الدور الوطني لمجلس الشعب في سوريا


 الدور الوطني لمجلس الشعب



بقلم الحقوقي حسين احمد
عندما كان الإنسان منفرداَ بنفسه في الطبيعة , بدون أي علاقة مع آخرين من بني جنسه كان يتصرف وفق ما تمليه عليه الفطرة الإنسانية , بدون ناظم أو قواعد أو أعراف تحكم هذه التصرفات , لكونه لم تكن هناك حاجة لمثل هذه الأمور لأن الإنسان كان فرداَ في الطبيعة.
ولكن عندما بدأ الإنسان بالتجمع والاختلاط , وعندما بدأ أفراد هذا التجمع بالتعامل في أمور الحياة المختلفة , ظهرت الحاجة ملحة , لوجود مجموعة من القواعد والأنظمة , لكي تحكم هذه العلاقات وهذه التعاملات , بحيث لا يتم ترك الإنسان يتصرف وفق أهوائه , ووفق ما تمليه عليه غريزته , مما قد يؤدي للاعتداء على الآخرين أو إلى هضم حقوقهم , أو إلى سواه مما لا تقره قواعد المنطق والعدل والمساواة , من هنا ظهرت الحاجة ملحة لاعتماد مجموعة من القواعد والأنظمة والأحكام , تنظم علاقات ومعاملات الناس.
ففي البداية كانت كل جماعة بشرية , أو تجمع نشري , أو قبلية , تُشرع بنفسها , ما ينظم شؤونها من قواعد وأحكام تنظم علاقة أفرادها بعضهم البعض.
وفي ذلك ومنذ أن نشأت الخليقة , كانت الناس تجتمع في الساحات أو في أماكن خاصة لممارسة سلطة التشريع ففي أيام الرومان كانت الناس تجتمع في ساحة عامة أو خاصة , لممارسة وظيفة التشريع , حيث كان يتم طرح الموضوع وتتم المناقشة به علناَ ثم التصويت عليه , للوصول إلى حكم بخصوصه , ومع مرور الزمن تبلورت هذا القواعد وهذه الأحكام في وجدان الجماعة البشرية , فباتت قواعد عرفية معروفة , معمول بها , وراسخة في ضمير ووجدان الجماعة البشرية.
ثم تولى البعض من المهتمين , بتكليف من جهة ما , أو بدون تكليف , تدوين وكتابة هذه القواعد وهذه الأحكام حتى باتت مكتوبة ومعروفة , وبات يتم تداولها بين الناس , وهكذا نشأت فكرة القوانين المكتوبة.
وإذا كان هذا الأسلوب مقبولاَ في ظل العدد الصغير للجماعة البشرية المعنية بالأمر , إلا انه ومع تطور الحياة وتكاثر الناس بات من الصعب , بل من المستحيل جمع كل الشعب , للمناقشة والتصويت على هذه القواعد وهذه الأحكام , وهنا ظهرت الحاجة ملحة لإتباع طريقة تتناسب وهذا التطور , وما نتج عنه من زيادة في عدد الناس وبالتالي صعوبة جمعهم , كما كان يحصل سابقاَ , فكان أن ظهرت هيئات ومجالس مختلفة وبتسميات متعددة مهمتها سن القوانين وتولي وظيفة التشريع , فكانت مجالس الشعب.
والأساس التاريخي لمجالس الشعب هو ما كان يحصل أيام الرومان من اجتماع للناس , ومناقشة للمقترحات ومن ثم التصويت عليها وإقرارها لتكون ملزمة للجماعة ككل.
أما الأساس القانوني السياسي لهذه الفكرة , هو انه في ظل صعوبة جمع كل الشعب في مكان واحد للاقتراح والمناقشة ومن ثم التصويت , كان لا بد من إنتاج طريقة تحل محل هذه الفكرة , فكان المقترح أن يتولى الشعب , اختيار وانتخاب ممثلين عنه , يمارسون هذه الوظيفة ضمن مؤسسة معينة , وبأصول وقواعد معينة.
ومجلس الشعب هيئة مهمة من هيئات الدولة , وهو إحدى سلطات الدولة الثلاث , ويُعرف بالسلطة التشريعية , أي السلطة التي تتولى سلطة سن القوانين والتشريع.
