هل النص هو الذي ينشئ الالتزام القانوني ؟


النص هو الذي ينشئ الالتزام القانوني

1Reda Omran

903 – هل هناك سياسة تشريعية توخاها القانون في إنشاء الالتزامات القانونية : 


رأينا أن المصدر المباشر للالتزامات القانونية هو القانون ذاته ، فلا توجد وسيلة إلى معرفة الالتزامات القانونية وتحديدها إلا الرجوع إلى النصوص القانونية . فأينما نجد نصاً ينشئ التزاماً ، فثم التزام قانوني . وقد يبدو أن الالتزامات القانونية ، وقد وكل أمر إنشائها إلى النصوص ، تخلقها هذه النصوص تحكماً ، دون أن تكون هناك في إنشائها سياسة مرسومة . فحيث يستحسن المشرع إنشاء التزام قانوني ، أنشأ هذا الالتزام بنص تشريعي . وهذا هو الظاهر . ولكن الواقع من الأمر أن المشرع يخضع في إنشاء الالتزامات القانونية ، كما يخضع في إنشاء سائر العلاقات القانونية ، إلى سنن طبيعية يطيعها عن شعور أو عن غير شعور . 


ونبين كيف يخضع المشرع لهذه السنن الطبيعية في إنشاء الالتزامات القانونية . 


المطلب الأول 

الالتزامات القانونية التي تستند إلى الوقائع المادية


904 – الالتزامات السلبية : بديهي أن الإنسان يلتزم بإرادته في الحدود التي يسمح بها القانون . فالالتزام الإداري لا عناء في تبريره . وحيث يوجد التزام ر يقوم على الإدارة ، فالقانون هو الذي أوجده . 


والقانون في إنشائه للالتزامات غير الإدارية يدخل في حسابه اعتبارات أدبية واجتماعية . ولكنه لا يستطيع أن ينقاد لهذه الاعتبارات وحدها ، بل يجب عليه أن يراعي اعتبارات أخرى في الصياغة القانونية ، أهمها أنه لا يستطيع أن يصوغ التزاماً مبهماً غير محدد ، أيا كانت المبررات الأدبية والاجتماعية لإنشائه . فهو لا يستطيع أن ينشئ التزاماً إيجابياً يفرض على كل شخص أن يساعد غيره او أن يغيثه عند الحاجة . مثل هذا الالتزام غير المحدد مقضي عليه أن يبقى في دائرة الآداب والاجتماع . ويتناول القانون في رفق بعض نواحيه ، فيبرر منها ما يتمكن من تحديده ، ويصوغه التزامات قانونية ، فينتقل بذلك من عالم الأخلاق والاجتماع إلى عالم القانون . 


وأول ما استطاع القانون أن يفعل ذلك كان في الالتزامات السلبية ، لأنها أسهل تحديداً وأخف عبئاً وأظهر حاجة . فأوجد التزامين قانونيين أخذ بهما الناس كافة . قال في الأول منهما : لا تضر بالغير دون حق ، فوجد العمل غير المشروع مصدراً عاماً للالتزام . وقال في الثاني : لا تثر على حساب الغير دون سبب ، فوجد الإثراء دون سبب مصدراً عاماً آخر . 


وهنا وقف القانون . ولم يستطع أن يخطو خطوة ثالثة ليضع قاعدة عامة كالقاعدتين الأوليين . ذلك أنه كان يقرر في هاتين القاعدتين التزامات سلبية . فإذا هو خرج من المنطقة السلبية إلى المنطقة الإيجابية ، ومن النهي عن الإضرار والإثراء إلى الأمر بالمعاونة والمساعدة ، فثم العسر والتحكم ، إذ تختلط الحدود ، وتنبهم الضوابط . 


905 – الالتزامات الإيجابية : على أن القانون لم يسعه أن يقف عند هذه الحدود السلبية ، بل تقد إلى المنطقة الإيجابية ولكن في كثير من الأناة . وإذا كان قد استطاع كما قدمنا أن يقول في عبارة عامة : لا تضر بالغير ، ولا تثر على حساب الغير ، فإنه لم يستطع أن يقول : ساعد الغير ، في عبارة لها ذات العموم والشمول . قال :ساعد الغير ، ولكن في مواطن معينة رسم حدودها وأحكم ضوابطها . 


فبدأ بمن ساعد الغير فعلاً من تلقاء نفسه – الفضولي – وقال له عليك أن تمضى في عملك ما دمت قد بدأته ، وعليك أن تبذل فيه عناية محمودة . وعليك أن تقدم عنه حساباً . هذه هي الالتزامات القانونية التي ترتبها النصوص في ذمة الفضولي ، ومصدرها القانون كما سبق أن قررنا . ثم سار خطوة أوسع ، وأوجب مساعدة الغير ابتداء . ولكنه لم يستطيع أن يرسم في ذلك التزامات محدودة إلا في نطاق محدود الأسرة وأفرادها يتصل بعضهم ببعض أوثق الاتصال ، ونطاق الجيران والصلة فيما بينهم قائمة موطدة ، ونطاق أصحاب المهنة ، ونطاق الجمعيات والنقابات ، بل نظر في حالات نادرة إلى الأمة كجماعة واحدة وأوجب على أفرادها التزامات قانونية نحو المجموع أي نحو الدولة . 

أما في نطاق الأسرة ، فقد أنشأ التزامات قانونية مختلفة . من ذلك التزامات الزوجية ، والالتزامات ما بين الأبوين والأبناء ، والالتزامات المتعلقة بالولاية والوصاية والقوامة ، والالتزام بالنفقة ، وغير ذلك من التزامات الأسرة . وكلها تقوم على التضامن الواجب فيما بين أفرادها . 


أما في نطاق الجوار ، فهناك التزامات سلبية ، كوجوب الامتناع عن إحداث مضار فاحشة للجيران ، وعدم الإطلال على الجار من مسافة معينة وهناك التزامات إيجابية ، كالتزام الجار نحو جاره في الشرب والمجرى والمسيل والمرور ، وكالالتزامات التي تنشأ بسبب ملكية الطبقات في المبنى الواحد .


وفي نطاق المهنة ، أوجد القانون في ذمة رب العمل التزامات نحو عماله في تعويضهم عن مخاطر العمل ، وأوجد في ذمة أصحاب المهنة الواحدة التزامات نحو عملائهم فيحتفظون بأسرار المهنة ويبادرون إلى إسعاف من يحتاج إلى معونتهم ، ويتخرطون في سلك هيئة واحدة . 

وفي نطاق الجمعيات والنقابات ، أنشأ التزامات مختلفة في ذمة أعضاء هذه الجمعيات والنقابات تقوم على التعاون فيما بينهم . 

ونظر القانون إلى الأمة كجماعة واحدة ، فأنشأ التزامات في ذمة أفرادها نحو الدولة ، أهمها الالتزام بدفع الضرائب . 


والقانون في كل ما قدمناه يتوخى سياسة واحدة : لا ينشئ التزاماً قانونياً إلا وهو يقوم على التضامن الاجتماعي ، ثم يكون هذا الالتزام محدد المعالم . معروف المدى ، منضبط الحدود . وقد ترك التعميم إلى التخصيص مد جاوز النطاق السلبي إلى النطاق الإيجابي ، فانتقل من الالتزامات العامة التي يكون مصدرها المباشر واقعة مادية ، إلى التزامات قانونية محددة تقوم مباشرة على نصوص قانونية خاصة .