كل ما تود معرفته عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر

هي منظمة دولية لمساعدة ضحايا الحرب، أسسها جـان هنـري دونان ean Henri Dunant ما بين (1828م – 1910م)، السويسري الأصل، عام 1863. ولد دونان في جنيف، من عائلة عُرِفت بالوجاهة والثروة، ومال، منذ نعومة أظفاره، إلى أعمال البر والإحسان. وكانت له جهود في مقاومة الرق. وفي سنة 1859م، لمّا استعرت نار الحرب بين النمسا وفرنسا، ذهب بنفسه إلى ساحات القتال، ليدرس كيفية إمكان مساعدة الجرحى، وحضر معركة سولفرينو Solferino، التي وقعت في 24 يونيه 1859م، وعند المساء، أخذ يطوف في ساحة الحرب، فرأى هناك عدداً كبيراً من الجرحى، دون أن يجدوا من يأبه بهم. فأثّر هذا المشهد في نفسه، وبدأ يجمع حوله بعض المتطوعين، وأخذ في مساعدة الجرحى المتروكين.

بدأ دونان يدرس فكرة إنشاء تنظيم يتولى تخفيف معاناة جرحى الحرب، وغيرهم، فألَّف كتيِّباً عنوانه “ذكرى سولفرينو”، يدعو فيه الشعوب المتمدنة، إلى الاتفاق على تأليف جمعية دولية، تجمع التبرعات، لمساعدة الجرحى. ثم أخذ دونان يزور العواصم الكبرى يدعو لمشروعه. إلى أن استطاع، بمساعدة أربعة من مواطنيه هم: موانييه Moynier، وأَبْيا Appia، ومونوار Maunoir، والجنرال دوفور Le général Dufour، في 9 فبراير 1863م، أن يدعو إلى عقد مؤتمر دولي، يتولى صياغة مبادئ معاهدة، توقِّع عليها الدول، لتشكيل جمعية، لمساعدة جرحى مختلف حروب البلدان الأوروبية، من أي بلدٍ كانوا، بحيث يصبح أولئك الجرحى، هم والذين يعالجونهم، في حالة حياد تامة، تحت حماية الشعار الذي اختارته الجمعية، وهو الصليب الأحمر المرسوم على خلفية بيضاء، وهو يقابل شكل العلم السويسري، الذي هو صليب أبيض على خلفية حمراء، اعترافاً بدور سويسرا في نشوء تلك المنظمة.

تشكلت الجمعية، التي دعا إليها دونان، بعد أن لقي مساعدة ودعماً من مجلة “الدبا” Débat، وساندته مقالات الكاتب الفرنسي الشهير سان ـ مارك جيراردن Marc Gerardin، المثيرة حول الموضوع، وغيره من الكتاب في سائر البلاد، فانتشرت الفكرة انتشاراً بعيداً، ولم يمض إلاّ القليل، حتى تأسست جمعية الصليب الأحمر، وانضم إليها عدد من الكتاب ورجال السياسة والأعمال.

وفي 26 أكتوبر 1863م، اجتمع 63 عضواً لأول مرة في مدينة جنيف، يمثلون 16 بلدًا أوروبيًا، وأقروا المبادئ الأساسية للجمعية، التي أعدّها جوستاف موانييه Gustave Moynier. وفي العام التالي 1864م، وفي أول اجتماع، في جنيف، دعت إليه الحكومة السويسرية، وحضره ممثلون عن 12 دولة، وُقِّع ما سُمّي باتفاقية جنيف الأولى، لتحسين حالة الجرحى العسكريين في ساحة القتال، وهي الأولى من سلسلة اتفاقيات، عدَّلتها، وأكملتها، في أعوام 1906، 1925، 1929، 1949م، وتشكَّل في مجموعها أهم قواعد القانون الإنساني المعروفة اليوم، ويسمى (قانون جنيف)، أو (قانون الصليب الأحمر).

