مناقشة قانونية حول حقوق الطفل في الفقه و القانون
أ/ شيماء المومني
اصدرت الامم المتحدة وثيقتها الدولية حول الطفولة تحت عنوان (عالم جدير بالاطفال ) ورغم معارضة 24 منظمة إسلامية عالمية وكذلك الفاتيكان على الصيغة النهائية لمشروع الوثيقة لاشتمالها على الكثير من النقاط التي تخالف الدين والأخلاق وتدعو لهدم الأسرة السوية إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت الوثيقة لتصبح الدول ملزمة بتطبيقها وتعديل تشريعاتها الوطنية الداخلية لتتوافق معها .
المنظمات الإسلامية اعترضت على النقاط المخالفة ورفضت تطبيقها على الدول الإسلامية وجاء
اعتراض المنظمات الإسلامية على المشروع علي ست نقاط أٍساسية منها رفع سن الطفل والطفلة الي 18 عاما وهو سن يتجاوز مرحلة البلوغ ويعتبر بداية مرحلة الشباب، وإباحة الإجهاض للنساء والفتيات رغم رد الفعل الغاضب من جانب الدول الإسلامية والفاتيكان تجاه هذا الأمر .
كما تجاهلت الوثيقة رغبة المعارضين بضرورة ربط الرعاية الإنجابية والتربية الجنسية بالإطار الثقافي للشعوب مع مراعاة السلطة الأبوية كضابط لهما والنصوص الحالية تفتح الباب أمام تناقضات غير مرغوب فيها بين الوثيقة وبين القيم الأخلاقية وخاصة تعاليم الدين الإسلامي لأن توقيع الحكومات على الوثيقة سيحول هذه المواد إلى سياسات وقوانين ملزمة .
كما تشجع الوثيقة على ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج عن طريق إباحة حق الحصول علي خدمات الصحة الإنجابية ( الخاصة بالحمل والولادة ) للفتيان والفتيات وهو ما يتعارض مع قيم الإسلام والمسيحية أيضا .
كما أن الوثيقة تقر فلسفة (الجندر) اي النوع التي تروج لها التيارات المنحرفة واستخدام مصطلح (الجندر) بدلا من (الجنس )يهدف إلى إقرار الشذوذ الجنسي وإقامة علاقات شاذة تحميها القوانين ففي الجندر يقرر الشخص إن كان سالبا أو موجبا في العلاقةالجنسية بصرف النظر عن نوعه الحقيقي أي أن الرجل يختار لنفسه أن يكون سالبا ويسجل ذلك في أوراقه أو يختار لنفسه أن يكون موجبا وكذلك المرأة كما أن الوثيقة تقر الأسرة بصورها المتنوعة سواء خارج إطار الزواج أو داخله دون أية تحفظات .
العفة ممنوعة
واستبعد ت الوثيقة اقتراحات العفة والامتناع عن ممارسة الجنس خارج نظام الأسرة التي اساسهاالزواج الشرعي كوسيلة وقائية لمكافحة مرض فقدان المناعة المكتسب ” الإيدز ” ورفضت ربط اتاحة تقديم خدمات الصحة الإنجابية بالعمر المناسب مع مراعاة السلطة الأبوية وتضمين ذلك في صلب الوثيقة وربط التربية الجنسية بالإطار الثقافي للدولة في بعض البنود .
الغريب أن الوثيقة لم تتطرق كما ذكرت مذكرة المنظمات الإسلامية إلى حماية الأطفال في النزاعات المسلحة والاحتلال الأجنبي والعقوبات الاقتصادية والتي طالبت المنظمات الإسلامية بحمايتهم منها لأن هناك اعتدءات عليهم مثل ما يقع على أطفال فلسطين من جانب الاحتلال الاسرائيلي وأطفال العراق من جانب الاحتلال الامريكي وليبيا والسودان المحاصرين اقتصاديا .
كما جاءت حقوق الطفل في الصحة والتعليم والتغذية رغم أهميتها في المرتبة الثانية بعد الحفاظ على الحياة والأمن والكرامة وذلك لأن الوثيقة كتبت خصيصا لتتناسب مع احتياجات الطفل الاوروبي وليس الطفل الأفريقي أو العربي .
