورة في صحيفة ورقية رسمية في عام واحد، فهل يمكن اعتبار أن نشر عشرون مقال في موقع الكتروني أمراً كافياً بدلاً عن نشر عشرين مقال في جريدة ورقية.
وأن يكون طالب الانتساب حاصلاً على شهادة جامعية حصراً . وهذا الأمر صعب التحقق . خاصة أن الكثير من هؤلاء طلبة جامعيون، شباب صغار السن لم يحوزوا الشهادة الجامعية بعد.
علماً أن التطور الكبير الذي حصل في الصحافة الالكترونية قام على أكتافهم، وبالتالي سيحرم هؤلاء من العمل في المواقع الالكترونية مما سيؤثر سلباً وبشدة على أدائها و يجعلها تتعرض للشلل و انخفاض مستوى الأداء . لذلك يجب أن يكون هناك فترة انتقالية لمدة سنة أو سنتان بعد سريان القانون حتى يستطيع هؤلاء استكمال الإجراءات الشكلية لاعتبارهم صحفيين بموجب هذا القانون . علماً انه منذ سنوات لم يسجل اتحاد الصحفيين ( وفقا لمعلوماتي ) أحداً لديه.
شروط الإعلان في الموقع الالكتروني :
نصت المادة 22 من مشروع القانون على أنه : لا يجوز الإعلان في المواقع الالكترونية غير المعتمدة.
وجاء في المادة 37 : انه في حال ورد إعلان في موقع غير معتمد (غير مرخص) فيعاقب مقدم خدمة التواصل ( صاحب الموقع ) بالغرامة البالغة خمسة أضعاف أجر الإعلان المفروض تحصيله.
فإذا كان مقدم خدمة التواصل غير معتمد (أي غير مرخص ) أي أنه مجهول البيانات لدى وزارة الإعلام ( قد يكون حاملاً لاسم مستعار ) فكيف سيتم تحصيل الغرامة منه.
هذا الأمر مستحيل فعلياً و الأفضل تغريم (المعلن) الذي نشر الإعلان و هو شخص معروف من نشاطه التجاري .
المواد الجائز نشرها و تلك التي لا يجوز نشرها :
حاول مشروع القانون أن يحدد المواد المخالفة لأصول النشر فجاء فيه:
1- المادة 25 نصت : يحظر نشر معلومات غير صحيحة أو متناقضة.
هكذا جاء النص، والتساؤل الذي يطرح نفسه من هي الجهة التي ستحدد صحة المعلومات من خطأها أو تناسق المعلومات من تناقضها.. لم يذكر المشروع تلك الجهة . .
2- كما جاء فيه أيضا: يحظر نشر كل ما من شأنه التحريض على ارتكاب الجرائم.
والتساؤل الذي يثار هنا هل نشر أخبار الجرائم التي تنشر في صفحة الحوادث عادة يعتبر تحريضاً على ارتكاب الجرائم ؟
3- كما جاء فيه أيضا : يحظر نشر الإباحية المتعلقة بالقاصرين.
على الرغم من وجود فقرة سابقة في ذات المشروع تنص على منع نشر كل ما يتعرض للآداب والأخلاق العامة، وهذه الفقرة أشمل ولا داعي لتخصيص فقرة لمنع نشر الإباحية المتعلقة بالقاصرين . مما يوحي بأن الإباحية المتعلقة بالبالغين مسموحة بما أن المشروع لم يذكرها.
حقوق المتضررين من النشر :
1- عِلم الموقع بالنص المخالف وحذفه أو تعديله: جاء في المادة 26: يحق لأي متضرر إخبار الموقع بالمحتوى غير المشروع المنشور على الشبكة مع المطالبة بحذفه أو تعديله أو تصحيحه.
أي في حال نُشرت مادة فيها أمور غير مشروعة فمن تضرر منها يحق له إخبار الموقع بعدم مشروعية المادة و المطالبة بحذفها.
و لكن الإشكالية هي لم يحدد المشروع طريقة إخبار الموقع، و هذا الأمر له أهمية قانونية كبيرة لأنه في حال أنكر الموقع أن هناك من أخبره بالنص المخالف فلا يوجد من يلزمه بالتعديل أو الحذف.