والاتفاقية المعمول بها حالياً، هي اتفاقيات جنيف لعام 1949م فقط، إضافة إلى البروتوكولين الملحقين بها لعام 1977م. وتحمل اتفاقيات جنيف لعام 1949م، التسميات الرسمية الأربع الآتية:
1. اتفاقية جنيف الأولى، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بتحسين أوضاع الجرحى والمرضى من العسكريين، في الحروب البرية.
2. اتفاقية جنيف الثانية، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بتحسين أوضاع الجرحى، والمرضى، والمنكوبين، في الحروب البحرية.
3. اتفاقية جنيف الثالثة، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب.
4. اتفاقية جنيف الرابعة، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب.
وتشكل هذه الاتفاقيات، التي تتضمن نحو 400 مادة، أربعة أخماس أحكام قانون حقوق الإنسان المعروف اليوم، وأما الخمس الباقي فيوجد في نصوص دولية أخرى، وخاصة أحكام (لائحة الحرب البرية)، الملحقة باتفاقيات لاهاي للسلام لعامي 1899م، 1907م[1]. ويعد شعار الصليب الأحمر، خلال الحرب، علامة واضحة، يضعها الأشخاص التابعون لمنظمة الصليب الأحمر، لتقديم الحماية للأشخاص، وفق اتفاقيات جنيف. ولضمان حماية الأشخاص، ينبغي أن يكون هذا الشعار كبيراً ومرئياً، وأي استخدام خاطئ لهذا الشعار يعد خرقاً للقانون الإنساني الدولي، الذي ينبغي أن يوظِّف في كل الأوقات للحماية، وتقديم المساعدات الإنسانية.

[1] وُضِعَت قواعد قانون الحرب في عدد من المؤتمرات الدولية، منها: معاهدة وستفاليا 1648م، ومؤتمر باريس 1856م، وتصريح سان بطرسبرج 1868م، ومؤتمر لاهاي 1899م و 1907م، ولكن أهم النصوص، التي تنظم الحرب البرية، واردة في `لائحة الحرب البرية`، الملحقة باتفاقية لاهاي الثانية، لعام 1899م ، والرابعة، لعام 1907م. وميثاق عصبة الأمم، لعام 1919م. وميثاق بريان كيلوج 1928م.

أولاً: تشكيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أولاً:

تشكيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والعاملون بها:

1. تشكيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
لا زالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤسسة خاصة، تعمل وفق القانون السويسري واللجنة الدولية استمرار للجنة الخماسية، التي أسست المنظمة، في جنيف، في 9 فبراير 1863م، وقد ارتفع عدد أعضائها من (5) إلى (7)، خلال الحرب الفرنسية ـ البروسية (1870م ـ 1871م)، ثم بلغ عدد الأعضاء (16). ثم بنهاية الحرب العالمية الأولى، زاد إلى (20) عضواً. يقتصر اختيار الأعضاء على المواطنين السويسريين، حفاظاً على حياد المنظمة، ما أمكن، باعتبار أن كل الأطراف، التي اشتركت في الحروب المذكورة، اعترفت بحياد سويسرا. وتنص المادة (7)، الفقرة (1) من النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر على:
“تختار اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعضاءها من المواطنين السويسريين، وتتألف من (15 – 25) عضواً”.
أما المادة (5)، الفقرة (1) من النظام الأساسي لمنظمة الصليب الأحمر، والهلال الأحمر الدوليين، التي تبناها المؤتمر الدولي الخامس والعشرون للصليب الأحمر (جنيـف، أكتوبـر 1986م)، فتنص على أنه يتم اختيار أعضائها من المواطنين السويسريين. وقد بلغ عدد أعضاء اللجنة الدولية، في 1 يناير 1995م، (25)، كلهم سويسريون. وإن حدثت محاولات كثيرة لتغيير هذا الإجراء، وتمثيل كافة الأمم، التي تشترك في المنظمة، لكي يكون لها مشاركة شرعية في القرارات. أهابت المنظمة، عند تشكلها في عام 1863م، بعدد من البلاد، وخصوصاً فرنسا، أن تشكل منظمات وطنية للصليب الأحمر، تعمل في الحرب على مساعدة الجرحى، وفي السلم على تقديم العون الصحي ـ الاجتماعي، وطنياً ودولياً، إبّان الكوارث والنكبات. ولكي تشد أواصر العلاقات، التي تجمع هذه المنظمات، ولتنسيق أعمالها، أسست في عام 1919م، باقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية، اتحاداً أُطلق عليه: “اتحاد منظمات الصليب الأحمر”، ومقره في جنيف، وتديره لجنة تنفيذية، تتألف بالانتخاب من خمسة عشر ممثلاً، لخمس عشرة منظمة، ولها رئيس، وسكرتير عام، يرأس بدوره سكرتارية عامة. ويعقد رؤساء المنظمات الوطنية اجتماعاً كل سنتين، ويحملون بهذه المناسبة لقب (حكام)، ويبحثون معاً في شؤونهم المشتركة. وهناك مجلس دائم، مؤلف من 9 أعضاء، مكلف بمعالجة النـزاعات المحتملة وحلها.

