أحكام الحضانة في التشريع العراقي
بقلم أ.د. أ.د حكمت شبر
ساعد في إعداد البحث: دنيا الأورفلي (باحثة اجتماعية)
المحتويات: المقدمة, أهمية الدراسة وأهدافها, الفصل الأول, المسؤولية الشخصية عن المحضون ويتضمن, تحديد معنى الحضانة. الحضانة من قبل الوالدين. الشروط الواجب توافرها في الحاضنة. مدة الحضانة. أحكام عامة.
الفصل الثاني مسؤولية الدولة إزاء المحضون. دور المحاكم والهيئات الشعبية في حماية المحضون. دور مؤسسات الدولة في تهيئة الظروف المناسبة لرعاية المحضون. ثم الخاتمة.
المقدمة
دأب المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية منذ تأسيسه على إصدار دراسات قنوعة تبحث في مختلف المشاكل التي يواجهها مجتمعنا العراقي وهو يمر بمرحلة التحول نحو الاشتراكية ومن ضمن القضايا المهمة التي تطرح نفسها بشكل حاد ومهم قضية رعاية الطفولة فقد أولت الثورة وقيادتها هذا الموضوع اهتماماً كبيراً فَسنت تشريعات متعددة لحماية ورعاية الأطفال والأحداث والأسرة عموماً وذلك شعوراً منها بأن هذه الفئة الكبيرة من أبناء شعبنا تشكل الأساس الذي ينطلق منه المجتمع وتقوم على قواعده أسس دولة المستقبل.
وسوف تكرس الدراسة لإلقاء الضوء على أحكام الحضانة في التشريع العراقي حيث سنتناول بالبحث قواعد التشريع وخصوصاً التعديل الذي أدخله المشرع العراقي عام 1978م, على قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بأحكام الحضانة وسوف نتطرق إلى موقف الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة من الحضانة كما ستكون دراستنا مشتعلة على موضوع المقارنة مع بعض التشريعات العربية المعاصرة التي تعالج موضوع الحضانة ومن ثم نضع تشريعاتنا المستمدة بشكل أساسي من الشريعة الإسلامية ـ موضع المقارنة مع تشريعين مهمين هما التشريع الانكليزي والسوفيتي.
أهمية الدراسة وأهدافها:
يواجه المجتمع العراقي ضمن ما يواجههُ من مشكلات الحضانة وما نعنيه في هذا المجال الحضانة القانونية (الشرعية) وليس الحضانة التربوية والمقصود بالحضانة القانونية هي الحضانة التي تنشأ بتوجيه من المحكمة بعد التفريق بين الزوجين ومن تنسبه المحكمة ليقوم بدور الحاضن ويعتبر هذا الموضوع واحد من أخطر المواضيع التي تواجه مجتمعنا نامياً يعاني بهذا القدر أو ذاك ظاهرة الطلاق نظراً لظروف كثيرة ومعقدة تتم فيها الزيجات.
فترض في الحضانة المستلزمات الضرورية لتنشئة الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تنشئة اجتماعية صحيحة تجعله مهيئاً لحياة مستقبلية جيدة تعود بالمردود الشخصي والاجتماعي المثمر على حياته الفردية وعلى المجتمع فمرحلة الحضانة هي الأساس الذي ترتكز ليه حياة الفرد من المهد إلى أنْ يصبح كهلاً.
هناك مثل انجليزي قديم يقول (إن الابتداء الحسن هو إتمام لنصف العمل) وقياسا عليه إننا إذا أحسنا تربية الطفل في سنوات الحضانة فكأننا قد قمنا بنصف تربيته فإذا صلح الأساس بالتربية صلح البناء وإن حُسنَ البداية في الحياة خير كفيل لسلامة الفرد الصحية والنفسية. ولا يغربنّ على البال ما أفرزه العلم من حقيقة مهمة جداً وهي أهمية السنوات الخمس الأولى وأثرها الإيجابي أو السلبي على الوظائف المخية للطفل يقول الدكتور نوري جعفر لاشك في أنَّ المخ الذي تبلغ مرونته الفسلجية أقصى درجات ارتفاعها في السنوات الخمس الأولى في حياة الطفل قابل للتحجر الوظيفي عند فقدانه الظروف البيئية الاجتماعية (لاسيما الثقافية) الملائمة فالطفل الذي لا تتخذ الإجراءات الكفيلة بتوجيهه طوال السنوات الخمس الأولى يصبح بعد ذلك صعب التدريب)(1).
لذا فمن المهم جداً العناية بحضانة الأطفال من تعيسي الحظ الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ثمار لزيجات فاشلة فكتب عليهم أن يعانوا في طفولتهم فأن أحسن المجتمع والدولة رعايتهم بمختلف الوسائل استطاع أن يخلق منهم جيلاً صحيحاً من الناحية النفسية والصحية.
وإن أهمل شأنهم في هذه المرحلة المبكرة من حياتهم فقد ينشئوا منحرفين في حداثتهم ومجرمين في فترة بلوغهم يقول (سيرل بيرت) الأستاذ الانجليزي المعروف في علم النفس: إن مرحلة الحضانة (فترة جوهرية ومن الأهمية بمكان) ففي أثنائها ترسى في الشخصية أسس الأخلاق الفاضلة كما توضع أيضا (بذور الانحراف المزاجي) ويضيف في مكان آخر (أن أشيع العوامل وأكثرها خطراً وتدميراً هي العوامل التي تدور حول حياة الأسرة في الطفولة المبكرة)(2)
ويرى العالم (هارولد لنرز) إن المكان لإيقاف الجريمة هو المهد ولذا وجب إن تكون لدينا القدرة على الحد من حق الوالدين الموروث في إعداد طفلهما ليكون مجرم المستقبل وهذا لا يتم إلا بالاتصال وبالتشخيص المبكر للعوامل النفسية والاجتماعية التي قد تمهد للإجرام وليس بكاف ان يبشر بالحياة الاجتماعية والنفسية والسلمية.. بل يجب أن نحياها هنا بأن يتنازل المجتمع عن حقه في بناء المواقف اللامنطقية كالتواضع الكاذب والفضيلة القائمة على النفاق وانعدام العدالة في التوزيع الاقتصادي وظلم التفرقة العنصرية والدينية(3)
وقد تناولت الكثير من البحوث الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم دور الأسرة وأثرها في السنوات الأولى على حياة الطفل سلباً أو إيجاباً ومن هذه البحوث على سبيل المثال لا الحصر البحث الذي قام به المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر عام 1955م, حول جريمة (السرقة عند الأحداث) فقد تبين أن نسبة الطلاق بين والدي الأحداث الجانحين كانت مرتفعة حيث تراوحت بين (7) و (10%), و(11%) وفي والولايات المتحدة الأمريكية قدر بعض الباحثين نسبة الأحداث الجانحين الذين ينتمون إلى اسر متداعية بما يتراوح بين (40) و(50%), في بحوث أجريت في بلجيكا أظهرت أن نسبة الجانحين الذين ينتمون إلى اسر متداعية يوازي (64,8%) وفي بحث شمل 38375 فتاة جانحة ينتمين إلى 25 دولة اتضح أن 15104 منهن ينتمين إلى عائلات مضطربة غير مستقرة (4) . إذاً ” لابد للمجتمع الذي يطمح لبناء جيل مستقيم يتمتع بأخلاق فاضلة تطمح لبناء دولة قوية ومتطورة أن يرعى ويهتم بالطفولة ويعالج مشاكلها المختلفة ومن بينها قضية الحضانة نظراً لما قد يترتب من آثار سلبية على أخلاق الجيل إذا أهمل هذا الموضوع.
