“هل يتغير واقع التعليم العالي في العراق بعد جائحة كوفيد 19 ؟”
“مع ملاحظات متعلقة بنشر
القانون الدولي الانساني في العراق
اذن نحن امام التزام واضح بوضع ستراتيجيات واضحة ومحددة ترتقي بقطاع التعليم, ومنه ما يتعلق بنشر قواعد القانون الدولي الانساني الى ابعد الحدود, وبالطريقة التي تسمح لنا بايصال او تحقيق قناعة تامة تنبني على تركيز البعد الانساني في نفوس المواطنين على وجه العموم, والمقاتلين على وجه الخصوص من خلال الجمع بين القواعد الملزمة على المستوى الدولي, وبصرف النظر عن مصدرها تعاهدية كانت ام ذات طابع عرفي او مستمدة من المبادئ العامة
للقانون الدولي الانساني من جهة والممارسات والتوجهات الفكرية التي تعبر عن جوهر
ثقافة سكان المنطقة العربية “الشرق الاوسط العربي” حيث القيم الاسلامية
الايجابية والمبادئ الاخلاقية الرفيعة التي يؤمن بها الشرقيين بحيث تشكل بالنسبة
لهم تراثا مشتركا لضمان تحقيق اكبر قدر ممكن من القناعة الفكرية التي من المفترض
ان تقود الى التعبير عنها من جهة الممارسة او السلوك على مستوى الواقع في العلاقات
البشرية, والامر المذكور قد يتحقق جانب اساسي منه عبر العناية بتدريس القانون
الدولي الانساني, والقانون الدولي لحقوق الانسان عن طريق بث الوعي بجوهره القائم على
احترام القيم الانسانية النبيلة, وطرح مفاهيمه بطريقة لذيذة تعكس ثقافة واسعة
للتدريسي وعلاقة جيدة مع المتلقي للمعلومة فضلا عن التزام السعي الجاد نحو التوسع
في الفئات المستهدفة من عملية نشر هذا الفرع من فروع القانون, ويمكن تقديم بعض
المقترحات ذات الصلة بالاهداف المتقدمة وفقا للاتي:
1.ربما يكون من الضروري العمل على اقناع ذوي الشان بتدريس مادتي القانون
الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان “بطريقة جادة” فضلا عن
تدريس “مادة الاخلاق” في كليات العلوم السياسية والكليات العسكرية
والامنية على وجه الخصوص, وانا انطلق في هذه السطور الخاصة بهذه الفقرة من جملة
للشيخ محمد متولي الشعراوي حيث يقول”اتمنى ان يصل الدين الى اهل السياسة لا
ان يصل اهل السياسة الى الدين” ودراسة الموضوع المتقدم “الاخلاق”
الذي يعد من مباحث الفلسفة سيكتسب اهمية لانه يوفر قناعة عقلية لدى المتلقي او
الفئات المستهدفة المذكورة في اعلاه, وهم خريجو الكليات العسكرية والمعاهد الامنية
باهمية “انسنة” سلوكهم عند التعامل مع الاخرين, وبشكل خاص عند القيام
بواجبهم في انفاذ القانون الامر الذي يطور من مستوى وعيهم ليس فقط في مجال القانون
الدولي الانساني بل ايضا في ميدان القانون الدولي لحقوق الانسان, والوصول الى هذا
الهدف يقتضي منا الايمان بضرورة اعداد تدريسيين اكفاء قادرين على نقل المعلومة
الصحيحة فضلا عن امتلاكهم لقدرة التاثير في الاخرين من خلال سلوكهم الايجابي
المتميز وسمعتهم الطيبة وثقافتهم الواسعة, فاذا كانت حياة الانسان على سطح
المسكونة مؤقتة زمنيا حيث لابد وان تاني في لحظة ما حقيقة مواجهة الموت, فان هذا
التاقيت الزمني لحياة الانسان لا يبرر مطلقا وفقا لاي معيار او سلوك او ممارسة
التعامل مع الحياة وما تطرحه من تحديات وكانها لا تقدم شيئا للانسان, وعلينا ان
نتذكر دائما قول الخليفة الراشدي الرابع قوله المفعم بالتفاؤل (اعمل لدنياك كانك
تعيش ابدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا) والحقيقة اننا لا نجد اية عناية بهذه
الجوانب من الاطراف المعنية بعملية اعداد الكادر التدريسي للمؤسسات المذكورة رغم
اهمية هذا الموضوع لا في الفترات الزمنية السابقة ولا في الوقت الحاضر, ونحن في
العراق احوج ما نكون الى العناية بالجوانب الاخلاقية بعد ان هزت الحروب والازمات
الاقتصادية المستمرة وحالة عدم الاستقرار السياسي والدخول الحر والمفتوح لشبكة
المعلومات الدولية “الانترنيت” القناعات الاخلاقية لدى الناس بشكل او
باخر, وهذه نتيجة من الصعب انكار وجودها في ضوء تزايد حالات ارتكاب الجرائم فضلا
عن ارتفاع معدلات الانتحار لمستويات غير مسبوقة الامر الذي يبرر المطالبة بصياغة
نص دستوري مفصل يكرس الحق لكل مواطن عراقي بضمان الدولة التنمية الاخلاقية للفرد
والمجتمع بما هو افضل من المتوافر دستوريا, وان يعمل على انفاذ مضمونه. فسيبقى الضمير
الانساني العامل الرئيسي في توجيه سلوك الافراد في علاقاتهم الاجتماعية مع
الاخرين. كما ان من المهم ان نشير الى اهمية ما تقدم حيث ظهر واضحا للعيان مستوى
التخلف ودرجة التراجع المرتفعة في مستوى سلوك المؤسسات الامنية في تعاملها مع ثورة
تشرين “اكتوبر 2019” التي اندلعت في العراق ضد النظام السياسي الفاسد,
فليس لاحد ان يتوقع اية نتائج ايجابية تصدر عن مجموعات ترعرعت في احضان مؤسسات
يشهد لها الكافة بمستوى تدريس متخلف وتدريب تقليدي متراجع وعدالة مفقودة ان تتصرف
بطريقة تعكس من خلالها حد ادنى من مستويات الانصاف, بل وحتى دون هذا المعيار
“معيار الانصاف” الى حد كبير.
