ما هو المقصود قانونيا بسمو الدستور ؟

ويقصد بمبدأ سمو الدستور:

علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة، وهذا يعني أن أي قانون تصدره الدولة يجب إلا يكون مخالفا للدستور، ولا فرق في كون الدستور مكتوباً أو عرفياً.

ويراد بسمو الدستور أيضاً إن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوماً بالقواعد الدستورية، إن آية سلطة من سلطات الدولة لا يمكن أن تمارس إلا السلطة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها. ويعتبر مبدأ السمو من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري حتى في حالة عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية.

تجد فكرة سمو الدستور، في الواقع أساسها في كتابات مفكري نظرية العقد الاجتماعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الأوربي (إلا إنها لم تتبلور كمبدأ في عالم الواقع والقانوني) إلا بعد انتصار الثورتين الأمريكية والفرنسية.

وقد أعلن المبدأ لأول مرة في الدستور الأمريكي لعام 1787، حيث نصت المادة (6) منه على أن: (يكون هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه، وجميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم بموجب سلطة الولايات المتحدة، القانون الأعلى للبلاد، ويلزم بذلك القضاة في كل ولاية بغض النظر عما يناقض هذا في دستور أو قوانين أية ولاية).

وبعد الثورة الفرنسية ساد مبدأ سمو الدستور في الفقه الدستوري الأوربي ومن الدساتير الأوربية التي نصت علية سراحة الدستور التشيكوسلوفاكي لعام 1920، وكذلك الدستور الإيطالي عام 1947، إذ نصت هذه الدساتير على أنها تتمتع بقوة تكون ملزمة لجميع السلطات العامة في الدولة.

غير أن مبدأ سمو الدستور لم يقتصر فقط على دساتير الديمقراطيات الغربية، بل أمتد وشمل دساتير الدول الاشتراكية أيضاً ومنها دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1977، إذ نصت المادة (173) منه على أن (لدستور التحاد السوفيتي قوة القانون الأعلى – وجميع القوانين وسائر مقررات هيئات الدولة تصدر على أساس دستور الاتحاد السوفيتي ووفقاً له). وقد نصت الفقرة (3) من المادة (88) من دستور ألمانيا الديمقراطي الصادر في نيسان عام 1968، على أنه (لا يجوز للتعاليم القانونية أن تتعارض مع الدستور. ويقرر مجلس الشعب صحة دستورية التعليم القانونية في حالة الشك فيها).

هذا وقد تبنت دساتير دول العالم الثالث مبدأ سمو الدستور ونصت عليه بعض دساتيرها، من ذلك دستور جمهورية الصومال (الصادر في عام 1960، حيث أوجبت المادة (98) منه ضرورة مطابقة القوانين لأحكام الدستور وألزمت جميع الهيئات الحاكمة وجميع الأشخاص التابعين للدولة بالحفاظ على الدستور. وكذلك نصت المادة (3) من دستور السودان الانتقالي لعام 1985، على إن (تسود أحكام هذا الدستور على جميع لقوانينه ويلغى من أحكام هذه القوانين ما يتعارض مع أحكام هذا الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض).

وسمو الدستور قد يكون سموا موضوعياً (مادياً) وقد يكون سموا شكلياً:

1- السمو الموضوعي أو المادي للدستور:

القواعد الدستورية تبين وتنظم من ناحية طريقة ممارسة السلطة في الدولة، وهي من ناحية أخرى تبين وتحدد الفلسفة والأساس الأيديولوجي الذي يقوم عليه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، ومن هذا المنطلق يجب أن يكون نشاط الحكام وهيئات الدولة المختلفة محكوماً بذلك الأساس في كل ما يصدر منه من قوانين وأنشطة مختلفة، لأن خروج الحكام وهيئات الدولة عن الأساس النظري للقواعد الدستورية يعتبر هدفاً لسند وجود تلك الهيئات وللأساس القانوني لاختصاصها وبالتالي يعتبر مساساً بجوهر الدستور وانتهاكا لسموه الموضوعي أو المادي.

والملاحظ إن السمو الموضوعي للدستور لا يقتصر على الدستور الجامد، بل يظهر كذلك في الدستور المرن. ذلك لأن المشرع العادي وان كان يملك حق تعديل نصوص الدستور المرن بنفس إجراءات تعديل القانون العادي، إلا أنه ملزم دائماً باحترام الأساس النظري الذي يقوم عليه الدستور.

ويترتب على مبدأ السمو المادي للدستور عدة نتائج مهمة، منها: أن القواعد الدستورية ملزمة لجميع هيئات الدولة وأن أي نشاط يكون مخالفاً لهذه القواعد لا يتمتع بأي أثر قانوني لأنه يمس مبدأ المشروعية الذي يعني وجوب احترام القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية والالتزام بها وضرورة مطابقة تلك القوانين للنصوص الدستورية. وبما أن الدستور هو مصدر جميع السلطات العامة في الدولة، فهذا يعني أن هذه السلطات (رئيس دولة، مجالس تشريعية إلخ…) لا تمارس حقاً شخصياً تتصرف به كما تشاء، وانما تمارس وظيفة تحددها النصوص الدستورية وتبين شروطها ومداها، وينتج عن ذلك ان هذه السلطات لا تستطيع تفويض غيرها في ممارسة اختصاصها إلا في حالة إباحة الدستور للتفويض بنص خاص وذلك عملاً بالمبدأ الذي يقول: (الاختصاصات المفوضة لا تقبل التفويض). هذا وان مبدأ سمو الدستور لا ينتج أثره القانوني ما لم تنظم وسائل تكفل احترامه، أي بتنظيم الرقابة على دستورية القوانين. ولا يمكن تنظيم هذه الرقابة ما لم يتحقق للدستور السمو الشكلي بجانب السمو الموضوعي.

