الاتفاقية الدولية
الاتفاقية الدولية international convention أو المعاهدة treaty (والمصطلحان أصبحا مترادفين) هي اتفاق مكتوب بين شخصين أو أكثر من الأشخاص الدولية من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة في ظل القانون الدولي العام.
خصائصها
يتضح من هذا التعريف ما يلي:
1ـ أن الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق agreement = accord يعبر عن التقاء إرادات موقعيها على أمرٍ ما، فهي ذات صفة تعاقدية الغرض منها إنشاء علاقة قانونية بين الأطراف المتعاقدة. لذلك تخرج عن وصف الاتفاقية الدولية أو المعاهدة الوثائق الدولية التالية:
ـ المذكرة memorandum: هي وثيقة دبلوماسية تحتوي على خلاصة وقائع معينة مثارة بين دولتين أو بين دولة ومنظمة دولية أو ما شابه ذلك.
ـ الاقتراح proposal: هو وثيقة تتضمن إيجاباً أو عرضاً من دولة لأخرى.
ـ الكتاب الشفوي note verbal: وهو وثيقة غير موقعة تتضمن خلاصة محادثات بشأن حادث معين أو ما شابه ذلك.
ـ المحضر process verbal: وهو السجل الرسمي لمحاضر اجتماعات مؤتمرٍ ما أو إجراءاته أو النتائج غير الرسمية التي توصل إليها الممثلون المجتمعون.
ـ التسوية المؤقتة modus vivendi: وهو اتفاق مؤقت يُرغب في استبدال غيره به فيما بعد، باتفاق أكثر دقة ووضوحاً. وتعقد التسوية المؤقتة عندما لاتريد الدولتان الارتباط فوراً بالتزامات دائمة ومطلقة، والغرض منها معالجة الصعوبات الوقتية المستعجلة.
ـ تبادل المذكرات exchange of notes: وهو أسلوب غير رسمي تحاول الدول بموجبه التعاون على إيجاد تفاهم بينها، أو الاعتراف ببعض الالتزامات الواجبة عليها.
ـ التصريحات الوحيدة الطرف unilateral declarations: هي بيانات تصدرها دولة من جانبها توضح فيها موقفاً معيناً من مسألة ما.
2ـ الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق مكتوب written agreement ولذا لاتعد الاتفاقات الشفوية ولاسيما ما يعرف باتفاقيات الجنتلمان gentlemen agreements أو ما يسميه بعضهم «اتفاقيات الشرفاء» معاهدات بالمعنى الدقيق للمصطلح مع أن اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات المبرمة عام 1969 The Vienna Convention on the Law of Treaties لم تنكر ما قد يكون لهذه الاتفاقات الشفوية من قيمة قانونية. ومثال اتفاقات الجنتلمان الاتفاق الشفوي الحاصل عام 1945 على توزيع المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن بين دول المناطق الجغرافية المختلفة. وقد عدل باتفاق شفوي آخر في عام 1964 بعدما ارتفع عدد هذه المقاعد غير الدائمة من ستة مقاعد إلى عشرة عقب تعديل الميثاق الذي أصبح نافذاً في 31 آب 1965.
أما إذا كان الاتفاق ين شخصين دوليين أو أكثر مكتوباً فيعدّ اتفاقية دولية مهما كانت الصيغة التي كتب بها ومهما تعددت الوثائق التي تضمنته، بغض النظر عن الاسم الذي يطلق عليه. فقد يسمى معاهدة treaty وقد يسمى اتفاقية agreement أو accord أو ميثاقاً charter أو عهداً covenant أو صكاً pact أو دستوراً constitution أو شرعة convention أو غير ذلك بحسب ما يتفق الفرقاء. فمعاهدة المعاهدات لعام 1969 مثلاً سميت «اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات».
أما تعبير بروتوكول protocol في مجال الاتفاقيات الدولية، فقد يطلق على خلاصة محاضر الاجتماعات التي أدت إلى توقيع المعاهدة، وقد يطلق على ملحق الاتفاقية، وقد يطلق على الاتفاقية ذاتها مثل البروتوكول التجاري بين الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية مثلاً.
