بقلم المحامي فاروق العجاج
من المعلوم أن ترك المأجور مدة سنة كاملة دون انقطاع يعتبر إحدى حالات الإخلاء للعقارات السكنية الخاضعة للتمديد الحكمي، أي المؤجرة قبل نفاذ القانون 6 للعام 2001. (المادة 7/ ي من قانون الإيجارات)
عُرضت على القضاء حالة إخلاء لعلة ترك المأجور، ولكن المستأجر لم ينقطع عن العقار لمدة سنة كاملة، كما ورد بالنص، وإنما كان يتردد عليه بضعة أيام في السنة، وكان من الواضح للمحكمة أنها حالة تعنت من المستأجر بقصد الضغط على المؤجر لرفع دعوى إنهاء العلاقة الإيجارية المعروفة، مقابل دفع 40% للمستأجر.
وبالرغم من ذلك فقد قضت محكمة الصلح بالإخلاء فعلاً بتعليل منطقي مستساغ واجتهاد رائع تقطر من كلماته روح العدالة وغاية المشرع في صيانة الحقوق، خلاصته:
((إن تردد المستأجر على المأجور في فترات متباعدة كل ثلاثة أشهر لا يشكل حاجة للمأجور، وإنما استغلالاً له من المستأجر، وتستراً للحماية القانونية، ذلك أن الحماية القانونية للمستأجر، شرعت في ظروف معينة مرت بها البلاد منعاً من أن يصبح المستأجر بلا مأوى،
أما أن يقوم المستأجر باستغلال المأجور ليقيم فيه بضعة أيام في السنة، فإن ذلك يشكل إجحافاً بالمؤجر المالك، واستغلالاً للنص بطريقة لم يهدف إليها المشرع الذي يهدف لحماية المستأجر وأسرته 365 يوم في السنة وليس 10 أيام فقط))
((إن الحماية التي أسبغها المشرع للمستأجر هي للإقامة الدائمة بالمأجور، لرفع الظلم عنه، وبخلاف هذه الإقامة فإن الظلم سيقع على المالك وهو ما لا يمكن قبوله قانوناً وعدلاً))
((إن تردد المستأجر على المأجور أياماً معدودة في السنة يشكل عزوفاً عن السكن الدائم، وحتى السكن المؤقت، ويشكل إقامة تشبه الإقامة الفندقية إلى حد بعيد، مما لا يجوز اعتبارها إقامة مؤقتة، وهو قرينة على عدم حاجة المستأجر للمأجور ويوجب الإخلاء والقول بغير ذلك يشكل ضرراً بالمؤجر واستغلالاً للمأجور وتعسفاً باستعمال الحق))
كما وفنَّد هذا الحكم بشكل منطقي أيضاً، الدفع الشكلي الكبير بحجية وجود حكم سابق بين الطرفين بنفس الموضوع، قياساً على تجدد مدة إشغال المأجور.
حكم عادل مُحكَم لم تجد محكمة النقض مناصاً من تصديقه.
ونحن إذ نوجه التحية للقاضي المحترم المستشار الأستاذ “طارق برنجكجي” الذي أصدر هذا الحكم نود الإشارة أنه أصدره إبّان عودته لمحكمة الصلح كقاض أول، حيث شغل منصب قاض محكمة البداية التاسعة بدمشق كما هو معروف، متمنين له التوفيق في عمله، وقلوبنا متلهفة لرؤيته في منصب قضائي يليق بعدالته وعلمه وأخلاقه.