مدى استقلال الجمعيات التعاونية وحلها بقرار صادر من الوزير المختص – القانون المصري
عدم دستورية الاخلال باستقلال الجمعيات التعاونية وحلها بقرار من الوزير المختص
الدعوى رقم 93 لسنة 26 ق “دستورية” جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبد العزيــز محمـد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 93 لسنة 26 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر بجلسة 22/2/2004 ملف الدعوى رقم 2782 لسنة 54 قضائية.
المقامة من
جمعية إنتاج وتربية وتسمين الدواجن ببندر بلبيس
ضــــد
نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي
الإجـراءات
بتاريخ التاسع عشر من أبريل سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 2782 لسنة 54 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري، بحكمها الصادر بجلسة 22/2/2004، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريـة نص المادة (68) (وصحتها المادة 69) من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق – في أن الجمعية التعاونية لإنتاج وتربية وتسمين الدواجن ببندر بلبيس، كانت قد أقامت الدعوى رقم 746 لسنة 1999 تنفيذ مصر الجديدة، أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية – دائرة إشكالات التنفيذ – بطلب الحكم بوقف تنفيذ قرار وزير الزراعة واستصلاح الأراضى رقم 593 لسنة 1999، المتضمن حل وتصفية الجمعية لحين الفصل في الدعوى رقم 8052 لسنة 1999 مدنى كلى الزقازيق، بقالة أن القرار المطعون فيه فيما خلص إليه من حل الجمعية وتصفيتها قد انبنى على مباشرتها لأنشطة تخالف النشاط الذى أُنشئت من أجله، وعدم عقدها للجمعية العمومية أعوام 1996 و1997 و1998، فضلاً عن عدم إعدادها ميزانيات لها، وأن هذا القرار جاء في غير محله، وخالف أحكام القانون. وبجلسة 1/11/1999 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، ونفاذًا لذلك أُحيلت الدعوى إلى المحكمة الأخيرة وقيدت أمامها برقم 2782 لسنة 54 قضائية، وبجلسة 22/2/2004، قررت المحكمة وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (68)، وصحتها المادة (69)، من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
وحيث إن المادة (68) من قانون التعـاون الزراعي الصـادر بالقانـون رقم 122 لسنة 1980 تنص على أن ” تنقضي الجمعية بالحل أو الإدماج بقرار من الجمعية العمومية غير العادية أو بقرار من الوزير المختص بناء على طلب المحافظ المختص أو الجهة الإدارية المختصة متى قامت بها إحدى الحالات الآتية:
1- إذا فقدت الجمعية أحد أركان قيامها.
2- إذا اقتضى التنظيم العام للقطاع التعاوني الزراعي حلها أو إدماجها في جمعية تعاونية أخرى.
3- إذا لم تعقد الجمعية العمومية اجتماعها السنوي العادي خلال سنة مالية كاملة بغير مبرر.
4- إذا تعذر على الجمعية مواصلة عملها بانتظام سواء لاضطراب أعمالها اضطرابًا مستمرًا أو لتكرار إخلالها بالمبادئ الأساسية للتعاون أو بالتزاماتها أو خروجها على القواعد التى يقررها القانون أو نظام الجمعية أو لحدوث منازعات أو لأى سبب جسيم آخر.
وفى جميع الأحوال يجب إجراء تحقيق كتابى عن طريق الجهة الإدارية المختصة قبل صدور قرار الحل أو الإدماج.
وتبين اللائحة التنفيذية قواعد وإجراءات الحل والإدماج والتصفية وكيفية توجيه ناتج التصفية.
ولا يجوز للوزير المختص التفويض في اختصاصه المبين في هذه المادة”.
وتنص المادة (69) من هذا القانون على أن “يكون لكل ذي شأن أن يطعن في القرار الصادر بانقضاء الجمعية من الوزير المختص وذلك أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرة اختصاصها مقر الجمعية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ نشره في الوقائع المصرية، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال وبغير مصروفات ويكون حكمها نهائيًّا”.