3ـ والاتفاقية الدولية بين شخصين دوليين أو أكثر، وهذا يعني أنها قد تكون بين دول، وقد تكون بين دولة ومنظمة دولية، وقد تكون بين منظمات دولية. وفي حين نظمت اتفاقية فيينة لعام 1969 (والجمهورية العربية السورية طرف فيها) المعاهدات بين الدول، فإن اتفاقية أخرى أعدتها لجنة القانون الدولي وتم إقرارها في آذار 1986 نظمت المعاهدات التي تكون المنظمات الدولية أحد أطرافها. والمعاهدتان متشابهتان في الجوهر مع مراعاة خصوصية المنظمة الدولية على أنها شخص دولي اعتباري على خلاف الدول التي تُعد، تجاوزاً، الشخص الطبيعي في العلاقات الدولية. ويطلق على اتفاقية فيينة لعام 1969 اسم «معاهدة المعاهدات» لأنها الأساس الذي انبنت عليه المعاهدة الثانية.
وعلى هذا الأساس فالمعاهدات المعقودة بين الفاتيكان وإحدى الدول الكاثوليكية والتي تسمى اتفاقيات بابوية (كونكوردات Concordats) هي معاهدات بالمعنى الصحيح للكلمة، مثلها في ذلك مثل أية معاهدة يعقدها البابا، بوصفه رئيساً لدولة الفاتيكان، مع أية دولة أخرى، بعدما اعترفت له معاهدة لاتران Latran لعام 1929 بالصفة الدنيوية إضافة لصفته الدينية، وألغت بذلك قانون الضمانات الذي حصر صلاحياته بالأمور الدينية.
كذلك تعد معاهدات بالمعنى الصحيح للكلمة تلك الاتفاقات الموقعة بين الدول الأعضاء في رابطة الكومنولث البريطانية بعدما غدت هذه الرابطة رابطة دول كاملة الاستقلال والسيادة ترتبط فيما بينها بعدد من الروابط الثقافية والتجارية وسواها، إضافة إلى كونها مستعمرات سابقة للتاج البريطاني.
وتعد معاهدة بالمعنى الصحيح أيضاً الاتفاقات المعقودة بين دولة ما مثل سورية وهيئة الأمم المتحدة أو أي من وكالاتها المتخصصة، أو بين سورية وجامعة الدول العربية أو أي من منظماتها المتخصصة. كما تعد معاهدة تلك المعقودة بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، أو بين هذه الأخيرة وأي من المنظمات العربية المتخصصة كاتحاد البريد العربي، أو بين جامعة الدول العربية ومنظمة إقليمية أخرى كمنظمة الوحدة الإفريقية. في حين لاتعد معاهدة دولية يحكمها القانون الدولي العام الاتفاقات التي تعقد مع القبائل أو فيما بينها، ولا عقود الزواج الملكية، ولا الاتفاقات المعقودة بين الدولة شخص طبيعي أو اعتباري أجنبي، كاتفاق التنقيب عن النفط بين الجمهورية العربية السورية وشركة بيكتن أو ماراثون لأن أحد أطراف الاتفاق هنا وهو الشركة ليس شخصاً دولياً.
4ـ والمعاهدة هي الاتفاق الذي من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة بين الأطراف المرتبطة، يحكمها القانون الدولي العام. فاتفاق قرض بين دولة ما ومؤسسة نقدية حكومية لدولة أخرى ليس معاهدة إذا نص على خضوعه للقانون الداخلي للدولة المقرضة، بل إنه عقد دولي يخضع في تكييفه لأحكام القانون الدولي الخاص [ر] عند أي شك في تحديد القانون الذي يجب أن يطبق عليه.
تصنيف الاتفاقيات الدولية
تصنف الاتفاقيات الدولية أو المعاهدات بحسب شكلها وموضوعها وأطرافها. فالمعاهدة من حيث الشكل إما رسمية formal تتبع فيها إجراءات التفاوض والتوقيع والتصديق والإيداع، وإما بسيطة يتم في عقدها تجاوز بعض ما تقدم من إجراءات، كأن يكتفى بعد التفاوض بالتوقيع وتبادل وثائق هذا التوقيع. وهي من حيث الموضوع إما عَقْدية contract treaties ومثال ذلك الاتفاقية الثقافية أو العسكرية أو الاقتصادية بين سورية والجزائر، وإما شارعة Law making treaties أي تنظم أموراً موضوعية تهمّ أكثر من دولتين مثال ذلك ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 واتفاقية فيينة لقانون المعاهدات لعام 1969. وهذه المعاهدات الشارعة قد تكون مفتوحة open لجميع الدول، تصدق عليها أو تنضم إليها وقد تكون مغلقة closed أي مفتوحة لعدد محدد من الدول. وهي من حيث الأطراف ثنائية bilateral بين دولتين أو جماعية multi lateral بين أكثر من ذلك.
