الطبيعة القانونية لحصانة عضو البرلمان – الدستور العراقي

المحامية: منال داود العكيدي
نصت المادة ( 63/ الفقرة ثانيا / أ ) من الدستور العراقي النافذ على انه: (يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك) وهذا يعني ان العضو في مجلس النواب لايسأل عن التصرفات القولية التي يبديها اثناء المناقشات التي تحدث خلال عقد جلسات البرلمان ولا يمكن ملاحقته قضائيا من قبل اي شخص او اية جهة ويطلق على هذا النوع من الحصانة (الحصانة الموضوعية) والحكمة من هذا النص هو ضمان استقلال النائب وعدم خضوعه الى اية جهة او تعرضه الى اية ضغوطات التي قد تمارسها السلطات العامة الاخرى.

لان النائب يمثل الشعب لذلك فان الحصانة البرلمانية عندما تمنح للنائب فانها لاتمنح له شخصيا وانما تمنح باعتبارها امتيازا للوظيفة ولذلك فانه لا يجوز التنازل عنها.

ففي حالة قيام النائب بارتكاب جريمة السب والقذف فان هذا الفعل يعتبر مباحا وتسقط عنه التهمة لانه يتمتع بالحصانة الموضوعية مع انه بنظر قانون العقوبات ان واقعة السب والقذف تعتبر فعلا غير مشروع وجريمة ومدة الحصانة هنا تمتد على طول الدورة الانتخابية اي لاربع سنوات، وبالرغم من ذلك واستنادا الى النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي فان هناك اجراءات ولو انها تعتبر بسيطة وغير رادعة الا ان النواب اتفقوا في نظامهم الداخلي على اتخاذها ضد كل نائب يقوم بالاخلال بالنظام العام والاحترام الواجب في الجلسة البرلمانية لان عدم التزام النائب بما يتوجب عليه الاحترام والالتزام بما يفرضه النظام العام يؤدي الى التعدي على فرص النواب في بيان ارائهم وحرمانهم من اخذ دورهم في المناقشات، وتتخذ الاجراءات ضد اي عضو مخالف بتوقيع من رئيس الجلسة وهي بمثابة لفت نظر النائب او تنبيهه الى ضرورة الالتزام باداب الجلسة والنظام الداخلي للمجلس او القيام بحذف جزء من كلامه او حرمانه من حضور جلسات المجلس لمدة محددة المواد(42/اولا و43و44و45و46و140و139) من النظام الداخلي.

و هناك نوع اخر من الحصانة الممنوحة لعضو البرلمان العراقي وهي الحصانة الاجرائية وذلك استنادا الى المادة ( 63 / الفقرة ثانيا / ب وج ) التي تنص على انه: (لا يجوز القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي، إلا إذا كان متهماً بجناية ، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.

ج ـ لا يجوز إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، او اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية)، وهذا يعني انه لا يجوز القيام بتنفيذ اي اجراء قضائي ضد النائب خلال مدة الدورة الانتخابية والتي تمتد لاربع سنوات تقويمية تبدا من الجلسة الاولى للبرلمان وتنتهي بنهاية السنة الرابعة ولكن هذا النص ليس مطلقا اذ يرد استثناء عليه وذلك في حالة صدور قرار من مجلس النواب باسقاط الحصانة عن النائب وكذلك هناك حالة اخرى وهي حالة اسقاط الحصانة البرلمانية عن النائب اذا كان متلبسا بجريمة مشهودة حيث يمكن القاء القبض عليه وتنفيذ الاجراءات الجنائية الاخرى والجريمة المشهودة استنادا الى قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971( المادة 1 / الفقرة ب)هي: (تكون الجريمة مشهودة اذا شوهدت حال ارتكابها او عقب ارتكابها ببرهة بسيرة او اذا تبع المجني عليه مرتكبها اثر وقعها او تبعه الجمهور مع الصياح او اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا الات او اسلحة او امتعة او اوراقا او اشياء اخرى يستدل منها على انه فاعل او شريك فيها او اذا وجدت به في ذلك الوقت اثار او علامات تدل على ذلك).