وتنص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 204 لسنة 2014 على أن “…… ولا يجوز بأية حال من الأحوال حل الجمعيات التعاونية على أي مستوى أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي”.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة على سند من أن قرار الإحالة جاء مجهلاً، ولم يتضمن البيانات الجوهرية التي تطلبها قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فإنه مردود بأن المادة (30) من قانون هذه المحكمة تنص على أنه “يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة”. ومؤدى ذلك – على ما جرى بـه قضاء هـذه المحكمة – أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة (30) سالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن ومن بينهم الحكومة – الذين أوجبت المادة (35) من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو الصحيفة – أن يتبينوا كافة جوانبها ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها في المواعيد التي حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدى فيها رأيها مسببًا وفقًا لما تقضى به المادة (40) من قانون المحكمة الدستورية العليا. متى كان ذلك، وكان الثابت أن قرار الإحالة الصادر بتاريخ 22/2/2004 من محكمة الموضوع قد تضمن تحديدًا للنص المحال وهو، بحسب حقيقة ما قصدت إليه محكمة الموضوع، يتحدد في نص المادة (69) من قانــــــون التعــاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980، كما أبانت المحكمة في قرارها النص الدستوري المدعى بمخالفته، وهو نص المادة (172) من الدستور الصادر سنة 1971، وانصبت أوجه المخالفة حسبما ارتأتها إلى ما تضمنه النص المحال من منح الاختصاص لمحاكم القضاء العادي بالفصل في الطعن في قرار انقضاء الجمعية، بقالة أنه يترتب عليه انتزاع الاختصاص المقرر لمجلس الدولة بمقتضى أحكام الدستور في الفصل في المنازعات الإدارية. الأمر الذي يضحى معه قرار الإحالة المار ذكره مستوفيًّا البيانات الجوهرية التي تطلبها نص المادة (30) من قانون هذه المحكمة، بالنسبة لما تضمنه نص المادة (69) المحال من تخويل المحكمة الابتدائية الواقع في دائرة اختصاصها مقر الجمعية اختصاص الفصل في الطعن المقدم من ذي الشأن في قرار الوزير المختص بانقضاء الجمعية، وذلك دون باقي الأحكام التي تضمنها هذا النص، والتى جاء قرار الإحالة في خصوصها خلوًا من تلك البيانات، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولهـا، مناطها – على ما جــرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحـة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها. ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذي ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر النزاع المعروض عليها هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية هذه المحكمة في نظر هذا النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابـق بالضرورة على البحث في موضوعه. وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، إنما يدور حول الطعن على قرار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي رقم 593 لسنة 1999 بحل وتصفية الجمعية التعاونية لإنتاج وتربية وتسمين الدواجن ببندر بلبيس بمحافظة الشرقية، المسجلة برقم (451) بتاريخ 8/6/1981، والمشهرة بالوقائع المصرية بالعدد رقم (150) بتاريخ 28/6/1981- والتي أفادت الجهة الإدارية على نحو ما هو ثابت بالأوراق أن تلك الجمعية لم يتم تصفيتها حتى الآن -، وكان نص المادة (69) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه ، الذى انصبت عليه حقيقة الإحالة الواردة من محكمة الموضوع، قد أسند إلى المحكمة الابتدائية الكائنة في دائرة اختصاصها مقر الجمعية الاختصاص بالفصل في الدعاوى المقامة من ذي الشأن بالطعن على قرار الوزير المختص بانقضاء الجمعية، ومن ثم فإن المصلحـة في الدعوى المعروضة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص في مجال انطباقه على قرار الوزير المختص بحل الجمعية – والذى يندرج ضمن حالات انقضاء الجمعيات التعاونية الزراعية التي تناولها النص المشار إليه – دون غيرها من الأحكام التي تضمنها هذا النص، بحسبان الفصل في دستوريته، في الإطار المشار إليه، يكون