مما لاشك فيه ان من اهم الاثار والحقوق المترتبة على الزواج ثبوت نسب الاولاد (1) الذين هم ثمرات القلوب وقرة الاعين وثمرة الزواج وقال تعالى : ( والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من زواجكم بنين وحفدة ) (2) وقال تعالى : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين ) (3) ونسب الولد ، من حيث الام يثبت بمجرد ولادته سواء أمن زواج صحيح ام فاسد كما يثبت بالإقرار بنسبة على النحو الذي سياتي بيانه في المواد (52 – 54 ) . وكذلك نسبة إلى أبيه – وهو الأصل – حيث ينتسب الأولاد للآباء وقال تعالى : (ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا ءابآئهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) (4) . اذن الولد يتبع أباه في النسب ويتبع أشرف أبويه في الدين لذا فالنسب هو الصلة الشرعية للولد بالآب والآم. ‏والبحث في النسب مهم جدا في الحياة العائلية والقانونية فعلى ثبوت نسب الولد لوالديه يتوقف ثبوت صلته بوالدية وتحديد انتمائه وتحديد اسمي والديه وما يترتب على ذلك من التزامهما بتربيته وتعليمه وكذلك ميراثه منهما أولهما وبقية أقاربه منهما . ‏وقد عنيت الشريعة الإسلامية بوجوب التثبيت من النسب وجعلت بعض الأحكام في الزواج والطلاق والعدة سياجا لمنع اختلاط الأنساب. ‏لقد عزز العلم الحديث ما ذهبت اليه الشريعة الإسلامية فأثبت أن الصفات الخلقية والاخلاقية تنتقل من الأبوين الى الولد على نحو دقيق وجعل الله في قلوب الآباء والأمهات الرحمة لرعاية أولادهم وما كان ذلك ممكنا لو لم تشرع الشرائع لتحديد النسب بما يقطع بأن الولد هو ثمرة الزواج الشرعي للوالدين. فضلا عن آنه من حقوق الولد نفسه وحقوق أبويه واقاربه ومن هنا تبدو أهمية النسب حتى آنه حق لا يجوز ولا يصح التنازل عنه وبالنظر لما للنسب من أهمية في بناء المجتمع فقد عدت الشريعة الاسلامية قواعده من حق الله وفي الفقه الحديث بما يعرف بآنه من مسائل النظام العام والآداب التي لا يجوز الاتفاق على خلافها .

آولا : الفراش (الزوجية) :

‏يقصد بالفراش الشرعي الذي هو من أهم أسباب ثبوت النسب- عند بعض فقهاء الحنفية- العقد(5) أو العقد مع الدخول الفعلي أو الزوجية. اذن بالزواج الصحيح يتحقق الفراش الذي يثبت به نسب الولد دون حاجة إلى شيء آخر.

و يرى بعضهم (6) أن الفراش الشرعي هو كون المرأة بحال ، لو جاءت بولد يثبت نسبه منه ، أي من صاحب الفراش. ولا شك في أن كل ولد ينسب الى آب وآم يربط بينهما رباط الزوجية المقدس وعلى هذا فان كل ولد يولد على فراش الزوجية يعد ولدا لكل من الأب والآم أثناء قيام الزوجية ، ويثبت نسبه الى الزوجين اذا توفر الشرطان المنصوص عليهما في المادة (٥١) من قانون الأحوال الشخصية من غير حاجة الى بينة ولا الى اقرار وقال صلى الله عليه واله وسلم في حديثه ” الولد للفراش وللعاهر الحجر” يفهم من هذا الحديث أن الولد ينسب لصاحب الفراش (أي العقد- أو قيام الزوجية الصحيحة) ولا نحتاج الى اجراء شكلي كالاعتراف بالولد واثبات نسبة بالبينة . آما العاهر فلها الحجر- أي للزاني الخيبة و الحرمان وقيل لها الحجر اي الرجم والشرطان اللذان اشترطتهما المادة ٥١ ‏هما :

(أ) أن يمضى على عقد الزواج أقل مده الحمل :

