هل يجوز توجيه اليمين الحاسمة في القضايا الجزائية
بالرغم من أن المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري تسمح بأن تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية ، و بالرغم من عدم وجود نص يمنع توجيه اليمين الحاسمة في القضايا الجزائية .
و لكن التعامل و الاجتهاد القضائي استقر على عدم جواز تحليف المدعى عليه في القضايا الجزائية اليمين الحاسمة .
و للفقه القانوني رأي في متباين في ذلك ، فللفقيه اللبناني الكبير “سليم رستم باز” رأياً متشدداَ بعدم جواز توجيهها حيث يقول :
(( أما تحليف المدعى عليه قبل استنطاقه فهو ممنوع أشد المنع ، و هو من بقايا العوائد البربرية التي امتازت بها أعصر الهمجية و قضت عليها القوانين الحديثة قضاءً مبرماً لما فيها من المنافاة لروح العدل و الإنسانية ، لأنها تضع المدعى عليه على كره منه بين شرين ، فإما أن يحنث بيمينه ، و إما أن يقوم شاهداً على نفسه فيضطر إلى بذل حريته و ربما أيضاً إلى بذل حياته ))
{ شرح قانون المحاكمات الجزائية العثماني – ط 1905 – ص 244 }
في حين أن العلامة الدكتور عبد الوهاب حومد له رأياً مختلفاً أكثر تسامحاً بجواز توجيهها في بعض الحالات فيقول :
أولاً – لا يوجد نص صريح يقرر هذا المنع و مع ذلك فإنه أصبح مستقراً بالقضاء و معتبراً من النظام العام أيضاً ….و لا نجد هذا الكلام مقنعاً ، و لكنه مبدأ جرى العمل عليه من منطلق تكريم المتهم الذي أغدقت عليه الخيرات القانونية في عصر من عصور العاطفية المعاصرة .. و قد قبلته الشريعة الاسلامية طيلة خمسة عشر عاماً ، و لا يزال مبدأ ساريا فيها ، و التشريع الانكليزي يقبله إذا طلب المتهم أن يشهد لنفسه .
ثانياً – نرى أن مصلحة العدالة مرجحة على مصلحة المتهم الذي يجب أن يكون ملزماً بقول الحقيقة تسهيلاً لحسن تطبيق القانون .
ثالثاً – إذا كان لابد من الإبقاء على هذه القاعدة فنرى أن تعلل بأن القانون يمنع الاعتراف المنتزع باكراه ، و اليمين الموجهة إلى المتهم نوع من الاكراه المعنوي .
و لكن في عصر تفاقمت فيه الجريمة كثيراً ، أصبح من واجب الفقهاء أن يعيدوا التفكير في كثير من القواعد ، و هذا المبدأ واحد منها ، و لا يجوز أن يبقى فوق إمكانية البحث فيه ))
{ أصول المحاكمات الجزائية – ص 539 }
بعيداً عن الجدل الفقهي حول أخلاقية توجيه اليمين في القضايا الجزائية ، فإننا بحكم التجربة العملية نلحظ مثلاً جرم إساءة الأمانة ( سند الأمانة ) هو في حقيقته ناجم عن علاقة مدنية أو تجارية ، مما لا يمكن اعتباره جرماً بالمعنى الذي قصده المشرع في قانون العقوبات .
لذلك فإننا نرى أنه أضحى من الملح على القضاء أن يجتهد في هذه الحالة بالذات و يتساهل في موضوع توجيه اليمين الحاسمة خاصة في القضايا التي شملها قانون العفو و لم يعد للحق العام و النيابة العامة أي دور فيها .
و في هذا الصدد نستذكر قولاً فيصلا للعلامة حومد أورده في مرجعه المذكور – الصفحة 528 – يجب الوقوف عنده ملياً كونه يتعلق بقناعة القاضي الجزائي التي تلعب دوراً محورياً بالحكم :
(( يراد بالإثبات القانوني ، تقييد حرية القاضي و إجباره على الحكم متى توافرت الأدلة التي نص عليها القانون ، و لو لم يكن هو شخصياً مقتنعاً بصحة الواقعة . و هذا ما يعبر عنه بالقول المشهور : “مقتنع كقاضي و غير مقتنع كإنسان” ))
مقالات مميزة:
- الدعوى المناسبة ضد حائز العقار بدون سند
- عقود الإذعان , و دور المجتمع المدني بمواجهتها.
- التقادم في القانون المدني [الغاية والاسباب]
- بُطـلان الأحكـام القضائيّـة في القـانـونِ والاجتهـاد المُقـارن