ومن هذا المنطلق فقد أولى الدستور المؤقت لعام 1970م, الأسرة جل حمايته ودعمه حيث نص في المادة (11), إن (الأسرة نواة المجتمع وتكفل الدولة حمايتها ودعمها وترعى الأمومة والطفولة) ومن ثم جاءت التشريعات والأنظمة القانونية لتوضيح وتفسير ما عناه الدستور بهذه الرعاية والدعم للأسرة فقد حدد نظام دور الحضانة (المرقم 42 لسنة 1977م) الأُطر والشروط التي توفر مستلزمات تقديم الخدمات لحضانة الأطفال.
ويتضمن نظام رياض الأطفال (المرقم 11 لعام 1978م) أطر وبرامج المرحلة التي تعقب مرحلة الحضانة وهي مرحلة رياض الأطفال التي أنيط بها الاضطلاع بالعطية التربوية وتوجيه وتهيئة الأطفال لدخول مرحلة الدراسة أما قانون التعليم (المرقم 118 لعام 1978م) فقد وضع الأسس والضوابط الكفيلة بإدخال جميع الأطفال ممن هم من سن التعليم إلى المدارس الابتدائية كما قام مجلس قيادة الثورة بإصدار التعديل الثاني لقانون الأحوال الشخصية (لعام 1978م) الذي تناول من ضمن ما تناولته أحكام الحضانة حيث عالج بعض المواد عن طريق الإلغاء أو استحداث مواد جديدة أو إعادة صياغة البعض منها في ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية إن هذهِ الأحكام هي التي سوف تكون مجال دراستنا حيث سنتعمق في دراستها في ضوء آراء الفقهاء والتشريعات العربية والأجنبية المعاصرة متوخين من هذه الدراسة إبراز الجوانب الإيجابية فيها ونقد الجوانب السلبية والضعيفة بغية إعادة النظر فيها وتصحيحها.
الفصل الأول
المسؤولية الشخصية عن المحضون
لقد آثرنا تقسيم الموضوع إلى قسمين نتحدث في القسم الأول منه عن المسؤولية الشخصية عن المحضون ونعني مسؤولية الوالدين والأقارب ممن لهم حق حضانته وكل ما يترتب على ذلك من تفصيلات تتعلق بمن له الحق في حضانته ثم شروط الحضانة وانتهائها.. الخ.
وفي القسم الثاني وجدنا من المناسب أن نتحدث عن دور الدولة في تهيئة بعض المستلزمات الضرورية لرعاية المحضون سواء تلعق الأمر بالمحكمة المختصة بالفصل بموضوع عائدية الحضانة أم بدور الهيئات الشعبية في تحديد الصالح لحضانة الطفل, أم بواجب الدولة في إعداد دور حضانة للصغار الذين لا يصلح الوالدين لحضانتهم.
أولا: تحديد معنى الحضانة:
الحضانة لغة مصدر للفعل (حضن) وقد جاء في لسان العرب أن الحضن الجنب, وهما حضنان والجمع أحضان ومنه الاحتضان وهو احتمالك الشيء وجعله في حضنك كما تحتضن المرأة ولدها فتجعله في أحد شقيها وحضن الصبي يحضنه حضناً وحضانة أي جعله في حضنه, وحضن الطائر بيضة إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه وكذلك المرأة إذا احتضنت ولدها, وتسمى المرأة حاضنته, وفي حديث لعروة بن الزبير ((عجبت لقوم طلبوا العلم حتى نالوا منه صاروا حضاناً لأبناء الملوك)) أي مربين وكافلين(5)
وينصرف الذهن عن (الحديث عن الحضانة إلى مفهومين أساسيين: مفهوم تربوي وآخر شرعي (قانوني) ويقصد بالمفهوم التربوي للحضانة أنها مرحلة الطفولة الأولى ويستعمل العلماء هذا المفهوم مقروناً بكلمة سنوات أو مرحلة فيقولون مرحلة الحضانة, أو سنوات الحضانة ويقصد بها السنوات الست الأولى من حياة الإنسان(6)
أما المفهوم الشرعي فيقصد به حفظ الصغير ورعايته والقيام على تربيته وقد جاء في تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1978م, يقصد باصطلاح الحضانة في قانون الأحوال الشخصية تربية الطفل وتدبير شؤونه من قبل من له الحق في ذلك قانوناً أو المحافظة على من لا يستطيع تدبير أموره بنفسه, وتربيته بما يصلحه ويقيه ما يضره(7).
وقد عرفه الفقهاء تعريفات متقاربة تدور حول العناية بالصغير فقد جاء في تعريف الإمام بن حنبل للحضانة, هي حفظ صغير ومجنون ومعتوه وهو المختل العقل مما يضرهم وتربيتهم بعمل مصالحهم كغسل رأس الطفل ويديه وثيابه, ودهنه وتكحيله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوه(8).
وجاء في الفقه المالكي أن الحضانة هي حفظ الطفل وتربيته والقيام بشؤونه من حفظ وكفالة وتعهد له بمؤونة وكسوة ومضجع وتنظيف جسم(9).
ويعرف الشيخ محمد أبو زهرة الحضانة بأنها تربية الولد في المدة التي لا يستغنى فيها عن النساء ممن لها الحق في تربيته شرعاً(10) .
ثانياً: الحضانة من قبل الوالدين:
الحضانة حق للأم(11)، باتفاق السنة النبوية وآراء فقهاء المسلمين ويروى أن امرأة جاءت النبي (ص) وقالت يا رسول الله هذا ابني, كان بطني له وعاء, و جوى له حواء, وثديي له سقاء, وان أباه طلقني, وأراد أن ينزعه مني فقال رسول الله (ص):«أنتِ أحق به ما لم تتزوجي» كما يروى أن عمر بن الخطاب (رض) كان قد طلق امرأته من الأنصار بعد أن أعقب منها ولده عاصماً, فرآه في الطريق وأخذه فذهبت جدته لأمه وراءه, وتنازعا بين يدي أبي بكر الصديق فأعطاها إياه, وقال لعمر الفاروق وريحها وريقها خير من الشهد عندك فالمرأة تستطيع أن تمنح الصغير عطفها وحبها وهي مؤهلة للقيام بمستلزمات الرعاية المطلوبة بيولوجياً ونفسياً.
