أي دورللأجهزة الجمركية (اللجن الاستشارية في الجمرك ) في الحد من المنازعات الجمركية ؟

يعتبر الميدان الجمركي بمثابة أرضية خصبة لوقوع العديد من النزاعات التي تكون ناتجة في غالب الأحيان عن مباشرة الادارة الجمركية لأحد المهام الأصلية والخطيرة التي خول لها المشرع النهوض بها والمتمثلة بالأساس في محاربة التهرب من الضريبة الجمركية والتنصل من الموانع والقيود الجمركية ، بحيث تتولد عن هذه المهمة عدة نزاعات بين الادارة الجمركية والأشخاص المعنيين ، تدعى بالمنازعات الجمركية .

واذا كان مفهوم المنازعات الجمركية ينصرف الى كونه مجموعة من النزاعات الناشئة بفعل تطبيق وتنزيل وتفسير المقتضيات القانونية والتنظيمية الخاصة بادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، فانها بالمقابل تبقى من النزاعات التي تتسم بطابع الخصوصية بفعل الازدواجية التي تطبعها بحيث تحمل في طياتها نوعين من النزاعات : نزاعات مدنية وأخرى جنائية .

وكاستجابة للعديد من الاعتبارات سواء الاقتصادية منها والمتمثلة بالأساس في حماية المنتجات الوطنية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار وغيرها ، عمل المشرع المغربي على منح الادارة الجمركية عدة خيارات من أجل حل النزاعات القائمة بينها وبين المخالفين للأنظمة والقوانين الجمركية ، وذلك عبر اللجوء الى تسوية ودية بعيدة كل البعد عن خيار التسوية القضائية ، سواء من خلال اللجوء الى اعمال ألية الصلح كاحدى الطرق البديلة لحل النزاعات الجمركية والتي تجد سندها القانوني في مقتضيات الفصل 273 من مدونة الجمارك .

هذا ولم يكن تدخل المشرع في مادة المنازعات الجمركية قاصرا فقط على ألية الصلح كبديل عن التسوية القضائية ، بل اتجه نحو اقرار أليات تشاورية تعمل على ضمان تسوية جدية وودية للنزاعات المرتبطة بالمادة الجمركية ، وذلك من خلال احداثه للجن يكون هدفها الأساسي التشاور وابداء الرأي بخصوص هذا النوع من النزاعات ، وهذه اللجن على درجتين : لجنة محلية للتشاور يتم احداثها على مستوى كل مديرية جهوية للجمارك ، ولجنة ثانية تدعى باللجنة الاستشارية والطعن يتم احداثها تحت سلطة الوزير المكلف بالمالية .

وتبرز أهمية هذا الموضوع في كونه من المواضيع التي لازالت الى يومنا هذا تشكل غموضا لدى العامة والخاصة ، بل وحتى لدى المشتغلين بالقانون بفعل ندرة الدراسات والأبحاث التي لم يكتب لها بعد أن تأخد هذه العينة مجالا للبحث والدراسة ، خصوصا وأن المتمعن في النصوص المؤطرة لدور هذه اللجن سيقف عند بؤر التقارب بينها وبين احدى المحطات الأساسية التي قد يكتب لمسلسل النزاع الضريبي المرور منها ، ألا وهي نظيرتها في مجال تسوية المنازعات الضريبية اللجن الضريبية بنوعيها المحلي والوطني .

ومن خلال ملامستنا لأهمية الموضوع ، تبرز لنا عناصر الاشكالية التالية :

الى أي مدى تمكن المشرع المغربي من ضمان أرضية ملائمة لتسوية المنازعات الجمركية وذلك من خلال تنظيمه للأجهزة الجمركية (اللجن المحلية والاستشارية والطعن ) كاحدى المحطات الأساسية التي يمر منها مسلسل النزاع الجمركي ؟
وللاجابة عن هذه الاشكالية ، ارتأينا تقسيم موضوعنا هذا على الشكل التالي :