‏أي أن يولد بعد مرور أقل مدة الحمل بعد الزواج الفعلي أو خلال قيام الزوجية أو ضمن مدة لا تزيد على أكثر مدة الحمل. واقل مدة الحمل هي ستة أشهر وذلك لقوله تعالى : (‏ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته أمه´ كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (7) . وقوله تعالى : (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين) (8) ومن طرح مدة الرضاع من مجموع مدة الحمل والفصال في الآية الأولى فالباقي هو ستة أشهر وهو أقل مدة الحمل . آما أكثر مدة الحمل فان فيها أقوالا (9) لا نرى فائدة من ايرادها الا أن الأجدر بالقبول هو السنة الكاملة وبهذا الرأي قال فقهاء المذهب الجعفري وبه آخذت بعض قوانين الاحوال الشخصية العربية (10) اما القانون العراقي فقد أورد في المادة (٥١) على آنه ينسب ولا كل زوجة الى زوجها بالشرطين الآتيين :

1- أن يمضي على عقد الزواج أقل مدة الحمل .

٢ ‏- أن يكون التلاقي بين الزوجين ممكنا .

وبهذا اشترط أقل مدة الحمل ولم يشترط أن يولد ضمن أكثر مدة الحمل وترك ذلك للأحكام الفقهية لذا فانه لو ولد للمرأة ولد بعد مرور ستة أشهر من الدخول فانه ينسب الى زوجها آما لو ولد لأقل من المدة المذكورة فلا ينسب له . ويتفق الفقهاء على أن نسب الولد في العقد الصحيح يثبت الى الزوج اذا ولدته الزوجة حال قيام الزوجية بعد ستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج (11) ولو أنها ولدته بعد مرور مدة أقل من سنة من الطلاق أو الافتراق أو الوفاة فانه ينسب لزوجها (مطلقها أو زوجها المتوفى) آما لو ولدته بعد مرور أكثر من سنة فلا ينسب اليه . ‏ومما تجدر ملاحظته آنه بالنظر للتقدم العلمي في مجال الطب الحديث فانه أصبح من السهل جدا بيان العمر الجنيني للطفل وبهذا يمكن تحديد نسب المولود .

(ب) أن يكون التلاقي بين الزوجين ممكنا :

والشرط الثاني هو امكانية الحمل وهذا يعني أولا : أن يكون كل من الآب والآم لائقا للإنجاب فالزوج الذي لم يبلغ الحلم غير صالح لأن يكون والدا لعدم امكانية التلقيح وكذلك العنين والمريض مرضا يمنع من المعاشرة الزوجية وكذلك الزوجة الصغيرة أو الآيس من الحيض أو من كانت بها عاهة تمنع من الحمل والولادة . كأن تكون مزالة الرحم أو يتعل ر بالمرة إنجابها الأولاد وثانيا : أن يمكن التلاقي بين الزوجين فلو كان كل من الزوجين يقيم في ناحية بعيدة بحيث لا يمكنها التلاقي فإذ الحمل لا يمكن أن ينسب إلى الزوج والفقهاء المسلمون يختلفون في هذا فبعضهم يذهب إلى ما قلناه آنفا وبعضهم لا يعطي للبعد المكاني تأثيرا أو على حسب رأيه فإن قيام الزوجية كاف ولو استحال التلاقي والرأي الثالث يرى أن الولد ينسب للأب أن أمكن للزوج زيارة الزوجة أما إذا لم يكن كذلك فلا ينسب. ‏والذي نراه أنه بعد أن تطورت وسائل المواصلات فأمكن للمقيم في أوروبا أن يحضر العراق خلال اليوم والعودة في اليوم الثاني وربما أدى عصر السرعة إلى أكثر من ذلك فإن مجال التلاقي أصبح ممكنا وأن لمن يقيم في قطر غير القطر الذي تقيم فيه زوجته أن يثبت التلاقي بطرق الإثبات المعتادة. ومن يثبت نسبه بفراش الزوجية الشرعية وفقا للشرطين المنصوص عليهما في المادة (٥١) من القانون فلا ينتفي نسبه إلا إذا حصلت الملاعنة وفرق القاضي بين الزوجين باللعان ، وبمقتضاه ينتفي نسب الولد عن أبيه ويلحق بأمه ما لم يكن الزوج قد سبق أن أقر بنسبه صراحة أو ضمنا . ‏ومما تجدر ملاحظته ، أنه يحكم بثبوت نسب الولد لقيام الفراش الشرعي – أي الزوجية الصحيحة – ولو كانت الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا ما لم تكن قد أقرت بانقضاء مدتها فإن نسبه يثبت في أي وقت تأتي به الزوجة ، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل عصمة الزواج إذا أثبتت مراجعة الزوج إياها خلال فترة العدة . أما إذا أقرت بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعي ، ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من تاريخ الإقرار ، فإن النسب يثبت من زوجها الذي طلقها ما دامت لم تتزوج ولم تنته أقل مدة الحمل لظهور كذب إقرارها بانقضاء العدة ، أما لو جاءت به لأكثر من ستة أشهر من تاريخ الإقرار فلا يثبت نسبه من الزوج إلا بإقراره صراحة أو ضمنا .

