بحث ودراسة عن مسئولية حارس البناء – شرح القانون المدني
مسؤولية حارس البناء
710 – النصوص القانونية : لم يكن القانون المدني القديم يشتمل على نص لتحديد المسئولية عن تهدم البناء ، فكانت القواعد العامة للمسئولية هي التي تنطبق ، وإذا كان القضاء المصري ، عن طريق القرائن القضائية ، اقترب من القواعد الخاصة التي اشتمل عليها القانون الفرنسي في المسئولية عن تهدم البناء . إذ تنص المادة1386 من القانون الفرنسي على أن ” مالك البناء يكون مسئولاً عما يحدث تهدمه من الضرر إذا كان هذا التهدم يرجع إلى نقص في الصيانة أو إلى عيب في البناء ”
فكان هذا النص يشدد من مسئولية مالك البناء عما قررته القواعد العامة ، فمسئولية المالك طبقاً لهذا النص تقوم على خطأ مفترض متى أثبت المضرور يرجع إلى نقص في صيانة البناء أو إلى عيب فيه ، ويفترض عندئذ افتراضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا النقص في الصيانة أو هذا العيب منسوب إلى خطأ من المالك . أما القانون المصري القديم فلم يتضمن كما قدمنا ما يقابل المادة 1386من القانون الفرنسي وترتب على ذلك أن حارس البناء لا المالك كان هو المسئول ، وكانت مسئوليته مبنية على القواعد العامة ، أي على خطأ ثابت لا على خطأ مفترض ، فكان لا بد من أن يثبت المضرور خطأ في جانب الحارس حتى تتحقق المسئولية .
قلنا إن القضاء المصري كان قد اقترب من قواعد القانون الفرنسي ، وقرب الشقة بين القانونين المصري والفرنسي أمران :
- ( أولاً ) أن القضاء المصري كان يتشدد كل التشدد في التزام حارس البناء ، فكان يطالبه باليقظة والانتباه حتى لا يكون البناء مصدراً للخطر ، وأي إهمال في ذلك مهما كان تافهاً يوجب مسئولية الحارس عن تعويض ما وقع من الضرر .
- ( ثانياً ) أن هذا القضاء من جهة أخرى كان يتساهل كل التساهل في حق المضرور فيجيز له إثبات خطأ حارس البناء بأتفه القرائن .
- فهذا التشدد في جهة وهذا التساهل في جهة أخرى كان من شأنه أن يجعل القضاء المصري يقترب من القانون الفرنسي ، ويستعيض عن القرينة القانونية المقررة في هذا القانون بقرينة قضائية قررها هو . ومن ثم أمكنه في كثير من الأحوال أن يقرر دون نص مسئولية حارس البناء إذا ثبت أن هناك عيباً في البناء أو نقصاً في الصيانة ( ) .
وقد جاء القانون المصري الجديد بنص خاص في مسئولية حارس البناء فقضى في المادة 177بما يأتي :
” 1 – حارس البناء ، ولو لم يكن مالكاً له . مسئول عما يحدثه انهدام البناء من ضرر ، ولو كان انهداماً جزئياً ، ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه ” .
” 2 – ويجوز لمن كان مهدداً بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر . فإن لم يقم المالك بذلك ، وجاز الحصول على إذن من المحكمة في اتخاذ هذه التدابير على حسابه ( ) ” .
ويتبين لأول وهلة من هذا النص أنه يختلف من النص الوارد في القانون الفرنسي في أمور ثلاثة :
- ( 1 ) في أنه يجعل المسئولية على حارس البناء لا على مالكه ، وهذا هو الذي يتمشى مع قواعد المسئولية .
- ( 2 ) وفي أنه يشدد من المسئولية أكثر مما يفعل القانون الفرنسي ، إذا لا يتطلب النص المصري أن يثبت المضرور إهمالاً في الصيانة أو قدماً في البناء أو عيباً فيه ، بل حارس البناء هو الذي يثبت الإهمال في الصيانة وألا قدم في البناء وألا عيب فيه .
- ( 3 ) في أنه يجيز اتخاذ احتياطات وقائية إذا كان البناء يهدد بالسقوط ، فلا ينتظر من كان مهدداً بضرر من جراء تهدم البناء أن يتهدم فيطالب بالتعويض ، بل يستطيع أن يطالب باتخاذ التدابير الضرورية لدرء الخطر قبل وقوعه .
ولا شك في أن القانون الجديد شدد كثيراً في المسئولية عن تهدم البناء ، وأتي لمساعدة من تصيبهم أضراراً من ذلك ، فلم يتركهم إلى القواعد العامة التي توجب عليهم إثبات الخطأ في جانب المسئول .
