دور القضاء الدولي في تطوير قواعد حماية البيئة البحرية الدكتورة إيناس عبد الهادي مهدي الربيعي القانون العام / معهد العلمين للدراسات العليا

دور القضاء
الدولي في تطوير قواعد حماية البيئة البحرية
الدكتورة إيناس
عبد الهادي مهدي الربيعي
القانون
العام / معهد العلمين للدراسات العليا
دور القضاء الدولي في تطوير
قواعد حماية البيئة البحرية
الدكتورة إيناس عبد الهادي مهدي
الربيعي القانون العام / معهد العلمين للدراسات العليا
     الحمد لله رب العاملين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الغر الميامين وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
    نظرا للطابع الخاص للبيئة
البحرية لما تحتويه من موارد طبيعية حية وغير حية ومصدرا للطاقة ووسيلة للنقل
والتنقل اضافة  لكونها اهم حلقة في النظام
البيئي ،لذا كان اي تغيير في تركيبتها الفيزيائية والكيميائية سيترك اثرا يصعب
ازالته في ظل الحقيقة التي نشهدها اليوم بان كوارث عدة باتت تهدد البحار والمحيطات
وما تحتويه من موارد حية وغير حية ،ليكون امر تظافر الجهود الدولية امرا ملحا
لتدارك الوضع السيء الذي الت اليه تلك البيئة والعمل على وضع وصياغة قواعد قانونية
تكفل حمايتها من الاخطار المحدقة بها ، الا ان مسالة وجود سلطة عليا تتولى تطبيق
تلك القواعد والعمل على تطويرها كان هو المعضلة الاساس في تفعيل تلك الرقابة على
وفاء الدول بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات الحامية للبيئة في ظل حركة تقنين واسعة
هدفت لوضع تدابير جدية تستهدف تحقيق الحماية المرجوة ،ولا سيما ان الالتزام بتفعيل
تلك الحماية يلقي على الدول واجبا بالتعاون الاقليمي والدولي بما يحقق الهدف من
تلك الالتزامات فضلا عن القواعد الدولية الاخرى.
     ولحداثة الاهتمام بحماية البيئة البحرية ولكونه
من المواضيع الحديثة نسبيا التي كان للقضاء الدولي الدور الاساس في تفعيل تلك الحماية
ووضع قواعدها الخاصة وتطويرها ، وهو ما اكده ممثل برنامج الامم المتحدة للبيئة (
Bakary Kant ) بقوله: (يعتبر رجال القضاء شركاء اساسيون
في تطوير وتفسير وتطبيق وتنفيذ قانون البيئة ،فهم يلعبون دورا أساسيا في تشجيع
التنمية المستدامة بالموازنة بين الاعتبارات البيئية والاجتماعية والتنموية في
الاحكام القضائية ….) وفي نطاق بحثنا بهذا الجانب ارتأينا تقسيم الاطروحة بخطة
من ثلاث  فصول كان عنوان الفصل الاول منها
:
    (الاطار المفاهيمي لحماية
البيئة البحرية) والذي انصب على معالجة مفاهيم تتعلق ببيان ماهية البيئة البحرية
وما يواجهها من اخطار وابراز اهمية تظافر الجهود لحمايتها عبر تعزيز تلك الحماية
من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتي من ابرزها واهمها اتفاقية الامم
المتحدة لقانون البحار لعام 1982 والتي ارتأينا جعلها الاساس القانوني لبحثنا لما
تميزت به من تناولها لدور القضاء الدولي في حماية البيئة البحرية بشكل يمكننا
القول عنه انه مميز ومنفرد عما خطته 
الاتفاقيات ذات الصلة ليتمحور الفصل الاول بثلاث مباحث قسمت لمطالب ثلاث
تتخللها فروع قسمت وفق ما ترتأيه الحاجة البحثية، ليكون المحور الاساس في هذا
الفصل بيان مفهوم التلوث البيئي واثاره على البيئة البحرية في مبحث اول تطرقنا
خلاله لبيان مفهوم التلوث البيئي لغة سواء في معاجم اللغة العربية او اللغة
الانكليزية والوقوف الى معناه العلمي والقانوني الوارد في قواميس المصطلحات
القانونية والتشريعات المقارنة على الصعيد العالمي والعربي وصولا للتشريع الوطني دون
اهمال ما ورد في الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية المنعقدة لهذا الغرض مبينين  في هذا الجزء من بحثنا مكامن القوة والضعف في
كل منها سواء في نطاق التشابه في ايراد المصطلحات القانونية او نطاق الحماية
ومصادر التلوث والتي قد تستغل من قبل المتسببين بالتلوث الواقع على البيئة البحرية
لدفع مسؤوليتهم بموجبه.
     ولم نغفل عن تناول عناصر تلوث البيئة البحرية
والذي تناولنا عبره عناصرالتلوث الطبيعية وغير الطبيعية الملوثة للبيئة البحرية.