انعقاد الاتفاقيات ونفاذها
يشترط لكي تعد المعاهدة منعقدة بوجه صحيح أن تتم برضى موقعيها، وألا يتجاوز ممثلو الدولة الحدود المرسومة لهم، وألا تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، وأن يتم اعتمادها اعتماداً سليماً من قبل الدول الأطراف.
1ـ يجب انعقاد المعاهدة برضى موقعيها. وهذا يقتضي أن يكون أطراف المعاهدة ذوي أهلية للتعاقد وأن يكون رضاها سليماً خالياً من أيّ من عيوب الرضى، وهذا يعني:
أ. لكي يكون أطراف المعاهدة أهلاً للتعاقد يجب أن يكونوا إما دولاً مستقلة ذات سيادة كاملة، أو منظمات دولية معترفاً لها بالشخصية الحقوقية الدولية.
أما الدول ذات السيادة الناقصة كالدول الخاضعة للحماية التعاقدية مثل ليشتنشتاين فإن أهليتها للتعاقد تحدد بالصك القانوني المنشئ للحماية [ر] كنظام قانوني دولي معروف. وأما الولايات الداخلة في اتحاد فدرالي فالأصل أن لا شخصية قانونية دولية لها، بل إن شخصيتها هذه ذابت في شخصية الدولة الاتحادية ذاتها. لكن للأمر استثناءات، فبموجب تعديل الدستور السوفييتي الجاري في مطلع الأربعينات من القرن العشرين منحت الجمهوريات الداخلة في الاتحاد حق تبادل التمثيل الدبلوماسي وعقد المعاهدات بصورة مستقلة عن الدولة الاتحادية. كما سمح الدستور الأمريكي، بشروط معينة للولايات الأمريكية الحدودية، بإبرام معاهدات مع الدول المجاورة حول ترسيم الحدود. والأمر في كل الأحوال عائد للدستور الاتحادي الذي يمنح الولايات الأهلية الدولية للتعاقد أو يمنعها.
ب. يجب ألا يكون إبرام المعاهدة مشوباً بأحد عيوب الرضى وهي الغلط [ر] error والغش والتدليس fraud وإفساد corruption ممثل الدولة أو إكراه coeresion ممثل الدولة والأهم من ذلك كله إكراه الدولة ذاتها. فقد وضعت اتفاقية فيينة لعام 1969 حداً للجدل الطويل حول مدى صحة المعاهدات التي تبرمها الدول وهي مكرهة كأن تكون دولة منهزمة في حرب، وذلك بالنص على عدم جواز الاعتداد برضى الدولة التي تبرم معاهدة عن طريق استخدام القوة أو التهديد بها على نحو يخالف مبادئ القانون الدولي التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة.
2ـ ويجب أن تعقد المعاهدة ضمن الحدود المرسومة للممثلين المفوضين عن الطرف الذي يمثلونه، وأي تجاوز للسلطة يرتكبه هؤلاء الممثلون يمكن أن يؤدي إلى بطلان المعاهدة، إلا إذا أقرت السلطة المسؤولة في الطرف المعني هذا التجاوز وفق المبدأ المعروف «الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة». وتزود الدولة أو المنظمة الدولية ممثليها المفاوضين بوثيقة تسمى «وثيقة التفويض الكامل» full powers. ولايجوز قبول من لايحمل مثل هذه الوثيقة ممثلين يعبرون عن رضى دولتهم أو منظمتهم، ويستثنى من حمل وثيقة التفويض في تمثيل الدول فئات خاصة من الناس مثل رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية في جميع الإجراءات الخاصة بعقد المعاهدات، كما يستثنى ممثلو الدولة المعتمدون لدى دولة أو مؤتمر أو منظمة فيما يخص الموافقة على صحة نص معاهدة أو إقرارها في بلد الاعتماد أو المؤتمر أو المنظمة بحسب الحال. وليس لدولة أن تتمسك بأن التعبير عن قبولها بالتزام معاهدة قد تم خلافاً لنص في قوانينها الداخلية يتعلق بالاختصاص بإبرام المعاهدات وأن تتخذه حجة لإبطال رضاها. ويستثنى من ذلك حالة الإخلال الواضح بأحكام قاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي وعلى الأخص دستور الدولة.