وتسري هذه القواعد الجديدة منذ 15من شهر أكتوبر سنة 1949 ، أي منذ نفاذ القانون الجديد . والعبرة في ذلك بتاريخ وقوع الضرر الذي ينجم عن تهدم البناء ، فإذا وقع هذا الضرر في تاريخ سابق على هذا التاريخ فالقانون القديم هو الذي ينطبق ، وإلا فالقانون الجديد .
ونفصل الآن قواعد هذه المسئولية ، فتتكلم في أمرين ( 1 ) متى تتحقق المسئولية عن تهدم البناء ( 2 ) وعلى أساس تقوم هذه المسئولية .
المطلب الأول
متى تتحقق المسئولية عن تهدم البناء
711 – شرطان لتحقق المسئولية : تتحقق هذه المسئولية إذا تهدم البناء تهدماً كلياً أو جزئياً وألحق تهدمه ضرراً بالغير . فعندئذ يكون حارس البناء مسئولا عن هذا الضرر .
فتحقق المسئولية يستلزم إذن توافر شرطين : ( 1 ) حراسة البناء ( 2 ) تهدم البناء الذي أحدث الضرر .
1 – حراسة البناء
712 – تحليل هذا الشرط : لا تتحقق المسئولية إلا إذا تولي شخص حراسة بناء فنيين ما معنى الحراسة وما المقصود من لفظ البناء ” .
713 – الحراسة : تتحدد الحراسة هنا على النحو الذي حددناها به في حراسة الحيوان . فحارس البناء إذن هو من له السيطرة الفعلية على البناء ، فيكون مكلفاً بحفظه وتعهده بالصيانة والاستيئاق بأنه ليس قديماً ولا معيباً بحيث يتهدد الناس بالخطر ، ويكون هو المتصرف في أمره ، سواء ثبتت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق ، أي سواء كانت السيطرة شرعية أو غير شرعية ما دامت سيطرة فعلية قائمة . فحارس البناء لا يكون ضرورة هو المالك ، ولا المنتفع ولا الحائز .
ولكن المفروض أن مالك البناء هو الذي يسيطر عليه سيطرة فعلية وهو المتصرف في شؤونه ، ومن ثم توجد قرينة على أن حارس البناء هو المالك والبائع قبل التسليم ، حتى بعد تسجيل عقد البيع ، يستبقي السيطرة الفعلية على البناء ، فيبقي هو الحارس ، ولا تنتقل الحراسة إلى المشتري إلا بالتسليم ( ) . والمقاول الذي قام بتشييد البناء يعتبر حارساً له حتى يسلمه لمالكه ( ) . والمالك المعلق ملكه على شرط فاسخ أو على شرط واقف يعتبر أنه هو الحارس إذا تسلم البناء وكانت له عليه السيطرة الفعلية .
وقد تنتقل الحراسة من المالك إلى غيره كالمنتفع ( usufruitier ) والمستحكر والمرتهن رهن حيازة والحائز للبناء بنية تملكه سواء حاز بحسن نية أو بسوء نية . أما المستأجر والمستعير فلا يعتبران في الغالب من الأحوال حارسين لأن السيطرة الفعلية على البناء خلافاً للحيوان المنقول – تبقى عادة عند المالك ( ) . لكن إذا أقام المستأجر بناء في العين المستأجرة اعتبر حارساً له إلى أن تنتقل ملكية هذا البناء على المالك وفقاً للاتفاق أو لقواعد الالتصاق ( ) .
وقد يكون الحارس شخصاً معنوياً كجمعية أو شركة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة .
وقد يجعل القانون للحارس حق الرجوع على شخص آخر مسئول نحوه كمهندس البناء والمقاول وهما مسئولان عما يحدث في خلال عشر سنوات من ضرر عن تهدم البناء ( م 65 من القانون الجديد ) ، وكالمستأجر وهو المسئول عن صيانة العين المؤجرة ، والبائع وهو ضامن ، وكالبائع وهو الضامن للعيب الخفي .
714 – البناء :والبناء هو مجموعة من المواد مهما كان نوعها – خشباً أو جيراً أو جبساً أو حديداً أو : كل هذا معاً أو شيئاً غير هذا –شيدتها يد إنسان لتتصل بالأرض اتصال قرار . ويستوي أن يكون البناء معداً لسكني إنسان أو لإيواء حيوان أو لإيداع أشياء . فالبيوت والزرابي والخازن تعتبر بناء بل قد لا يكون البناء معداً لشيء من ذلك ، فالحائط المقام بين حدين بناء ، والعمد التذكارية وما إليها من تماثيل مبنية على سطح الأرض بناء ، وكذلك القناطر والخزانات والسدود والجسور ( الكباري ) وكل ما أشيد في باطن الأرض بناء ، كالأنفاق والمصارف والمجاري وأنابيب المياه والغاز . ويعتبر كل هذا بناء ولو لم يتم تشييده ، فإذا أحدث تهدمه ولما يزل في دور التشييد ضرراً كان الحارس –وهو المقاول عادة – مسئولاً عنه .
