التظاهرات السلمية الشبابية الشعبية ورياح التغيير

بقلم الحقوقي / فاروق العجاج
لم يكن سقوط الحكومات العربية المستبدة بعد حكم عقود من السنبن بالقوة البوليسية والاساليب الوحشية ,على يد الثورات والتظاهرات الشبابية امرا مفاجئا للذين يؤمنون بقدرة ارادة الشعوب على ذلك – اذاالشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب له القدر.
ان التظاهرات السلمية لابناء الشعب حقا دستوريا ومقرا في كافة المواثيق والاعراف الدولية واسلوبا حضاريا للتعبيروالاعلان عن مطالبهم وحقوقهم المسلوبة ومعاناتهم ومشاكلهم وهمومهم الحياتية بكل صراحة ووضوح لمخاطبة السلطات المسؤولة عن ذلك مباشرة بعد ان ايقنت من انها لم تلقي الاهتمام اللازم بها من فبل تلك السلطات الرسمية المسؤولة .
ان التعامل السليم مع ابناء الشعب واحترام وتقديراحتجاجاتهم وتظاهراتهم السلمية ومطالبهم المشروعة هو واجب وطني وانساني وقانوني واخلاقي كما يقتضي احترام حق الشعب بحرية التعبير بارادته الحرة بمطالبه وارائه في كل ما يتعلق بحياته ومستقبله طبقا للمفاهيم والمبادئ الديمقراطية ووفقا للمواثيق والاعراف الدولية والانسانية. حيث تميزت التظاهرات السلمية الشعبية الشبابية في عموم اماكن ثورتها العربية بانها كانت تعبيرا عفويا صادرا من عمق الشعور والاحساس الصادق بحقائق الامور والمشاكل والمعانات وبحقيقة شدتها وجسامتها وما يتعلق وبمساس مباشر بحياتهم ومصير مستقبلهم فهي تشكل المجس الطبيعي الدقيق من غير تزوير وتزييف عن حقائق الامور الموضوعية .
اذا كان ارادة السعب مصدراساسي لشرعية السلطات الحاكمة وفقا للاعراف والمواثيق الدولية والدستورية والانسانية والوطنية فتعتبر التظاهرات الشعبية نموذجا حيا للتعبير عن تلك الاراده مما يلزم السلطات الحاكمة باحترام وتقدير مطالب الجماهير بكل مسؤو لية وحرص من اجل مصلحة الشعب والوطن . 
تجاوزت الشعوب الثائرة في هذه التظاهرات السلمية الاساليب التقليدية القديمة وحاجز الخوف الذي كان يخيم عل حياتها اليومية .لم تعد الاساليب البوليسية تشكل مصدر قلق مرعب من منع الجماهير الثائرة من اعلان عن مطالبها علنا وامتلكت الجرئة والارادة الشجاعة الواعية والعزيمة والايما ن الثابت بعد ان اقتنعت بضرورة اجراء تغيير لانظمة الحكم المستبدة القائمة تمخضت تلك الارادة من معانات عقود عديدة من حالة الظلم والاستبداد , (من البديهي ان الثورات تنشا نتيجة لحالة عدم الرضا عن الوضع القائم ومحاولة لايجاد وضع جديد يؤدي الى حالة الرضا. من الذي يجعل الانسان غير الراضي يتحول من حالة اللافعل الى حالة الفعل لتحقيق الرضا – 
الاحباط النفسي – ينشا الاحباط النفسي اذا كان هناك تباين وتناقض بين ما يريده الانسان ويراه من حفه وبين الواقع الفعلي الذي يعيشه وقد اسهمت العولمة والاعلام المفتوح وثورة الاتصالات في هذا التباين ومن ثم الاحباط .فقد اصبح الانسان العربي على وعي وادراك بحياة الانسان في الدول المتقدمة ولذلك اصبحت توقعاته ورؤيته لما يجب ان تكون عليه حياته في تناقض وتباين واضح مع واقعه خاصة من ناحية حقوق الانسان والحقوق السياسية والاجتماعية وفي بعض البلدان الاقتصادية ايضا – مقالة الدكتور هاشم رامي قي جريدة الناس 8 ايار 2012 الابعاد النفسية للتحولات الثورية في المنطقة العربية ) .