له أثره وانعكاسه على حسم مسألة اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر النزاع الموضوعي والفصل فيه، بوصف مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص الأصيل، والولاية العامة دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، وهو عين ما قصدت إليه محكمة الموضوع بمقتضى حكم الإحالة المشار إليه. وإذ كان نص المادة (68) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه قد خول الوزير المختص سلطة حل الجمعية، وحدد القواعد والإجراءات التي تحكم ذلك، وكان القرار الصادر من الوزير في هذا الشأن والفصل في مشروعيته، هو محل الاختصاص المقرر للمحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادي بمقتضى نص المادة (69) المار ذكره، فإنه يُكوّن مع النص الأخير التنظيم القانوني الحاكم لتلك المسألة، ويكون ضمهما كافلاً تحقيق الأغراض التي توختها محكمة الموضوع من الإحالة، وليضحي ما تضمنته المادة (68) المشار إليها من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة بحكم اللزوم العقلي، ولارتباطه بنص المـــادة (69) آنف الذكر ارتباطًا لا يقبــل الفصـل أو التجزئة. ولا يغير من ذلك إلغاء ما تضمنته كل من المادتين المشار إليهما من منح الوزير المختص سلطة حل الجمعيات التعاونية الزراعية، لتصير بحكم قضائي، يتحدد الاختصاص به طبقًا للقواعد العامة، إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه، المعدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 204 لسنة 2014، بعد أن طبق النصان المشار إليهما على الجمعية المدعية في الدعوى الموضوعية، ذلك أن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون الطعن عليه والفصل في دستوريته، متى طبق ذلك النص على ذي الشأن في الدعوى الموضوعية خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإن ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثمَّ فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أى من القانونين – القديم أو الجديد – تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده. ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة والمصلحة فيها يتحددان بالمادتين (68، 69) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه، قبل تعديله بالقرار بقانون رقم 204 لسنة 2014، فيما تضمنته الأولى من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، وما تضمنته الثانية من النص على تخويل المحكمة الابتدائية الكائنة في دائرة اختصاصها مقر الجمعية الاختصاص بالفصل في الطعن المقدم من ذى الشأن في القرار المشار إليه دون غيرها.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال فيما تضمنه من تقرير الاختصاص للمحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادي بالفصل في الطعن على قرار حل الجمعية، مخالفته لنص المادة (172) من الدستور الصادر سنة 1971 (وتقابلها المادة 190 من الدستور الحالي)، لانتزاعه الاختصاص الأصيل المقرر لمجلس الدولة بموجب هذا النص بالفصل في المنازعات الإدارية.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيــــــره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي تضمنها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواهــــا الموضوعي، وكانت المادتان (68، 69) المشار إليهما قد استمر العمل بأحكامهما في ظل العمل بأحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014، بعد أن تم تعديلهما بمقتضى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 204 لسنة 2014 المشار إليه، المعمول به اعتبارًا من 22/12/2014، اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية، طبقًا لنص المادة الثالثة من ذلك القرار بقانون، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستوريتهما طبقًا لأحكام الدستور الحالي باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على صون الملكية التعاونية ورعاية المنشآت التعاونية، فألزمت المادة (16) من دستور سنة 1956 الدولة بتشجيع التعاون، ورعاية المنشآت التعاونية بمختلف صورها، وهو ما أكدته المادة (18) من دستور سنة 1964، الذى عرفت المادة (13) منه الملكية التعاونية بأنها ملكية كـــل المشتركين في الجمعية التعاونية، وقـــد