فهل الإخبار يكون عبر كتاب رسمي موجه من خلال الكاتب بالعدل أو عن طريق البريد الالكتروني أو عن طريق الهاتف .
وما الذي سيثبت أن المسؤول عن الموقع قد تبلغ مادام أن مشروع القانون لم يحدد طريقة واضحة لإثبات الإخبار.
فقد ينكر المسؤول عن الموقع تلقيه مكالمة هاتفية أو تلقيه رسالة إلكترونية وهذا الغموض بالنص يجعله معيباً.
وعلى الرغم من أن إحدى فقرات المشروع رمت بهذا العبء على التعليمات التنفيذية التي تصدر عادة بعد صدور القانون، ولكن من المعروف قانوناً أن وسائل التبليغ وإثباته تأتي في متن القانون لا في تعليماته التنفيذية .
2- حق المتضرر في الرد على المادة المنشورة: أما المادة 27 المتعلقة بحقوق المتضرر في الرد على ما نشر بحقه فجاء فيها: إن المسؤول عن الموقع يجب عليه نشر الرد المرسل إليه من الجهات الحكومية خلال 24 ساعة من وصول الرد إليه . دون أن يحدد المشروع آلية إرسال الرد واثبات وصوله أيضا.
أما بالنسبة للرد المرسل من الأشخاص غير الحكوميين فجاء في نص المادة:
إن من جرى التعرض إليه تصريحاً أو تلميحاً فيحق له الرد.
والغريب في الأمر أن عبارة ( تلميحاً ) هي عبارة مطاطة لا يمكن حصرها، فإذا نشر الموقع مثلا خبراً مفاده (مسؤول محلي كبير ) يفعل كذا وكذا فهل يعتبر هذا تلميحاً لجميع المسؤولين المحليين .
وبالتالي يحق لهم جميعا نشر الردود.
أعتقد أن عبارة ( تلميحاً) غير موفقة و غير دقيقة و يمكن أن تسبب الغموض في تطبيق القانون.
3- تعقيب الموقع على رد المتضرر :
كما جاء في تلك المادة ما نصه: إن الرد أو التصحيح المرسل من المتضرر واجباً للنشر دون تعليق أو تعقيب يعطي حقا برد أو تصحيح جديد.
فقد جرت العادة في المواقع الالكترونية أن يقوم كاتب المقال في حال أرسل احدهم رداً على مقاله أن يقوم الكاتب بالتعقيب على الرد الذي جاء على مقاله بما يحقق فائدة إظهار الحقيقة للقراء.
وإن ما جاء في نص المادة بمنع كاتب المقال من إيراد تعليق أو تعقيب يعطي حقاً برد جديد.
فيه غموض كبير فالمفهوم من المادة أنه يجوز لكاتب المقال التعقيب ولكن يشترط في تعقيبه أن لا يكون التعقيب يوجب الرد.
فمن الذي سيحدد أي التعقيبات توجب الرد وأيها لا توجب الرد.
هذا الغموض سيوقع تنفيذ هذه الفقرة في مأزق دائم .
4- مدة نشر الرد و اللجوء للقضاء في حال لم يتم نشر الرد :
جاء في المشروع : في حال لم يقم المسؤول عن الموقع بنشر الرد بذات مدة نشر المقال الأصلي فيحق للمتضرر أن يتقدم إلى قاضي الأمور المستعجلة بطلب إلزام الموقع بنشر الرد أو التصحيح، وينظر القاضي بطلبه هذا في غرفة المذاكرة ، ويصدر قراره معللاً بصيغة النفاذ المعجل على أن ينشر القرار القضائي مع الرد خلال 24 ساعة من تبليغ المسؤول عن الموقع.
الحقيقة أن هذه الفقرة فيها إشكالات قانونية كثيرة ، إن قرار قاضي الأمور المستعجلة الصادر في غرفة المذاكرة هو أساساً في القانون يحمل صفة النفاذ المعجل سواء أكان معللاً بهذه الصفة أو لا على الرغم من أن دوائر التنفيذ حالياً تطالب بذكر ذلك صراحة في متن القرار .