ان الاوضاع السياسية في المنطقة اصبحت بحاجة الى سياسة استراتيجية تتلائم مع التقلبات والتيارات الجديدة وتاثيراتها على الاوضاع الامنية والسياسية البالغة الخطورة لقد بدىذلك واضحا من وعي الجماهير الثائرة لها من خلال مطالبها واصرارها على التخلص من هذه الانظمة المنغلقة والمنعزلة عن العالم المتحضرومن خلال سياساتها المنغلقة عن نفسها والبعيدة عن اسس ومعالم التطور العلمي والحضاري الحاصل في العالم خوفاعلى مصالحها الخاصة ومراكز سلطاتها الاستبدادية المركزية .
تميزت التظاهرات السلمية بوحدة الارادة الجماهيرية بين مختلف الطوائف والمذاهب والفئات الاجتماعية اساسها وحدة الاهداف والغايات الوطنية المشتركة نحو بناء مجتمع حضاري متقدم موحد ومتماسك من غير خوف اوتردد لاحداث التغيير المنشود ومن خلال موقف وطني ثابت لم يلين او يتزعزع حتى تحقيق الاهداف المنشودة كما حصل في بعض البلدان العربية ولا زالت متمسكة بها حتى استكمال تحقيق كل الاهداف واحداث التغير الفعلي الجذري لانظمة الحكم الساقطة شرعا وقانونا . 
ان سرعة انهيار الحكومات المستبدة الطاغية يرجع ذلك الى فقدان شرعيتها الانسانية والقانوتية والدستورية واضمحلال هيبة الدولة وسلطاتها الحاكمة بسبب سياستها المستبدة الظالمة بحق شعوبها قد اذهل ذلك العالم كله وكانت التظاهرات الشبابية الجماهيرية بحق ثورات شعبية سجلت صفحات من نور في مسيرتها التاريخية بعد ان حققت تلك الانجازات الفريدة والعظيمة واثبتت بحق انها صاحبة القرار لمنح الثقة للسلطة الحاكمة من عدمها . كان ذلك محل اعجاب وتقدير شعوب ودول العالم بهذه المواقف الوطنية المشرفة والشجاعةكما حققت الترابط العضوي النضالي والحضاري والانساني لمطالب الشعوب المناضلة من اجل الحرية والاستقلال والتقدم 
(يقول الدكتور هاشم رامي في مقالته المذكوره في المصدر اعلاه ان سبب انتشار الثورات العربية يرجع الى ظاهرة التوحد النفسي وقد ابتدع هذا المفهوم الطبيب النفسي الشهير ( فرويد) ويقصد به حالة نفسية لاشعورية تجعل الانسان يشعر وكانه اكتسب مشاعر وسمات شخص اخر مما يجعله يشعر بمعاناته او حماسه وان ما يصيبه كانما اصابه هو نفسه حدث ذلك في تونس حيث رايتا الشعب خاصة -الشباب – قد حدثت لهم حالة من التوحد النفسي مع (محمد بو عزيزي ) وكما حدث ذلك قي مصر حدثت حالة التوحد التفسي مع (خالد سعيد) وعلى مستوى اخر نجد حالة التوحد النفسي قد حدثت للشعوب العربية مع بعضها البعض فبعد نجاح الثورة التونسية في الاطاحة بالرئيس بن علي, توحد الشعب المصري واقام ثورته وهكذا دواليك في العديد من الشعوب العربية ) .
