موقف القضاء الفلسطيني من حصانة المحامي في جرائم الجلسات

على الرغم من أن المادة 117 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني رقم 2 لسنة 2001م، قد منحت صلاحيات ضبط وإدارة جلسات المحاكمة لرئيس المحكمة، كما منحته في حالاتِ وقوعِ جنايةٍ أو جنحةٍ أثناء انعقادِ الجلسة، الأمر بإلقاء القبضِ على مرتكبها وإحالته إلى النيابة العامّة وتدوين محضر رسمي بذلك، فإذا ارتكبَ شخصٌ أو أكثر أثناءَ انعقادِ جلسة المحاكمة جنحة تشكّلُ تعدّياً على المحكمة، أو أحدَ العاملين فيها، فتحكمُ عليه المحكمة فوراً بالعقوبة المقرّرة قانوناً، ويكون حكمها نافذاً ولو استؤنِف، إلا أنّ القيد التشريعي هُنا يتبدّى في نصوصِ ما ورد من استثناء، وهو وجوب عدم الإخلالِ بالقواعِد المنصوص عليها في قانونِ تنظيمِ مهنَة المحاماة.
وحيث أن تولّى القاضي بنفسه إنزال العقوبةَ على المحامي الذي قد يبدُر منه ما قد يكيّفهُ الأول بالخطأ أو التجاوز لا يجوزُ إطلاقاً، لأنه سيخلّ بقواعد وأركان حيدة القضاء، ويجعل من القاضي هو ذات الخصم والحكَم في آنٍ مَعاً، ويؤدي للمساس بحصانة المحامي، وهي حصانةٌ لم تتقرّر لحمايته في كل ما يقع منه بالجلسة على الإطلاق، بل الغرض من تقرير تلك الحصانة على سبيل الاستثناء هي في حماية المحامي أثناء تأدية واجبه كمحامٍ، حتى لا يشعر أثناء قيامه بهذا الواجب أنه محدود الحرّية. 
أمّا إذا كان المحامي لم يكن يؤدي واجبه، فلا يكون ثمة حصانة، بل يكون للمحكمة أن تعامله بمقتضى الأحكام العامّة، فتحكم عليه فوراً بالجلسة، أو تحيله إلى النيابة لتجري شئونها نحوه؛ وهو ما جاء باجتهاد محكمة النقض المصرية الصادر بجلسة 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 1940م، ويكمّله الاجتهاد بالطعن رقم 843 لسنة 59 قضائـية، والصادر عن ذات المحكمة بعد نصف قرنٍ من الزمان، وتحديداً بتاريخ 29 تشرين أول/نوفمبر 1990م، والذي جاء فيه ” من المقرر أنه وان كانت إحالة القضية بعد نقضِ الحُكم الصادر فيها يجبُ أن تكون إلى المحكمةِ التي قَضت في الدعوى مؤلفة من قضاة غير الذين قضوا فيها، إلا أنه يُستثنى من هذه القاعدة الأحكام الصادرة في الجرائم التي تقع بجلسات المحاكم؛ فالإحالةُ فيها يجب أن تكون إلى المحكمة ذات الاختصاص الأصلي في الحكم في الدعوى، لأن حقّ المحاكم في الحكم في جرائم الجلسة ليس مُؤسّساً على القواعد العامة في الاختصاص، وإنما هو مؤسسُ على أن جريمة الجلسة هي من جرائم التلبّس لوقوعها في الجلسة أمام هيئة القضاء، فلا تُتبعُ بشأنها الإجراءاتِ المعتادة، ومَتى زالت حالة التلبّس بعدمِ القضاء في الجريمةِ فوراً أثناءَ انعقادِ الجلسة التي وَقعت فيها، فيجبُ أن تعودَ الأمورِ إلى نِصابها، وأن تُراعى القواعد العامَّة في الاختصاص؛ وإذن فإذا قَضت المحكمة الابتدائية في جريمةِ جَلسة (إهانةُ محكمة قضائية) ثم نُقضَ حُكمُها فلا تُعاد القضية وقد زالت حالَة التلبّس إلى المحكمة الابتدائية التي قَضت فيها، لأَنها لم تكُن مختصة أصلاً بالحُكم في تلك الجريمة، وإنما يجبُ تحقيقاً لضمانات المحاكمة، أن تُحال القضيّة إلى المحكمة التي وقعت الجريمة في دائِرتها ليتسنّى نظرها أمامَ درجتين”.
بقلم المُسـتشار/ أحمـــد المبيض