3ـ ويشترط كذلك ألا تكون المعاهدة متعارضة مع قاعدة آمرة peremptory norm من قواعد القانون الدولي وهي القواعد العامة التطبيق التي لايجوز الخروج عليها ولايمكن تغييرها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد هذا القانون لها الصفة ذاتها، وهذا هو النظام العام الدولي. وعليه فلاتصح معاهدة تجيز القرصنة أو تستهدف العدوان أو تستهدف إبادة الجنس البشري أو امتهان حقوق الإنسان أو المساس بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
أما من حيث الإجراءات فإن عقد المعاهدة يمر بمراحل تبدأ بالمفاوضة negotiation وتتطلب توقيع الدول المتفاوضة عليها signature ولاتصبح نافذة إلا بعد إقرارها والتصديق عليها وفق الأصول الدستورية من الطرف المعني. فالإجراءات التقليدية لإبرام المعاهدة تقتضي دراسة ثانية ومتأنية تعبر الدولة أو المنظمة الدولية بنتيجتها عن رضاها النهائي بالتزام المعاهدة، وعندما تصبح الدولة أو المنظمة الدولية طرفاً في المعاهدة ويتم التعبير عن الرضى إما بالتصديق ratification أو بالقبول acceptance أو بالموافقة approval أو بالانضمام accession ، إذا كان الأمر يتعلق بمعاهدات مفتوحة، أو بتبادل وثائق التصديق exchange of notification، وفي جميع الأحوال يتعلق الأمر بأعمال استنسابية تنجز بحسب إجراءات يحددها القانون الدستوري لكل دولة بعد أن يكون مشروع المعاهدة قد اشترط الشكل اللازم، أي الإجراء التقليدي أو الإجراء المبسط.
استخدمت اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات ما تقدم من مصطلحات لحصر العبارات التي قد تستخدمها الدساتير والأنظمة الأساسية للدول في وصف عملية ارتضاء الدولة التزام المعاهدة على المستوى الدولي. أما على المستوى الداخلي فالأمر متروك لدستور كل دولة وللنظام الأساسي للمنظمة الدولية. ففي حين يبرم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المعاهدات التي تدخلها بلاده بموافقة مجلس الشيوخ ومشورته فقط، لابد من عرض المعاهدة على مجلس العموم في بريطانية إذا تضمنت عبئاً مالياً أو تضمنت تعديلاً للقانون البريطاني. أما في فرنسة فقد فرق الدستور بين معاهدات يبرمها رئيس الجمهورية من دون حاجة إلى العودة لأي مرجع آخر، ومعاهدات لابد من مصادقة الجمعية الوطنية عليها، وكذا الحال في الجمهورية العربية السورية. ففي حين تنص المادة 104 من الدستور الدائم على أن يبرم رئيس الجمهورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويلغيها وفقاً لأحكام الدستور، نصت الفقرة 5 من المادة 71 من هذا الدستور على أن يختص مجلس الشعب بإقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحقوق السيادة، أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تحمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها، أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة، أو التي يتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد. والتوفيق بين هذين النصين يعني أن رئيس الجمهورية هو الذي يبرم المعاهدات التي ترتبط بها سورية في كل حال، لكنه يحتاج قبل ذلك إلى إقرار مجلس الشعب فيما يتصل بما ورد ذكره من معاهدات في الفقرة 5 من المادة 71، أو أن الرئيس يبرم المعاهدة بمرسوم تشريعي يصدره ويعرض على مجلس الشعب لاعتماده.
ومع أنه لافرق في الحقوق والواجبات بين دولة التزمت المعاهدة بعملية تصديق وأخرى التزمتها بعملية انضمام، فإن الفقه القانوني يفرق بين الطريقتين، ففي التصديق، يلي الرضى بالمعاهدة التوقيع عليها، في حين إن الانضمام يصدر عن دولة لم توقع على النص في أثناء المفاوضات، ويدل أيضاً على موافقتها على النص وعلى رغبتها في التقيد بأحكام المعاهدة.