هذا مما يؤكد ان المواطن العربي قد استعادة الثقة ينفسه وبقدرته من التعبيرعن ارائه باراده شجاعة ؤبرؤح عالية ؤبايمان راسخ وبعزيمة واصرار ثابت للتخلص من حكم الاستبداد وحالة الظلم والذل والعبودية لم يكن ذلك المواطن الساذج بعد سنين من الوهم والتضليل الطويلة ان يصدق اويبصم على ما لا يعلم ويرى الا بعد ان يتحقق منه و يثق به. اعطته تجارب الحياة دروسا وعبرا كثيرة وعميقة من شدة ماسيها من ان يفهم بعمق وبوعي عما يجري حوله وما يتعلق بمصير حياته واسرته وشعبه وبالاحساس الواعي بحقيقة المصير والمستقبل المشترك للشعوب العربية مما تعانيه من حجم التحديات الخطيرة التي تهدد امنها واستقراروجودها ومستقبلها من قوى الاستعمار والاحتلال ومن قوى الشر وذات الاطماع التوسعية وقوى البغي والعدوان , فتوحدت مشاعرابناء الشعوب العربية نحو الخلاص اولا من حكم الاستبداد ليرسموا لهم طريقا جديدا يحقق لهم الحياة الحرة الكريمة والقوة والمنعة لاوطانهم ولدولهم لحفظ سيادة البلد وكرامة الوطن من اي تدخل او عدوان اجنبي .
بعد انهيار يعض الانظمة المستبدة لم تفتر او تضعف ارادة الجماهير عن اصرارها وعزيمتها حتى تحقيق كامل اهدافها لانها لم تكن مجرد انقلابات عسكرية او اصلاحية سياسية انما هي تحمل في مضامينها اهداف ومطالب جوهرية تخص مصير ومستقبل حياتها وفق رؤية وطنية شاملة وادراكها الواعي للتحولات والتقلبات المتنوعة السريعة في العالم لم تعد تصغي لتخويفات المرجفين وتوهمات الموسوسين ومناورات المفسديين والضاليين منطلقة من الاعتمادعلى القدرات والافكار والعقائد والتقاليد الوطنية الاصيلة للتخلصمن معاناتهم الحياتية والانسانية والوطنية .
ان المشاعر والاحاسيس الوطنية والانسانية التي تجلت بها التظاهرات في عموم المنطقة العبربية انما تنبع من خزين موروثها التاريخي والحضاري من القيم الاخلاقية والانسانية النبيلة ومن قيم الكرامة والشهامة والعزة والمروؤة قيم الفروسية الاصيلة ترفض عيش الذل والهوان- التي هي من صميم طباعهم في كل زمان ومكان .
كما جسدت بكل وضوح على ارض الواقع الميداني في تلك التظاهرات المميزة في مثل هذه الظروف الصعبة التي يشهدها العالم من ازمات متنوعة وخطيرة على كافة المستويات حقيقة وواقعية وفاعلية المبدئ السلمي لفلسفة (اللا عنف ) الداعية الى حق الشعوب ان تطالب بحقوقها وتعلن ارادتها في كل ما يتعلق بمصيرها ومستقبلها والوقوف بوجه الظلم والطغيان والاستبداد والاستعمار من اجل ان تعيش بحرية وكرامة وعيش كريم …
وكما اكدت في نتائجها المتحققة انه اعتى سلاح ماض ضد الظلم والاستبداد وهو سلاح الفلسفة اللاعنفية التي اسسها غاندي في مقاومة الاحتلال البريطاني للهند باستعمال العصيان المدني والتظاهرات ضد الوجود البريطاني في الهند ونمكن الشعب الهندي بقيادته من طرد القوات البريطانية رغم امتلاكها اقوى الاسلحة .وسقطت الانظمة العربية المسنبدة امام صلابة موقف الجماهير الشعبية الرافظة لاستمرار الظلم والاستبداد وتتطلع اليوم الى ان تعيش بحرية وبكرامة وتتمتع بكافة حقوقها التي سلبت منذ سنين وعقود عديدة في ظل نظام وطني ديمقراطي وقانوني يؤمن العدالة والمساواة بين الجميع دون استثناء .