ثانياً : الإقرار :

‏الاقرار لغة الثبوت يقال قر الشيء إذا ثبت وأقره غير إذا أثبته . أما شرعا فهو أخبار بما عليه – أي المقر – من الحقوق وهو ضد الجحود ، وشرط صحته أن يكون المقر بالغاً عاقلا والإقرار حجة قاصرة على المقر وملزمة له . وان الاقرار يعد طريقا للإثبات يعفي المدعي من اقامة البينة بصرف النظر عن بقية الأمور. وفي باب النسب فالإقرار هو أخبار بوجود صلة القرابة بين المقر وبين المقر له وقد تكون هذه الصلة من نوع القرابة المباشرة أو غير المباشرة . فإذا ادعت امرأة أن لها من رجل مولودا ولم يكن هناك مانع كأن تكون متزوجة أو معتدة للغير وأقر الرجل بنسب هذا الولد فإنه يثبت النسب بمجرد هذا الاقرار. والاقرار يرد في حالات :

‏1- أن يقر الوجل أو المرآة بنسب المولود حال قيام الزوجية من نكاح صحيح أو سر نكاح فاسد أو وطء شبهة (شبهة عقد) – وهذا واضح اذا توفرت شروط المادة (٥١) . .

‏2- الاقرار بنسب مجهول النسب : نصت المادة (٥٢) من القانون على أن (الاقرار بالبنوة ولو في مرض الموت لمجهول النسب يثبت به نسب المقر له اذا كان يولد مثله لمثله) .

‏ولهذا الاقرار شرطان ، الأول أن يكون المقر بنسب (12) مجهول النسب فلو كان الولد معروف النسب فإنه لا يقبل الاقرار بنسبه من قبل الغير ذلك أن الاسلام قد أبطل التبني الذي كان معروفا في الجاهلية لقوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (13) وقال ‏تعالى ايضا : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } (14) .‏والشرط الثاني : هو أن يولد مثل الولد لمثل المقر ، فإنه يقبل اقرار من عمره أربعون عاما ببنوة من عمره عشر سنوات ولا يقبل اقراره بنسب من عمره خمس وثلاثون سنة أي أن يكون فارق السن بين المقر والمقر له يحتمل مدة الإقرار . وأن يصدق الولد المقر فيما أقر به أن كان بالغا عاقلاً مميزاً . فإن لم يكن الولد قد بلغ سن التكليف الشرعي بعد فلا حاجة لمصادقته على الاقرار.

٣- الإقرار بالنسب وفقا لأحكام قانون رعاية الأحداث : نص القانون رقم ١2٣ ‏لسنة 1٩٧٩ – قانون التعديل الأول لقانون الأحداث رقم ٦٤ ‏لسنة 1٩٧2 على : إذا أقر الزوج بنسب طفل مجهول النسب وقررت المحكمة ثبوت نسبه منه على الوجه المبين في الفقرة (1) من هذه المادة فإن هذا الإقرار يرتب نفس الآثار الشرعية والقانونية التي يرتبها الإقرار بالبنوة المنصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ ‏لسنة 1٩٥٩ ‏المعدل . ولا تسمع الدعوى بعد وفاة المقر لإثبات عدم صحة هذا النسب لأي سبب كان وبهذا فقد أنهى القانون ما كان يقع من إثبات عدم صحة الإقرار بدليل أن طالب الإلحاق يقر بكونه عقيم أثناء طلب الضم والإلحاق .