وينعقد، من حيث المبدأ، كل أربع سنوات، مؤتمر دولي للصليب الأحمر، تشارك فيه كل المؤسسات، والصليب الأحمر الدولي، وهي: اللجنة الدولية، والاتحاد الدولي، والمجلس الدائم، وممثلو المنظمات الوطنية، وأخيراً، ممثلو الحكومات الموقعة على اتفاقيات جنيف. والمؤتمر هو أعلى سلطة في الصليب الأحمر الدولي. والصليب الأحمر منظمة ليست سياسية، ولا دينية، وإنما منظمة محايدة، لا تتدخل في شؤون الحكومات، وتتعامل مع الموجود في الحكم منها، في حدود معروفة

2. العاملون في الصليب الأحمر:
توظف اللجنة الدولية للصليب الأحمر عناصر من مختلف التخصصات والمهن، الذين يمكن أن تسهم خبراتهم في تحسين مستوى الخدمات الإنسانية، ويعمل لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 7000 شخص حول العالم، بينما يصل عدد العاملين في الإدارة العامة إلى 600 شخص.
وتقوم اللجنة بتدريب الشباب من الجنسين، من سن ما بين 25 ـ 35 عاماً، ليصبحوا مندوبين، ولا بد أن يكونوا غير متزوجين، ويحملون شهادة جامعية، أو ما يعادلها، أو أن تكون لديهم خبرة مهنية. وينبغي أن تتوافر لديهم الحنكة، واللباقة، ولديهم القدرة على العمل، ضمن فريق، وأن يحسنوا التلاؤم مع الظروف المختلفة، التي يمكن أن تعرّض حياتهم للخطر. وتقوم المنظمات الإقليمية بدور بارز في الأعمال اليومية، التي تقدمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ لتقديم المساعدات في المستشفيات، أو لتوزيع المساعدات.

يبدو أن بعض الانحرافات قد وقعت في العمل، الذي تقوم به منظمات الصليب الأحمر في بعض الأماكن من العالم، مثل جنوب السودان، والفيليبين، وكشمير، وبعض مناطق أفريقيا، حيث يكون لديانة الضحايا أثره في مدى جدية المساعدات والعون. وإن كانت هذه التصرفات فردية، أو توجهها بعض المؤسسات التنصيرية، التي تسللت إلى الصليب الأحمر، ولكنها تقلل من مصداقية المنظمة في كثير من الأماكن.

. العناية بالجرحى:
يُعدُّ هذا الجانب ، حتى اليوم، هو العمل الأساسي؛ إذ تقدم اللجنة المساعدات الطبية، والمعدات الجراحية، والطبية للمستشفيات والمستوصفات. كما تقدم المعدات الرئيسية، التي تشغل أجهزة أشعة x، مثل النفط والمولدات. وإذا كان عدد محتاجي المساعدة كبيراً، وعجز الموظفون المحليون عن تقديم الخدمات المطلوبة، فإن موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومجموعاتها، تتدخل للمساندة. لقد اكتسب جراحو المنظمة الدولية للصليب الأحمر خبرة القيام بالعمليات، في أثناء الحرب، ويعملون على تدريب المتطوعين على المهارات المطلوبة، ويدربون الأطباء المحليين على متابعة علاج الجرحى.

2. العناية بالصحة:

لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر فرق من المهندسين الصحيين، والتقنيين، الذين يمكنهم إصلاح أنظمة الري، والتزود بالمياه، من مصادرها التي خربتها الحروب، كما يوفِّرون شبكات مياه آمنة، وأنظمة تصريف في المعسكرات، من أجل تجنب انتشار الأوبئة، مثل الكوليرا، والإسهال، التي يمكن أن تظهر بسهولة، بين التجمعات الكبيرة، في المآوي المؤقتة، التي لا تتوافر فيها مياه صالحة للشرب، ولا الشروط الصحية.