الخطر القادم
وتكمن خطورة هذه الوثيقة في أنها ستتحول في المستقبل القريب إلى قوانين محلية تطبق داخل مصر والدول العربية رغم مخالفتها الصارخة للشريعة الإسلامية فقد خلصت الوثيقة في فصلها الثامن إلى إعلان الالتزامات الجديدة الضرورية لتحقيق الرؤية الجديدة المتعلقة برعاية الأطفال .
حيث تدعو إلى تناسب السياسات والممارسات والقوانين الوطنية مع اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة وملاحقة من ينتهك حقوق الطفل أو من يتآمر من أجل انتهاكها ومعنى هذا الكلام أن الأمم المتحدة يمكن أن تفرض عقوبات اقتصادية أو سياسية أو عسكرية على الدولة التي لا تحيل هذه الوثيقة إلى قوانين محلية لتطبقها على مواطنيها الأمر الذي يجعلنا نقع في دائرة المحظور وقد بدأ رؤساء الدول والحكومات المشاركون في التوقيع على الوثيقة فعلا في التنفيذ فقد أشاروا إلى أن تنفيذ هذا الإعلان وخطة العمل لا يتطلبان أيضا تعبئة وتخصيص موارد إضافية على كل من الصعيدين الوطني والدولي ورغم الجهد الكبير الذي بذلته المنظمات الإسلامية العالمية ذات الطابع الأهلي في الاعتراض على هذه الوثيقة وتغيير بعض مقتراحاتها الا ان محاولاتها باءت بالفشل اثناء الجلسات التحضيرية لصياغة الوثيقة بسبب هيمنة الوفود الغربية العلمانية علي تلك الجلسات وممارستها الضغوط علي باقي الوفود لاقرارالوثيقة يشكلها الحالي .
اللجنة الإسلامية العالمية تضع ميثاق حقوق الطفل .
في مواجهة السيل الجارف من المواثيق والاتفاقات والمؤتمرات المنبثقة عن المنظمات الدولية – وخاصة الأمم المتحدة – والتي تتحدث عن حقوق الإنسان وضمانات الالتزام بها برغم ما تنطوي عليه من بنود ومفاهيم قد تخالف مبادئ الإسلام وقيمة .
وانطلاقا من دورها في إبراز الرؤية الإسلامية لقضايا لأسرة والمرأة والطفل وضعت اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل وهي إحدى لجان المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي يراسه شيخ الازهر، بوضع ميثاق الطفل في الإسلام كخطوة أولى من ميثاق الأسرة في الإسلام .
واعتمد القائمون على وضع هذا الميثاق وهم نخبة من علماء الأمة في مجالات الشريعة والقانون والاجتماع والفقه في صياغة بنوده ومواده على مرجعية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مع اتخاذ الكتابات التراثية والمعاصرة إضاءات لإبراز المبادئ المكونة لمواد الميثاق .
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتصدى فيها اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل لمثل تلك الاتفاقات والمواثيق ففي وثيقتها السابقة قامت بالرد على اتفاقية ” السيداو ” – اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عن الامم المتحدة ايضا.
وركزت صياغة الميثاق على المبادئ الأساس الكلية والقطعية المتفق عليها بين مختلف المذاهب الفقهية الإسلامية بينما تركت التفاصيل المعبرة عن تنوع الحلول الجزئية لتشريعات كل بلد إسلامي بما يحقق مصالح مجتمعه .
وقد حرصت الصياغة على أن تقترن حقوق الطفل بواجباته في توازن وتدرج مع مراحل نموه حتى يصل إلى مرحلة المسئولية الكاملة فحقوق الطفل عبارة عن واجبات على عاتق الأسرة والمجتمع سواء في ذلك الحقوق القانونية التي يحميها القضاء والحقوق التي تفرضها الدوافع الفطرية والدينية والاجتماعية أو الحقوق السابقة على تخلق الطفل جنينا .
اشتمل ميثاق الطفل في الإسلام على 33 مادة موزعة على سبعة أبواب تشمل جميع مراحل حياة الطفل بدءا من تكوين الأسرة واختيار الزوجين انطلاقا من أن أول حقوق الطفل أن يأتي إلى الحياة عن طريق زواج شرعي صحيح بين رجل وامرأة وليس عن أي طريق آخر ” السفاح ” لذا فقد حرمت الشريعة الإسلامية تعقيم الرجال والنساء واستئصال الأرحام بغير ضرورة طيبة يحددها أطباء ثقاة.
