رجل متعدد الرؤى لباقر محمد جعفر الكرباسي

 رجل متعدد الرؤى 

سُئِلَ جان دومرسون: (قلت أن الأدب كارثة تحل على الانسان التي تجعل منه أديباً), هذه العبارة لك فما تفسيرك لها؟.. قال:(الأدب عشق, والعشق مرض, والمرض كارثة اذا كان مزمناً, والأديب إنسان مهموم بالأدب, والغريب انه سعيد بهذا المرض ولا يريد الشفاء منه), هذه العبارة تنطبق على الادباء والمفكرين المبدعين في المجالات الانسانية, ومن المعلوم أن الحضارة الانسانية تنماز بمقدار ما يبذل لبنائها من عطاء وابداع وتراكم معرفي, وحضارتنا العربية الاسلامية اعظم ما تسمو به هو ذلك البناء الخلّاق الذي أشادوه جمهرة علمائنا ومفكرينا في مختلف المجالات وعلى المستويات كافة, ومن البديهي أن الفلاسفة والمفكرين الكبار لا يخرجون من رحم الارض كما تخرج النباتات الفطرية وانما هم ثمار عصرهم ونتاج شعوبهم وهم من العصارة الارفع شأناً والأثمن, والاستاذ الدكتور حكمت شبر من هؤلاء, فهو ابن مدينة معطاء, مدينة العلم والفقه والشعر والمنطق والسياسة, النجف الاشرف, مدينة أمير المؤمنين وأمير البلاغة والبيان الامام علي عليه السلام, مدينة يتنفس أبناؤها الشعر كالهواء, فمنذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي اصبحت النجف مركزاً مزدهراً للحوار الفكري ومحجة لطلاب العلم والمعرفة من اصقاع العالم الاسلامي وكونها مصدر جذب للعلماء والمفكرين وفيها نبغوا, فقد كان الشعر وقراءته سمير جلساتهم اضافة الى ادخال المطابع الى المدينة أدّى الى زيادة النتاج الادبي.
فظهرت تبعاً لذلك الصحف والدوريات واصبحت اداة رئيسة لنشر الفكر والمعرفة, كذلك دخول بعض المجلات من لبنان وسوريا ومصر كان لها أثر كبير في تأليف المنظومة المعرفية للشباب النجفي المتحضر وكسر أطواق الجمود, في هذا الجو المفعم بالحركة الادبية والفكرية ولد الأستاذ الدكتور حكمت شبر وسط أسرة دينية أدبية مشهورة في النجف الاشرف, كانت ولادته أنقى من الزمان, لا شك انه جيل الحرية, جيل سطع في أفقه الشيخ محمد رضا المظفر المجدد والمصلح ومحمود الحبوبي وصالح الجعفري ومرتضى فرج الله وابراهيم الوائلي وسلام عادل وعبدالحسين شعبان, وغيرهم من الافذاذ, وفي النجف التي أحبّها الدكتور حكمت شبر تمرس في الكتابة ونظم الشعر من أجل حرية الانسان.
يقترن اسم الدكتور حكمت شبر بفضاء الكتابة الأدبية والتأليف القانوني, فهو دائم البحث والتجدد وذلك ما نستطيع استخلاصه من مسيرته الابداعية التي تمتد لستة عقود خلت ومازال معينها دافقاً حتى يومنا هذا, فقد أثرى الدكتور شبر عبر دراساته ومؤلفاته المكتبة العربية بمختلف فضاءات الثقافة والقانون والسياسة, فهو من خلال كتاباته الصادقة ينسج أعمالا للقارئ العراقي والعربي, ولعل عناوين كتبه تكفي للدلالة على ما كان يشغل بال هذا المثقف الحقيقي والقانوني والشاعر, فهو قانوني أديب نهض بذلك كله على مبدأ خلقي رصين يصدق العمل فيه القول حتى يأتيا متسقين لا ينكر أحدهما الآخر, تحتشد عند الدكتور حكمت شبر مواهب عديدة, فهو ثاقب الرؤية واسع الافق, يتمتع بمزية الجمع بين الأدب والقانون وهو يسجل مكانة مرموقة في صفوف القانونيين الكبار, ومن هنا نجد صعوبة فصل مجمل ما كتبه عن سيرة حياته, إنها اكثر من تعبير شامل عن أفكاره ومفاهيمه, عربي الانتماء وعراقي الوجع والهم, غنّى على قيثارة الشعر أعذب الالحان والانغام الانسانية المعبرة عن خلجات النفس ونبض الوجدان, اذ اتسمت شاعريته بصدق التعبير وقوة البيان وجزالة اللفظ وحرارة العاطفة.
أطل الدكتور حكمت شبر على الابداع من أبواب عديدة, ولم يتوقف عطاؤه حتى الان اذ مازال ينتج, انه طاقة ابداعية متفجرة, حياته سجل حافل من كفاح دائم من أجل بلورة شخصيته الحقيقية واستقلاليتها من كل الظروف المحيطة بها, ويصدق قول الشاعر فيه:
تبحث في الكتب وما سطرت مآثراً تشتاقها كل عين
تغور في أعماق اعماقها تلبس في تمحيصها البردتين 
فبردة العلم واخرى التقى فصرت ما أزهاك بالحلتين 
وأخيراً: عرفت الدكتور حكمت شبر عراقي المولد نجفي التعلم, عالمي المنزع, طباعه محمودة ومعانيه صائبة ومؤلفاته كثيرة ومعارفه غزيرة, إنه رجل متعدد الرؤى.
بقلم الأستاذ الدكتور 
باقر محمد جعفر الكرباسي
رئيس اتحاد الادباء والكتاب في النجف الاشرف