3. العناية بالمعوقين:

تخلف الألغام، مئات الآلاف من المعوقين، والضحايا المدنيين. وقد شكلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ورشة عمل، تقوم بتقويم الأعضاء المشوهة، أو تركيب أطراف صناعية، وتقديم العكازات والكراسي المتحركة، لمساعدة الأشخاص في حركتهم.
وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أخيراً، بعقد دورات التدريب؛ فقد تمّ على سبيل المثال توفير (19) من لجان المساعدة help حول “الكوارث الصحية التي تحل في قطاع كبير من السكان”، كما نشر أطباء اللجنة الدولية للصليب الأحمر كتيبات عن إجراء العمليات، خلال الحرب.

ثالثاً: التمويل والميزانية ومؤسسات اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

1. التمويل وميزانية اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
بلغت نفقات اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1998م، (132.9) مليون فرنك سويسري للإدارة العامة، و(446.1) مليون للأنشطة في ساحات المعارك. وبلغت ميزانيتها عام 1999م (140) مليون فرنك سويسري، أي ما يعادل (102) مليون دولار (53.3%)، خُصِّص جزء منها لدعم الخدمات في ساحات المعارك، و(20.7%) منها من أجل تعزيز القانون الإنساني الدولي. وقد ارتفعت في هذا العام (2000م) ميزانية الخدمات في ساحات المعارك إلى (660) مليون فرنك سويسري، أي ما يعادل (481) مليون دولار.
يصرف الجزء الأساسي من ميزانية الخدمات في ساحات المعارك في أفريقيا، إذ بلغ (53.2%)، تتبعها آسيا (16.9%)، ثم أوروبا وأمريكا اللاتينية (14.4%)، وكانت أعلى الميزانيات المخصصة في هذا المجال للسودان (59.1) مليون فرنك سويسري، ورواندا (56.1) مليون فرنك سويسري، وأنجولا (54.1)، وأفغانستان (48.1) مليون، وجمهورية الكونغو الديموقراطية (31.6) مليون.
إضافة إلى ذلك، خصص الصليب الأحمر والهلال الأحمر مبلغ (325.5) مليون فرنك سويسري، لتغطية خدماتهما في أزمة البلقان.

2. مؤسسات اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

أ. الجمعية العمومية:
تُعد الجمعية العمومية الهيئة العليا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ وهي تتولى جميع أنشطة اللجنة الدولية، وتضع السياسات، وتحدد الأهداف العامة والإستراتيجيات، ولها رئيس ونائبا رئيس. والرئيس الحالي للجنة الدولية، للصليب الأحمر هو د. جاكوب كيلنبرج Jakob Kellenbeger، منذ الأول من يناير 2000م، وهو حائز على شهادة دكتوراه من جامعة زيوريخ، ووزير خارجية سويسري سابق.

ب. المجلس التشريعي Assembly Council:
يتبع المجلس التشريعي للجمعية العمومية، التي تفوضه بعض سلطاتها، ويتولى المجلس إعداد النشاطات، التي تقرها الجمعية، ويصدر القرارات، التي هي ضمن نطاقه، فيما يخص الخيارات الإستراتيجية المتعلقة بالسياسة العامة والتمويل، والأفراد والاتصالات، والمجلس هو الصلة بين مجلس الإدارة والجمعية العمومية. يتألف المجلس من خمسة أعضاء، تنتخبهم الجمعية، ويرأسهم رئيس الجمعية العمومية.

ج. مجلس الإدارة Directorate:
هو الهيئة التنفيذية للجنة الدولية للصليب الأحمر، ومسؤول عن تنفيذ الأهداف العامة والإستراتيجيات، التي تضعها الجمعية العمومية، والمجلس التشريعي، وتطبيقها، كما أن مجلس الإدارة مسؤول عن إدارة عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويتكون مجلس الإدارة من المدير العام وثلاثة مديرين، تعيِّنهم الجمعية العمومية.

رابعاً: التطورات الأساسية داخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والعلاقة بينها وبين الهلال الأحمر رابعاً: التطورات الأساسية داخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والعلاقة بينها وبين الهلال الأحمر:

1. تطورات الأساسية داخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
خضعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإعادة تنظيم جوهرية، بناء على دراسة، استغرقت سنتين، حول مستقبلها، وهو ما عرف باسم مشروع المستقبل، وهدفه تعزيز فاعلية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتحسين قدرتها على أداء المهام، التي ائتمنتها عليها الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف.