‏ثم أن القانون رقم ٦٤ ‏لسنة 1٩٧2 وتعديلاته ألغي بقانون رعاية الأحداث رتم ٧٦ ‏لسنة 1٩٨٤. وقد تناول قانون رعاية الأحداث الجديد أحكام الضم في المواد (٣٩ ‏-٤٦) (15) وتضمنت ‏المادة (٤٤) من على أن (يتم الاقرار بنسب مجهول النسب أمام محكمة الأحداث وفق قانون الأحوال الشخصية) وعليه فإن هذا الإقرار يثبت به النسب وفقا للشروط المذكورة آنفا .

٤- إقرار المرأة المتزوجة أو المعتدة بنسب الولد إلى زوجها فإنه لا يقبل إلا إذا صدقه الزوج أر المطلق ، وأذ أنكر فيجب إثباته بالبينة وهذا ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة (٥2) بقولها : (إذا كان المقر امرأة متزوجة أو معتدة فلا يثبت نسب الولد من زوجها إلا بتصديقه أو بالبينة) ويجب ملاحظة أن هذا النص لا يعني عدم الاعتراف بأثر قيام الزوجية أو العدة في ثبوت نسب المولود بل أن المقصود إذا لم يكن حمل المرأة ظاهراً أو كانت الولادة ممن حدود المدة المقررة ويسمع ادعاء المطلقة رجعياً إذا ولدت خلال مدة السنة من انقضاء العدة وتعد هذه دعوى بالرجوع خلال العدة .

٥- (إقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة يثبت به النسب إذا صدق المقر له وكان يولد مثله لمثله) وهذا نص المادة (٥٣) من القانون وهو مشابه لحكم المادة (٥2/ ‏ف 1) وتشترط فيه نفس الأحكام وفي هذه الحالة إذا ادعى شخص اذا ادعى فلاناً أبوه أو أن فلانة أمه وكان هذا الشخص مجهول النسب فيجب لثبوت النسب تصديق الأب أو الأم بشرط أن يولد مثل المقر لمثل المقر له . وبذلك تثبت جميع الآثار الشرعية والحقوقية التي تترتب على البنوة والأمومة والأبوة من المحرمية – أي حرمة التزاوج وصلة الرحم ووجوب النفقة والتوارث . وكذلك فيما يتعلق بغيرهما ممن له به صلة نسب أو مصاهرة فمتى ثبت نسب ولد مقر له بالبنوة للرجل المقر ، صار ذلك الولد ، أخّاً لأولاد ذلك الرجل وحفيداً لأبوي الرجل وصار أخو المقر عما للمقر له وصارت أخته عمه له ، واذا تتزوج المقر له بالبنوة من امرأة حرمت فتحرم تلك المرأة على الرجل المقر بالنسب .

6- ونصت المادة (54) من القانون على أن (الإقرار بالنسبة في غير البنوة والأبوة والأمومة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه) فلو ادعى شخص أن فلاناً أخوه وصدقه الأخير فإن هذا الإقرار يعني أن والدهما أو أمهما واحد ، وأن أولاد هذين هم أخوه المقر والمصدق إلا أن هذا الإقرار والتصديق لا يسريان على غيرهما حيث أن الإقرار حجة قاصرة على المقر ويجب في هذه الحالة إثبات هذه الصلة بالبينة وبمواجهة جميع من يمسهم الادعاء . ومثاله إذا قال رجل لآخر مجهول النسب أنت أخي فإن المقر له لا يعد ابنّا لوالد المقر إلا بتصديقه . أي تصديق ذلك الوالد الذي حمل نسب ذلك المجهول النسب المقر له ليكون بتصديقه من حيث النتيجة إقراراً بالبنوة المباشرة فإذا لم يصدقه ذلك الوالد ، ولكن المقر أو المقر له قد أقام البينة على صدق ما جاء في الإقرار فصدر الحم بصحة الدعوى ، حينئذ يثبت النسب وينتج جميع آثاره .