وعادة يتم تنظيم هذا الموضوع عن طريق نصوص دستورية , ومنها كان النظام السياسي الذي تتبعه الدولة الدور الأساسي في تحديد ماهية هذه الهيئة , التي وظيفتها الأساسية سن التشريعات.
والأصل أن يكون التشريع أو ما يعرف بموضوع سن القوانين من اعلي سلطة في البلاد , إلا انه في الأنظمة الدكتاتورية , عادة يتولى الحاكم الفرد سلطة التشريع , دونما هيئات أو مؤسسات تراقب ذلك , أما في النظم الديمقراطية , فيكون ذلك عن طريق مجالس الشعب , باعتبار أن الفكرة الأساسية لهذه الأنظمة تقوم على فكرة أن الشعب هو مصدر لكل السلطات.
لهذا يعهد بأمر التشريع في الأنظمة الديمقراطية إلى مجلس خاص , وأحياناَ أكثر من مجلس يتولى التشريع باسم الشعب ونيابة عنه.
وتختلف تسميات هذه السلطة من دولة إلى أخرى , وذلك حسب النظام السياسي الذي تتبعه الدولة , ففي بعض الدول تسمى مجلس الشعب , وفي أخرى المجلس النيابي وفي ثالثة مجلس الأمة , ولكن بالرغم من التسميات الدالة على هذه السلطة , وظيفتها تبقى واحدة , ولكن قد تتسع في هذه الدولة , وتضيق في تلك , وفق نظام الحكم في كل دولة.
وعليه الوظيفة الأساسية لمجلس الشعب هي سن التشريع والقوانين , ولكن في بعض الأنظمة الدستورية بالاشتراك مع مجلس الشعب , قد يتولى رئيس الجمهورية , عادة هذه الوظيفة إلى جانب مجلس الشعب , وذلك في حالات معينة , فيسمى ما يصدره رئيس الجمهورية استناداَ لهذه الصلاحية بالمراسيم التشريعية.
وفي سورية وحسب الدستور , يتولى رئيس الجمهورية صلاحية التشريع وسن القوانين في ثلاث حالات هي التالية :
1) في المدة الفاصلة بين ولاية مجلس منتهي الولاية ومجلس جديد , وفي هذه الحالة تكون ولاية المجلس السابق منتهية , وبانتظار مجلس جديد , فهنا لا سلطة لسن التشريعات , حيث يتولى ذلك رئيس الجمهورية.
2) في خارج دورات مجلس الشعب , وفي هذه الحالة هناك مجلس للشعب , ولكنه غير منعقد أو ليس له دورة انعقاد , فيتولى التشريعي رئيس الجمهورية.
3) في حالة الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح الأمة القومية , كالحرب والأزمات , فهنا الضرورة تملي أن يصدر التشريعي بشكل سريع وسري , لمعالجة حالة من الحالات الضرورية التي تمر بها الأمة , فيتولى الرئيس سن التشريع , لأن عرض الأمر على مجلس الشعب له إجراءات ويأخذ من الوقت الكثير في المناقشة والتصويت والإقرار , وهذه قد تفوت الفرصة في المعالجة , أو تفوت المصلحة الضرورية والسرية وما تتطلبه من سرعة لسن التشريع.
ولكن تولي رئيس الجمهورية , وهو رئيس السلطة التنفيذية في الدولة , لا يحجب رقابة الشعب عن طريق ممثليه على هذه القوانين , بحيث اوجب الدستور عرض هذه القوانين , على مجلس الشعب في أول دورة , حيث يمارس كامل الصلاحية في إلغاء أو تعديل أو إقرار القانون وفق ما أصدره رئيس الجمهورية .
باستثناء الحالة التي يتولى فيها الرئيس سلطة التشريع في حالة الضرورة القصوى , ففي هذه الحالة لا تُعرض القوانين على المجلس , وإنما يتم تعديلها أو إلغائها وفق الأصول القانونية.
وفي دستور الجمهورية العربية السورية الجديد , الذي تم إقراره عن طريق الاقتراع الشعبي , وصدر بموجب المرسوم التشريعي رقم ( 94 ) لعام 2012 وفيما يخص موضوعنا ورد في المادة الثانية منه التالي :
  • 1) نظام الحكم في الدولة نظام جمهوري.