أريد بتلك التطورات أن تعزز اللجنة الدولية للصليب الأحمر قدراتها، وأن تطوِّر أسلوبها وأهدافها، لمواجهة التحديات، التي أوجدتها الظروف الجديدة، من خلال دعم القانون الإنساني ونشره، من جهة وتطوير أنظمة الاتصالات، من جهة أخرى، بدمج الوحدات، المسؤولة عن هذه الأنشطة. وتم، كذلك ، دمج أقسام المساعدات والصحة.

كان هناك هدف آخر لهذا التطوير؛ وهو إعطاء استقلال واسع، ومسؤولية أكبر، للفرق العاملة في الميدان، مما يضمن تقوية روابط الفريق، وينعكس، بالتالي، على كفاءة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حول العالم. وسُميت السياسة الجديدة، التي يتم في ضوئها مزاولة القيادة العامة في الميادين المختلفة، “التخطيط لتحقيق نتائج” Planning for Results، وأصبحت الهيئة الأساسية أكثر قرباً، وأكثر معرفة بالاحتياجات الإنسانية.

وأخيراً، عمدت الإدارات المركزية للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تطوير أعمالها، وفق التغيير الجديد، فظلت الجمعية العمومية تهتم بالسياسات العامة. أما المجلس التنفيذي فتمّ الاستعاضة عنه بمجلس تشريعي، مكون من خمسة أعضاء من الجمعية العمومية والمدير العام. يجتمعون مرة في كل أسبوع، ويناقشون تنفيذ الأهداف والاستراتيجيات، التي وضعتها الجمعية العمومية. وتظل الجمعية العمومية مع المجلس التشريعي مسؤولين عن مراقبة تنفيذ أنشطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تُصْدِر بهذا الخصوص تقريراً سنوياً، بلغات مختلفة، منها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والعربية، والأسبانية.

2. الصليب الأحمر والهلال الأحمر:
أثير موضوع الشعار الذي اختارته اللجنة الدولية للصليب الأحمر غير مرة، فما علاقة شعار الصليب الأحمر بشعار الهلال الأحمر، وما العلاقة بين الهيئتين؟.

في عام 1864م، وضعت أسس اتفاقية جنيف، وفكر المجتمعون في وضع شعار لهذه الخدمة الإنسانية. كان الاقتراح الأساسي، الذي عرضه السيد أَبْيا Appia، وهو من الخمسة، الذين حضروا الاجتماع التأسيسي لمنظمة الصليب الأحمر، أن يكون الشعار شارة بيضاء، ثم في النهاية اتفقوا على أن يكون صليباً أحمر على أرضية بيضاء. وأرادوا أن يكون ذلك الشعار عالمياً دون أي إيضاح لطبيعته. ويذكر هنري دونان، أنه هو الذي وضع الشعار، واقترحه في المؤتمر الذي عُقد في برلين عام 1863م. وقد بُحث شكل الصليب، وتم الاتفاق على أن تكون أضلاعه الأربعة متساوية. وفي عام 1906م، أُعلن أن اختيار الصليب الأحمر إنما كان اعترافاً بفضل دولة سويسرا في هذا المجال. وفي عام 1867م، شُكِّلت أول جمعية للإغاثة وهي: جمعية الصليب الأحمر الهولندي، وفي عام 1875م، أصبح الاسم الرسمي هو: لجنة الإغاثة الدولية للصليب الأحمر. لم تشارك الدولة العثمانية في المؤتمر الدولي الذي عقد عام 1864م، ولكنها وافقت على اتفاقية جنيف الأولى، ولما نشبت الحرب بين صربيا والدولة العثمانية عام 1876م، رفضت الدولة العثمانية استعمال شارة الصليب الأحمر، وأعلنت أنها ستستعمل الهلال الأحمر؛ ويعود سبب ذلك إلى أن الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا الغربية، ضد المسلمين في الشرق، وخصوصاً في الأماكن المقدسة في فلسطين، بدأت بدعوة من الراهب بطرس الأكبر الذي خلع رداءه، وألقاه على الناس قائلاً لهم: “خذوا ردائي هذا ومزقوه صلبانًا لكم”. وهكذا استعمل الجنود أعلاماً، على شكل صلبان، ووضعوها على الدروع الواقية التي كانوا يلبسونها.