أولا : اللجنة المحلية للتشاور ودورها في حل المنازعات الجمركية

ثانيا : اللجنة الاستشارية والطعن ودورها في حل المنازعات الجمركية

أولا : اللجنة المحلية للتشاور ودورها في حل المنازعات الجمركية

تلعب اللجان الاستشارية دورا أساسيا في فض العديد من النزاعات الجمركية ، باعتبارها كاحدى أهم الأجهزة المحدثة بموجب الفصلين 22 المكرر و 22 المكرر مرتين من مدونة الجمارك ، قبل أن يليها صدور القرار الوزيري المحدد لشروط اللجوء وتسيير اللجان الاستشارية في الجمرك الذي أتى ليقرر في أولى مواده صلاحيات اللجان الاستشارية في الجمرك بحيث حددها على الخصوص في المواد الجمركية التالية :

– القيمة في الجمرك . – دراسة صلاحية و/أو صحة الوثائق المقدمة .

– الصنف . – دراسة النتائج المتناقضة للفحوصات المنجزة على البضائع.

– أصل البضائع . – تقدير النقصان و الزيادة بالمقارنة مع العناصر الكمية الملاحظة.

وتعتبر اللجنة المحلية للتشاور احدى هذه الأجهزة المنوط بها مهمة التشاور وابداء الرأي بخصوص النزاعات المرتبطة بالمادة الجمركية ، الأمر الذي يقتضي منا التطرق لكيفية تشكيلها (أ ) والمسطرة المتبعة أمامها (ب).

أ : تكوين اللجنة المحلية للتشاور

تعتبر اللجنة المحلية من بين الخيارات الأساسية وكذا الأجهزة التي منحها المشرع الجمركي بالنسبة للادارة من أجل تسوية النزاعات الجمركية ، بحيث وبرجوعنا الى الفصل 22 المكررالذي أتى تحت لواء القسم الرابع من الباب الرابع من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة معنونا “باللجان الاستشارية في الجمرك” ، نجد المشرع قد نص على أنه ” تحدث على مستوى كل مديرية جهوية للجمارك ، أو عند الاقتضاء على مستوى المقاطعة الجمركية ، لجنة للتشاور يعهد اليها بابداء الرأي حول النزاعات المتعلقة بالمادة الجمركية .”

يستفاذ من خلال قراءة مقتضيات الفصل أعلاه ، أن المشرع المغربي قد اتجه في ظل مدونة الجمارك نحو احداث جهاز أساسي يدعى بلجنة التشاور قصدابداء الأراء بخصوص النزاعات الجمركية ، وذلك اما على مستوى كل مديرية جهوية للجمارك أو في حالة الضرورة عند يتم احداثها على مستوى المقاطعة الجمركية .

ويأتي في رئاسة هذه اللجنة المدير الجهوي للجمارك أو عند الاقتضاء رئيس المقاطعة الجمركية ، وتتكون من ممثل عن القطاع المكلف بالمورد وممثل عن المجموعة المهنية المعنية والأمر بالصرف المختص محليا وكذا الفاعل الاقتصادي المعني بالأمر أو من ينوب عنه .

وفيما يخص ممثل المجموعة المهنية فيتم تعيينه من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالمورد وذلك باقتراح من المجموعة المهنية المذكورة .

ب : الاجراءات المسطرية

تمر اللجنة المحلية للتشاور باعتبارها من بين الأليات التشريعية المخولة للادراة الجمركية ، عبر اجراءات مسطرية ليست بالمعقدة ، وهذا مايظهر جليا من خلال تتبع مراحلها الأتية :

يتم افتتاح اجراءات هذه المسطرة أو اللجوء الى اللجنة من قبل الفاعل الاقتصادي المعني بالأمر أو من قبل المصرح داخل أجل 60 يوما ابتداء من تاريخ تسجيل التصريح الجمركي أو القضية موضوع النزاع أو من تاريخ صدور مقرر الإدارة المتخذ على إثر طعن إداري : استعطافي أو رئاسي .
وبعد ذلك تعقد اللجنة المحلية للتشاور اجتماعاتها بمبادرة من رئيسها ، وقد حدد المشرع الأجل الذي يحق للجنة أن تعقد فيه اجتماعاتها وذلك كل 15 يوما أو كلما دعت الضرورة الى ذلك ، دون أن ننسى بالذكر أن صدور القرار الوزيري قد منح لرئيس اللجنة بموجب الفقرة الثانية من المادة الثانية منه صلاحية تحديد تاريخ وجدول أعمال الاجتماع .