ويجب لكي يصدر قاضي الأمور المستعجلة قراره القضائي، و يكون القرار قابلاً للتنفيذ، أن تكتمل الخصومة في الدعوى، فتكون هناك جلسة علنية وأن يصدر القرار بعد سماع أقوال الطرفين، ثم يتم استخراج القرار الصادر وفتح ملف تنفيذي في مديرية التنفيذ وتبليغ الأطراف، وانتظار خمسة أيام بعد التبليغ لكي يصدر القاضي رئيس التنفيذ قراراً بالتنفيذ.
وبالتالي إن ما جاء في مشروع القانون: أنه يتوجب على الموقع إدراج القرار القضائي بالرد خلال 24 ساعة من تبليغ مسؤول الموقع بالقرار القضائي مخالف لقانون أصول المحاكمات و أصول التنفيذ المدني وإجراءات التقاضي .
علماً أن مشروع القانون لم ينص على إجراءات تقاضي خاصة بهذا القانون .
عقوبة حجب الموقع :
جاء في المادة 29: أن الموقع يحجب حجبا كلياً أو جزئياً دائماً أو مؤقتاً في حالات معينة.
دون أن يذكر النص مدة الحجب المؤقت فهل هي( أسبوع، شهر ، سنة) علماً أن القواعد القانونية تقول : لا عقوبة إلا بنص. والحجب يعتبر عقوبة وترك مدته دون تحديد أمر غير وارد.
وجاء في تلك المادة أيضا أن الحجب يكون بموجب حكم قضائي (مستعجل) لقد سهى واضع المشروع عن ما أورده سابقا بأن الحكم المستعجل يجب أن يصدر معللا بالنفاذ المعجل ، ولا ادري لماذا أورد هذه الصيغة في مادة سابقا وسهي عنها في هذه المادة .
أما الجهة الثانية التي يجوز لها حجب الموقع وفقا لمشروع القانون فهي وزارة الإعلام المتمثلة بالسيد وزير الإعلام
فقد جاء في المشروع: انه يحق للوزير أن يصدر قرارا بالحجب في حال خالف الموقع التزاماته المالية و خالف شروط التعريف عن الموقع من جهة إبراز أسماء صاحب الموقع ومديره المسؤول ورئيس تحريره.
وهذه الفقرة لا غبار عليها .
ولكن الإشكالية تنشأ في الإضافة التي جاءت لتقول : يحق للوزير حجب الموقع بقرار في حال مخالفة الموقع لأي أحكام أخرى واردة بالقانون .
أي أن هذا المشروع ألغى دور القضاء بالنظر في تطبيق أحكام هذا القانون ونقلها بعبارة واحدة أوردها في مشروعه إلى السلطة التنفيذية المتمثلة بالسيد وزير الإعلام الذي يحق له حجب الموقع مباشرة بموجب أمر يعود تقديره إليه فقط.
أو ربما بموجب شكوى مقدمة من متضرر من إحدى المقالات إلى الوزير مباشرة.
وبذلك يكون اللجوء إلى السلطة القضائية التي تحقق العدالة والضمانة لجميع الأطراف.
خاصة أن قرارات قاضي البداية المستعجل بالحجب من عدمه يدققها ثلاثة قضاة في محكمة الاستئناف .
ويكون القرار قد مر على أربعة قضاة لضمان عدالته .
بهذه العبارة يكون وزير الإعلام قد اختصر جميع هؤلاء بقراره الفردي، مما يشكل تهميشاً صارخاً لدور السلطة القضائية و إبرازاً لدور السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية .
هذا الأمر يعارض مبادئ الإستقرار القانوني لان قرارات المحاكم تكون حجة على الجميع ففي حال تغيرت هيئة قضاة المحكمة لا تتغير عادة أحكام هذه المحكمة، أما في حال تغيير شخص الوزير فتتغير عادة قرارات الوزير الجديد مما يلغي مبدأ استقرار المعاملات و القواعد القانونية .
ملاحظات عامة:
1. سهى مشروع القانون عن تحديد مسؤولية من يكتب تعليقاً عن مادة منشورة سواء باسمه الصريح أو المستعار. فإذا كان تعليقا باسم مستعار كيف ستتم ملاحقة هذا الكاتب، وخاصة إذا كان يستعمل جهاز كمبيوتر و شبكة انترنت للعموم، و هل يطالب من يفعّل التعليقات بالحصول على صورة هوية من يكتب التعليق قبل التفعيل مثلا .
