القرآن الكريم عند الشيعة الإمامية
هذه جملة من ألفاظ فقهاء الشيعة الإمامية ممن انتهت إليهم رئاسة المذهب في القرآن الكريم
الشيخ الصدوق
متوفى 381 هجري
الاعتقادات – الشيخ المفيد ص 84، 88:
قال الشيخ رضي الله عنه: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.
متوفى 413 هجري
أوائل المقالات – الشيخ المفيد ص 80،82:
59 – القول في تأليف القرآن وما ذكر قوم من الزيادة فيه والنقصان
وأما النقصان… وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا قال الله تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} فسمى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف. وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب.
وأما الزيادة… ولست أقطع على كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام.
متوفى 460 هجري
التبيان – الشيخ الطوسي – ج 1 – ص 3-4
وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضا، لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى (ره)، وهو الظاهر في الروايات.
غير أنه رويت روايات كثيرة، من جهة الخاصة والعامة، بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها، لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين، فان ذلك معلوم صحته، لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه، ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواية لا يدفعها أحد، أنه قال: (إني مخلف فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا يدل على انه موجود في كل عصر، لأنه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به. كما أن أهل البيت، ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت. وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته، فينبغي أن نتشاغل بتفسيره، وبيان معانيه ونترك ما سواه.
الشيخ كاشف الغطاء
متوفى 1373 هجري
أصل الشيعة وأصولها – الشيخ كاشف الغطاء – ص 220
وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يرده نص الكتاب العظيم [إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون]. والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة، وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا، فإما أن تأول بنحو من الاعتبار، أو يضرب بها الجدار.
السيد الخوئي
متوفى 1411 هجري
البيان في تفسير القرآن – السيد الخوئي – ص 259 – 261
ومما ذكرناه: قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حب القول به، والحب يعمي ويصم وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته.
متوفى 1377 هجرية
الفصول المهمة في تأليف الأمة
وكل من نسب اليهم تحريف القرآن فإنه مفتر عليهم ظالم لهم، لأن قداسة القرآن الحكيم من ضروريات دينهم الاسلامي ومذهبهم الامامي، ومن شك فيها من المسلمين فهو مرتد باجماع الامامية، فإذا ثبت عليه ذلك قتل ثم لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. وظواهر القرآن فضلا عن نصوصه من أبلغ حجج الله تعالى واقوى ادلة أهل الحق بحكم البداهة الاولية من مذهب الامامية، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الاحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها وان كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والاصول صريحة بما نقول.
والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواتراً قطعياً الى عهد الوحي والنبوة، وكان مجموعا على ذلك العهد الأقدس مؤلفا على ما هو عليه الآن، وكان جبرائيل عليه السلام يعارض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن في كل عام مرة وقد عارضه به عام وفاته مرتين.
والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبي حتى ختموه عليه صلى الله عليه وآله وسلم مرارا عديدة، وهذا كله من الامور المعلومة الضرورية لدى المحققين من علماء الامامية، ولا عبرة بالحشوية فإنهم لا يفقهون.
والباحثون من اهل السنة يعلمون أن شأن القرآن العزيز عند الامامية ليس إلا ما ذكرناه والمنصفون منهم يصرخون بذلك.
قال الامام الهمام الباحث المتتبع رحمة الله الهندي رضي الله عنه في صفحة 89 من النصف الثاني من كتابه النفيس (اظهار الحق) ما هذا لفظه: القرآن الكريم عند جمهور علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه فقوله مردود غير مقبول عندهم.
قال: قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه الذي هو من أعظم علماء الامامية الاثني عشرية في رسالته الاعتقادية: «اعتقادنا في القرآن ان القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الله مائة وأربع عشر سورة، وعندنا والضحى وألم نشرح سورة واحدة، ولايلاف وألم تر سورة واحدة، ومن نسب الينا أنا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب» انتهى.
قال الامام الهندي: وفي تفسير مجمع البيان الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة ذكر السيد الاجل المرتضى علم الدين ذو المجد ابو القاسم علي بن الحسين الموسوي: ان القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله ويتلى عليه، وان جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات، وكل ذلك بأدنى تأمل يدل على انه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث.
قال الهندي: وذكر ان من خالف من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف مضاف الى قوم من أصحاب الحديث نقلوا اخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ـ انتهى.
قال الامام الهندي: وقال السيد المرتضى أيضا: ان العلم بصحة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وبلغت الى حد لم تبلغ اليه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية حتى عرفوا كل شيء فيه اعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد ـ انتهى.
قال الامام الهندي: وقال القاضي نور الله التوستري الذي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمى بمصائب النواصب: ما نسب الى الشيعة الامامية من وقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الامامية، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم ـ انتهى.
قال الامام الهندي: وقال الملا صادق في شرح الكليني: « يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الامام الثاني عشر ويشهر به » انتهى.
قال الامام الهندي: وقال محمد بن الحسن الحر العاملي الذي هو من كبار المحدثين في الفرقة الامامية في رسالة كتبها في رد بعض معاصريه « هر كسيكة تتبع أخبار وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني ميداند كه قرآن در غايت وأعلى درجة تواتر بوده وآلاف صحابة حفظ ونقل ميكردند آن راودر عهد رسول خدا صلى الله عليه وآله وسلم مجموع ومؤلف بود » انتهى.
قال الامام الهندي: فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الامامية الاثني عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، وانه كان مجموعا مؤلفا في عهد رسول الله صلى الله وآله وسلم وحفظه ونقله ألوف من الصحابة، وجماعة من الصحابة كعبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الامام الثاني عشر رضي الله عنه.
قال والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد به فيما بينهم.
قال: وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.
قال: وهو حق لأن خبر الواحد إذا اقتضى علما ولم يوجد في الادلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده، على ما صرح به ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى بمبادىء الوصول الى علم الاصول، وقد قال الله تعالى: « إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ».
قال: ففي تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة «أي إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان» انتهى…
هذا كلام الامام الهندي عينا، وانما اكتفينا بما نقله من كلام أعلام الشيعة الامامية المسطور في كتبهم المعتبرة لأن الاستقصاء يوجب الخروج عما أخذناه على أنفسنا من اجتناب الاطناب الممل.
ومن أراد النقل عن الطوائف والامم فليقتف أثر هذا الامام في الاستناد الى الكتب المعتبرة عند تلك الامة أو الطائفة، ولا يعول في النقل عنها على المرجفين من خصمائها والالداء من أعدائها.
وأنا اكبر السفر الجليل (تحت راية القرآن) واقدر قدر مؤلفه (المصطفى الصادق) واعلم انه بعيد الغاية رزين الحصاة، وكنت أربأ به وبسفره الثمين المؤلف لعموم المسلمين عن جرح عواطف الشيعة وهم ركن الدين وشطر المسلمين، وفيهم الملوك والامراء والعلماء والأدباء والكتبة والشعراء والساسة المفكرون والدهاة المدبرون وأهل الحمية الاسلامية والنفوس العبقرية والشمم والكرم والعزائم والهمم، وقد انبثوا في الانحاء وانتشروا في الأرض انتشار الكواكب في السماء، فليس من الحكمة ولا من العقل أن يستهان بهم، وهم أهل حول وقوة وغنى وثروة وأموال مبذولة في سبيل الدين وانفس تتمنى أن تكون فداء المسلمين.
وليس من التثبت أن يعتمد في مقام النقل عنهم على إرجاف المرجفين واجحاف المجحفين «يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».