وبعد الخوض في الاجراءات المسطرية من قبل اللجنة ، يحق لرئيسها وعند الضرورة اما بمبادرة منه أو بطلب من طرف الفاعل الاقتصادي المعني بالأمر ، دعوة أي شخص من أجل ذي خبرة من أجل الادلاء بافادة تقنية في الموضوع .

أضف الى ذلك ، وكما جاء في نص الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القرار الوزيري أنه ” توقع ورقة الحضور من طرف الأعضاء المشاركين في أعمال اللجنة وكذا من طرف الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه وكل رفض لتوقيع هذه الورقة يدون بمحضر الاجتماع “.

ليأتي بعد ذلك دور الادارة من أجل البث في الحالات المعروضة على أنظار اللجنة المحلية في ظرف 15 يوما الموالية لتاريخ الاجتماع الذي تم خلاله التعبير عن رأي اللجنة المذكورة .

وتنبغي الاشارة هنا الى ملاحظة غاية في الأهمية ، مفادها أن الوقوف عند الجانب التشكيلي لعمل هذه اللجنة وكذا المسطرة المتبعة أمامها يبيح ببعض القصور التي تعتري النص القانوني المنظم لها ، لا سواء من ناحية مأل الرأي الذي تبديه اللجنة المذكورة بخصوص النزاع المحال عليها من طرف الفاعل الاقتصادي المعني بالأمر، خصوصا وأن النص القانوني هنا لا يسعفنا في فهم مدى امكانية استعانة الادارة الجمركية بالرأي المعبر عنه من قبل اللجنة أثناء بثها في الحالات التي كانت محل رأي واستشارة اللجنة المحلية .

ليكون بذلك ماأعطاه المشرع بيده اليمنى قد سحبه بيده اليسرى ، أتى وخول للفاعل الاقتصادي المعني بالأمر أو المصرح لوحده امكانية اللجوء الى رأي واستشارة اللجنة المحلية ، لكن بالمقابل أعطى للادارة صلاحية البث في الحالات التي كانت محل استشارة من قبل اللجنة دون الافصاح عن مدى امكانية التزام الادارة بالرأي المعبر من قبل اللجنة .

ثانيا : اللجنة الاستشارية والطعن ودورها في حل المنازعات الجمركية

تعتبر اللجنة الاستشارية والطعن بالاضافة الى كونها من الأجهزة التشريعية المخولة للادارة من أجل النظر في النزاعات المرتبطة بالمادة الجمركية ، بمثابة جهة استئنافية فيما يخص الحالات التي تم النظر فيها من طرف اللجان المحلية للاستشارة عندما تتعلق هذه الحالات بمبادئ أساسية .

وللاحاطة بدور هذه اللجنة يقتضي منا الأمر ، التطرق الى كيفية تشكيلها من جهة (أ) وكذا المسطرة المتبعة أمامها من جهة أخرى (ب).

أ : كيفية تشكيل اللجنة الاستشارية والطعن

على خلاف اللجنة المحلية للتشاور، يتم احداث اللجنة الاستشارية والطعن خصوصا بعد صدورالقرارالوزيري المحدد لشروط اللجوء وتسيير اللجان الاستشارية في الجمرك تحت رئاسة مدير إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أو ممثله المعين لهذا الخصوص ، وذلك بهذف النظر في النزاعات المرتبطة بالمادة الجمركية وكذا الطعن في الحالات التي تم النظر فيها أمام اللجنة المحلية للتشاور ، بعبارة أخرى اللجنة الاستشارية والطعن تضطلع باختصاصين أساسين هما :

– النظر والتشاور بخصوص النزاعات المرتبطة بالمادة الجمركية .

– النظر كجهة استئنافية في الحالات التي تم البث فيها من قبل اللجنة المحلية للتشاور.

وفيما يخص تشكيلة اللجنة ، فيترأسها مدير إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أو ممثله المعين لهذا الخصوص وتتكون من تمثيلية ليست ببعيدة عن تشكيلة اللجنة المحلية ، وذلك من ممثلين عن القطاعات الوزارية المختصة وممثل عن المجموعات المهنية المعنية وكذا الفاعل الاقتصادي المعني بالأمر أو من ينوب عنه .