وفي التعامل الغالب اليوم تكتمل عملية انعقاد المعاهدة ومن ثم نفاذها بتبادل وثائق التصديق أو إيداع وثائق الانضمام، وتبدأ المعاهدة بالنفاذ من تلك اللحظة و في التاريخ الذي يحدده نص المعاهدة، فتكون لها آثار دولية بين الأطراف المتعاقدة، والمثال على ذلك المادة 84 من اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات. فقد نصت على أنها تدخل حيز التنفيذ «في اليوم الثلاثين التالي لإيداع وثيقة التصديق أو الانضمام الخامسة والثلاثين وأنها تصبح نافذة لكل دولة تصدق عليها أو تنضم إليها بعد إيداع وثيقة التصديق أو الانضمام الخامسة والثلاثين في اليوم الثلاثين التالي لإيداع وثائق التصديق أو الانضمام الخاصة بها».
أما تسجيل المعاهدات فالقصد منه جعلها علنية أي معروفة للجميع. وقد كان هذا أثراً من آثار الدبلوماسية المفتوحة التي سنّها الرئيس الأمريكي ويلسون عقب الحرب العالمية الأولى، ليضع بذلك حداً للدبلوماسية السرّية التي غلبت قبل الحرب. وعلى هذا جاء عهد عصبة الأمم بالنص على ضرورة تسجيل الدول للمعاهدات التي تعقدها لدى الأمانة العامة للعصبة تحت طائلة البطلان. ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة لينص في المادة 102 على أنه لايجوز لأي طرف في معاهدة دولية أن يتمسك بهذه المعاهدة أمام أي فرع من فروع المنظمة بما فيها محكمة العدل الدولية، وقد أعدت الأمانة العامة للأمم المتحدة ترتيبات ملائمة لتسلم نصوص المعاهدات وتسجيلها، ونشرها بين الدول جميعاً في مجموعات دورية تصدر باللغات الرسمية لهيئة الأمم. ومع هذا فالمعاهدات السرية مازالت معروفة في التعامل الدولي.
آثار الاتفاقية الدولية
ينحصر أثر المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية، من حيث المبدأ، بين الأطراف المعنية بها وقد يكون لها آثار تتناول غير أطرافها، وهناك معاهدات ترتب آثاراً على الأفراد.
أثر المعاهدات في الدول الأطراف:
القاعدة العامة في هذا المجال هي أن العقد شريعة المتعاقدين، فعلى الأطراف المشتركة في معاهدة دخلت حيز النفاذ أن تلتزمها وأن تنفذها بحسن نيّة. وهكذا تصبح المعاهدة كالقانون الداخلي ملزمة لسلطات الدولة ويجب نشرها ليقوم القضاة بتطبيقها من تلقاء أنفسهم وترجيحها على القوانين الداخلية السابقة المعارضة لها. وكذلك إذا تعارضت القوانين اللاحقة ومعاهدة سابقة فيجب إعمال المعاهدة وإعطاؤها الأولوية على التشريع الداخلي تحت طائلة المسؤولية للدولة المخالفة.
ومبدأ تفوق المعاهدة على النصوص التشريعية الداخلية منصوص عليه صراحة في دساتير بعض الدول كالدستور الأمريكي. في حين إن الفقه والاجتهاد استقرا عليه في دول أخرى. وباستثناء الكيان الصهيوني في فلسطين يمكن القول إنه ما من دولة من دول العالم إلا وتقضي دساتيرها أو قوانينها برجحان المعاهدات على أي نص قانوني داخلي باستثناء الدستور، وإن كانت بعض الدول، كفرنسا مثلاً، تشترط مبدأ المعاملة بالمثل من جانب الدول الموقعة على المعاهدة لترجيحها. وفي سورية لم ينص أي من الدساتير المتلاحقة على انتهاج مذهب معين في موضوع رجحان المعاهدة على القانون الوطني سواء سبق المعاهدة أم تبعها، غير أن القانون المدني السوري نص في المادة 25 على أن أحكام المواد السابقة، وهي تتعلق ببعض قواعد القانون الدولي الخاص، لاتسري إلا حيث لايوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في سورية وهذا يعني غلبة المعاهدة على النص القانوني الداخلي. وقد أكدت اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات هذه القاعدة حين نصت في المادة 27 منها على أنه لايجوز للدولة أن تتذرع بنصوص قانونها الداخلي عندما تخفق في تنفيذ المعاهدة التي تنضم إليها. والجمهورية العربية السورية طرف في هذه المعاهدة الشارعة بموجب المرسوم التشريعي 184 لعام 1970. وبصدد أثر المعاهدة في أطرافها يثار موضوع التحفظات reservations والتحفظ كما عرفته معاهدة المعاهدات، هو إعلان من جانب واحد، أياً كانت صيغته أو تسميته، تعلنه الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو انضمامها إلى معاهدة أو عند موافقتها عليها، وترغب من ورائه في استبعاد، أو تعديل، الأثر القانوني لنصوص معينة في المعاهدة فيما يختص بتطبيقها على هذه الدولة. والمثال الواضح للتحفظات هو ما تدرجه جميع الدول العربية، عدا مصر بعد صلحها مع إسرائيل، في جميع المعاهدات الجماعية التي ترتبط بها من أن التزامها المعاهدة لايعني بحال من الأحوال الاعتراف بإسرائيل أو الدخول معها في معاملات مما قد تنص عليه أحكام تلك المعاهدة. والأصل أن التحفظ على نص أو أثر من نصوص معاهدة جماعية جائز، إلا في حالات ثلاث هي:
آـ إذا كان التحفظ محظوراً بنص في المعاهدة مثال ذلك ماورد في اتفاقية جامايكا لقانون البحار
لعام 1982 من عدم جواز التحفظ على أي من بنودها.