2- السمو الشكلي للدستور:

يتحقق السمو الشكلي للدستور إذا كانت الإجراءات المتبعة في تعديله تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي، وهذه الإجراءات تكون أشد صعوبة واكثر تعقيداً من تلك المتبعة في تعديل القانون العادي. وعلى هذا الأساس لا يتحقق السمو الشكلي إلا بالنسبة للدساتير الجامدة فقط، لأن إجراءات تعديلها، كما ستمر بنا تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي. فصفة الجمود أذن هي التي تسبغ على الدستور سموا شكلياً على القوانين العادية إضافة إلى السمو الموضوعي.

والسمو الشكلي يشمل جميع القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية سواء كانت قواعد دستورية موضوعية أو قواعد شكلية، ولا يمتد هذا السمو إلى القواعد القانونية العادية وان كانت هذه القواعد ذات طبيعة دستورية. (فالعبرة أذن في السمو بشكل القاعدة لا بمضمونها).

وتبعاً لذلك لا يتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة، بالرغم من تمتعها بالسمو الموضوعي، ولذلك بالنظر لعدم وجود فرق بين القواعد الدستورية المرنة والقانون العادي من الناحية الشكلية، لأن إجراءات تعديل الدستور المرن والقانون العادي واحدة

نخلص مما تقدم إلى أن الدساتير الجامدة وحدها تتمتع بالسمو الموضوعي والشكلي معاً أما الدساتير المرنة فلا تتمتع إلا بالسمو الموضوعي فقط دون السمو الشكلي.

الاستثناء الذي يرد على مبدأ الدستور:

تعتبر نظرية الضرورة استثناء أو قيداً يرد على مبدأ سمو الدستور والنتائج المترتبة عليه. وتستمد هذه النظرية مدلولها من القاعدة الرومانية القديمة التي تقول: (إن سلامة الشعب فوق القانون).

وخلاصة النظرية هي أن القواعد الدستورية وجدت لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ معينة تهدف بالدرجة الأساس إلى تقييد سلطة الحكام وإيجاد نوع من الفصل والتوازن بين هيئات الدولة المختلفة وذلك من أجل تأمين وحماية مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. غير أن هذه المبادئ قد شرعت للظروف الطبيعية، أما إذا استجدت ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو بالسلامة العامة للمجتمع كحالة الحرب والأزمات الحادة من سياسية واقتصادية أو حالة التمرد أو العصيان لابد من مواجهتها باتخاذ تدابير استثنائية.

فحالة الظرورة، أذن تجيز للدولة أو لإحدى هيئاتها، وغالباً ما تكون الهيئة التنفيذية (رئيس الدولة أو الحكومة)، أن تعلق كل أو بعض نصوص الدستور، أو تجيز للسلطة التنفيذية ممارسة عملية تشريع القوانين وإصدار المراسيم خلال مدة من الزمن، ويجب إلا تستمر هذه المدة إلا لمواجهة الظروف التي أدت إليها ويجب العودة إلى الحالة الطبيعية حال زوال تلك الظروف ذلك لأن الضرورة تقدر بقدرها.
وتجد نظرية الضرورة أساسها في كتابات بعض الفقهاء الألمان منهم (هيكل) (واهرنك) (وجيلبينك). فقد برر هيكل خروج الدولة على القانون في أحوال الضرورة بقوله: (أن الدولة هي التي أوجدت القانون، وهي تخضع له لتحقيق مصالحها، وعلى ذلك فلا خضوع عليها إذا كان تحقيق صالحها هو في عدم الخضوع. إن القانون وسيلة لغاية وهي لحماية الجماعة فأذا لم ترد القواعد القانونية إلى هذه الغاية فلا يجب الخضوع للقانون، وعلى الدولة أن تضحي به في سبيل الجماعة).

أما الفقيه (جيلينك) فقد برر نظرية الضرورة بقوله: (من الأمور الطبيعية أن تواجه الدولة والحكم حالات تفرض اتخاذ تدابير فورية، يجب في الأحوال العادية أن تصدر عن طريق التشريع. فإذا أنكر الدستور على الحكومة أن تحل محل السلطة التشريعية، فأنه أنما يعمل بذلك على إيجاد حالة يجب تجنبها، غير أن الحكومة تجد نفسها مضطرة، تحت ضغط الحوادث إلى مواجهة الضرورة على مسؤولياتها، بكل الوسائل المتاحة لها. وعلى المشرع فيما بعد أن يرتب الأمور بحيث يسبغ على التدابير المتخذة صفة الشرعية التي تزيل انتهاك القانون الشكلي).

ويترتب على اعتبار نظرية الضرورة نظرية قانونية، وفقا للاتجاه الفقهي الألماني أنها تعد حقاً للدولة وينتج عن ذلك أن الأعمال والإجراءات التي تتخذها الدولة في أحوال الضرورة هي إجراءات مشروعة وتبعاً لذلك لا تترتب مسؤولية موظفي الدولة في اتخاذ هذه الأعمال والإجراءات، ولا يحق للأفراد المطالبة بالتعويض عما قد يلحقهم من ضرر من جراء ذلك.

أما الاتجاه السائد في الفقه الفرنسي فهو عدم الاعتراف بحق الضرورة المسلم به في الفقه الألماني. فإذا اضطرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات مخالفة للقانون أو الدستور لدفع ضرر أو لمعالجة ظرف طارئ، فلا يرجع ذلك إلى حق قانوني لها وعلى هذا الأساس لا تعتبر حالة الضرورة نظرية قانونية ولكنها عبارة عن نظرية سياسية ولا يترتب عليها، كما هو الحال في الفقه الألماني، حقوق الدولة أو لموظفيها

ما هو المقصود قانونيا بسمو الدستور؟