وهنا اي في حالة الجريمة المشهودة فانه لا يتطلب موافقة اعضاء البرلمان او موافقة رئيس البرلمان وسواء تم القاء القبض على النائب خلال الفصل التشريعي ام خارجه .

وفي غير هذه الحالة اي حالة الجريمة المشهودة واستنادا الى المادة 63 من الدستور العراقي النافذ فان رفع الحصانة البرلمانية عن عضو مجلس النواب العراقي يتطلب الحصول على موافقة الاغلبية المطلقة لاعضاء مجلس النواب خلال الفصل التشريعي ( وهي الفترة الزمنية التي ينعقد فيها مجلس النواب)، ولكن اذا تم تقديم طلب رفع الحصانة عن النائب خلال فترة تعطيل البرلمان اي في الفترة التي تلي الفصل التشريعي فان الدستور حصر صلاحية رفع الحصانة البرلمانية الى رئيس مجلس النواب استنادا الى المادة (63 / الفقرة ثانيا / ج): (لا يجوز القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي، الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة الاعضاء بالاغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، او اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية- لا يجوز القاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية) ..

ومن الجدير بالذكر ان الحصانة البرلمانية الاجرائية لا تشمل الاجراءات المدنية مثل التعويض او المطالبة بالتخلية وغيرها اذ يجوز اقامة دعاوى مدنية امام محاكم البداءة ضد النائب مثل اي شخص عادي وكذلك من الممكن تسديد المبالغ المترتبة في ذمة النائب نتيجة المخالفات المرورية عدا تلك المخالفات التي تتضمن عقوبة الحبس.

وينبغي التمييز بين الحصانة الموضوعية وهي التي تتعلق بالتصرفات القولية اثناء مناقشات البرلمان وهي اي الحصانة الموضوعية تعد بمثابة اسقاط التهمة عن عضو البرلمان عن اي اراء يبديها داخل قبة البرلمان اثناء المناقشات اي انها سبب من اسباب الاباحة، اما الحصانة الاجرائية التي تتعلق بتوجيه التهمة الى النائب لارتكابه جرائم فتندرج تحت نص من نصوص قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 او قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 النافذ وغيرها من القوانين العقابية الاخرى فهي ليست حصانة مسقطة للتهمة وانما هي حصانة مؤقتة وتنهى بحالتين الاولى : قيام مجلس النواب برفعها بالاغلبية المطلقة على حسب التفصيل الوارد في اعلاه او انها تسقط بانتهاء الدورة الانتخابية التي مدتها اربع سنوات وعند ذاك فان عضو البرلمان العراقي السابق يخضع للمساءلة وتتخذ بحقه كل الاجراءات حسب القوانين النافذة كاي شخص عادي علما ان القانون الجنائي العراقي لا ياخذ بالتقادم اي ان التهمة تبقى قائمة حتى يتم القاء القبض على النائب وتقديمه للعدالة وصدور حكم بات بحقه او موته وفقا للمادة 304 من قانون اصول المحاكمات الجزائية او ان الدعوى تنتهي بصدور عفو وفقا لاحكام المادة 305 الاصولية والثانية هي حالة القاء القبض عليه بالجرم المشهود.

وعلى الرغم من ان الحصانة البرلمانية تعد اخلالا بالمبدا الدستوري القاضي بمساواة المواطنين امام القانون والمنصوص عليه في المادة 14 من الدستور العراقي النافذ الا انها من ناحية اخرى لم تنمح للنائب بصفته الشخصية وانما هي مقررة لمصلحة المجتمع ولضمان استقلالية النائب لذلك فهي ليس امتيازا شخصيا وانما هي امتياز وظيفي يزول بزوالها، اما المساواة بين اعضاء البرلمان انفسهم فهي موجودة ومتحققة اذ انهم جميعا يتمتعون بالحصانة البرلمانية والتي تعتبر من النظام العام ولايجوز التنازل عنها كما اسلفت ولا يتم اسقاطها الا بتحقق الشروط السالفة الذكر .

الطبيعة القانونية لحصانة عضو البرلمان – الدستور العراقي