ورفعت المادة الأولى من الميثاق – في الباب الأول الخاص بالعناية بالطفل منذ بدء تكوين الأسرة – من شأن الطفل واعتبرته نعمة إلهية ومطلبا إنسانيا فطريا لحفظ الجنس البشري .
وأكدت المادة الثانية شمول الرعاية الإسلامية للطفل في كافة مراحل حياته وترتيب حقوق له في كل مرحلة بما يلائم احتياجاته منها .
بينما نصت المادة الثالثة على أهمية الأسرة باعتبارها محضن الطفل وبيئته الطبيعية اللازمة لرعايته وتربيته فألقت بذلك على الأسرة ” أبا وأما ، أو راعيا ” مسئولية تنشئة الطفل على القيم الإسلامية والأخلاق الرفيعة وهذا يتحقق بحسن اختيار الزوجين على معيار التدين والتكافؤ وخلو كل منهما من الأمراض المنفرة أو المعدية أو الوراثية الخطيرة وهو ما نصت عليه المادة الرابعة وأغفلته اتفاقية حقوق الطفلالصادرة عن الامم المتحدة .
أما الباب الثاني : الحريات والحقوق الإنسانية العامة : فقد نص على حق الطفل في الحياة والبقاء والنماء وحرم إجهاض الجنين إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض باعتبار الاجهاض عدوان علي حق الجنين في الحياة.
هوية الطفل
وتأكيدا لشمول روح الإسلام حرص الميثاق على تأكيد حق الطفل في المعاملة الحانية العادلة المحققة لمصلحته من والديه . وهو ما أهملته اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة ومراعاة لحرية الفكر نص الميثاق على حق الطفل في حرية تكوين آرائه . والتعبير عنها وطلب المعلومات والأفكار بشرط أن تكون قويمة ولا تتنافى مع مبادئ الأخلاق والدين والوطنية ولا تتعرض لحقوق الغير او سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة . أو الآداب العامة .
حقوق الأحوال الشخصية
وتحت هذا العنوان تضمن الباب الثالث حق الطفل في الانتساب إلى أمة وأبيه الحقيقيين وتحريم الممارسات التي تشكك في انتساب الطفل إلى ابويه ، كاستئجار الأرحام ونحوه .
وتوثيقا لمشاعر الحب والارتباط بين الطفل وأمه نص الميثاق على حق الطفل في أن ترضعه امه إلا إذا منع من ذلك مصلحة الرضيع أو المصلحة الصحيحة للأم وحقه في أن يكون له من يقوم بحضانته وتنشئته وتربيته وقضاء حاجاته الحيوية والنفسية والأم أحق بحضانة طفلها وفقا لأحكام الشريعة ويرتبط بذلك النص على تحريم التبني ( أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) . ومصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من أدعى إلى غير أبيه وهو يعلم انه غير أبيه فالجنة عليه حرام ” . لكن هذا لا يتعارض مع كفالة الشريعة لحقوق الرعاية الاجتماعية للأطفال بكافة صورها ولكافة فئات الأطفال كالأيتام واللقطاء والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة .
رعاية مجتمعية
وطالب الميثاق مؤسسات المجتمع وأولياء الأمور بتوفير مستوى معيشي ملائم لنمو الطفل بدنيا وعقليا ودينيا واجتماعيا بحيث يمتد هذا الحق للولد حتى يصبح قادرا على العمل والكسب وللبنت حتى تتزوج أو تستغنى بكسبها .
الأهلية والمسئولية الجنائية
أما الأهلية والمسئولية الجنائية وهي موضوع الباب الرابع من الميثاق فقد تضمنت حق الجنين في التمتع بأهلية وجوب محدودة للحقوق المالية التي تقررها له الشريعة .
وتكتمل أهلية الوجوب منذ ولادة الطفل . وتصبح له حقوق مقررة في الميراث والوصية والوقف والهبة وغيرها .
وقرر الميثاق أهلية الطفل للتصرف في حقوقه وأمواله ومناطها التمييز العقلي والذي يتدرج حسب المراحل العمرية ويتأثر بالسن – والذي حدده الفقهاء بسن السابعة انتهاء بسن البلوغ – وفي حالة انعدام الأهلية أو نقصها نص الميثاق على دور الدولة في كفالة الرعاية الشخصية ورعاية الحقوق والمصالح المعنوية والمادية .