ب ـ إذا أباحت المعاهدة أنواعاً معينة من التحفظات ليس منها التحفظ المرغوب فيه.
ج ـ إذا كان التحفظ مخالفاً لموضوع المعاهدة والغرض منها، وهذه الحالة الأخيرة استقرت في الفقه والاجتهاد الدوليين قبل أن تدرجها المادة 19 من معاهدة المعاهدات.
أثر المعاهدة في الغير: القاعدة العامة المستقرة والتي تبنتها «معاهدة المعاهدات» أن المعاهدات لاتنشئ للغير حقوقاً والتزامات من دون رضاه. لكن لهذا المبدأ استثناءات:
ـ يمكن للمعاهدة أن ترتب حقوقاً للدولة الغير إذا رضيت هذه الدولة الغير الحقوق المرتّبة، ويعد سكوتها قبولاً. وحين يحصل هذا القبول لايجوز إلغاء الحق المرتب للدولة الغير إلا برضاها. ومن أمثلة المعاهدات المرتبة حقوقاً للغير معاهدة استثمار القطب لعام 1959 واتفاقية القسطنطينية الخاصة بالملاحة في قناة السويس لعام 1888.
ـ كذلك يمكن للمعاهدة أن ترتب التزاماً على الدولة الغير شريطة أن تكون هذه قد قبلت الالتزام صراحة وكتابة.
ـ كما أنه ليس هناك ما يحول دون أن تكون قاعدة واردة في معاهدة دولية ملزمة لدولة ليست طرفاً في هذه المعاهدة إذ كانت هذه القاعدة قاعدة عرفية معترفاً لها بهذه الصفة، من ذلك سريان أهداف الأمم المتحدة ومبادئها على جميع الدول الأعضاء وغير الأعضاء في ميثاق المنظمة الدولية (المادة 2/فقرة 6).
ـ وأخيراً يمكن للدولة الغير أن تكتسب حقاً من معاهدة ليست طرفاً فيها إعمالاً لشرط الأمة الأكثر رعاية [ر] The most favored nation’s clause، ومقتضاه أن تتعهد الدول المتعاقدة بأن تسمح كل منها للأخرى بالإفادة من أي امتياز تمنحه مستقبلاً لدولة أو دول غيرها فيما يتصل بأمر من الأمور التي تم التعاقد عليها.
أثر المعاهدات في الأفراد: هناك طائفة من المعاهدات ترتب حقوقاً أو التزامات على الأفراد مباشرة، كالمعاهدة التي تحرّم القرصنة أو تحرّم أفعالاً معينة تتعلق بسلوك الأفراد في الحرب، أو المعاهدة التي تعطي الفرد حق الالتجاء إلى محكمة دولية. وقد أثار هذا النوع من المعاهدات خلافاً في الفقه الدولي حول إذا ما كانت آثاره تتولد مباشرة للأفراد أو بمواجهتهم أم يكون تطبيقها عن طريق دولهم الأطراف في المعاهدة، فيكون أثر المعاهدة في الأمثلة السابقة هو التزام الدولة تحريم القرصنة وتحريم جرائم الحرب. غير أن اتفاقية دولية كاتفاقية رومة لعام 1950 حول حقوق الإنسان في الدول الأوربية تخاطب الأفراد مباشرة بحقوق تمكنهم من مواجهة دولهم ذاتها أمام اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان أو أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان وفق أحكام تلك الاتفاقية.