  • 2) السيادة للشعب ، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها ، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب.
  • 3) يمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور.
وفي هذا النص الدستوري تأكيد على أن نظام الحكم في سورية هو نظام جمهوري , ويعني أن سورية جمهورية تقوم على النظام الجمهوري في الحكم , وأن الشعب هو مصدر كل السلطات وان السيادة للشعب , وبالتالي الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه , ولكن عن طريق ممثلين عنه , يؤلفون مجتمعين ما يُعرف بمجلس الشعب.
وفي نفس السياق نصت المادة ( 55 ) من الدستور على أن يتولى السلطة التشريعية في الدولة مجلس الشعب على الوجه المبين في الدستور .
وفي هذا النص تأكيد وترسيخ على الوظيفية التشريعية لمجلس الشعب , وفق ما تم بيانه من شرح في مقدمة هذا العرض.
وحددت المادة ( 56 ) من الدستور ولاية مجلس الشعب بأربع سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له ولا يجوز تمديدها إلا في حالة الحرب بقانون.
وحددت المادة ( 57 ) من الدستور بأنه يُنتخب أعضاء مجلس الشعب بالاقتراع العام والسري والمباشر والمتساوي وفقا لأحكام قانون الانتخاب.
ونصت المادة ( 58 ) على أن عضو مجلس الشعب يمثل الشعب بأكمله ، ولا يجوز تحديد وكالته بقيد أو شرط وعليه أن يمارسها بهدي من شرفه وضميره.
وحددت المادة ( 59 ) الناخبون بأنهم المواطنون الذين أتموا الثامنة عشرة من عمرهم وتوافرت فيهم الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخاب.
في حين نصت المادة ( 60 ) من الدستور على التالي :
  • 1) يحدد بقانون نظام انتخاب أعضاء مجلس الشعب وعددهم والشروط الواجب توافرها في المرشحين.
  • 2) يجب أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين ، ويبين القانون تعريف العامل والفلاح.
  • والمادة ( 62 ) من الدستور نصت على أن :
1) تجري الانتخابات خلال الأيام الستين التي تسبق تاريخ انتهاء ولاية مجلس الشعب.
2) يستمر المجلس في الانعقاد حكما إذا لم ينتخب غيره ويبقى قائما حتى يتم انتخاب مجلس جديد.
في حين حددت المادة ( 63 ) من الدستور طريقة انتخاب عضو بديل عن الأعضاء الذين تزول العضوية عنهم وذلك وفق التالي :
( إذا شغرت عضوية أحد أعضاء مجلس الشعب لسبب ما انتخب بديل عنه خلال ستين يوما من تاريخ شغور العضوية، على أن لا تقل المدة الباقية للمجلس عن ستة أشهر، وتنتهي عضوية العضو الجديد بانتهاء مدة المجلس، ويحدد قانون الانتخاب حالات شغور العضوية.)
في حين نظمت المادة ( 64 ) من الدستور طريقة دعوة المجلس للانعقاد وانتخاب الرئيس وأعضاء مكتب المجلس وذلك وفق التالي :
1) يدعى مجلس الشعب للانعقاد بمرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتهاء ولاية المجلس القائم أو من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب في حال عدم وجوده ، وينعقد حكما في اليوم السادس عشر إذا لم يصدر مرسوم دعوته.
2) ينتخب المجلس في اجتماعه الأول رئيسه وأعضاء مكتبه ، ويعاد انتخابهم سنويا.
وناقشت المادة ( 65 ) عدد دورات المجلس وانه يمكن دعوته لدورات استثنائية , وذلك وفق التالي :
1) يدعى المجلس لثلاث دورات عادية في السنة، على أن لا يقل مجموعها عن ستة أشهر، ويحدد النظام الداخلي للمجلس مواعيدها ومدة كل منها.
2) يجوز دعوة المجلس إلى دورات استثنائية بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو من ثلث أعضاء المجلس أو من مكتب المجلس.
3) تبقى الدورة التشريعية الأخيرة من السنة مفتوحة حتى إقرار الموازنة العامة للدولة.