وقد تبني الميثاق مبدأ التدرج في المسئولية الجنائية والمعاملة الخاصة للطفل بما يراعي سنه وحالته وظروفه .
وتتضح إنسانية الشريعة الإسلامية وجدارتها بقيادة العالم في التمييز – من حيث المسئولية الجنائية – بين الصغار والكبار وأن الشريعة لا تعرف محلا للمسئولية إلا الإنسان المكلف البالغ العاقل وتعفى الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم من المسئولية .
التربية والتعليم
وحول حقوق الطفل في التربية القويمة المتوازنة نصت المادة 23 من الميثاق – ضمن الباب الخامس الذي يعني بإحسان تربية الطفل وتعليمه – على حق الطفل تجاه والديه في إحسان تربيته تربية صحيحة متوازنة وفي نموه العقلي والبدني .
التدرج
مع مراعاة التدرج في منحه هامشا من الحرية وفقا لتطوره العمري بما يعمق شعوره بالمسئولية تمهيدا لتحمله المسئولية كاملة عند بلوغه السن القانونية كما نصت هذه المادة على مراعاة حق الطفل في الحصول على المعلومات الملائمة لمراحل نموه واحتياجاته بما فيها المعلومات الجنسية والأحوال الشخصية والتربية الدينية .
مع اقتران عملية التوعية الجنسية بتعميق الآداب السلوكية الإسلامية المتصلة وبيان الحلال والحرام ووقاية المراهقين من الممارسات التي تشجع على الانحراف أو على إثارة الغرائز الدنيا وذلك بمنع الاختلاط في المدارس والنوادي الرياضية ومنع ارتياد المراهقين من الجنسين لأماكن الفساد واللهو العابث .
الحماية المتكاملة
وفي خطوة رائدة لمواجهة ظواهر العنف ضد الأطفال نص الميثاق ( المادة 27 ) على حق حماية الطفل من كافة أشكال العنف ومن إساءة معاملته بدنيا أو عقليا أو نفسيا ومن الإهمال أو أية معاملة ماسة بالكرامة سواء كان ذلك من الوالدين أو من أي شخص يتعهد رعاية الطفل كالمدرس في المدرسة والمشرف في النادي دون إخلال بمقتضيات التأديب والتهذيب اللازم للطفل .
ونص الميثاق على أن للطفل الحق في الحماية من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل ينطوي على خطورة أو يعوقه عن الانتظام في التعليم أو يكون ضارا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو النفسي ويدخل في ذلك تحديد حد أدنى لسن التحاق الأطفال بالأعمال المختلفة مع وضع ضمانات كافية تتعلق بساعات العمل وظروفه. وإمعانا في حماية طفولة الطفل نص الميثاق على عدم اشتراك الطفل في الحرب قبل بلوغه السن المقررة وان للطفل في حالات الطوارئ والكوارث والمنازعات المسلحة أولوية الحماية والرعاية الخاصة بالمدنيين من حيث عدم جواز قتله أو جرحه أو إيذائه أو أسره وله أولوية الوفاء بحقوقه في المأوي والغذاء والرعاية الصحية والإغاثية .
وفي الباب السابع والأخير قررت المادة 31 أنه لا ثمة تعارض بين أحكام هذا الميثاق وحقوق الإنسان المنصوص عليها في إعلان القاهرة الصادر عن مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في 5 – 8 – 1990 بل إن هذا الإعلان يمثل مع مواد هذا الميثاق وحدة متكاملة تتماشى مع أي إعلان دولي لا يتصادم مع أحكام الشريعة بل يراعيها في تبصير الطفل بحقوقه وتوجيهه وتطوير قدراته لممارسة هذه الحقوق مع مراعاة حقوق والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسئولين قانونا عنه وواجباتهم .
وقد وافق مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف على بنود هذا الميثاق باعتباره جزءا من ميثاق الأسرة في الإٍسلام . وتعد هذه الموافقة خطوة أولى نحو إقرار الميثاق من جانب منظمة المؤتمر الإسلامي ثم الأمم المتحدة
مناقشة قانونية حول حقوق الطفل فقها وقانونا