تاريخ الشيعة في مصر

تاريخ الشيعة في مصر

يقول صالح الورداني في كتابه الشيعة في مصر حول سؤال:  هل التشيع في مصر بدأ مع الفاطميين فيقول:

يجيب المقريزي بقوله كان التشييع معروفا بأرض مصر قبل ذلك وينقل رواية الكندي في كتاب “الموالي” عن عبد الله بن لهيعة أنه قال قال يزيد بن أبي حبيب: نشأت بمصر وهي علوية فقلبتها عثمانية ويذكر لنا التاريخ ثورة محمد بن أبي حذيفة في مصر عام 35هـ‍ والتي خلع فيها والي عثمان عقبة بن عامر وجمع الناس وألبهم على عثمان ودخل في صدام مع أنصاره في مصر وحبس بعضهم بعد أن تمكن منهم وهم “بسر بن أرطأة” و “معاوية بن خديج” ثم بعث ابن أبي حذيفة بقوة إلى عثمان بالمدينة ساهمت في الثورة عليه وقتله وحين عادت القوة إلى مصر بعد مصرع عثمان دخلت البلاد وهي ترتجل:

خذها إليك واحذرن أبا الحسن * إنا نمر الحرب إمرار الوسن * بالسيف كي تخمد نيران الفتن

