بقلم المحامي عارف الشعال
من المعلوم أن منع توجيه اليمين الحاسمة في القضايا الجزائية لا يستند لنص قانوني، وإنما لتعامل قضائي مستقر يعتبر هذا المنع من النظام العام .
ويرجع هذا المنع لسبب أخلاقي بعدم جواز تخيير المتهم بين الحنث بيمينه أمام الله و بين إدانة نفسه بالحلف.
وإضافة لذلك هناك سبب تقني برأيي يتجلى بوجود النيابة العامة طرفاً بالدعوى ، لا يعقل أن توجيه اليمين، أو تحلفها إذا ما ردّت عليها .
ومن الجدير بالملاحظة أن هناك خلاف في الفقه حول هذا المنع فقد ذكر الفقيه اللبناني الكبير “سليم رستم باز” في كتاب شرح قانون المحاكمات الجزائية العثماني – طبعة عام 1905 – الصفحة 244 مندداً بتوجيه هذا اليمين قائلاً ما يلي:
((أما تحليف المدعى عليه قبل استنطاقه فهو ممنوع أشد المنع ، و هو من بقايا العوائد البربرية التي امتازت بها أعصر الهمجية و قضت عليها القوانين الحديثة قضاءً مبرماً لما فيها من المنافاة لروح العدل و الإنسانية ، لأنها تضع المدعى عليه على كره منه بين شرين ، فإما أن يحنث بيمينه ، و إما أن يقوم شاهداً على نفسه فيضطر إلى بذل حريته و ربما أيضاً إلى بذل حياته))
في حين أن العلامة الدكتور عبد الوهاب حومد له رأي مختلف يؤيد فكرة توجيه اليمين الحاسمة في المسائل الجزائية، أورده في كتاب أصول المحاكمات الجزائية الصفحة 539 قائلاً:
((أولاً – لا يوجد نص صريح يقرر هذا المنع و مع ذلك فإنه أصبح مستقراً بالقضاء و معتبراً من النظام العام أيضاً ….و لا نجد هذا الكلام مقنعاً ، و لكنه مبدأ جرى العمل عليه من منطلق تكريم المتهم الذي أغدقت عليه الخيرات القانونية في عصر من عصور العاطفية المعاصرة .. و قد قبلته الشريعة الاسلامية طيلة خمسة عشر عاماً ، و لا يزال مبدأ ساريا فيها ، و التشريع الانكليزي يقبله إذا طلب المتهم أن يشهد لنفسه .
ثانياً – نرى أن مصلحة العدالة مرجحة على مصلحة المتهم الذي يجب أن يكون ملزماً بقول الحقيقة تسهيلاً لحسن تطبيق القانون .
ثالثاً – إذا كان لابد من الإبقاء على هذه القاعدة فنرى أن تعلل بأن القانون يمنع الاعتراف المنتزع باكراه ، و اليمين الموجهة إلى المتهم نوع من الاكراه المعنوي .
و لكن في عصر تفاقمت فيه الجريمة كثيراً ، أصبح من واجب الفقهاء أن يعيدوا التفكير في كثير من القواعد ، و هذا المبدأ واحد منها ، و لا يجوز أن يبقى فوق إمكانية البحث فيه))
وحيث أن الدعوى الجزائية بعد شمولها بالعفو تصبح ذات صبغة مدنية بحتة تقتصر على البحث بالتعويض المتوجب على الفعل، ولم تعد النيابة العامة طرفاً فيها، فيصبح توجيه اليمين الحاسمة في هذه الحالة له منطقه القانوني لزوال الأسباب التي تحظر توجيه اليمين عندما تكون المحكمة بصدد البحث عن وجود جرم أم لا.
لذلك نرى صوابية الرأي الذي اتجه إليه العلامة المرحوم “عبد الوهاب حومد”، وندفع باتجاه تبنيه.