انقضاء الاتفاقية الدولية
تنتهي المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية لأسباب شتى أهمها ما يلي:
ـ تنفيذها، كما لو قضت المعاهدة بتبادل تجاري محدد وتم هذا التبادل.
ـ انقضاء أجلها، كما لو نص في المعاهدة على سريانها مدة محددة ولم يجددها أطرافها.
ـ اتفاق الأطراف على إلغائها، وفي هذا إقرار جديد بأن المعاهدة اتفاق يحمل رضى الطرف فمن له حق إنشاء الشيء له حق إلغائه.
ـ الفسخ، ويكون نتيجة للإخلال الجوهري بأحكام المعاهدة، مما يخول أطرافها الآخرين التمسك بهذا الإخلال أساساً لإنهاء المعاهدة أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً. ويكون الإخلال جوهرياً بموجب معاهدة المعاهدات فيما لايبيحه قانون المعاهدات، أو أخلّ بنص ضروري لتحقيق موضوع المعاهدة أو الغرض منها. ومن أهم الأمثلة على الإخلال الجوهري بالمعاهدة اشتراك بريطانية في العدوان الثلاثي على مصر العربية عام 1956 خلافاً لأحكام معاهدة الجلاء عن مصر لعام 1954 التي كان يحق لبريطانية بمقتضاها استخدام قواعدها العسكرية إذا تعرضت مصر أو أي بلد عربي أو تركية لعدوان خارجي وسارعت بريطانية للدفاع عن البلد المعتدى عليه. والإخلال هنا كان جوهرياً لأن بريطانية كانت أحد المعتدين على مصر بدل الدفاع عنها مما حمل مصر على إعلان إلغاء البنود الخاصة بالقواعد العسكرية في معاهدة الجلاء.
ـ استحالة تنفيذ المعاهدة، كما لو كان للمعاهدة محل اختفى أو هلك أو تعطل، فإذا كانت الاستحالة مؤقتة توقف سريان المعاهدة في أثناء الاستحالة، ومن أمثلة ذلك توقف تنفيذ اتفاقية القسطنطينية حول الملاحة في قناة السويس لعام 1888 عند توقف الملاحة فيها جراء الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، وتعطيل الملاحة في القناة مرتين، مرة عام 1956 ومرة عام 1967 واستمر حتى عام 1975.
ـ زوال الشخصية القانونية لإحدى الدول المتعاقدة، وذلك بانضمامها إلى دولة أخرى، ويستثنى من ذلك المعاهدات المتعلقة بالحدود الدولية وبالحقوق الارتفاقية لدول أخرى فتبقى سارية على الدولة الخلف.
ـ التغير الجوهري في الظروف: فالمعاهدات تعقد تحت شرط ضمني مفاده بقاء الأمور على حالها. فإذا حصل تغير جوهري في الأحوال كان للدولة المعنية أن تطالب مطالبة مشروعة بإبطال المعاهدة أو تعديلها. ويشترط لاستناد الدولة على هذا البند شرطان متلازمان هما: أن يكون وجود الظروف، التي طرأت عليها تغيرات جوهرية، من العوامل الأساسية لارتضاء الأطراف التزام المعاهدة في الأصل. وأن يترتب على التغير تبديل جذري في نطاق الالتزامات التي لم تنفذ بعد طبقاً للمعاهدة. على أنه لايجوز الاستناد إلى شرط التغير الجوهري للظروف، وفق ما جاءت به «معاهدة المعاهدات»، في حالة المعاهدات المنشئة للحدود، أو إذا كان التغير الجوهري في الظروف ناتجاً عن إخلال الطرف المتمسك به.
ـ ظهور قاعدة آمرة جديدة عامة التطبيق في القانون الدولي: إذ تعد المعاهدة باطلة ومنتهية إذا تعارضت مع قاعدة آمرة جديدة عامة التطبيق في القانون الدولي استقرت بعد نفاذها.
ونصت اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات على طرق ووسائل ودية لحل النزاعات الناجمة عن المعاهدات المدعى ببطلانها أو القابلة للإبطال وذلك بالتوفيق الإلزامي (وهو ملزم بداية وغير ملزم من حيث النتائج) والتحكيم الدولي والقضاء الدولي في حالات معينة هي حالات تعارض المعاهدة مع النظام العام الدولي (المادة 66).
مقال قانوني هام حول مفهوم الإتفاقية الدولية