فلما دخلوا المسجد صاحوا لسنا قتلة عثمان ولكن الله قتله وكان من أمر شيعة عثمان أن جمعوا صفوفهم وانطلقوا إلى معاوية وبايعوه على الطلب بدم عثمان فسار بهم معاوية إلى الصعيد وهزم أصحاب ابن أبي حذيفة وبعث ابن أبي حذيفة بجيش آخر عليه قيس بن حرمل فاقتتلوا في (خربتا) أول شهر رمضان عام 36 هـ‍ فقتل قيس وسار معاوية إلى مصر فخرج إليه ابن أبي حذيفة في أهل مصر فمنعوه أن يدخلها ثم حدث اتفاق بين الطرفين على أن يسلم قادة الشيعة الثلاثة أنفسهم لمعاوية كرهائن إلى حين يتم القبض على قتلة عثمان إلا أن معاوية غدر بالقادة الثلاثة واستولى على مصر ولما بلغ علي بن مصاب أبي حذيفة بعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على مصر فدخلها سنة سبع وثلاثين واستمال الخارجين بأهل خربتا ومصر يومئذ من جيش علي إلا أهل خربتا الخارجين بها ثم أوقع معاوية بين قيس والإمام علي وتم عزل قيس وتولية محمد بن أبي بكر الذي لم يتمكن من الصمود أمام جيش معاوية بقيادة عمرو بن العاص وسقط قتيلا في عام 38 ه‍ـ ولم يمكث في الحكم سوى خمسة أشهر. ويبدو أن محمد بن أبي بكر استفز القوم في مصر كما لم يتمكن من التصدي لهذا التحدي الخارجي القادم من الشام بالإضافة إلى مواجهة الفتن في الداخل وبعد سقوط بني أمية وقيام دولة بني العباس ظهرت دعوة بني حسن بن علي بمصر وتكلم الناس بها وبايع كثير منهم لعلي بن محمد بن عبد الله وكان أول علوي قدم مصر وقام بأمر دعوته خالد بن سعيد بن حبيش الصوفي من خاصة الإمام علي وشيعته وحضر الدار في قتل عثمان. وما زالت شيعة علي بمصر إلى أن ورد كتاب المتوكل على الله إلى مصر يأمر فيه بإخراج آل أبي طالب من مصر إلى العراق فأخرجوا في رجب عام 236 ه‍ـ  واستتر من كان بمصر على رأس العلوية وقام يزيد بن عبد الله أمير مصر يومئذ بتتبع الروافض وحملهم إلى العراق ومات المتوكل وجاء المستنصر فورد كتابه إلى مصر بألا يقبل علوي ضيعه ولا يركب فرسا ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطرافها وأن يمنعوا من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد ومن كان بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة قبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة وجاء المستعين واستمرت سياسة التهجير لشيعة مصر من الطالبيين وهذه السياسة التي مارستها حكومات بني العباس ضد أبناء آل البيت في مصر إنما كان الهدف منها القضاء على الوجود الشيعي في مصر بنفي قيادات الشيعة والعناصر الفاعلة في دائرتها ليتم عزل جماهير الشيعة تمهيدا لاحتوائها وتصفيتها وفي عام 252هـ‍ قامت ثورة شيعية بالإسكندرية بقيادة جابر بن الوليد المدلجي واجتمع إليه خلق كثير من بني مدلج وهزم جيش العباسيين وقوي أمره وأتاه الناس وتمكن من السيطرة على الوجه البحري إلا أن هذه الثورة لم تنجح ثم حدثت ثورة أخرى صغيرة قادها بغا الأكبر -يمتد نسبه إلى الحسين- في الصعيد وقامت بعدها ثورة أخرى قادها بغا الأصغر فيما بين الإسكندرية وبرقة في عام 255ه‍ـ في عهد ابن طولون وسار في جمع إلى الصعيد لكنه قتل وثار ابن الصوفي العلوي في الصعيد واستولى على إسنا وهزم جيش ابن طولون لكنه هزم في إخميم وفر إلى مكه وقبض عليه ابن طولون بعد ذلك. وفي عهد خمارويه بن أحمد بن طولون ظهر رجل ينكر أن أحدا خيرا من أهل البيت فوثب عليه العامة وضرب بالسياط في عام 285 هـ وحدث صدام بين جمع من الأهالي والجند أمام الجامع العتيق -جامع عمرو- بسبب لوحة على باب الجامع ذكر فيها الصحابة والقرآن وأراد الأهالي خلعها فتصدى لهم الجند ووقعت إصابات في الجانبين. يقول المقريزي : وما زال أمر الشيعة يقوى في مصر إلى أن دخلت سنة 350 ه‍ـ ففي يوم عاشوراء وقعت منازعة بين الجند وبين جماعة من الرعية عند قبر كلثوم العلوية بسبب ذكر السلف والنوح وقتل فيها جماعة من الطرفين وتعصب السودان -الجنود- على الرعية فكانوا إذا لقوا أحدا قالوا: من خالك؟ فإن لم يقل معاوية بطشوا به وشلحوه ثم كثر القول: معاوية خال علي وكان على باب الجامع العتيق شيخان من العامة يناديان في كل يوم جمعة في رجوة الناس من الخاص والعام: معاوية خالي وخال المؤمنين وكاتب الوحي ورديف رسول الله -وهذا أحسن ما يقولونه- وإلا فقد كانوا يقولون: معاوية خال علي من ها هنا -ويشيرون إلى أصل الأذن- ويلقون أبا جعفر الحسيني فيقولون له ذلك في وجهه وكان بمصر أسود يصيح دائما: معاوية خال علي فقتل بتنيس أيام القائد جوهر وقد قام خصوم الشيعة في مصر بمظاهرة في عهد كافور الأخشيدي يطالبونه فيها بنصرة إخوانهم الذين ثار عليهم الطالبيين بمكة واستمرت مطاردة الشيعة وضربهم كلما ظهرت لهم شعيرة أو ارتفع لهم صوت وضرب رجل شيعي بالسياط وجعل في عنقه غل وحبس حتى مات وأراد العامة نبش قبره إلا أن جند كافور منعوهم وفي عام 356 هـ‍ كتب على المساجد ذكر الصحابة والتفضيل أي تفضيل أبي بكر على علي لكن كافور أمر بإزالته ومثل هذا السرد التاريخي إن دل على شئ فإنما يدل على أن الشيعة كان لها وجودها البارز والفعال على الساحة المصرية وفي قلب القاعدة الشعبية وهذه الوقائع تشهد على هذا فهي رد فعل سني تجاه هذا التواجد المستفز لهم.