بقلم : المحامي سليم غنطوس “نقيب محامي طرابلس”
(( منشور في : مجلة نقابة المحامين – العدد 1 /1947 ))
أنا مؤمن أن لكل امرئ في هذه الحياة رسالة ، و لكن الرسالات تختلف و تتنوع باختلاف الأشخاص و تنوع قيمهم في هذه الحياة …
ما رأيت أدق و أشق من رسالة المحامي ، فهي إما أن تطوح برأس على عود المشنقة أو تنجيه منها .
وإما أن تعيد إلى رجل ملكاً وارف الظلال اختلسه غاصب ، أو تعسف به دمعة قلم محاميه فتضنيه .
ولست لأُنكر على أصحاب المهن رسالاتهم و مسؤولياتهم فيها كالطبيب مثلاً ، إن أهل المريض عندما يرون الداء اشتد على عليلهم ينفضون أيديهم من غبار طبيبهم و يستدعون طبيباً آخر أو أطباء آخرين ، إنما صاحب الدعوى أو أصحاب الدعاوى لا يعرفون عن مصير دعواهم شيئاً إلاّ ما يقرؤنه على وجه محاميهم من تجهم أو انبساط أسارير !
و أندر من الكبريت الأحمر وجود من يعترف بخطئه و يستنجد بزميل أعلى شهرة و أكثر خبرة يصحح له ذاك الخطأ فيأخذ بيده إلى الشاطئ الهادي من بين تلك الأمواج المتلاطمة .
و كثيراً ما يضيع المحامي حق موكله لجهل أو قصور غير مقصود ، و مع ذلك فينسب الخسارة إلى جهل القاضي أو تصحبه ، فيرتكب المحامي في رسالته هذه جرمين ليستحق عليهما عقاب الدنيا و عقاب الآخرة …
فالمحامي شعلة من نور الحق تضيء سبل القضاة لإرشادهم إلى ذلك الحق …
إن في رسالة المحامي حرباً عواناً بين الشرف و الانتفاع فقد تأتيه دعوى باطلة يدعوه شرف رسالته إلى ردها و إفهام صاحبه بنتيجة الفشل ، فتحاربه المادة ، لأن من وراء ذلك ضياع الأجرة و خسارة مادية .
في هذا المعترك بين الجوهر و المادة يتجلى شرف الرسالة و يعود النصر إلى ما في ضمير المحامي من مناعة و قوة أحد العنصرين .
و متى كانت المهنة غاية لا وسيلة ، و متى كان صاحبها يدين بالمثل العربي الفصيح الصريح : الحرة تموت و لا تأكل بثدييها .
أدى كل محام مهما كانت طينته ، و أنى كانت حالته ، في غنى ممرع أو فقر مدقع ، رسالته على الوجه الأتم الأكمل .
و كل ما أرادت المادة أن تحول دون واجب الشرف صاح بها :
((الحرة تموت و لا تأكل بثدييها))
قدرنا الله على العمل المفيد المثمر و جعل من دمعات أقلامنا ، ما فيه خير موكلينا و الناس أجمع، و بذلك نؤدي الرسالة مرفوعي الرأس وضاحي الجبين .
طرابلس في 22 تشرين الثاني – 1946
نقيب محامي طرابلس
“سليم غنطوس”
أنظر أيضاً:
نموذج عقد عمل
قانون العمل السعودي
العدالة الجنائية