ثالثاً النكاح الفاسد والوطء بشبهة :

عرفنا في مبحث النكاح أنه قد يقع فاسداً لتخلف بعض شروط الصحة – كما لو وقع دون حضور شاهدين في رأي من يرى ذلك شرط صحة – فإذا حصل الدخول بعد النكاح الفاسد وأثمر هذا ولداً فإن الولد ينسب الى أبيه . كما أن النسب يثبت في حالة الوطء بشبهة أي شبهة العقد . وللفقهاء في هذه الشبهة (16) مباحث وتفريعات نجدها في مباحث النسب ومباحث الحدود وقد قسموا الشبهة الى أقسام شبهة في العقد وشبهة في الملك وشبهة بالفعل . وخلاصة القول في الشبهة أن المعاشرة فيها تستند الى ظن يرفع حرمة الزنا فإذا ظن الرجل والمرأة أو ظن أحدهما حلية المعاشرة فإن ذلك يكفي لأن يعد التصرف وطء شبهة ومثلوا لذلك أن يقع الخطأ في شخصية الزوجة كما لو عقد شخص على امرأة وزفت له غيرها ودخل بها ، أو اذا عقد زواج اثنين ثم تبين أن بينهما رضاعا فإنه يفرق بين الاثنين ولكن المولود يكون ولداً شرعياً ينسب الى كل من الرجل والمرأة ويرى الجعفرية أن الموطؤة بشبهة أن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر بحيث لا يزيد عن تسعة أشهر من حين الوطء ثبت نسبه من الواطئ بعد اعترافه بالوطء . وفي دعوى نظرت أمام المحاكم العراقية وجد أن رجلاً توفي عن خمس زوجات لكل منهن أولاد وقد قضت محكمة الاحوال الشخصية ببطلان زواج الخامسة وبصحة نسب أولادها من المتوفى وصدق الحكم تمييزاً (17) .

رابعاً : كيفية إثبات النسب :

تطرقنا فيما سبق الى طرق إثبات النسب بالزوجية وبالإقرار وثبوت الوطء بشبهة أو نكاح فاسد ويجدر أن تحدد كيفية إثبات النسب ، أي كيفية إقامة الدعوى لإثبات النسب . ولأهمية النسب فإن قانون المرافعات المدنية العراقي نص في الفقرة (1) من المادة (300) على أن دعوى النسب من جملة الدعاوي التي تختص محاكم الأحوال الشخصية بنظرها وأجاز إقامة دعوى النسبة مجردة حيث نصب المادة (306/3) من القانون ذاته على أنه (يصح إقامة دعوى النسب المجردة ولا تسمع دعوى الإرث إلا ضمن المال) وهذا لا يمنع أن يجري إثبات النسب ضمن دعوى أخرى كما لو كانت ضمن دعوى تصحيح القسام الشرعي لإثبات الوراثة أو ضمن دعوى نفقة الولد على أبيه إذا أنكر هذا بنوته . أو ضمن دعوى الحضانة وعلى هذا سنتكلم عن طرق إثبات النسب في النقاط الآتية :

1- إثبات النسب بين الأحياء : تجيز الأحكام الشرعية أو القانونية لكل من الأب أو الأم أو الولد نفسه مراجعة القضاء لإثبات النسب فإذا كان الوالدان على قيد الحياة وهما مقران للنسب فإن لهما مراجعة محكمة الأحوال الشخصية للإقرار به ضمن حجة تسجيل الزوجية ، حيث يقر كل من الوالدين بقيام الزوجية بينهما وببنوة أولادهما لهما . أما اذا كان أحد الوالدين ينكر النسب فإنه يقتضي إقامة دعوى بذلك من قبل الأم أو الأب أو الولد على المنكر منهم وبذلك تطبق المحكمة القواعد المار ذكرها في إثبات النسب .

2- إثبات النسب من المفقود أو الأسير : ينبغي إقامة الدعوى على القيم واذا لم يوجب فيجب نصب قيم مؤقت للخصومة . والتأكد من الفقدان أو الأسر بكتاب تأييد من المراجع المختصة وطلب صورة قيد الأسرة من دائرة الأحوال المدنية . ويجب الثاني في الاستماع للبينة الشخصية لإثبات النسب حيث لا يكفي قرار القيم بنسب المدعين بل لابد من تقديم الأدلة المقنعة على صحة ذلك . ويجب إدخال مديرية رعاية القاصرين في الدعوى وحضور نائب المدعي العام والاستماع الى أقوالهما . والتأكد من ديانة أطراف الدعوى ويجب الإشارة إليها في قرار الحكم مع تدوين مكان محل الولادة فضلاً عن أن هذا الحكم يعرض قبل تنفيذه على محكمة التمييز للنظر في تصديقه على وفق الفقرتين 1 و 2 من المدة 309 من قانون المرافعات المدنية .