وفي عام 1876م، استعملت الدولة العثمانية شعار الهلال الأحمر. وعندما عُقد مؤتمر السلام، في لاهاي عام 1899م، لوضع اتفاقية جنيف الثانية، أكد المندوب التركي أن الدولة العثمانية ستستعمل شعار الهلال الأحمر على سفنها، وتبعه مندوب إيران، الذي طالب باستعمال الأسد والشمس باللون الأحمر، وطالب مندوب سيام باستعمال الشعلة الحمراء. وفي هذا الأثناء، طالب المندوب الأمريكي باستعمال شارة موحدة يرضى عنها الجميع، ولكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اعترضت على ذلك بحجة أن مؤتمر لاهاي لا يحق له تعديل الاتفاقية. وعُقد في عام 1906، مؤتمر أعاد النظر في اتفاقية جنيف، وأصر على استخدام الصليب الأحمر، باعتباره شعاراً عالمياً. وفي أثناء المؤتمرات التحضيرية التي عُقدت قبيل المؤتمر الدبلوماسي، في عام 1946م، حاول بعض الأعضاء تأكيد عالمية الصليب الأحمر، إلاّ أن الدول الإسلامية رفضت ذلك، وأصرت على استعمال شعار الهلال الأحمر.

وفي عام 1929م، اعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالشعارين الصليب والهلال رسمياً ولما تأسست في كل بلد جمعية للصليب الأحمر، تابعة للجنة الدولة، عُدِّلت المادة الأولى من دستورها لتنصَّ على: “أن هذا الدستور ينطبق على جمعيات الصليب الأحمر الوطنية، وعلى الجمعيات الوطنية في شتى البلدان التي تستخدم شعارات الهلال الأحمر، والأسد والشمس الحمراوين، عوضاً عن شعار الصليب الأحمر”. وذلك بما يتفق أيضاً مع نص المادة (81) من البروتوكول الأول لعام 1977م، الذي ألغى ما ورد في المادة (38)، من اتفاقية جنيف الأولى التي تفرق بين الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وفي عام 1981م، قرر المؤتمر الدولي الذي عُقد في مانيلا، شطب الأسد والشمس، بطلب من الجمهورية الإسلامية في إيران، واستعمال الهلال الأحمر، وهكذا ظل شعارا الحركة هما الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

وراعى المؤتمر الدولي الخامس والعشرون، الذي عُقد في جنيف عام 1986م، التعديلات المختلفة على الدساتير، وأصبح اسمه: “المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر”، وتغير اسم المعرض الدولي للصليب الأحمر، فأصبح اسمه: “المعرض الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر”. وأصبحت المنظمات الإقليمية موزعة بين حركة الهلال الأحمر، وحركة الصليب الأحمر، التي تتبع للاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وعلى الرغم من أن كل حركة منهما تهتم بأنشطة مختلفة، إلاّ أنها تشترك في مبادئ أساسية هي: “الإنسانية، وعدم التمييز، والحياد، والاستقلال، والخدمات التطوعية، والوحدة في إطار الشمولية”.

تنفذ المنظمات الإقليمية للصليب الأحمر ، والهلال الأحمر ما يعهد به إليها المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر؛ ومن أجل ذلك تقيم اللجنة الدولية للصليب الأحمر علاقات وطيدة مع المنظمات الإقليمية، وتتعاون معها في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل حالات الصراع المسلح، ودعوة الدول غير المصدقة على اتفاقيات جنيف للتصديق عليها، ونشر القانون الإنساني ومبادئه الأساسية، وتشرف على تقديم المساعدات الدولية التي يقوم بها الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وتقدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر المساعدات التقنية والقانونية، لحركات الهلال الأحمر، والمنظمات الإقليمية للصليب الأحمر لتطويرها، وتدريب العاملين فيها على اختلاف مجالاتهم.

كتب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في العدد الرقم (26)، الصادر في أغسطس (آب) 1992م، من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يقول في الصفحة الرقم (279): “وينبغي الإشارة إلى أن خطر تكاثر الشعارات نابع من جراء وجود علامتين ترمز كل منهما إلى ديانة معينة، وإذا استتب مثل هذا المغزى في الأذهان؛ فلا بد أن تبرز طلبات أخرى ترمي إلى الاعتراف بمزيد من الشعارات، التي إن تعددت، فقدت قيمتها الإنسانية”.

ويبدو أن هذا الكلام كان سببه الطلب الذي تقدمت به إسرائيل لاستخدام نجمة داود الحمراء، على الرغم من أنها ترفض تطبيق القانون الإنساني وعلى الأخص اتفاقية جنيف.