     اضافة لذلك بيان خصائص تلوث البيئة البحرية وما
يميزها عن انواع التلوث الاخرى بفعل الطابع المركب لهذا النوع من التلوث وامكانية
استمراره لفترة قد تطول وهو ما يؤثر على تقدير الضرر الناتج، والذي استقينا
المعلومات عنه من المصادر الرسمية الدولية بالدرجة الاساس كالجمعية للأمم المتحدة
للبيئة والبحوث والتقارير المنشورة من قبل الهيئة الدولية لقاع البحار اضافة للمصادر
الاخرى من كتب وبحوث ذات صلة، لنختتم الفصل بمناقشة اثار التلوث البحري على
الانسان وما يتبع ذلك من اثار تلقي بظلالها على المناخ والبيئة المحيطة  عبر تناول عددا من الحوادث التي اضرت بالبيئة
البحرية سواء كانت بشكل عرضي او متعمد وتركت اثارها الكارثية تلك البيئة والمناطق
المجاورة لها مع بيان ما اقره القانون الدولي من مبادئ تتعلق بالاستخدام غير الضار
للإقليم وبيان ما صدر عن القضاء الدولي بكل من تلك الحوادث كمبادئ اقرت وساهمت في
تطوير قواعد حماية البيئة بشكل عام والبحرية على وجه الخصوص وبيان اثر ذلك  في وضع 
الصكوك والاتفاقيات الدولية وما نتج عنه من التزامات للدول الاطراف بوضع
القواعد الوطنية والتشريعات التي تمثل امتثالها لتلك القواعد والالتزامات الدولية
وبيان تلك الجهود بتسلسل تاريخي وصولا لعقد اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار
لعام 1982 ليكون تتويجا لدراسة عمدت لتناول الجهود المبذولة لحماية البيئة البحرية
قبل وبعد عقد تلك الاتفاقية كتتويج لتلك الجهود التي رسمت الطريق لوضع تشريعات
وقواعد دولية لحماية البيئة البحرية عبر عرض اهم ما طرأ على الساحة الدولية
والاقليمية من قضايا ذات صلة بذلك الجانب المتعلق بحماية البيئة البحرية في اطار
التنظيمات الدولية واستعراض اهم الاتفاقيات ذات الصلة مع بيان نقاط الضعف والقوة
في الاتفاقيات الاقليمية ذات العلاقة في ظل واقع انعدام النصوص الاتفاقية بين
الاطراف المتعاقدة والذي انعكس سلبا على وجود جهاز قضائي يتولى الفصل في ما ينشأ
عن تطبيقها من نزاعات وما ينتج عن تعارض الاختصاص القضائي للدول الاطراف في محاسبة
مرتكبي جرائم التلوث المتعلقة بالبيئة البحرية .
     اما الفصل الثاني
والمعنون (مجالات الدور القضائي في حماية البيئة البحرية) فقد عمدنا لتناول تطور
الاليات القضائية لتلك الحماية عبر الفصل في منازعات البيئة البحرية والتي تتهدد
مواردها الحية لما تمثله تلك القضايا من اهمية كبيرة بسبب طابعها الفني وكثرة
تعقيداتها لنكون امام مهمة بيان اهم ما ارساه القضاء الدولي من قواعد تكفل تنظيم
تلك الحماية على نحو لا يهدر خصوصيتها عبر جملة من القواعد التي تنوعت وتباينت
باختلاف ما تم عرضه على سوح القضاء الدولي لتكون مرجعا لتشريع قواعد قانونية دولية
تنظم العلاقة بين اطراف المجتمع الدولي في نطاق قانون البحار ليكون ذلك عبر تناول
تلك الجهود وذلك الدور في الفترة التي سبقت ظهور وتشريع اتفاقية الامم المتحدة
لقانون البحار لعام 1982 ومن ثم تناول ذلك الدور بعد تشريع الاتفاقية التي
اعتمدناها كاطار زمني في بيان احكام القضاء الدولي للفترات التي سبقت وتلت تشريع
الاتفاقية مستعرضين عددا من القضايا التي ساهم القضاء الدولي في البت فيها وكان له
الدور الرئيسي في وضع قواعد الحماية خلال تلك الفترات المبكرة من تولي القضاء
الدولي مهمة حماية البيئة البحرية واصدار احكامه التي اقرت تلك الحماية ووضعتها
موضع التطبيق متدرجين في المحاكم الدولية التي تولت الفصل في منازعات البيئة
البحرية بدءا من التحكيم الدولي ومحكمة العدل الدولية خلال الفترة الزمنية المعنية
بالدراسة وبيان تطور سلوك القضاء الدولي وما تم من اجراءات التي نتج عنها ترسيخ
اهم القواعد التي اسهمت بتطوير قواعد حماية البيئة البحرية وصولا للمحكمة الدولية
لقانون البحار واطارها التنظيمي كوسيلة استحدثتها اتفاقية الامم المتحدة لقانون
البحار لعام 1982 وما تميزت به كوسيلة قضائية يتاح اللجوء اليها من قبل الدول
الاطراف وغير الاطراف او المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية للدول والكيانات
الخاصة وفق ما ورد في الجزء الحادي عشر من الاتفاقية ليكون ذلك تميزا لها تنفرد به
عن محكمة العدل الدولية في ولايتها القضائية المقتصرة على الدول فقط دون غيرها من الكيانات
الدولية او غير الدولية.