سـار دستور سنة 1971 على ذات النهج، فألزمت المادتان (28، 29) منه الدولة بحماية الملكية التعاونية، ورعاية المنشآت التعاونية بكل صورها، ودعم الجمعيات التعاونية الزراعية، وعرفت المادة (31) منه الملكية التعاونية بأنها ملكية الجمعيات التعاونية، وأوجبت على القانون رعايتها، وضمان الإدارة الذاتية لها، وهو ما جرى عليه دستور سنة 2012، الذى ألزمت المادتان (21، 23) منه الدولة بكفالة الملكية التعاونية، ورعاية التعاونيـــات بكل صـــورها، ودعمها، وكفالة استقلالهـــا، وقد نحا الدستور الحالي المنحى ذاته، فألزمت المادتان (27، 33) منه الدولة بكفالة الأنواع المختلفة للملكية وحمايتها، شاملة الملكية التعاونية، واعتبرت ذلك أحد الأهداف التى يسعى النظام الاقتصادي إلى تحقيقها، ومن أجل ذلك حرصت المادة (37) منه على التأكيد على صون الملكية التعاونية، والتزام الدولة برعاية التعاونيات بمختلف صورها، ووسعت من نطاق الحماية التى كفلها الدستور للمنشآت التعاونية لتشمل إلى جانب حمايتها ودعمها وضمان استقلالها، عدم جواز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، هادفًا من كل ذلك إلى تحقيق غاية أساسية هى أن يكون تأسيس تلك المنشآت، ومباشرتها لنشاطها عملاً اختياريًّا وتصرفًا إراديًّا حرًا، لا تتدخل فيه الجهة الإدارية بل يستقل عنها، باعتباره قوام بنيانها، وأساس اضطلاعها بدورها، ومن ثم فقد صار لازمًا امتناع تقييدها إلا في الحدود التى عينها الدستور، وأصبح ضمان استقلالها، وعدم تدخل الجهات الإدارية في شئونها، بما ينال من هذا الاستقلال أو يقوضه، من الأصول الدستورية الثابتة، التى لا يجوز المساس بها، أو مصادرتها على أى وجه من الوجوه، ومن أجل ذلك تضمن نص المادة (92) من الدستور الحالى قيدًا عامًا على سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات، يحظر بمقتضاه على أى قانون يتناول بالتنظيم ممارسة الحقوق والحريات كافة، أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نصى المادتين (29، 42) منه الجمعيات التعاونية الزراعية باعتبارها أحد صور التعاونيات، كما حرص على التأكيد على دورها في خدمة النشاط الزراعي – وهو أحد المقومات الأساسية للاقتصاد الوطني – وإسهامها بالاتفاق مع الدولة في توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وتوفير الدعم لصغار الفلاحين، وضمان تمثيلهم بنسبة لا تقل عن 80% في مجالس إدارتها. وقد تولى قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980 بالتنظيم تلك الجمعيات، في إطار السياسة التشريعية التى انتهجها المشرع المصرى – على ما أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون – بأن يختص كل قطاع من قطاعات التعاون بقانون مستقل، فعرفت المادة (1) من هذا القانون التعاون بأنه حركة شعبية ديمقراطية ترعاها الدولة، ويسهم التعاون في تنفيذ الخطة العامة للدولة في القطاع الزراعى، كما عرفت الجمعيات التعاونية الزراعية بأنها وحدات اقتصادية واجتماعية غايتها تطوير الزراعة في مجالاتها المختلفة، وكذلك الإسهام في التنمية الريفية في مناطق عملها من أجل رفع مستوى أعضائها اقتصاديًّا واجتماعيًّا في إطار الخطة العامة للدولة. وتتكون هذه الجمعيات طبقًا لنص المادة (2) من القانون المشار إليه من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المشتغلين بالعمـــل الزراعـــى في مجالاتــه المختلفــــــة باختيارهم ، وبما لا يتعارض مع المبادئ التعاونية المتعارف عليها دوليًّا. وتمارس هذه الجمعيات نشاطها، طبقًا لنص المادة (3) من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1981، في خدمة مجالات الإنتاج النباتى والحيوانى والإصلاح الزراعى واستصلاح الأراضى وتنميتها وتعميرها. وتتمتع الجمعية طبقًا لنص المادة (10) من ذلك القانون بالشخصية الاعتبارية، وتتوافر لها خصائصها كوحدة اقتصادية واجتماعية يُنشِئُها الأشخاص الطبيعيون والاعتباريون بإرادتهم الحرة، وفق القواعد الرئيسية للتعاون، ويقوم إنشاؤها على تلاقى إرادة الأشخاص المكونين لها، لتحقيق أهــــداف اقتصادية واجتماعية ترعى بها مصالح أعضائها، وتدار الجمعية وفقًا للنظام الداخلى الذى يضعه مؤسسوها. ومن ثم فقد بات إقامة بنيانها وإدارتها وممارسة نشاطها بحرية واستقلال، بعيدًا عن الخضوع لتبعية حكومية معينة، تقوض ذلك أو