3- إثبات النسب إذا كان أحد الوالدين متوفى : فإذا كان أحد الوالدين متوفى فإنه ليس لأحد الورثة أن يقر بنسب الولد عن الغير فإذا أقر وكان هنالك ورثة آخرون فإن إقراره لا يسري على الغير وعلى كل حال فإنه يقتضي إقامة الدعوى من قبل الحي من الوالدين على أحد ورثة الوالد المتوفى . فإن كان المتوفى هو الأب فإن الأم تقيم الدعوى على أحد أولاد المتوفى أن كان له أولاد غير المطلوب إثبات نسبه وإن لم يكن له أولاد غيره فتقام الدعوي على من يصبح وارثاً في حالة عدم وجود هذا الولد . وبذلك تكون الخصومة في الدعوى صحيحة ، أما اذا أقيمت الدعوى على من لا يتأثر من دخول الولد في ورثة المتوفى فإن الدعوى ترد من جهة عدم توجه الخصومة (18) وكذلك يجوز إقامة الدعوى من الولد نفسه أن كان مميزاً أو رشيداً على تصح مخاصمته كما ذكر آنفاً ، وإذا كان بقية أولاد المتوفى صغاراً فإنه يجوز إقامة الدعوى على مدير رعاية القاصرين بوصفه وصياً قانونياً على القاصرين المذكورين وفقاً لأحكام المادة (34) من قانون رعاية القاصرين أو أن يطلب نصب وصي مؤقت (19). للخصومة في دعوى إثبات النسب (وفقاً للمادة 37 منه) لم تقام الدعوى عليه وفي كل الأحوال المار ذكرها فإنه يجب إثبات النسب بالبينة وفقاً لقواعد ثبوت اقرار المتوفى بنسب الولد حال حياته .

4- إثبات النسب إذا كان الوالدان متوفيين : في هذه الحالة فإن طالب إثبات النسب قد يكون الولد نفسه أن كان مميزاً أو رشداً وقد يكون وصيه وتقام الدعوى على ورثة الوالدين كليهما ، فإن كان للوالدين أولاد آخرون فإن الدعوى تقام على أحدهم وإن لم يكن لهما أولاد فإن الدعوى يجب أن تقام على أحد ورثة الأب وأحد ورثة الأم على تقدير عدم وجود الولد المطلوب إثبات نسبه حيث أنه في حالة ثبوت نسبه للمتوفين فإنه يحجبها من الميراث .

صور ونماذج لدعوى النسب :

نموذج رقم (1) صورة دعوى اثبات نسبه من أبيه

السيد قاضي محكمة الأحوال الشخصية في

المدعي

المدعي عليها

جهة الدعوى

أن المدعى عليه الأول والدي وأنا ابنه رزقت له من والدتي المدعي عليها الثانية حال قيام الزوجية وهما الان يجحدان بنوتي لهما بغير حق شرعي فأطلب احضارهما للمرافعة واصدار الحكم عليهما بثبوت نسبي منهما والزامهما بكافة مصاريف الدعوى .

نموذج رقم (2) صورة دعوى اثبات النسب على الغير

السيد قاضي محكمة الاحوال الشخصية في

المدعي

المدعي عليه

جهة الدعوى

أن المدعي عليه اخي الشقيق وان والدنا عبد الرزاق صالح ووالدتنا زينب حسن عباس رزقنا لأبوينا من زواج صحيح شرعي وحيث أنهما توفيا وأني الان فقير وعاجز عن الكسب وأخي المدعي عليه موسر وليس هناك من هو أقرب لي منه لذا أطلب احضاره للمرافعة والحكم بثبوت كوني شقيقه والحكم عليه بالنفقة وتحميله كافة مصاريف الدعوى .

نموذج (3) صورة دعوى اثبات النسب ضمن دعوى الحضانة

السيد قاضي محكمة الاحوال الشخصية في

المدعية

المدعي عليه

جهة الدعوى

أن المدعى عليه زوجي والداخل بي شرعا وقد رزقت منه بطفله اسمها (هند) ولم ازل بعصمته وان المدعي عليه ينكر نسب طفلته منه فاطلب احضاره للمرافعة والحكم عليه بإثبات نسب الطفلة والزامه بمنع معارضته لي في حضانتها وتحميله كافة المصاريف الدعوى .