2. لم يحدد المشروع أساليب الحماية الفكرية للمواضيع المنشورة ففي حال قام موقع الكتروني بنشر مقالة دون الإشارة إلى مصدرها فما هي العقوبات المترتبة على ذلك.
3. لم يحدد المشروع مصير الدعاوى السابقة المرفوعة على المواقع الالكترونية والتي تحركت الدعوى العامة فيها بموجب قانون العقوبات العام بجرائم التشهير والقدح والذم ، أو بموجب قانون المطبوعات الذي لا يمكن تطبيقه على المواقع الالكترونية على اعتبار أنها صحف غير مطبوعة على الورق فما هو مصير هذه الدعاوى المقامة سابقاً بعد نفاذ قانون الإعلام الالكتروني المقترح .
4. يجب أن يلاحظ المشروع إحداث محاكم خاصةٍ بالنظر في دعاوي النشر سواء أكانت الصحف المطبوعة أو الالكترونية يكون فيها القضاة مطّلعين على أمور النشر وخاصة الإلكتروني منها، وتعيين خبراء في المحاكم مختصين بإعطاء الخبرات بهذا النوع من الدعاوي .
5. إن قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي سيطبق على الصحفيين وفقاً لمشروع هذا القانون يوجب عليهم حضور جميع جلسات المحاكم التي تستغرق عادة عدة ساعات أثناء الدوام الرسمي، وهذا الأمر يشكل عائقاً كبيراً أمام الصحفيين لأنهم سيضطرون إلى إمضاء أيامهم في أروقة المحاكم.
علماً أن المدعي الذي رفع الدعوى على الصحفي لا يحضر الجلسات بل يحضرها محاميه فقط، وبذلك تكون تلك وسيلة كيدية لمواجهة الصحفيين برفع دعاوى عليهم وإجبارهم على تمضية الوقت في أروقة المحاكم ، و حتى في حال لم يصدر قرار ضدهم فيكون هذا الحضور وإضاعة الوقت عقوبة بحد ذاتها .
يفترض في مشروع القانون أن يستثني الصحفيين المدعى عليهم من وجوب حضور جميع الجلسات والاكتفاء بحضور المحامي الموكل عنهم لأنهم ليسوا مجرمين يخشى من تواريهم عن وجه العدالة.
فعندما كتبوا ما كتبوه قاموا بذلك علانية و بأسمائهم الصريحة و من مواقعهم المعروفة و لم يعملوا في الظلام و خفية عن الأنظار .
6. قد يتعرض الصحفي إلى إدعاء كيدي يودي به إلى التوقيف الفجائي من قبل عناصر الشرطة دون أن يتسنى له الدفاع عن حقوقه قبل توقيفه. لهذا السبب وأسوة بنقابة المحامين كان يُفترض بمشروع القانون إشتراط الإبلاغ والحصول على إذن اتحاد الصحفيين قبل قيام الشرطة بتوقيف الصحفي بما يحقق شيء من الحصانة التي تمنع التوقيف الكيدي .
في الختام أقول إن القوانين توضع لضمان حقوق جميع الأطراف و لا توضع بمواجهة طرف واحد .
و أتساءل ما هي الحقوق التي ضمنها هذا المشروع للعاملين في الإعلام الالكتروني فمن الواضح أن جميع بنوده تبتدئ بعبارات: يحظر على ، و يجب على، و يمنع من . فأين هي عبارات : يحق ل .
أعتقد أن هذا المشروع بحاجة إلى المزيد من الدراسة من رجال القانون ومن المختصين بمجال شبكة الانترنت.
و بحاجة لسماع مقترحات من خاضوا معترك العمل الصحفي الإلكتروني، و أثبتوا وجودهم ووطنيتهم و كان لهم دور كبير في المفاصل الهامة كدورهم الوطني في حرب تموز ، و دورهم في مكافحة الجريمة و حض رجال الشرطة على سرعة التعامل معها و مكافحة الفساد و فضح الفاسدين .
إن الأخذ برأي هؤلاء ربما يؤدي إلى تلافي الثغرات الكثيرة الواردة في مشروع القانون بما فيه الخير للجميع .
أضواء قانونية حول مشروع قانون التشويش الإلكتروني