إذاً فالأم هي المسؤولة عن حضانة الصغير في الشرع الإسلامي سواء كان ذلك حقاً لها أو واجباً عليها.
كما تجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة أخرى في الشريعة والفقه الإسلاميين أن الحضانة تعود إلى النساء من أقارب المرأة أو الرجل إذا حصل ما يعوق الأم من القيام بدور الحاضنة(12)
ولكننا نرى المشرع العراقي وكذلك المشرع التونسي ينهجان نهجاً آخر في إسناد الحضانة, حيث يعطيان حق الحضانة للأب بعد الأم إلا إذا تضررت مصلحة الصغير.
جاء في المادة (57) الفقرة (1) من قانون الأحوال الشخصية: الأم أحق بحضانة الولد وتربيته, حال قيام الزوجية, وبعد الفرقة, وما لم يتضرر المحضون.
وجاء في (الفقرة 7) من المادة المذكورة ما يلي:ـ
في حالة فقد أم الصغير أحد شروط الحضانة أو وفاتها تنتقل الحضانة إلى الأب, إلا إذا اقتضت مصلحة الصغير خلاف ذلك, وعندما تنتقل الحضانة إلى من تختاره المحكمة مراعية بذلك مصلحة الصغير, ويبدو واضحاً أن المشرع العراقي كان حريصاً على وضع مصلحة الصغير في المقام الأول وقد نحى المشروع التونسي هذا المنحى إلى حدٍّ ما حين أعطى الحضانة بأمر من المحكمة لأحد الوالدين ولم يفضل الأم أولاً فقد جاء في الفصل (57) من تشريع الأحوال الشخصية في تونس.
الحضانة من حقوق الأبوين مادامت الزوجية مستمرة بينهما وجاء الفصل (64):ـ يمكن لمن عهدت إليه الحضانة أن يسقط حقه فيها ويتولى الحاكم في هذه الصورة تكليف غيره بها ويقضي الفصل (67) بما يلي:ـ
إذا انفصمت الزوجية بموت عهدت الحضانة إلى من بقي حياً من الأبوين وإذا انفصمت الزوجية وكلا الزوجان بقيد الحياة عهدت الحضانة إلى أحدهما أو إلى غيرهما وعلى الحاكم عند البت في ذلك أن يراعي مصلحة المحضون(13)
أما المادة (154) من قانون الأحوال الشخصية الأردني فقد قضت بأن الأم النسبية أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ثم بعد الأم يعود الحق لمن تلي الأم من النساء حسب الترتيب المنصوص عليه في مذهب الإمام أبي حنيفة(14) .
ذلك جاء في المادة 139 من قانون الأحوال الشخصية السوري المعدل بالقانون رقم (34) بتاريخ: 31/12/1975 بأن حق الحضانة للأم فلأمها وإن علت, فلأم الأب وإن علت, فللأخت الشقيقة, فلأخت الأب, فللخالات, فللعمات بهذا الترتيب, ثم للعصبات من الذكور على ترتيب الإرث(15)
ثالثا: الشروط الواجب توافرها في الحاضنة
أشترط المشرع العراقي في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته, وغير متزوجة بأجنبي عن المحضون, إن الشروط الخمسة التي أوردها المشرع العراقي تضمنت نقاطاً إيجابية جديرة بالانتباه كما نرى وجود بعض النقاط السلبية الواجب معالجتها في هذا النص.
أما الجوانب الإيجابية في هذا النص فهي:ـ
1ـ الإيجاز: لقد كان المشرع موفقاً بإيجازه للشروط الواجب توافرها في الحاضنة فهذه الشروط المذكورة تكفي لكي تكون الأم مقتدرة على رعاية المحضون والاهتمام بشؤونه ورعاية أموره حتى ينفصل عنها ولا داعي للإطالة في فرض شروط غير مقبولة إذا أصبحت بالية لا تنسجم مع روح العصر وظروف التطور الحضاري الذي يمر به شعبنا فمثلاً جاء في الشروط التي اشترطها بعض أئمة المذاهب الإسلامية ـ ابن حنبل ـ ولا حضانة لرقيق ولا لمن بعضه حر ولو كان بينه وبين سيدة المُهاياة, فأن كان بعض الطفل رقيقاً فلسيدة وقريبة المُهايأَة لأن حضانة الطفل الرقيق لسيدة والأولى لسيده أن يقره مع أمه, ولا لفاسق ولا لكافر على مسلم, ولا لمجنون ولو غير مطبق ولا لمعتوه ولا لطفل ولا لعاجز, كأعمى من بصره (قال الشيخ وضعف البصر يمنع من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح) وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها في الحضانة (وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده, وقال لأنه يخشى على المولد من لبنها ومخالطتها ويأتي في التقرير أن الجذامى فمنوعون من مخالطة الأصحاء ولا لامرأة مزوجة لأجنبي من الطفل من حين العقد ولو رضي الزوج لئلا يكون في حضانة أجنبي, فأن كان الزوج أجنبياً كجده قريبة فلها الحضانة ولو اتفقا على أن يكون في حضانتها وهي مزوجة ورضي زوجها جاز ولو لم يكن لازماً(16) .
2ـ اشتراطه لبعض الشروط السابقة:ـ
لقد وفق المشرع العراقي في تجنبه لذكر شروط مضى عليها الدهر كاشتراط الفقهاء السابقين أن تكون الأم (حرة) إذ تسرد المجتمع الحديث مفاهيم الإنسانية تتماش وروح التطور, فقط ألغي الرق وأصبح الناس متساوين منذ عهد بعيد كما أن تجاوز مفهوم الأم (المرتدة) ينسجم وروح المجتمع المعاصر الذي نعيش فيه, مجتمعنا العراقي متعدد الأديان والمشرع لا يستطيع أن يحابي ديناً على حساب دين فالمواطنة حق لجميع الأديان والطوائف, ولا مجال لمعالجة هذا الموضوع في مثل هذا التشريع الضيق.
وقد نجح المشرع في استبعاد بعض الأمراض التي تبطل حق الأم في الحضانة (الأمراض الزهرية البرص, الحرب, الجذام) فأن تطور الطب الحديث قد قضى تقريباً على جميع هذه الأمراض.
ولكننا لا نستطيع أن نتجاوز بعض الثغرات التي تضعف هذه الأحكام.
1ـ فالمشرع الذي أنطلق من مفاهيم إنسانية في إسناد الحضانة للمرأة مستنيراً بفكر الثورة والحزب والأفكار الإنسانية المعاصرة لم يضع في ذهنه أن يساوي بين المرأة والرجل فقد جاءت الأحكام الخاصة بالشروط اللازمة لقيام الأم بالحضانة ولم تشمل الرجل علماً بأن المشرع لم يقصر حق الحضانة على نساء بعد الأم بل ينقلها بشكل مباشر إلى الرجل في حالة انعدام أحد الشروط لدى المرأة وهذا نقص كبير يشوب هذه الأحكام إذ يقضي حق المساواة بين المرأة والرجل أن نطبق نفس الشروط الواجب توافرها في المرأة على الرجل(17) .
ولأننا قد خرقنا حق المساواة في واحدة من أهم القواعد التي يجب أن تسود مجتمعاً متحضراً كالمجتمع العراقي نظراً لأهمية الحضانة في تنشئة الطفل الصالح السليم الذي يمكن أن يشكل اللبنة الصحيحة لإنشاء مجتمع متماسك ومتين.
2ـ وردت عبارة أن تكون الأم (قادرة) على تربية المحضون وصيانته ونرى أن عبارة ـ القدرة قد يذهب التفسير بها إلى المرأة العاملة التي لا تلازم بيتها تشمل بموضوع عدم القدرة(18) . ويعتبر ذلك أضعاف لهذا الشرط لذا كان على المشرع أن يضع نصاً آخر يخول بموجبه المرأة العاملة الحق بالقيام بعمل الحضانة(19) إذ لا نستطيع أن نحرم المرأة في مجتمع نصفه نساء من العمل خارج البيت, نظراً لأن تطور المجتمع وبناءه لا يتم بنصف أعضاءه من الرجال ومما تجدر الإشارة إليه أن الزوجات العراقيات العاملات في المصانع أو دوائر الدولة يملكن أطفالاً صغاراً لا يقصرن في تربيتهم, فلا يضير المرأة العاملة إذن أن توفق بين عملها وقيامها بالحضانة.
1ـ كان من الأفضل أن يضاف حكماً جديداً في حالة تولي الأب الحضانة, إذ يشترط أن يكون قادراً عليها في حالة عدم قدرته يستعين بامرأة حاضنة من أقاربه أو أجنبية, نظراً لأن المرأة مؤهلة للقيام بهذا الدور أكثر بكثير من الرجل لما تملكه من عواطف طبيعية إزاء الصغار ويترك الأمر لتقدير المحكمة واللجان الشعبية لتقدير إمكانية الرجل في رعاية المحضون من عدمها.
رابعاً: مدة الحضانة.
إن مدة حضانة الطفل مسألة مهمة جداً نظراً لتأثيراتها المستقبلية على حياة الطفل فالطفل في الفترة الأولى من حياته يحتاج إلية رعاية واهتمام خاصّين لكي ينشأ سليماً معافًى من الأمراض النفسية والصحية وقد عالج المشرع العراقي هذا الأمر بأحكام ثلاثة.
أ ـ حدد مدة الحضانة الأولى بعشر سنوات للولد والبنت فقد جاء في الفقرة (4) من المادة (57) :ـ للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة..).
ب ـ أجاز تمديد الحضانة بقرار من المحكمة مدة خمس سنوات أخرى حيث يقول النص.. وللمحكمة أن تأذن بتحديد حضانة الصغير حتى إكماله الخامسة عشرة إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان المختصة الطبية والشعبية, أن مصلحة الصغير تقضي بذلك, على أن لا يبيت إلا عند حاضنته.
ج ـ أجاز المشرع أن يبقى المحضون عند أحد الأبوين أو أحد الأقارب بعد بلوغه الخامسة عشرة بقرار من المحكمة حتى يصل سن البلوغ.
تقول الفقرة (5) من المادة (57), إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه, أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر, إذا أَنِست منه الرشد عند الاختيار, أتسم التشريع العراقي في مجال تحديد فترة الحضانة بسمات تختلف كثيراً عما كان سائداً في ظل الفقه الإسلامي كما أختلف أيضاً عن التشريعات العربية المعاصرة, فقد ساوى المشرع بين البنت والولد بأن جعل فترة الحضانة واحدة لهما وهي عشر سنوات وبذلك فقد قضى على التفريق الموجود في الفقه الإسلامي الذي ميز الولد عن البنت في مدة الحضانة, وكذلك أختلف مع التشريعات العربية المعاصرة في هذه النقطة(20). واعتقد أن المشرع قد وفق في هذا الشأن فهو قد قضى منذ البداية على التمييز بين الذكر والأنثى منذ الصغر ـ أي فترة الحضانة في مجتمع جعل المساواة بين المرأة والرجل في كافة المجالات ..
فلا داعي للتفريق في مجال الحضانة ومن الناحية الثانية فقد استطاع المشرع أن يتجاوب مع الجوانب الإنسانية التي تقضي بأن يبقى المحضون إلى فترة معقولة في أحضان أمه ـ وهي عشر سنوات ـ يمكن أن يكون إنساناً سوياً نهل من الرعاية ما يكفيه لمواجهة الحياة وبذلك يكون قد خر على أحكام الفقه القديمة التي فرقت في الغالب بين الولد والبنت من حيث السن, فجعلت الولد ينفصل عن أمه بسبع سنين والبنت تسع سنين أو سن النضوج الجنسي الطبيعي حيث تقتضي سنة التطور بالتجاوب مع متطلبات العصر الحديث وبدون الخروج على أحكام الشريعة الإسلامية الأساسية.
من السمات البارزة في أحكام الحضانة أن المشرع العراقي أشرك اللجان الشعبية والطبية في المرحلة الثانية التي تقتضي بها المحكمة وهي إضافة خمس سنوات أخرى إلى فترة الحضانة وهذه الخطوة في غاية الأهمية نظراً للدور الاجتماعي والصحي الذي يمكن أن تلعبه هذه اللجان في تقرير الموضوع وحبذا لو كان تدخل اللجان الشعبية, التي تمثل الاتحادات العامة للنساء والعمال والشباب في تقرير الحضانة عند نظر الموضوع ابتداءً في المحكمة هذا ما سنتطرق إليه في الفصل القادم.
إن المشرع العراقي تميز بإشراكه التنظيمات الشعبية في تقرير تحديد الحضانة فقد افتقدت غالبية التشريعات العربية إلى مثل هذا الحكم المهم في نصوصها.
ومن المآخذ التي نأخذها على مدة الحضانة ما ورد في (الفقرة الخامسة) التي تقول:ـ إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه إذ إن استخدام تعبير المحضون لمن أتم الخامسة عشرة يتناقض وأحكام أخرى وردت في القوانين العراقية, كالقانون المدني, وقانون الأحداث رقم (64) لعام 1972.
فقد منح القانون المدني العراقي الصغير حقوقاً كبيرة عندما يبلغ سن الخامسة عشر بحيث يستطيع أن يمارس التجارة فكيف نطلق عليه وهو متمتع بمثل هذه الحقوق تعبير (المحضون الذي ينصرف أساساً إلى الصغير من الناحية الشرعية واللغوية فقد نصت المادة (119) من القانون المدني ما يلي: إذا أكمل الصغير الخامسة عشرة من عمره جاز للولي بترخيص من المحكمة أن يسلم إليه مقداراً من ماله ويأذن له بممارسة التجارة لتجربته) والصغير المأذون بمنزلة البالغ سن الرشد بالنسبة للتصرفات الداخلة تحت الإذن(21)
كما فرّق قانون الأحداث, رقم (64) لسنة 1972, الصغير عن الفتى, وما يترتب على هذه لتفرقة من عقوبات بالحجز الطويل للفتى البالغ من العمر (15) سنة فقد اعتبرت المادة (21) (من بلغ سن الخامسة عشر (فهو فتى) يختلف في معاملته عن الصبي الذي يكون عمره بين سبع وخمسة عشرة سنة) لذا نرى أن على المشرع العراقي أن يعيد النظر في هذا النص ويعالجه بما ينسجم وأحكام القوانين العراقية لإزالة التناقض وإلغاء الحكم القاضي باعتبار الصغير محضوناً حتى يبلغ الثامنة عشر.
أحكام عامة:ـ
تحدثنا في المباحث السابقة عن أهم أحكام الحضانة في تشريع الأحوال الشخصية العراقي وقد بقيت بعض الأحكام العامة التي تطرق إليها المشرع بشكل عام فقد أشار إلى بعضها ولم يوفه حقها كأجرة حضانة الطفل فقد جاء في المادة السادسة والخمسون إن (أجرة رضاع الولد على المكلف بنفقته ويعتبر ذلك مقابل غذائه) ولكنه لم يتحدث على من تقع نفقة حضانة الولد وإنما أشار فقط (الفقرة 3) من المادة (57) إلى حالة واحدة وهي إذا اختلفت الحاضنة مع من تجب عليه نفقة المحضون في أجرة الحضانة قدرتها المحكمة.
ويفهم من هذا النص أن المحكمة هي صاحبة القرار في فرض أجرة الحضانة على من تراه قادراً على دفعها.
وأعتقد أن المشرع لم يوفق في هذه القضية. فكان الأجدر به أن يذهب ما ذهبت إليه التشريعات العربية المعاصرة(22).
وما ذهب إليه الفقه الإسلامي على لسان أئمة المذاهب المعروفين(23) . إذ يفترض أن تدفع نفقة الحضانة من مال الصغير إن وجد له مال, ومن مال أبيه إن لم يوجد له خصوصاً وان المشرع أعطى للأب حق النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر (فقرة 4 من المادة 57) فالأولى به إذن أن حمل الأب نفقة الحضانة إذا كان قادراً عليها ومما يلفت النظر في أحكام الحضانة إغفال المشرع العراقي إلى أمرين هامين أولها هو حق رؤية الصغير من قبل أحد الأبوين عندما يكون المحضون عند الآخر بموجب حق الحضانة ولا أعلم لماذا أغفل المشرع مثل هذا الأمر المهم؟ فبالإضافة إلى العامل الإنساني الذي يقضي فرض رؤية الصغير من قبل أمه وأبيه.
فأن ما يمكن أن يترتب من تفسيرات أو تطبيقات غير صحيحة عندما ينعدم النص الواضح الذي يعالج هذه الحالة يقضي بأن يقوم المشرع بسد هذا النقص إما بالنص على ذلك في فقرة جديدة تقضي بإلزام الحاضن تمكين الأب أو الأم من رؤية الصغير, أو يعطى الحق للمحكمة في تقرير ذلك(24) أما الأمر الثاني هو الانتقال بالصغير إلى مكان بعيد عن إقامة الوالد أو الوالد الحاضنة, أو السفر به خارج الجمهورية العراقية فقد أغفله المشرع هو الأخر.
وهذا موضوع مهم جداً إذ إن الابتعاد بالمحضون إلى مدينة بعيدة سوف يمنع الأب أو الأم من رؤيته ورعايته وتقديم مستلزمات تربيته من قبل الأب خصوصاً مما يستوجب أخذ موافقة أحد الوالدين غير الحاضنين وإلا فتسقط الحضانة وهذه النقطة جديرة بالاهتمام وهي في حالة سفر والدة المحضون به بدون موافقة الأب خارج القطر خصوصاً إن كانت أجنبية ولا يغربنّ عن بال المشرع العدد الكبير من العراقيين المتزوجين من أجنبيات بالرغم من صدور قانون تجنس الأجنبيات بالجنسية العراقية لكن تبقى القضية مشوبة بالأخطار إذا لم تؤخذ موافقة الأب على سفر المحضون أو موافقة المحكمة المختصة(25).
وأرى أن يبادر المشرع العراقي إلى سد مثل هذا النقص في أحكام الحضانة.
الفصل الثاني
مسؤولية الدولة إزاء المحضون
تتوزع هيئات الدولة الثلاث ـ التشريعية, القضائية – التنفيذية ـ المسؤوليات المختلفة المناطة بكل منها, فالتشريعية تقوم بسن القانون والقضائية تطبق القانون والتنفيذية تقوم بتنفيذ القوانين والأنظمة والقرارات وتسيير أمور الدولة المختلفة ـ وفي باب الحضانة لا يكفي ان يصدر التشريع الخاص بها, بل تقوم الدولة بهيئاتها الأخرى بتطبيق هذه الأحكام على يد القضاء وتنفيذه على يد السلطات المختصة التابعة للسلطة التنفيذية.
إذا فالدولة تضطلع بدور مهم ـ خصوصاً في بلد يتبنى الاشتراكية في موضوع خطير كالحضانة, فلا يمكن أن تعطي مسؤولية الحضانة للفرد أو لهيئة بدون أن يصدر القرار من المحكمة المختصة بذلك, لذا ارتأينا أن نتعرض إلى دور المحكمة العراقية واختصاصها في موضوع الحضانة كما أن المشرع العراقي فتح باباً جديداً لا نراه في التشريعات العربية المعاصرة أو تطبيقات المحاكم سابقاً وهو إمكانية حضانة الطفل من قبل الدولة عن طريق دور الحضانة التابعة للدولة أن ارتأت المحكمة اتخاذ مثل هذا الأجراء وهذا الموضوع سوف نتطرق إليه في حدود ما جاء يف أحكام الحضانة.
أولاً: دور المحاكم والهيئات الشعبية في حماية المحضون:ـ
لقد أعطى التشريع دوراً كبيراً للمحاكم الشرعية في تقرير حضانة الطفل بالمقارنة مع دورها السابق قبل تعديل عام 1978.
ولكنني أرى بأن دورها لازال قاصراً بالرغم من منحها الاختصاصات الجديدة.
وكان المشرع موفقاً في توسيع صلاحيات المحاكم نظراً لأنها تستطيع أن تقدر من موقع المسؤولية ومن المنطلقات الموضوعية تقدير من يستحق القيام بدور الحاضن إضافة إلى الأمور الأخرى المتعلقة بعمر الصغير وتقدير النفقة..الخ.
وفي بحث احتياجات الطفولة – الصادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر عام 1974 جاء ما يلي:ـ
لقد تم تنظيم استبيان بـ 118 قاضٍ في مصر العربية حول مواضيع مختلفة تخص الطلاق والزواج بأكثر من واحدة وما ترتب على ذلك من مشاكل اجتماعية تخص الأطفال, وقد كان من بين المواضيع التي طرحت على القضاة موضوع حضانة الأطفال حيث رأى أغلبهم أن القانون المصري يحتاج إلى تعديل بحيث لا يصبح تقدير أمر حضانة الأب أو الأم خاضعاً لسن الطفل, بل يترك تقرير هذا الأمر لمحكمة القاضي الذي يفصل في حالة على حدة بحسب ظروفها وملابساتها المحيطة(26). لقد منح المشرع العراقي المحكمة دوراً هاماً في موضوع الحضانة وقد ترك لها الأمر في (الفقرة الأولى من المادة 57) أن تقرر مدى قدرة الأم في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون وترك تقدير موضوع النفقة في (الفقرة 3) إلى المحكمة, وفي (الفقرة 4), أعطيت المحكمة صلاحية تحديد فترة الحضانة به إلى سن الخامسة عشرة مع اللجان الشعبية والطبية, كما منحت اختصاص السماح للصغير بعد الخامسة عشر في اختيار الإقامة مع من يشاء من أبويه (فقرة 5 ), وتستطيع المحكمة إعادة المحضون إلى الحاضنة إذا أثبت تضرره خلال مدة وجوده مع المحكوم له بالحضانة سابقاً (فقرة 6), كما أن المحكمة هي التي تقرر نقل المحضون إلى الأب أو من يشاء في حالة فقدان أم الصغير لأحد شروط الحضانة أو وفاتها (فقرة 7), كما منحت المحكمة حقاً مهماً وهو إمكانية إسناد الحضانة إلى شخص ثالث أمين أو دور الحضانة ولكن الفحص الدقيق لهذه الأحكام المتعلقة باختصار المحكمة, ثرينا بعض النواقص المهمة جداً في دور المحكمة واختصاصاتها في ضوء التطورات المجازية في قطرنا.
إن طموحاتنا في بلد تبني فيه الاشتراكية, أن نرى المشرع يضع نصب عينيه إدخال تعديل في المستقبل يساوى فيه بين المرأة والرج في موضوع منح حق الحضانة وذلك عندما تصبح الظروف الموضوعية والتاريخية ويستطيع مجتمعنا استيعاب مثل هذا الأمر بشرط أن تعطى الهيئات الشعبية التي تساعد المحكمة في اتخاذ القرار صلاحيات واسعة في التحقيق والدراسة الميدانية لمعرفة أي الأبوين أصلح للحصول على حق الحضانة واعتبار رأي الهيئات الشعبية إجبارياً للقاضي يلتزم تطبيقه, مع وضع مصلحة الصغير في المقام الأول وأمامنا تطبيقات في العالم بشطريه الاشتراكي والرأسمالي ترك فيه أمر تقرير الحضانة للمحكمة التي تقدر من الأصلح من الأبوين أو الدولة لرعاية شؤون الصغير.
لقد منح التشريع السوفيتي صلاحيات واسعة للمحكمة في تقرير أمر حضانة الأطفال ولم يحددها أبداً.
فقد جاء في المادة الثامنة عشرة من القانون السوفيتي حول الزواج والعائلة الصادرة في 27/ حزيران 1968: أن حقوق الوالدين لا يمكن أن تنفذ في حالة تعارضها مع مصالح الأطفال وقضت المادة التاسعة عشر بما يلي:ـ
يمكن حرمان الوالدين أو أحدهما من الحقوق إذا وجد أنهما قد تخليّا عن تنفيذ التزاماتهما في تربية الأطفال أو أنهما أساءا استخدام حقوقهما الأبوية, وذلك في حالة معاملتهما بقسوة أو بتأثيرهما الضار على أخلاق الأطفال, أو سلوكهما المعادي للمجتمع أو إذا كان الوالدين مع المدمنين على المخدرات أو المسكرات.
وفي حالة اتخاذ قرار حرمان الوالدين من حقوقهما في حضانة الأطفال يسلمون إلى جهاز الوصاية التابع للدولة وتستطيع المحكمة في حالة أخرى أن تضع الطفل تحت رعاية جهاز الوصاية التابع للدولة بغض النظر عن حرمات الوالدين من حقوقهما الأبوية وذلك إذا وجدت أن بقاءه مع أي منهما يشكل خطراً عليه(27).
وفي القانون الإنكليزي يحق للمحكمة أن تقرر عدم صلاحية أي من الأبوين لرعاية الطفل فمصلحة الطفل تأتي بالمرتبة الأولى(28).
وقد تضمن الفصل الثامن المادة الأولى من قانون 1970م, أن من حق المحكمة أن تضع الأطفال تحت حراستها أو وصايتها, إذا وجدت بعض الحالات الاستثنائية أو من غير المرغوب أو المستحيل إعطاء الطفل لأحد الأبوين أو لـ شخص ثالث يمكن في هذه الحالة ان يضع الطفل دون السابعة عشرة تحت رعاية المجالس المحلية (وفقاً لقانون 1965) كما يجوز للمحكمة في بعض الحالات الاستثنائية ـ عندما تعطى حضانة الطفل إلى شخص ثالث مستقل عن الأطراف المتنازعة ـ تستطيع أن تخضع هذا الشخص إلى رقابة مسؤول في المجلس المحلي ـ كما يجوز لها أن تعطي الحضانة لأحد الأشخاص وتعطي الإشراف والرعاية لشخص أخر (وفقاً لقانون 1964)(29) ومن الملاحظات الهامة الأخرى ما ورد في (الفقرة الرابعة من المادة 57)
(وللمحكمة أن تأذن بتمديد يد حضانة الصغير حتى إكماله الخامسة عشر إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان الشعبية المختصة الطبية منها والشعبية ان مصلحة الصغير تقتضي بذلك).
لقد استحدث المشرع العراقي ولأول مرة تكوين لجان شعبية (30)
مهمتها مساعدة القاضي في اتخاذ القرار الخاص بتحديد فترة الحضانة ويتم تشكيل هذه اللجان الشعبية من المنظمات الجماهيرية في القطر وهذه المنظمات هي (الاتحاد العام لنساء العراق, والاتحاد العام لنقابات العمال, الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية, الاتحاد العام لشباب العراق, جمعية الحقوقيين العراقيين جمعية الاقتصاديين, نقابة المعلمين, نقابة الأطباء والنقابات المهنية الأخرى) وتقوم اللجنة عن طريق الاتصال بالصغير وأهله وإجراء البحوث المتعلقة بواقع الأسرة والظروف المحيطة بالقضية للمساعدة في اتخاذ التوصية اللازمة الموجهة للقاضي في سبيل مساعدته لاتخاذ القرار المناسب في تحديد فترة الحضانة.
إن هذه الخطوة تعتبر عملاً كبيراً من قبل المشرع فاعتماد المنظمات الشعبية لمساعدة القضاة في إصدار القرار المناسب في موضوع الحضانة لهو تشخيص صائب ومهم لاشتراك الجماهير صاحبة المصلحة في قضية من أهم قضاياه وهي رعاية وحضانة الطفل الذي إن أحسن المجتمع تربيته عاد مردوده الطيب عليه وبالعكس كما أن اعتماد المنظمات الجماهيرية في مساعدة القاضي خطوة مطبقة بشكل آخر في الدول الاشتراكية ولكننا مع أهمية هذه الخطوة وضرورتها نرى أن المشرع لم يستكمل عناصر هذه الخطوة لتأتي منسجمة مع تطلعات الثورة ومنسجمة مع مقتضيات تطور المجتمع العراقي ..
فقد أخفق المشرع إسناد دور أكبر لهذه اللجان: حيث قصر عملها على حالة واحدة, وهي تقديم توصياتها, بعد بحثها وتقصيها عن أحوال العائلة في نقطة واحدة وهي حالة تمديد الحضانة من 10 سنوات إلى خمس عشرة سنة وكان الأجدر بالمشرع أن ينيط بهذه اللجان مسؤولية أكبر وهي مساعدة المحكمة ابتداءً في نظر من يستحق القيام بدور الحاضن من الوالدين أو إناطة ذلك بدور حضانة الدولة فهذه اللجان هي أقرب من القاضي إلى نفوس الناس, فهي منبثقة منهم وتستطيع الوصول إليهم في عقر دارهم, لتجري التحريات اللازمة عن الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي لوالدي الطفل ومن يحيط بهم في العائلة ومجال العمل وبالتالي تستطيع تقديم توصياتها بمن يستحق القيام بدور الحاضن, إذ إن أوراق الدعوى والإجراءات الأصولية المتبعة في المحاكمة لا يمكن أن تساعد القاضي في الوصول إلى القرار الصحيح في إسناد الحاضنة لمن يستحقها.
ونحن نطمع في أن يرتفع مستوى هذه اللجان إلى تنفيذ هذا الدور المهم في عملية القاضي وبالتالي الوصول إلى صيغة سليمة لحضانة الطفل من مثل من يرعاه جيداً.
كما أن تعليمات السيد وزير العدل أغفلت موضوعاً آخر وهو القوة القانونية لتوصيات هذه اللجنة الشعبية وهل تعتبر ملزمة للقاضي كما نرى في نظام المحلفين المطبق في الكثير من الدول العربية أم بمثابة الرأي الاستشاري.
وقد يرى البعض بأن مفهوم التوصية يعني أنها ملزمة, وكم من التوصيات كما نعلم صحيح بصيغة إلزام في الكثير من نظم مؤسسات الدولة وفي نطاق القانون الدولي, إذ كان من الأجدر النص صراحة على مستوى الإلزام الذي تتسم به توصية اللجنة ونحن نرى أن تكون هذه التوصية ملزمة للقاضي لأنها نابعة من تقدير صحيح نتيجة لدراسات قامت بها اللجنة الشعبية والملاحظة الثالثة من عمل اللجان الشعبية في المحاكم الشرعية هي أنها منذ صدور التعليمات الخاصة بها فأنها لم تمارس أعمالها لحد الآن في كثير من المحاكم الشرعية في نطاق القطر لسبب أو لآخر وهذا مما يسهم في إفشال التجربة قبل أن تؤكد فاعليتها وقدرتها على اختيار الأحكام والقرارات الصائبة.
ثانياً:ـ (دور مؤسسات الدولة في تهيئة الظروف المناسبة لرعاية المحضون)
ورد في نص الفقرة الثامنة من المادة (57) من أحكام الحضانة ما يلي:ـ
(إذا لم يوجد من هو أهل للحضانة من الأبوين, تودع المحكمة المحضون بيد حاضن أمين كما يجوز لها أن تودعه إلى دور الحضانة المعدة من قبل الدولة عند وجودها).
إذن فالمشرع العراقي فتح الباب مشرعة لاحتمال قيام الدولة بحضانة الطفل عندما يجد القاضي أن مصلحة الطفل تقتضي بحضانته من قبل دور حضانة معدة من قبل الدولة ولا غرابة في مثل هذا الأمر فالدولة عندما تختط طريق الاشتراكية تكون مسؤولة عن تهيئة مختلف الظروف لرعاية الصغير بشكل علمي صحيح بعيداً عن المشاكل التي تترتب على الطلاق بين الزوجين دافعها في ذلك أن يكون إنسان المستقبل مستقر العواطف لا تهزه زوابع المشاكل وتخلخل واضطراب العائلة نتيجة الفرقة.
وهي تستطيع أن تهيئ الدور الصحية والعلمية وتوفر الكادر المختص بالتربية الحديثة من باحثين ومعلمين ومربين يستطيعون أن يوفروا للطفل من الأمان والرعاية النفسية والصحية ما يفقده في مجتمع البيت الصغير وقد نهجت الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي على تبني هذه الطريقة, حيث تستطيع المحكمة ابتداءً أخذ الصغير من والديه عندما تجد أن هناك خطراً يتهدد مستقبله سواء كان ذلك في اعوجاج سلوك الوالدين كإنتاجهما طريق الإدمان أو في إساءة معاملة الصغير ونحن بدورنا نرى أن تأخذ الدولة بنظر الاعتبار موضوع إقامة ونشر دور حضانة متطورة تستطيع أن تقوم مقام الوالدين في تنشئة جيل صحيح متماسك يستطيع أن يلعب دوره المرموق في مستقبل شعبة ولكننا نأخذ على المشرع عدم دقته ..
بالرغم من اعترافنا أن مبادرته جيدة في احتمال إنشاء دور حضانة ولكن يجب على المشرع أن يكون في صياغته للنصوص واضحاً ودقيقاً آخذاً جميع الاحتمالات في نظر الاعتبار ولا تضع القاضي في موضوع حرج عند أصداء حكمة, فكان من الأوفق عليه أن لا يقول ـ بوضع الصغير في دور حضانة إن وجدت فأما أن يتأكد من وجود دور الحضانة اللائقة الصحيحة بحيث تصلح أن تكون بديلاً عن حضانة الأبوين وذلك لا يشكل صعوبة أمامه, فهو يستطيع أن يتصرف على مدى جدية الدولة في أقامة هذه الدور وإمكانية إقامتها في الوقت والمكان المحددين لكي يضع النص المناسب, أو أنه ينتظر حتى أقامتها ويعدل النص في المستقبل وأجد نفسي في مكان القاضي الذي يريد إصدار حكمه بحضانة الطفل من قبل الدولة نظراً لعدم توفر الشخص المناسب لحضانته ولكنه يبقى حائراً متسائلاً ما العمل وهو لا يعلم متى ستقوم الدولة بإنشاء دور الحضانة فهو يؤجل القرار حتى إنشائها.
ولكن الوقت قد يطول ويبقى الطفل بدون رعاية يقوم بإعادة الطفل لأحد الوالدين أو لشخص آخر لا يستطيع القيام بحضانته وفي هذه الحالة يكون قد فرط أيضاً في مستقبل الطفل لذا أرى لزوم أعادة النظر في هذا النص مجدداً فأما أن تحذف الفقرة المتعلقة (بدور حضانة الدول أن وجدت).
أو أن المشرع يتفق مع الدولة على أقامة أو تأجير دور حضانة وتهيئتها لتقوم بدورها ويحذف كلمة ـ إن وجدت ـ، إذن فالنص يحتاج في الحالتين إلى تعديل.
ونحن نشجع ونؤيد قيام الدولة في مجتمع يبني الاشتراكية أن تأخذ على عاتقها ابتداءً وعندما تجد أن الوالدين أو الشخص المسؤول عن الحضانة قد قصر بواجباته, أن تقوم بحضانة الطفل نظراً لخطورة مرحلة الحضانة في تنشئة الصغير من الناحية العقلية والنفسية والصحية وأثر ذلك على مستقبل الصغير.
الخاتمة
من خلال عرضنا لموضوع الحضانة في التشريع العراقي استطعنا أن نبين الجوانب الإيجابية والسلبية التي تضمنها التشريع العراقي في معالجته لهذا الموضوع ولابد لنا من التأكيد في الختام إلى ان الدراسة قانونية بشكل رئيسي, مما يجعلها تفتقر إلى الجانب الاجتماعي في موضوع الحضانة.
لقد استطاع المشرع العراقي أن يواكب التطور في جوانب عديدة من الأحكام التي جاء بها, وهو في نفس الوقت لم يعارض روح الشريعة الإسلامية وإنما استطاع أن يوفق بين الجديد والقديم فقد نقل الحضانة إلى الأب (الفقرة 7 من المادة 57).
عند انتفاء أحد شروط الحضانة لدى المرأة, وبذلك فقد تجاوز انتقال الحضانة إلى النساء من أقارب المرأة أو الرجل.
كما أنه حذف و أوجز في الشروط الواجب توافرها في الحاضنة ولم يفرق بين الولد والبنت في السن وجعلها في عشر سنوات متجنباً بذلك الخلافات في الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة وأغلب التشريعات العربية المعاصرة وهناك إضافات جديدة أدخلها المشرع في دور المحكمة لتقرير أمر الحضانة حيث وسع من اختصاصاتها وأشرك معها في العمل ممثلين عن المنظمات الجماهيرية مما يجعل أحكامها أقرب إلى الواقع ومن الحسنات التي تسجل للمشرع العراقي أنه أدخل ولأول مرة أمكانية تبني المحضون من قبل الدولة وذلك عن طريق إقامة دور حضانة الدولة.
إن أحكام الحضانة في وضعها الحالي اشتملت على العديد من نقاط الضعف مما استوجب التنبيه عنها بغية التخلص منها وذلك بإعادة صياغة قسم منها وأضافه نصوص جديدة فالمشرع الذي ساوى إلى حد كبير بين المرأة والرجل عاد وغير في موضوع الشروط الواجب توافرها في الحاضنة وقصرها على المرأة فقط ولم يشترط أي شروط محددة لحضانة الرجل وهذا نقص واضح كما أن المشرع أغفل موضوع استخدام امرأة لتقوم بدور الحاضنة عندما يعجز الرجل عن القيام بهذا الدور ومن السلبيات الأخرى من المشرع استمر يسمي الفتى البالغ خمس عشرة سنة بالمحضون وجعل من الممكن استمراره بهذا الوضع حتى سن البلوغ في حين نجد أن القوانين العراقية الأخرى تعامل الفتى في سن الخامسة عشرة معاملة ثانية تكاد تساوي معاملة البالغين من الرشد وأهمل المشرع النص على ضرورة رؤية الصغير من قبل أحد الوالدين غير القائمين بالحضانة مما يسبب مشاكل عملية تواجه القاضي وذوي الشأن في الأمر وقصّر في موضوع الانتقال بالصغير وخصوصاً خارج القطر, حيث يستوجب أخذ موافقة الأب بذلك نظراً للنتائج الخطيرة التي يمكن أن تترتب على هذا الأمر.
ونأمل من المشرع أن يوسع من اختصاصات اللجان الشعبية المنبثقة عن المنظمات الجماهيرية ويجعلها اليد اليمنى التي تساعد في البحث عن القرار الصحيح في حضانة الطفل ولاسيما أن المشرع قد قصر دورها في البحث والتقصِّي في مرحلة غير مهمة هي تحديد فترة الحضانة من 10 سنوات إلى 15 سنة كما أرى أن يجعل توصياتها ذات أثر ملزم بخلاف ما جاء في تعليمات وزير العدل الغامضة التي تجعل القاضي في موقف حرج من هذه اللجان.
وأخيراً أرى أن يعدِّل المشرع النص المتعلق بإقامة دور الحضانة وأن يضعه بشكل ينسجم وتطلعات شعبنا في بناء جيل صحيح ترعاه الدولة منذ الطفولة ويتم ذلك بإقامة دور الحضانة الصحيحة التي تشتمل على جميع المستلزمات الضرورية لتنشئة الصغير نشأة سليمة من الناحية الصحية والنفسية والتربوية آملين أن تجد هذه المقترحات صدى لدى المشرع لإعادة النظر في أحكام الحضانة والله ولي التوفيق.