نموذج (4) عريضة دعوى اثبات نسب من مفقود

السيد قاضي محكمة الاحوال الشخصية في

المدعي : – فلان بن فلان

المدعى عليه : فلا بن فلان حســـــــــــب قيمومته على

ولده المفقود / أو الاسير فلان بموجب حجة القيمومة الصادرة من

محكمة الأحوال الشخصية في بعدد

وتاريخ / / .

جهة الدعوى

أن فلان بن فلان هو زوجي الداخل بي شرعا والذي تزوجني بتاريخ / / وزقت منه الطفل فلان بتاريخ ولادته / /

وما زلت في عصمته وقد فقد اوسر في معركة الشرف والكرامة معركة قادسية صدام بموجب كتاب التأييد الصادر من (ادارة الضباط) أو (مديرية ادارة المراتب) بعدد وتاريخ / / وان المدعى عليه هو والد المفقود والقيم عليه لذا اطلب احضاره للمرافعة والحكم عليه بالإضافة الى قيمومته على المفقود بإثبات نسب طفل المذكور الى ابيه المفقود من فراش الزوجية وتحميله كافة مصاريف الدعوى .

_____________________

1-أن كلمة ولد في اللغة العربية تعني الابن أو البنت وحيثما ذكرت كلمة ولد فأن ذلك يعني الابن أو البنت دون تمييز.

‏2- سورة النحل ، الآية (٧٢).

3- سورة الفرقان ، الآية (74).

‏4- سورة : الأحزاب ، ا لأية (5) .

5- أبو الحسن الكرخي من فقهاء الحنفية.

‏6-انظر الزيلعي ، تبين الحقائق في شرح كنز الدقائق ، ، المجلد ٣ ‏ ، دار المعرفة بيروت ، ط 2 ، 1313 هـ . ص 39 .

7- سورة الأحقاف ، الآية (١٥).

8- سورة البقرة ، الآية (3 ٢٢).

‏9- اختلف الفقهاء في تحديدها اختلافا شديدا فقال الحنفية ، هي سنتان ، وقال الشافعية هي أربع سنوات ، وقال المالكية هي خمس سنوات وقال : غيرهم غير ذلك لأن تقديراتهم اعتمدت في الحقيقة على اخبار من بعض النساء.

10- نصت القوانين المعمول بها في اكثر الأقطار العربية على أن اقصى مدة الحمل سنة فقد نصت م (٨٠) من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية على أن ” اقل مدة الحمل ستة أشهر واكثرها سنة ” والمادة (١٤٧) من القانون الأردني لسنة ١٩٧٦ ‏على انه ” لا تسمح عند الانكار دعوى النسب لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة ” .

‏وتنص المادة (٦٩) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على أن ” لا يثبت النسب عند الإنكار لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها ولا ولد زوجة أتت به لسنة من غيبة الزوج عنها أو من وفاته أو من تاريخ الطلاق ” .

‏وتنص المادة ٢٨ ‏ا من قانون الأحوال الشخصية السوري على أن ” أقل مدة الحمل مئة وثمانون يومأ وأكثر ، منة شمسية “.

11- انظر قرار محكمة التمييز 261 ‏/ هيثة عامة/ في ١ ‏1/ 9 / 1971 ، النشرة القضائية ، العدد الثالث ، السنة الثانية ، ص 72 .

12- ورد القانون في الفقرة (١) من المادة (٥٢) تعبير (نسب المقر له) والأصح القول (المقر بنسبه) لأن الأول هو المحمول نسبه على الغير مثال أن يقول المقر هذا أخي أو ابن عمي وليس هذا هو المقصود بالمادة . راجع محمد زيد الأبياني ؟ شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية ، ‏ج٤ ‏ ، المرجع السابق ، ص ٢٤ ‏في حكم المقر له بالنسب .

‏13- سورة الأحزاب ؟ الآية (٥١) .

14- سورة الأحزاب ، الآية (٤).

15- لزيادة الاطلاع ندرج المواد المذكورة .

‏م ٣٩- للزوجين أن يتقدما بطلب مشترك إلى محكمة الاحداث لضم صغير يتيم الأبوين أو مجهول النسب إليهما وعلى محكمة الأحداث قبل أن تصدر قرارها بالضم أن تتحقق من أن طالبي الضم عراقيان ومعروفان بحسن السيرة وعاقلان وسالمان من الأمراض وقادران على إعانة الصغير وتربيته وأن يتوفر فيهما حسن النية .