ولا يعتبر بناء العقار بالتخصيص كالمصاعد . وكذلك الأرض لا تعتبر بناء ، فإذا تطايرت منها شظايا أضرت بالغير ، فلا يعتبر هذا الضرر قد أحدثه تهدم البناء .
2 – تهدم البناء هو الذي أحدث الضرر
715 – تحليل هذا الشرط : يجب أن يكون الضرر الذي أصاب المضرور ناجماً من تهدم البناء . فتنظر فيما يعتبر تهدماً وما لا يعتبر كذلك .
716 – وما يعتبر تهدماً : تهدم البناء هو تفككه وانفصاله عن الأرض يتصل بها اتصال قرار . ويستوي أن يكون التهدم كلياً أو جزئياً ، كما إذا وقع سقف أو تهدم حائط أو انهارت شرفة أو سقط سلم . ويستوي كذلك أن يكون البناء قديماً أو جديداً ، معيباً أو غير معيب ، فلو تخرب مبنى بسبب قدمه أو بسبب حادث كأن يرمي بالقنابل في غارة جوية ، فإن تهدمه بعد ذلك تهدماً كلياً أو جزئياً إذا أحدث ضرراً يرتب مسئولية في ذمة حارس البناء بمقتضى خطأ مفترض .
717 – مالا يعتبر تهدما :ولا يكفي أن يكون الضرر آتيا من البناء ما دام هذا البناء لم يتهدم كله أو بعضه . فلو أن شخصاً زلقت رجله وهو يمشي في غرفة دهنت ” أرضيتها ” دهاناً جعلها زلجة فأصيب بضرر ، فإن هذا الضرر لا يعتبر ناجماً عن تهدم البناء ، وعليه أن يثبت خطأ في جانب المسئول . ولو أن جسماً صلباً سقط من نافذة في مبني فوقع على شخص أصيب من جراء ذلك بأذى ، فإن هذا الضرر لا يعتبر ناجماً من تهدم البناء ما دام سقوط الجسم الصلب لم يكن نتيجة لتهدم النافذة ( ) .
ويجب أن ينجم الضرر عن تهدم البناء تهدماً فعلياً ، لا عن مجرد أن يكون البناء مهدداً بالسقوط أو التهدم . وقد كان القانون الروماني في هذه الحالة يجعل الحق للشخص المهدد أن يستولي على البناء وان يصلح ما به من الخلل . واتبع القانون الفرنسي القديم هذه القاعدة ، دون أن يجعل للشخص المهدد حق الاستيلاء على البناء . أما القانون الفرنسي الجديد فلم ينص على هذا التدبير الوقائي . وسار القانون المدني المصري القديم على نهج القانون الفرنسي في عدم النص على ذلك . ولكن القانون المدني الجديد أجاز في هذه الحالة اتخاذ تدابير واقية ، وقد رأيناه ينص في الفقرة الثانية من المادة 177على ما يأتي : ” ويجوز لمن كان مهدداً بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر . فإن لم يقم المالك بذلك ، جاز الحصول على إذن من المحكمة في اتخاذ هذه التدابير على حسابه ” .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وقد احتذي المشروع مثال بعض التقنيات الأجنبية ، فقرر بين أحكام المسئولية عن البناء قاعدة خاصة بشأن ما يتخذ من التدابير الوقائية التي لا تنطوى على معنى التعويض . ويكفي لإعمال هذه القاعدة أن يتحقق معنى التهديد بوقوع الضرر من جراء البناء دون أن يقع فعلاً . فلمن يتهدده هذا الضرر أن يكلف المالك ، دون الحارس ، باتخاذ ما يلزم من التدابير لدرء الخطر . فإذا لم يستجب مالك البناء لهذا التكليف ، جاز للمحكمة أن تأذن لمن يتهدده الضرر باتخاذ هذه التدابير على حساب المالك ( ) ” .
والحريق غير التهدم ، فإذا احترق بناء وامتدت الحريق إلى مبان مجاورة ، فأصيبت بضرر ، لم يكن هذا الضرر ناجماً عن تهدم البناء ، حتى لو كان البناء المحترق انهدم عقب الحريق مباشرة نتيجة لهذا الحريق فأصاب الغير بالضرر ( ) .