في الرهن والتأمين في القانون السوري
القاضي حسين احمد
كثيراً مايسأل البعض من المشتغلين في المجال القانوني أو من المواطنين العاديين ، هل يجوز التصرف بالمال الموضوع موضع التأمين أو الرهن ؟؟؟
معلوم أن كل من الرهن والتأمين من الحقوق العينية التبعية.
وقد أفرد القانون المدني الكتاب الرابع والأخير منه ، بأبوابه وفصوله المتعددة للبحث في هذين الحقين العقاريين التبعيين.
فتحدث عن رهن الكثير من الحقوق ووضعها موضع التأمين ، ونحن لسهولة البحث ، سنتحدث عن رهن العقار أو وضعه موضع التأمين ، وبيان فيما إذا كان من المقبول التصرف بالعقارات المثقلة بهكذا حقوق.
وفي هذا الخصوص عرّفت المادة ( ١٠٥٥ ) من القانون المدني رهن العقار وفق التالي :
[ الرهن عقد يضع بموجبه المدين عقاراً في يد دائنه ، أو في يد شخص آخر يتفق عليه الطرفان ، ويخول الدائن حق حبس العقار إلى أن يُدفع له دينه تماماً ، وإذا لم يُدفع الدين ، فله الحق بملاحقة نزع ملكية مدينه بالطرق القانونية ].
في حين عرّفت المادة ( ١٠٧٧ ) من نفس القانون التأمين بالتالي :
[ التأمين هو حق عيني على العقارات المخصصة لضمان وفاء التزام ، وهو بطبيعته غير قابل للتجزئة ، ويبقى بكامله على العقارات المخصصة له ، وعلى كل عقار منها ، وعلى كل قسم من هذه العقارات ، ويتبعها في أية يد تنتقل إليها العقارات ].
ونحن من قراءة أولية نفهم من هذين النصين ، أن الأول يعني وضع العقار تحت يد المدين ، أو تحت يد شخص أخر يتفق عليه الطرفان ، وهذه الحالة تعني فيما تعنيه عدم جواز تصرف المدين بهذا العقار ، الموضوع موضع الرهن ، لأن التصرف به ، فيه مساس بحيازة الدائن للعقار المرهون.
والقانون المدني أوجب على الدائن المرتهن الحائز للعقار المرهون أن يعتني به ، ومنع عليه تناول منفعة مجانية منه ، لكن أجاز له بل أوجب عليه أن يتناول كل الثمار التي يمكن أن يغلها ، شرط خصمها أولاً بأول وقبل استحقاق الدين ، محسوبة على الفائدة والنفقات ثم على رأس المال.
وهو وبصريح العبارة ، منع التصرف بمثل هذه العقارات ، دون الرضا المتبادل للطرفين الدائن والمدين ، وذلك بموجب ما جاء به في نص المادة ( ١٠٦٨ ) منه والتي نصت بفقرتيها على التالي :
١ ) ليس للمدين ولا للدائن أن يتصرفا بالعقار
المرهون دون رضاهما المتبادل.
٢ ) وكل عقد يجري خلافاً لهذه القواعد باطل حكما.ً
أما فيما يخص التأمين فالنص والحكم القانوني فمختلفان.
فوفق التعريف المذكور أعلاه ، يبقى العقار الموضوع موضع التأمين تحت يد مالكه ، ومن مقتضى ذلك أنه يجوز لهذا المالك التصرف المطلق بما يملك من عقار ، حتى ولو كان هذا العقار موضوعاً موضع التأمين ، وقد ورد هذا الحكم في نص المادة ( ١٠٩٦ ) من القانون المدني ، وذلك وفق النص التالي :
[ يتصرف المدين أو الغير الحائز للعقار المؤمن به ، تصرفاً مطلقاً بذلك العقار ، وله وفقاً للقواعد المعينة أدناه ، أن يتحرر من التزامه قبل حلول الأجل ، دون إذن من الدائنين أصخاب التأمين ].
فيُفهم من هذا النص ، أن القانون أجاز للمدين التصرف بالعقار الموضوع موضع التأمين وبشكل مطلق ، كما أجاز له وضعه تحت يد شخص آخر ، بدليل أن المادة السابقة بدأ نصها بالعبارة التالية :
[ يتصرف المدين أو الغير الحائز للعقار …. ].
لا بل إن نص المادة التالية رقم ( ١٠٩٧ ) من القانون المدني أجازت ذلك وبصريح العبارة ، عندما جاء نصها وفق التالي :
[ بعد إجراء التأمين ، إذا تفرغ المدين عن العقار أو الحق الجاري عليه التأمين ، فللشخص المنتقل إليه العقار والمدخل في القضية ، الخيار بين أن يفي الدائن الملاحق دينه كاملاً من رأس مال وفائدة ومصاريف ، وبين أن يتحمل معاملات نزع الملكية الجبري التي باشرها الدائن ].
بيقيه أن نشير إلى أنه هناك حالات خاصة لا تُطبق عليها هذه النصوص العامة ، وخصوصاً فيما تعلق بالتأمين من حكم قانوني ، وأهمها العقارات التي توضع موضع التأمين لضمان القروض المستجرة من المصارف والبنوك العامة ، ذلك أن القانون الخاص الناظم لعمل هذه البنوك أو المصارف العامة ، تضمن نصوصاً خاصة ، تمنع المدين القيام بأي تصرف من التصرفات ، على الأموال الضامنة لسداد هذه الديون ، ومعلوم أن هذه نصوص خاصة ، وهي أولى بالتطبيق من النصوص العامة.
طبعاً وهذا الحكم لا يسري على البنوك والمصارف الخاصة ، لعدم وجود نصوص خاصة تنظم عمل البنوك والمصارف الخاصة ، والتي تعمل وفق نظام الشركات الخاصة ، وإن كانت هذه البنوك والمصارف الخاصة ، تضمن عقود الرهن أو التأمين شروطاً تمنع على المتعاملين معها التصرف بما وضعوه من أموال موضع الرهن أو التأمين ، فالتصرف بالعقار المرهون ممنوع وفق ما ذكر أعلاه من مبدأ عام ، والتصرف بالعقار الموضوع موضع التأمين جائز وفق القواعد العامة ، والعقد في هذا الخصوص بين البنك والعميل محصور الأثر بين الاثنين ولا يُلزم الغير ، وفق مبدأ نسبية العقود وحجيتها المقصورة على أطرافها ، وإذا حصل وتصرف العميل بالعقار فيكون قد أخل بالتزامه العقدي ، وبالتالي هو يُسأل وفق أحكام العقد ليس إلا.