‏م ٤٠- تصدر محكمة الأحداث قرارها بالضم بصفة مؤقتة ولفترة تجريبية أمدها ستة أشهر يجوز تمديدها إلى ستة أشهر أخرى وترسل المحكمة خلال هذه الفترة باحثاً اجتماعياً إلى دار الزوجين مرة واحدة في الأقل كل شهر للتحقيق من رغبتهما في ضم الصغير إلى رعايتهما له ليقدم تقريراً مفصلاً في المحكمة .

‏م ٤١- إذا عدل الزوجان أو أحدهما عن رغبته في ضم الصغير خلال فترة التجربة أو تبين لمحكمة الأحداث أ مصلحة الصغير غير متحققة في ذلك فعليهما إلغاء قرارها بالضم وتسليم الصغير إلى أية مؤسسة اجتماعية معدة لهذا الفرض .

م ٤٢ ‏- إذا وجدت محكمة الأحداث بعد انقضاء فترة التجربة أن مصلحة الصغير متحققة برغبة الزوجين الأكيدة في ضمه إليها تصر قرارها بالضم .

‏م ٤٣ ‏- يترتب على ضم الصغير التزام طالبي الضم بما يأتي :

‏أولاً : الإنفاق على الصغير إلى أن تتزوج الأنثى أو تعمل والى أن يصل الغلام الحد الذي يكسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم أو عاجزاً عن الكسب لعلة في جسمه أو عاهة في عقله ففي هذه الحالة يستمر الإنفاق عليه لحين حصول طالب العلم الشهادة الإعدادية كحد ادنى أو بلوغه السن التي تؤهله للحصول عليها وحتى يصبح العاجز قادراً على الكسب .

‏ثانياً : الإيصاء للصغير بما يساوي حصة أقل وارث على أن لا تتجاوز ثلث التركة وتكون واجبة لا يجوز الرجوع عنها .

‏م ٤٤- يتم الإقرار بنسب مجهول النسب أمام محكمة الأحداث وفق قانون الأحوال الشخصية .

‏م ٤٥- يعتبر الصعير مجهول النسب مسلماً عراقياً ما لم يثبت خلاف ذلك .

‏م ٤٦- على محكمة الأحداث إرسال نسخة من قرارها بالضم أو الإقرار بالنسب إلى مديرية الجنسية ولا حوال المدنية لقيده في سجلاتها .

16- أن الشبهة عند أبي حنيفة تثبت بالعقد وإن كان متفقاً على تحريمه وهو عالم به (الهداية للمرغيثاني ج2 ط 1965 ص 100) ، ومن أشكاله الزواج من خامسة (فتح القدير لابن الهمام ج4 ط بولاق 1316 ص 143) .

17- انظر قرار 1631 / شخصية / 81 في 21 / 11 / 1981 غير منشور . وأن النسب كما يثبت بالنكاح يثبت بالنكاح الفاسد وبالوطء بشبهة والملك اليمين (الهداية ج2 ص36) ، والفقه على المذاهب الأربعة للجزيرة ج4 ص624 . كذلك إذا نكح محارمه أو الخامسة أو أخت امرأته فوطئها لأحد عليه عند أبي حنيفة وإن علم بالحرية (المبسوط للسرخسي ج9 ص 85-87) وكذلك شرح شرح الكنز للعيني ج1 ص 226 .

18. ليس للمدعية إقامة دعوى إثبات نسب ولدها على أخي زوجها المتوفى – ما دام المدعى عليه ليس وارثاً للمتوفى ولا وصياً مختاراً أو منصوباً على أولاده في الدعوى بوصفه خصماً مدعي عليه بل يجب رد الدعوى . قرار محكمة التمييز 284/ شرعية / 1974 في 20 / 5 / 1974 النشرة القضائية ، العدد الثاني ، السنة الخامسة ، 158 .

19- أن نفي المتداعيين نسب الطفلة يستوجب نصب وصي عليها وإقامة الدعوى عليه من المتداعيين أو أحدهما لتكون الخصومة صحيحة . قرار 937 / شخصية / 1977 في 12 / 5 / 1977 . مجموعة الاحكام العدلية ، العدد (2) ش ، 1977 .

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .

ثبوت النسب في الفقه و القانون