تنتقص منه، أمرًا حتميًّا تستوجبه الطبيعة القانونية لهذا الكيان، والهدف من إنشائه، في ضوء الضمانات والقيود الدستورية الحاكمة لكل ذلك، ومن بينها ما قررته المادة (37) من الدستور من عدم جواز حل التعاونيات بمختلف أشكالها، والتي تُعد الجمعيات التعاونية الزراعية أحد أنواعها، إلا بحكم قضائي، مستبدلاً بذلك إجراءات التقاضي المنتهية بالحكم القضائي، بالإجراءات الإدارية المنتهية بقرار الوزير المختص بحل الجمعية، وذلك باعتبار أن القضاء يُعد الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات طبقًا لنص المادة (94) من الدستور، وهى ضمانة موضوعية لهذه الحقوق والحريات، ترتبط بالنسبة للأشخاص التعاونية بوجود وبقاء الشخص القانوني واستمراره، ليغدو اللجوء إلى القاضي الطبيعي في هذه الحالة هو الطريق الوحيد الذى عينه الدستور لذى الشأن لترتيب هذا الأثر، في إطار حق التقاضي الذى كفلته المادة (97) منه للكافة، باعتبار هذا التنظيم أحد وسائله لحماية تلك التعاونيات ودعمها وضمان استقلالها.
وحيث كان ما تقدم، وكان ما تضمنته المادة (68) من القانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، وما يترتب على ذلك، من انقضاء الشخصية القانونية للجمعية وتصفيتها، متضمنًا مساسًا باستقلالها، وإخلالاً من المشرع بالتزامه المقرر بنص المادة (37) من الدستور، بكفالة الحماية، والدعم والاستقلال لتلك الجمعيات، بما يوقعهما في حدود نطاقها المشار إليه، في حومة مخالفة نصوص المواد (27، 29، 33،37، 42، 92، 94، 97) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها فيما تضمنته من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص.
وحيث إن نص المادة (69) من القانون المشار إليه قد تضمن تحديد المحكمة المختصة بالفصل في الطعن على قرار الوزير بحل الجمعية، فإن هذا النص في حدود النطاق المتقدم، والمادة (49) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي الصادرة بقرار وزير الدولة للزراعة والأمن الغذائي رقم 1 لسنة 1981 المعدل بالقرار رقم 1503 لسنة 1992، والمادة (53) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي بالنسبة للجمعيات التعاونية الزراعية لاستصلاح الأراضي وتنميتها وتعميرها الصادرة بقرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم 388 لسنة 1984، فيما تضمنتاه من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير، ترتبط بنص المادة (68) من القانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، ارتباطًا لا يقبل الفصـل أو التجزئة، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية نص المادة (68) في حدود إطارها المتقدم، يستتبع، بحكم اللزوم، سقوط نص المادة (69) من ذلك القانون، فيما تضمنه من منح الاختصاص للمحكمة الابتدائية الكائن في دائرة اختصاصها مقر الجمعية، بالفصل في الطعن المقدم من ذى الشأن في القرار الصادر من الوزير المختص بحل الجمعية، والمادتين (49، 53) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعى المشار إليهما، فيما تضمنتاه من النص على حل الجمعية، بقرار من الوزير.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (68) من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980 فيما تضمنته من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، وسقوط ما تضمنته المادة (69) من القانون ذاته، من النص على اختصاص المحكمة الابتدائية، الكائن في دائرة اختصاصها، مقر الجمعية، بالفصل في الطعن المقدم من ذي الشأن في قرار الوزير المختص بحل الجمعية، والمادة (49) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي المشار إليه، الصادرة بقرار وزير الدولة للزراعة والأمن الغذائي رقم 1 لسنة 1981 المعدل بالقرار رقم 1503 لسنة 1992، والمادة (53) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي المار ذكره، بالنسبة للجمعيات التعاونية الزراعية، واستصلاح الأراضي، وتنميتها، وتعميرها، الصادرة بقرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم 388 لسنة 1984، فيما تضمنتاه من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير.
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
مدى استقلال الجمعيات التعاونية وحلها بقرار صادر من الوزير المختص – القانون المصري