أما فيما يخص تعيين ممثلو المجموعات المهنية ، فيتم من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالقطاع المعني بالمورد وذلك باقتراح من المجموعات المهنية المذكورة .

ب : المسطرة المتبعة أمام اللجنة

فيما يخص الاجراءات المسطرية المتبعة أمام اللجنة الاستشارية والطعن ، فهي تختلف كل الاختلاف عن الاجراءات المتبعة أمام نظيرتها المحلية سواء من ناحية الأطراف التي خول لهم المشرع الحق في اللجوء الى اللجنة ، فبالنسبة للجنة المحلية نجد أن هناك طرف أساسي : الفاعل الاقتصادي المعني بالأمر أو المصرح ، في حين أن حق اللجوء الى اللجنة الاستشارية والطعن مخول لأربعة أطراف رئيسية : رئيس اللجنة (مدير إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أو ممثله المعين لهذا الخصوص) أو الوزير المكلف بالمورد ، أو من طرف المجموعة المهنية المعنية ، أو الفاعل الاقتصادي أو المصرح .

وبالرجوع الى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الأولى من القرار الوزيري ، يستفاذ بأن أجل اللجوء الى اللجنة الاستشارية والطعن يختلف باختلاف حالات اللجوء اليها بين :

أجل يحدد في 60 يوما ابتداء من تاريخ تسجيل التصريح الجمركي أو القضية موضوع النزاع أو من تاريخ صدور مقرر الإدارة المتخذ على إثر طعن إداري : استعطافي أو رئاسي.

أما في حالة الطعن في رأي لجنة التشاور المحلية عندما تتعلق الحالات بمبادئ أساسية، يحدد أجل اللجوء إلى اللجنة الاستشارية والطعن في 30 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ المعني بالأمر بمقرر الإدارة المتخذ على إثر رأي لجنة التشاور المحلية.

لكن في حالة سكوت الإدارة بعد 15 يوما الموالية لتاريخ الاجتماع الذي تم خلاله التعبير عن رأي لجنة التشاور المحلية، فإن أجل اللجوء إلى اللجنة الاستشارية والطعن يسري ابتداء من اليوم الموالي لانتهاء أجل 15 يوما المذكور .

وتتولى اللجنة الاستشارية والطعن عقد اجتماعاتها بمبادرة من رئيسها الذي يحدد تاريخ وجدول الأعمال ويقوم باستدعاء اعضاء اللجنة قصد الاجتماع ، بحيث يعد انعقاد اجتماع اللجنة بصفة قانونية بحضور كل من رئيسها وممثل عن القطاع الوزاري المكلف بالمورد وممثل عن المجموعة المهنية المعنية وكذا الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه ، الا أنه في حالة غياب ممثل المجموعة المهنية المعنية يعد انعقاد اللجنة قانونيا أيضا لكن بشرط أن يكون الانعقاد قد تم بطلب من الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه ومدون في محضر الاجتماع .

وبعد استدعاء الأعضاء والحضور ، يتولى أعضاء اللجنة وكذا الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه التوقيع على ورقة الحضور لكن في حالة رفض توقيع الورقة من طرف أحد أعضاء اللجنة أو الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه يتم تدوين ذلك في محضر الاجتماع .

وتجدر الاشارة الى أنه يمكن للرئيس، عند الضرورة، دعوة أي شخص ذي خبرة للإدلاء بإفادات تقنية في الموضوع .

ناهيك أيضا ، عن تضمين محاضر موقعة من طرف جميع أعضاء اللجنة المشاركين في الاجتماع باستثناء الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه، كل الآراء المقدمة حول النزاعات والشكايات المتعلقة بالمادة الجمركية ، وفي حالة رفض للتوقيع من طرف أعضاء اللجنة الحاضرين ينبغي تدوينه بالمحضر، لترسل بعد ذلك نسخة من المحضر المذكور لكل عضو في اللجنة شارك في المداولات ، وفيما يخص الأراء التي يتم اتخاذها بشأن النزاعات والشكايات المتعلقة بالمادة الجمركية فهي تتم بتوافق جميع أعضاء اللجنة المشاركين في الاجتماع أو عند الاقتضاء بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين .

