مقال عن: نقابة محامي المغرب وتحديات المرحلة

انطلق العد العكسي لعقد المؤتمر الوطني الثاني لنقابة المحامين بالمغرب يومي 13 و14 دجنبر 2019 بفاس ، تحث شعار:
“ من أجل تشريع مهني يضمن استقلالية المحاماة وحصانة الدفاع ”.

ولعل هذه المحطة تعتبر فرصة للتأمل في واقع النقابة ، ومناسبة سانحة للتداول بشأن التصور العام الناظم لأدائها ، وكذا تعميق النظر في آليات العمل المشترك مع باقي الإطارات المهنية ، خصوصا وأن المؤتمر ينعقد في ظل تحديات كبرى وجوهرية مرتبطة بالتحولات العميقة التي تعرفها منظومة العدالة ببلادنا ، مع ما يعنيه ذلك من حاجة ملحة إلى إطارات مهنية قادرة على تدبير المرحلة بما يخدم مصالح المحامين،و يعزز مكانة مهنة المحاماة في المجتمع.

إن المؤتمر الوطني الثاني للنقابة ينعقد ومهنة المحاماة في تدهور مستمر ، وأضحت تفقد تدريجيا تلك الهالة التي كانت تتمتع بها ، و ذلك الدور المركزي الذي كانت تستأثر به في صلب الحركة الحقوقية المغربية ، كما أنها لم تعد مصدرا للثراء و للمركز الاجتماعي الرفيع ، بالنظر إلى التزايد السريع والمضطرد لعدد الملتحقين بالمهنة جراء الإصرار على الاستمرار في اعتماد نظام الامتحان بدل نظام المباراة ، ودون أن يواكب ذلك أي منحى تشريعي هادف إلى توسيع مجالات عمل المحامين ، وبالتالي عدم جعلها مقصورة على الدور التقليدي المرتبط بمهام الاستشارة و الدفاع أمام المحاكم في القضايا ذات المسطرة الكتابية ، و كذا استمرار الإصرار على إعفاء الدولة و الإدارات العمومية من الاستعانة بخدمات المحامي كيفما كانت نوعية القضايا التي تعتبر طرفا فيها .

إن تأسيس نقابة المحامين بالمغرب،وكما أعلن عن ذلك بيان التأسيس ، كان تعبيرا عن تبلور وعي المحامين بضرورة الحاجة إلى إطار نقابي ، يساهمون من خلاله برأيهم في كل ما يهم ظروف ممارستهم المهنية، ويؤطرون من خلاله المفاوضات الضرورية لتحقيق الغايات التي يسعون إلى بلوغها : عموديا لتمكين المحامين بمختلف وضعياتهم ( رسميين ومتمرنين ) ، وأعمارهم ( شبابا و كهولا ) من التواصل ، وأفقيا ليشمل التواصل كل المحامين المغاربة العاملين في الداخل والخارج، وفي الدول الأجنبية من أجل التواصل و تبادل الخبرات.

لقد كان ميلاد نقابة المحامين بالمغرب تعبيرا عن إرادة راسخة للدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للمحامين ، وخلق جو من التضامن المهني فيما بينهم ، و المطالبة بتوسيع مجال عمل المحامين ، والدفاع عن حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ، وعن استقلال القضاء و المحاماة ، فضلا عن القيام بعمل تحسيسي وسط المجتمع لنشر الثقافة القانونية وتوعية المواطنين بدور المحامي في المجتمع، وهو ما أكد بالملموس أن النقابة ، شأنها في ذلك شأن باقي نقابات المحامين في العالم ،قد تمثلت مبكرا الوعي بالحاجة الموضوعية لوجودها المرتبط أساسا بالدفاع عن مهنة مستقلة وحرة وفي صلب معركة الدفاع عن الحقوق و الحريات الأساسية .

إن نقابة المحامين بالمغرب التي رأت النور بتاريخ 02 يناير 2010 ،لازالت إطارا فتيا يتلمس طريقه ببطيء و بتباث أيضا ، خاصة بعد النجاح في تجاوز دهشة التأسيس ، و ما رافقها داخل الجسم المهني من انفعال قوي و رجة شديدة وذهول غير مألوف ، بالرغم من تأكيد الورقة التأسيسية على أن النقابة ليست بديلا عن الهيئات ، وليس من ضمن أهدافها سلب مجالس الهيئات صلاحياتها المسندة لها بمقتضى القانون ، و هو السجال الذي لم يطرح في فرنسا بنفس الحدة (رغم الإقرار باختلاف سياقات التأسيس)، حيث انخرطت نقابة المحامين بفرنسا مبكرا في الدينامية المهنية الداخلية ، وذلك عبر المشاركة في أنشطة الهيئات ، أو في مبادرات المجلس الوطني للهيئات ، ، كما ساهمت نقابة المحامين بفرنسا في تأطير العديد من النقاشات
المرتبطة بتحديات مهنة المحاماة من خلال مجلة النقابة التي تصدر ثلاث مرات في السنة وتوزع على جميع المحامين بفرنسا ، باعتبارها فضاء للتفكير والسجال بشأن القضايا ذات الصلة بالمهنة ، كما بادرت نقابة المحامين بفرنسا إلى خلق دينامية على صعيد الفضاء الأوربي من خلال إطار المحامين الأوروبيين الديمقراطيين ،وعلى الصعيد الدولي عبر تنظيم حملات للتضامن مع محامين غير أوربيين تعرضوا للمضايقة والاعتقال في بلدانهم كما هو الشأن في كولومبيا و باكستان و كشمير…

إن سياق تنظيم المؤتمر الثاني للنقابة مختلف تماما عن سياق انعقاد المؤتمر التأسيسي ، باعتبار سياق دستور فاتح يوليوز2011 ، المميز بنفسه الحقوقي البارز، وبدسترة استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وبالتالي إقرار التحول من مفهوم القضاء كجهاز وكوظيفة إلى مفهوم القضاء كسلطة ، وهو ما يطرح ملحاحية استحضار روح ومضمون الدستور ، حيث أكد تصديره على تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، وجعل الاتفاقيات الدولية المصادق عليها تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ، والعمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة ، كما نص الفصل الأول من الدستور على الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة كمقوميين للنظام الدستوري المغربي إلى جانب الديمقراطية المواطنة والتشاركية وفصل السلط وتوازنها وتعاونها ، وكذا ما نص عليه الفصل 19 من سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء .

كما يأتي تنظيم هذا المؤتمر ، بعد مرور ما يزيد عن عقد من الزمن على صدور القانون رقم 08.28 المنظم لمهنة المحاماة ، وبعد مرور ست سنوات على صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة ، الذي كانت نقابة المحامين بالمغرب عضوا في هيئة إدارة الحوار الوطني بشأنه ، ورفعت لهيئته العليا مقترحا شاملا حول تصورها للقانون المنظم للمهنة.

إن المؤتمر سيشكل كذلك لامحالة فرصة لرصد واقع مهنة المحاماة بجميع تجلياته ، والوقوف على خصوصيات الممارسة المهنية وطنيا و دوليا ، وكيفية انعكاس ذلك على مزاولة المهنة ، بهدف التفكير في التصورات البديلة واليات إدراجها في النصوص المنظمة للمهنة مستقبلا ، وكذا اقتراح الوسائل التي قد تساعد على تغيير هذا الواقع الموسوم بنشوء أوضاع و علاقات جديدة تتطلب ملاحقتها من طرف المشرع بالتنظيم و الضبط وإقرار القواعد القانونية الملائمة ، و مواكبتها من طرف الإطارات المهنية للمحامين بالفهم والتمحيص والمعرفة و النقد و إبداء الرأي ، و الانخراط الفعلي و الايجابي في صيرورة التحولات العميقة الناجمة عن انعكاسات العولمة و تأثيرات الرقمنة ، كما سيشكل المؤتمر في نفس الوقت لحظة للتفكير و التحليل و التقييم و الاستشراف ، ذلك أنه بقدر ما سينصب على دراسة واقع الممارسة المهنية في ضوء قانون المحاماة الحالي ، سيشهد المؤتمر بسط تصور نقابة المحامين بالمغرب بشان تعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة ، والمرتكز في مجمله على المطالب المهنية للمحامين من خلال مؤتمراتهم و مناظراتهم و ندواتهم المختلفة ، وعلى مبادئ الديمقراطية التشاركية ، والمبادئ الكونية للمساواة بين الجنسين المبنية على مقاربة النوع الاجتماعي ، وكذا المعايير الدولية المؤطرة لمهنة المحاماة ، و خاصة منها المبادئ الأساسية بشان دور المحامين المعتمدة من طرف مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد بهافانا من 27 غشت إلى 07 شتنبر 1990 ، وكذا وثيقة المبادئ الأساسية لمهنة المحاماة المصادق عليها خلال المؤتمر 62 للاتحاد الدولي للمحامين المنعقد ببورتو بتاريخ 30 أكتوبر 2018.

كما تعتبر هذه المحطة التنظيمية فرصة لتبادل وجهات النظر ، وفتح أوراش للنقاش الفكري ، و تبادل الأفكار والآراء ، وتحديد الأولويات ، و تشخيص الوضع التنظيمي ، وتحديد الاختلالات التي صاحبت أداء النقابة ، و تحديد المواقف من العديد من القضايا ذات الصلة بالشأن المهني من قبيل :
مشروع قانون المسطرة المدنية ، ومشروع قانون المسطرة الجنائية ،ومشروع القانون المنظم للنقابات المهنية ، ومشروع المرسوم المتعلق بإحداث المعهد الوطني للمحاماة ، وإعداد تصور بشأن تطبيق القانون رقم 15.98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين و العمال المستقلين و الأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا ، وكذا القانون رقم 15.99 المتعلق بإحداث نظام للمعاشات لفائدة نفس الفئات ، فضلا عن اكراهات الملف الضريبي … وغيرها من المواضيع المرتبطة بخيارات الدولة والتوجهات الكبرى للسياسات العمومية في ميدان العدالة ، مما يفرض إعادة التفكير في التصور والخيارات الإستراتيجية والخط النضالي للنقابة ، وكذا تحيين الملف المطلبي بما يجعله متلائما مع مستجدات الوضع المهني وقادرا على الاستجابة لتحديات المرحلة ، و التفاعل بشكل ايجابي مع المطالب المادية و المعنوية لعموم المحامين .

انطلاقا مما سلف بسطه يمكن التأكيد على القناعة الراسخة ، و الإيمان العميق ، بالحاجة الموضوعية، وسط الجسم المهني ، لنقابة المحامين بالمغرب ، مع التأكيد على ضرورة الحاجة إلى مد جسور التعاون والتشاور والتفاعل مع باقي الإطارات المهنية الأخرى من أجل الانخراط في تفكير جماعي وإزاء مهنة المحاماة ، وبناء تصورات منسجمة تؤطر المرحلة القادمة ، و تحدد طبيعة التحديات المهنية الراهنة ، وترسم الأفق النضالي الذي تستوجبه.

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

مقال عن: نقابة محامي المغرب وتحديات المرحلة