    اضف الى ذلك تناول الفصل المعوقات التي تواجه
القضاء الدولي خلال ممارسته لدوره في حماية البيئة البحرية والفصل في منازعاتها
والمتمثلة في اولوية القضاء الوطني لأولوية الاختصاص القضائي الوطني قبل اللجوء
للقضاء الدولي على افتراض ان جرائم الاضرار بالبيئة البحرية يتعلق بانتهاك قواعد
وانظمة الدولة الساحلية وحقها في حماية بيئتها في المناطق الواقعة تحت ولايتها،
اضافة للاتفاقيات الثنائية والتي لا تخلو عادة من نصوص تعالج وتحكم ما ينتج عن
تطبيقها من خلافات حول تفسيرها او تطبيقها مع تضمينها الوسائل التي يلجأ اليها
الاطراف لحل تلك المنازعات ان وجدت ليكون تجنب  اللجوء للقضاء الدولي درأ للمسؤولية الدولية وتبعاتها
القانونية ،ليكون ختام الفصل بتناول دور التنظيمات الاقليمية في حماية البيئة
البحرية عبر بيان الاسس القانونية لتلك التنظيمات وبيان دورها في منع تلوث البيئة
البحرية عبر ما تصدره من قرارات واعلانات للدول الاعضاء لتفعيل الية تلك الحماية
في تشريعات الدول الاطراف وتأكيد اهمية وجودها في تبني تلك الحماية وتأكيدها كإحدى
وسائل تطوير الحماية المرجوة للبيئة البحرية.
     ليكون الفصل الثالث
المعنون (القواعد التي ارساها القضاء الدولي لحماية البيئة البحرية والمسؤولية عن
انتهاكها) مخصصا لتناول جملة من القواعد التي ارساها القضاء الدولي عبر ما اصدره
من احكام واراء استشارية لدعم وترسيخ قواعد حماية البيئة البحرية عبر تناول عددا
من التطبيقات القضائية خلال فترات زمنية سبقت وتلت تشريع اتفاقية الامم المتحدة
لقانون البحار وما نتج عنها من مبادئ ساهمت في تطوير قواعد تلك الحماية كما هو
الحال في مبدأ حسن الجوار وواجب التعاون الدولي والالتزام بتقييم الاثر البيئي.
      كل ذلك في ضوء الاتفاقيات الدولية والاقليمية
ليكون ذلك مدخلا لبيان المسؤولية الدولية عن الاضرار بالبيئة البحرية وبيان
تكييفها القانوني وشروط انعقادها ونتائج الاخلال بتلك الحماية وما ينتج عن ذلك من
مسؤولية مباشرة او غير مباشرة، مع بيان تطور قواعد الحماية تلك بفروع القانون
الدولي الانساني والقانون الدولي البيئي مع بيان الصعوبات التي تواجه فرض
المسؤولية عن الاضرار بالبيئة البحرية بما يتعلق بظهور اثار الضرر البيئي وصعوبة
اثبات العلاقة السببية والاليات المتبعة في دعاوى المسؤولية الدولية عن الاضرار
بالبيئة البحرية كالملوث يدفع وصناديق التعويضات البيئية والتامين الالزامي كمبادئ
حديثة في نطاق الضرر البيئي وما تخلل ذلك من تساؤلات اثيرت في خضم البحث لبيان
اشكالية الموضوع وبيان جوانبه التي انعكست عبر ما توصلنا اليه من نتائج وما
اوردناه من توصيات في ضوء موضوع دراستنا.
      وفي الختام  وبعد هذا العرض الموجز لدراستنا والذي حاولنا
قدر المستطاع بيان جزئيات موضوع بحثنا والذي لا ننشد فيه الكمال الذي هو لله وحده فان
اخطأت فالقصور من طبع البشر وان اصبت فتوفيق من العلي القدير، والذي نأمل ليكون  أحد  الجهود التي تسهم في حماية البيئة البحرية لما
يمثله ذلك من اسهام في رقي الانسان وتقدمه والذي نأمل  ان  يكون
له الدور في تحقيق هدف الدراسة وحل اشكاليتها ليكون جهدنا المتواضع خطوة في مسيرة
البحث العلمي في بلدنا العظيم راجين التوفيق من الله في مسعانا ذلك وما التوفيق
الا بالله عليه توكلت واليه انيب.