وفي هذا المجال من الجدير الإشارة إلى , أن لأعضاء مجلس الشعب حصانة فهم غير مسؤولين لا مدنياَ ولا جزائياَ , عن الوقائع التي يوردونها أو عن الآراء أو التصويت , التي يتقدمون بها أو يذكرونها أو يمارسونها أثناء انعقاد المجلس أو في لجانه المختلفة , كما انه ممنوع توقيفهم إلا في حالة الجرم المشهود , وفي سواها إلا بعد الحصول على إذن من المجلس , إذا كان في حالة انعقاد , وفي حالة عدم الانعقاد من مكتب المجلس , على أن يخطر المجلس عند أول انعقاد بما حصل من إجراءات.
وبالمجمل مجلس الشعب وفق ما نصت المادة ( 75 ) من الدستور , يتولى الوظائف التالية :
  • 1) إقرار القوانين.
  • 2) مناقشة بيان الوزارة.
  • 3) حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء.
  • 4) إقرار الموازنة العامة والحساب الختامي.
  • 5) إقرار خطط التنمية.
  • 6) إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تحمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تتعلق بعقد القروض أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة ويتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.
7) إقرار العفو العام.
8) قبول استقالة أحد أعضاء المجلس أو رفضها.
من نص هذه المادة يتبين أنه بالإضافة لوظيفة التشريع وسن القوانين , التي يمارسها مجلس الشعب في سورية , هناك للمجلس وظيفة رقابية وصائية , وذلك على أعمال الوزارة والوزراء.
فقد نصت المادة ( 74 ) من الدستور على بيان وتحديد الوظائف والصلاحيات التي يمارسها أعضاء مجلس الشعب , وهي وفق التالي :
( يمارس أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح القوانين وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء وفقا لأحكام النظام الداخلي للمجلس.)
وهذه الصلاحية توفر الرقابة الشعبية عن طريق ممثلين عن الشعب منتخبين من الشعب , وذلك على عمل الوزارة والوزراء , طبعاَ هذا يكون في حالة ممارسة هذه الرقابة فعليلاَ , وتفعيل هذه الصلاحية , من قبل المجلس وأعضائه , لا أن تكون مجرد نصوص جامدة لا دور لها في الواقع.
ولكن خشية الفوضى في ممارسة هذه الصلاحية , مما قد يؤدي إلى تعطل عمل الدولة ومؤسساتها , هذه الصلاحية محكومة بالنظام الخاص بالمجلس , بحيث تُمارس بطريقة تكون ناجعة , تخدم الدولة والمواطن.
كما أنه وفي نفس السياق الدستور منح مجلس الشعب , صلاحية التحقيق والبحث والتحري , وذلك عن طريق لجان مؤقتة يؤلفها من بين أعضائه , وذلك في كل المواضيع التي تتعلق بممارسة المجلس لصلاحياته , وذلك وفق ما ورد في نص المادة ( 78 ) من والتي نصت على التالي :
( للمجلس أن يؤلف لجانا مؤقتة من بين أعضائه لجمع المعلومات وتقصي الحقائق في المواضيع التي تتعلق بممارسة اختصاصاته.
لا بل أن الدستور في مجال هذه الرقابة ذهب إلى أبعد من ذلك , عندما منح المجلس صلاحية حجب الثقة عن أي وزير أو عن الوزارة ككل , بشروط وإجراءات محددة ومعينة , وذلك عندما نص في المادة ( 77 ) منه على التالي :
1) لا يجوز حجب الثقة إلا بعد استجواب موجه إلى الوزارة أو إلى أحد الوزراء ، ويكون طلب حجب الثقة بناء على اقتراح يقدم من خُمس أعضاء مجلس الشعب على الأقل ، ويتم حجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء بأغلبية عدد أعضاء المجلس.
2) في حال حجب الثقة عن الوزارة يجب أن يقدم رئيس مجلس الوزراء استقالة الوزارة إلى رئيس الجمهورية، كما يجب على الوزير الذي حجبت الثقة عنه تقديم استقالته.
مما سبق يتبين لنا أنه بالإضافة إلى وظيفة مجلس الشعب الأساسية في سن القوانين والتشريع , هناك له وظيفة هامة وخطيرة , إذا ما تمت ممارستها وفق الأصول القانونية المرسومة لها , حققت رقابة شعبية هامة ونافعة على عمل الوزارة وأجهزة الدولة بشكل عام.