لعل الملاحظة البارزة التي تظهر لنا من خلال ماسبق ، هو مدى غياب التصور الحمائي لدى المشرع وهو بصدد سنه لهذه اللجان ليس فقط فيما يخص تشكيلة هذه اللجنة وكذا اعتبار غياب الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه بمثابة تخلي عن استشارة اللجنة ما عدا في حالة تقديمه لمبررات تقبلها الادارة، بل الأكثر من ذلك هو عدم اشراك الفاعل الاقتصادي أو من ينوب عنه في مداولات اللجنة بدعوى طابع السرية التي تحاط بها مداولات اللجان والتي للأسف لا تمتد لتشمل أحد ممثلي الطرف الأخر في النزاع (الادارة الجمركية ) .

ونفس الأمر أيضا ، بالنسبة للجنة الاستشارية والطعن فيما يخص الأجل الممنوح للادارة للبث في الحالات المعروضة على أنظار اللجنة والمتمثل بالأساس في أجل 15 يوما الموالية لتاريخ الاجتماع الذي تم خلاله التعبير عن رأي اللجنة .

لذلك ، تكون النتيجة الأولى والأساسية التي توصلنا اليها من خلال هذا التحليل المختصر ، أن توجه المشرع المغربي في ظل مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة وذلك بسنه للجن المحلية والاستشارية والطعن من أجل النظر في النزاعات الجمركية وابداء الأراء بخصوصها ، يعتبر توجها صائبا لكن مايعاب عليه بهذا الصدد هو حصره لصلاحية هذه اللجن في ابداء الرأي والتشاور بخصوص هذه النزاعات دون تخويلها امكانية اصدار مقررات ملزمة بخصوصها ، وهذا ماأفقد توجه المشرع نوعا من الفعالية ، خصوصا اذا علمنا أن هذه اللجن تضم في تشكيلتها تمثيلية وازنة من شأنها العمل على الحد من هذه النزاعات لو أوكل اليها مهمة البث فيها .

ليكون بذلك عمل هذه اللجن هو عمل استشاري يبقى بمنأى عن وصفه بالتحكيمي لعدة اعتبارات مردها أولا لطبيعة الدور المناط باللجن كلجن استشارية موكول لها ابداء الرأي بشأن النزاعات ليس الا ، ناهيك أيضا عن عدم قدرتها على اصدار مقررات بشأنها ، الا أن ذلك لا يعني بأن المقاربة المبداة بخصوص مدى امكانية اعتبار اللجن الاستشارية للجمارك بمثابة لجن تحكيمية تبقى بعيدة كل البعد ، بل هي مقاربة تظهر غير مناسبة في الشق الغالب منها ، في حين تبقى معالم الشق الأخر تؤسس لصحة المقاربة بناءا على الالتزام االذي يبديه أعضاء اللجن فيما يخص كتمان فحوى الاجتماعات وهذا بالتالي ما يتلائم واحدى خصائص التحكيم المتعارف عليها (السرية ) ، ضف الى ذلك تشكيلة اللجن وعضويتها وكذا ازدواجيتها التي تثير الى أذهان القارئ ملامح التقارب بينها وبين نظيرتها اللجن التحكيمية في مادة المنازعات الضريبية (اللجن المحلية والوطنية ) .

وفي الختام ، ومع العلم أن القانون المالي لكل سنة يحمل الجديد في طياته فيما يخص المنازعات الجمركية ، وذلك في مواكبته للتطور الحاصل في التشريع الجمركي الخاضع للواقع الاقتصادي ولسياسة الدولة المالية ، كنا نأمل أن القانون المالي لهذه السنة سيتجيب لمكامن النقص الذي يشوب عمل هذه اللجن ويحد من فعاليتها من خلال الاعتراف لها بصلاحية البث في النزاعات والرفع من فعاليتها عبر تخويلها امكانية اصدار مقررات ملزمة بشأنها ، كل هذا سيعمل لا محالة على الاستجابة للعديد من الاشكالات القانونية والعملية التي يشهدها واقع المنازعات الجمركية بالمغرب .

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

اللجان الاستشارية ودورها في الحد من المنازعات الجمركية – مقال قانوني