كان الاتحاد السوفيتي السابق يجمع بين الشعارين: الصليب والهلال، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وحصول الدول التي كانت تنضوي تحت لوائه على استقلالها، أرادت بعض هذه الدول استخدام الهلال، وأخرى استخدام الصليب وحده، بينما أرادت دول أخرى استخدام الشعارين، كما كان الحال عليه من قبل. وقد أنكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الدول التي أرادت استعمال الهلال حقها في ذلك، مع أنه كان موجوداً، من قبل، في الشعار الذي كان يستخدمه الاتحاد السوفيتي.

وقفت جمعية الصليب الأحمر نفسها، منذ تأسيسها، على خدمة الجرحى، ومساعدتهم على اختلاف المذاهب والجنسيات، فخفَّفت شيئاً من أحوال الحروب، وقلَّلت من بلاياها، ونشرت راية السلام. وكان فرح دونان عظيماً عندما رأى مشروعه مكللاً بالنجاح، ورأى أن مهمته قد انتهت، ونال في عام 1901م، جائزة نوبل للسلام. لكن الإيحاءات الدينية، التي يحملها الشعار، الذي اتخذته اللجنة الدولية جعل البعض يظن أنها منظمة دينية تتستَّر وراء مهماتها، للتمييز بين الناس، حسب مذاهبهم، ومعتقداتهم، في بعض مناطق العالم، منحرفين بذلك عن المبادئ، والأهداف، التي وضعها المؤسسون.

إن أسلوب اللجنة، في انتقاء العاملين في إدارتها، من السويسريين ضمان تام لخصوصية المعلومات، التي تحصل عليها اللجنة في أثناء تأدية مهامها، وهذا يجعلها موثوقة لدى كل الأطراف في الخصومات. وإن وجود المدنيين السويسريين في الإدارة ضمان للحياد والقبول؛ لأن بلدهم تمكنت من تجنب الحروب، على مدى قرنين من الزمن، ولو تغير هذا النظام (وجود السويسريين في الإدارة وحدهم)، لربما أصبحت اللجنة نفسها ساحة قتال، مما يعرقل الأعمال الخيّرة التي تؤديها.

الهلال الأحمر: بالإنجليزية ` Red Crescent` ، وبالفرنسية ` Croissant Rouge` ، واتخذت الكلمة في عام 1863م، معنى مشتقاً من الكلمة الألمانية ` Hornchen` ، ويدل على نوع من الحلوى أصبح يصنع في النمسا بعد انتصار النمساويين على الأتراك في عام 1689م، وأخذت شكلها من العلم التركي الذي يحتفل النمساويين كل صباح بانتصارهم عليه. وقد شاعت هذه الحلوى (الكرواسان)، في البلاد الإسلامية دون الانتباه إلى دلالتها التاريخية.

المصادر والمراجع

أولاً: المصادر العربية
1.إحسان هندي، “ما هو القانون الإنساني؟”، مجلة الفيصل، العدد الرقم (23)، 1399هـ/1979م.
2.أحمد أبو قورة، “الشعاران بين الإدعاء والحقيقة، الصليب الأحمر والهلال الأحمر”، مجلة آفاق الإسلام، العدد الأول/ السنة الرابعة، 1996م.
3.صلاح الدين عامر، “القانون الدولي الإنساني، نظرة عامة”، مجلة الدبلوماسي، العدد الرقم (5)، رجب 1405 هـ.
4.هنري دونان، “مؤسس جمعية الصليب الأحمر”، مجلة الزهور، عدد أول ديسمبر (كانون الأول) 1910م، السنة الأولى، ج 10.
5.الموسوعة الكبرى La Grande Encylopédie طبعة مكتبة لاروس، باريس، 1973م.
6.معجم لاروس القرن العشرين، ط 1929، ج 2.
7.معجم لاروس الكبير، ط 1960، ج 3.
ثانياً: المصادر الأجنبية
1. F. Gigon, Henri Dunant, L’Epopée de la Croix-Rouge, Gallimard, 1960.
2. H. Cousier, La Croix-Rouge Internationale, P.U.F., Coll. Que Sais-je, 1959, 2 éd. 1962
3. Henry W. Dunning, Elements for the History of the League of Red Cross Societies, Geneva, League of Red Cross Societies, December 1969 (Cyclostyled), PP. 13-48

كل ما تود معرفته عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر