بحث ودراسة قانونية عن المال العام

المال العام أم الهم العام 


بقلم القاضي حسين احمد 
من متطلبات الصناعة أو التجارة وبالمجمل من متطلبات أي نشاط تجاري ، أن يتعامل التاجر أو الصناعي مع المصارف عامة كانت أو خاصة.
وفي سورية كما الحال في كل البلدان ، كان الصناعيون والتجار يتعاملون مع هذه المصارف بخصوص ما يلزم من تسهيلات وقروض مصرفية ، تتطلبها الأنشطة التجارية أو الصناعية ، ذلك أن مثل هذه النشاطات وفي ظل تطور الحياة ، باتت في كثير من الأحيان ، مما يتطلب مثل هذا التعامل.
وقبل ما تعرض له القطر من أزمة ، كانت هذه التعاملات ، من التعاملات التي كانت تبدأ وتنتهي دونما أن يعلم بها أحد ، على اعتبار أن عجلة العمل والانتاج كانت تدور ، وتغل الأرباح الكافية لتسديد الدين وتلبية متطلبات حياة وعمل التاجر أو الصناعي.
ولكن ومع دخول القطر في هذه الأزمة الخبيثة ، والتي استهدفت بشكل مقصود ومدروس ومخطط له ، كل من الصناعة والتجارة في القطر.
وبسبب ذلك كان الكثير من التجار والصناعيين ، ممن تعامل مع المصارف ، قد تعرض للضرر والأذى ، كل ذلك بقصد تخريب الاقتصاد السوري وتحيده عن موضوع دعم صمود القطر في وجه هذه الحرب الكونية.
وهذا النهج ظهر جلياً أكثر ما ظهر ، في المدن السورية الكبيرة ، وذات الثقل التجاري والصناعي في الاقتصاد السوري.
وقد تكون حلب ذات الوزن الكبير في هذين المجالين المثال النموذجي لمثل هذه الأمور ، ومما زاد الطين بله ، موقع هذه المدينة القريب جغرافياً من الدولة التركية ، هذه الدولة التي استثمرت الأزمة السورية أفضل استثمار ، وعلى كافة الأصعدة.
ونتيجة لذلك نجد إن كثيراً من المصانع أو المعامل أو المنشآت الصناعية والتجارية والأسواق وسوها ، قد تعرض وبشكل ممنهج ومخطط له ، للتخريب والتدمير والسرقة ، وسواه مما يحقق الغاية في إضعاف الاقتصاد السوري.
هذه الفعاليات كان الكثير من أصحابها أو ملاكها ممن تعامل مع المصارف العامة أو الخاصة ، فنجد إن أصحاب هذه المنشآت ، كانوا قد استدانوا أو اقترضوا من هذه المصارف ، في سبيل إشادة أو بناء أو تجهيز هذه المنشآت أو في سبيل استثمار أو تشغيل ما هو قائم منها.
إلا أن ما حدث أدى إلى خروج هذه المنشآت عن العمل ، إما بسبب التدمير أو التخريب أو النهب والسرقة ، وما سلم منها توقف العمل فيها بسبب إنعدام الأمن أو الغلاء الفاحش في تكاليف الانتاج أو بالمجنل بسبب من الآثار الجانبية لهذه الأزمة.
هذه الحالة أدت إلى إعسار أغلب ، إن لم يكن كل المتعاملين مع المصارف ، وهذا الأمر وضع هؤلاء المتعاملين ، في مواجهة خطيرة مع هذه المصارف ، الساعية بكل جدية لتحصيل حقوقها تحت شعار المحافظة على المال العام !!!!!.
وفي الوقت الذي بدأ فيه الناس يشعرون بقرب زوال هذه الأزمة ، بدأت هذه الممارسات تنذر بأزمة أخرى ، ولكن هذه المرة من نوع جديد !!!!
فمع إنتهاء الأزمة نسبياً ، وبدء التفكير بالعودة للعمل والنشاط الصناعي والتجاري ، بالاستناد إلى توجيهات رسمية وحكومية ، تحت عنوان عريض ، تجلى في إعادة الدوران لعجلة الاقتصاد والإعمار ، ولكن وفي نفس الوقت وأيضاً وبناء على توجيهات حكومية رسمية ، بدأت هذه المصارف ، بإجراءات تحصيل الديون المترتبة على هؤلاء الصناعيين أو التجار.
هذا الأمر برأينا ، لا يبشر بالخير ، فكيف لصناعي أو تاجر ، وقد خرج للتو من أزمة خانقة أن يعيد إقلاع مصنعه أو معمله أو منشآته الصناعية أو التجارية ، بما ستكلفه من مال وجهد كبيرين ، وكيف سيقوم هذا الصناعي أو هذا التاجر ، وفي نفس الوقت ، بتسديد ما هو مترتب عليه من ديون للمصارف العامة أو الخاصة ، وكيف لمثل هكذا إنسان أن يعيد الحياة لنشاطه ، وهناك سيف مسلط عليه ، باحتمال نزع ملكية منشآته منه في أي لحظة ، بداعي المحافظة على المال العام ، على اعتبار أن أغلب إجراءات تحصيل هذه الديون ستنتهي باحتمال واحد ويتيم ، إلا وهو بيع هذه المنشآة بالمزاد العلني تحصيلاً للدين !!!!!!
وفي هذا الخصوص معلوم أن أي بيع لمثل هذه المنشآت ، عدا الضرر الذي سيسببه شخصياً للصناعي أو التاجر ، هو بالمحصلة سيلحق الأذى بالاقتصاد الوطني ، فضلاً من أنه لن تباع مثل هذه المنشآت بأسعارها الحقيقية ، مما سيؤدي إلى خسارة المنشآة نفسها ، وخسارة المصرف لجزء من كتلة الدين ، ذلك أن كثيراً من المنشآت الاقتصادية الاستراتيجية ، مما هي مدينة لهذه المصارف ، وهذا بالمحصلة سيزيد من آثار الأزمة ، وعلى أمد طويل نسبياً.
وفي سبيل التخفيف من آثار هذه الأزمة ، أما كان من الأجدر للجهات الحكومية الرسمية ، أن توجه ، وكما فعلت في بداية هذه الأزمة ، لتأجيل تحصيل هذه الديون ، وبذلك تكون قد ساهمت وبشكل فعلي في إعادة الإعمار ، وبدأ دوران عجلة الاقتصاد الوطني من جديد ، وبذلك يكون هذا الشعار ، نهجاً وسلوكاً ، وليس مجرد شعار !!!!!
وتاريخياً تعرضت الكثير من الدول لمثل هذه الظروف ، فكانت على قدر المسؤولية ، وساهمت في ذلك بكل إيجابية ، إما عن طريق تجميد هذه الديون وتأجيل تحصيلها لمدة زمنية معينة ، كما حصل في القطر خلال وبعد الحربين العالميتين ، حيث صدر قانون بتأجيل تحصيل الديون ، أو عن طريق إتباع طرق أخرى لاسترداد الديون من المتعاملين ، كأن تسترد هذه المصارف حقوقها عن طريق أمتلاك حصص في المنشآت المتعثرة ، وبذلك نكون قد حافظنا على المنشآت ، وعلى المال العام ، وبنفس الوقت ، وبذلك لا نكون ممن يشارك في زيادة وطأة الازمة وآثارها السلبية ، بحجة المحافظة على المال العام ، فالهم العام أولى بالرعاية من المال العام !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!