2.بالعودة الى ما يجري في المؤسسات التعليمية العراقية – الخاصة منها على
وجه التحديد – والتي تتبع مجموعات من المستثمرين نقول ان مفهوم المسؤولية
الاجتماعية يمكن ان يجد له مجالات واسعة للحركة اذا تصورنا رغبة حقيقية لدى هذه
الفئة – المستثمرين في قطاع التعليم- بايلاء اهمية لمستوى مخرجات مؤسساتهم
التعليمية. وهو مفهوم – اي المسؤولية الاجتماعية – يستند بالدرجة الاولى الى
التربية او التنشئة عندما تتكامل مع باقي عناصر شخصية كل انسان, كما ان نمو هذا
المفهوم في صيغة سلوك بشري معبر عنه من خلال مظاهر الحياة المتنوعة سيبقى معتمدا
على “الضمير” في المقام الرئيسي, فهو الرقيب الداخلي غير الظاهر بصيغة
مادية, ومفهوم المسؤولية الاجتماعية يعبر عن معاني للسلوك تتاثر بالطابع
الاجتماعي بتعلم الجديد من جهة, واكتساب
الخبرات المتنوعة من جهة اخرى. (ويجب ان ندرك ان التربية هي اهم وسيلة يمكن عن
طريقها تعزيز نمو المسؤولية الاجتماعية وتربيتها في تكامل مع باقي عناصر الشخصية ومكوناتها,
فحب الخير يمكن تعلمه منذ الصغر. ان ما تعلمه الناشئ في مجال الاسرة والمدرسة
يتاصل في شخصيته ويثبت في تفكيره, وهو ما يجعله اما يتمرد على اصوله او يتبنى صفات
جديدة, وهو الامر ذاته الذي ينبئ وجود شخصية ريادية. ويمكن القول ان كل اشكال
الامتثالية السلوكية وحسن الالتزام بالمسؤولية ليست من قبيل الصدفة وانما مردها
الى ما تشبع به الفرد) (الاقتباس ماخوذ من مقالة للمياء حسن تحت
عنوان”المسؤولية الاجتماعية الضمير كرقيب داخلي” مجلة رواد الاعمال,
العدد 135 الصادر في ديسمبر من العام 2020) فهل يجري النظر الى هذه الجوانب بجدية
داخل الحرم الجامعي لمؤسسات التعليم العالي الخاصة ؟؟؟ حيث ان الملاحظ, – وما
ساذكره يعترف به بل يجاهر به بعض التدريسيين فضلا عن الادارات الجامعية في مؤسسات
التعليم العالي الخاصة – وجود فوارق طبقية كبيرة نسبيا, وامتيازات موزعة بطريقة
غير عادلة مع ظهور بعض مظاهر السلوك السطحي على المستوى الاجتماعي تجعل من الانسان
العراقي الذي يمثل هذا النموذج مجرد مخلوق فاقد للروح الخلاقة والمبدعة, فاذا
استمر الحال على الوتيرة المذكورة اوصافها حيث الفشل من جانب قوانين الملكية في
انجاز وظيفتها والغاية التي وجدت من اجلها عندها تصبح مجرد وسيلة لحماية الطبقات
المالكة, فهي مجرد “ادوات قانونية لاجازة السرقة” بحيث تكون مطالب
تعديلها او ابطالها كليا امرا واجبا……”ان المعنى الحقيقي للفكرة يكمن في
السلوك الذي يكون مترتبا عليها, ان في امكاننا ان نجعل افكارنا واضحة ولكن ذلك لن
يتاتى الا من خلال طريق واحد هو مراعاتنا للاثار والاحداث وردود الافعال التي يمكن
ان تنتجها هذه الافكار” “هذا ما عبر عنه بعض مؤسسوا البراغماتية في
الولايات المتحدة الامريكية”
3.من الضروري ايضا توفير مستوى مقبول من المعرفة بقواعد القانون الدولي
الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان بالنسبة لطلبة كليات الاثار “اقسام
الاثار” في الجامعات العراقية نظرا لاهمية هذه الثقافة بالنسبة لاختصاصهم,
وهو اختصاص متميز وممتع يساعد على فهم التاريخ بطريق افضل بحيث تتشكل قناعات عقلية
متوازنة تحترم الاخر بصرف النظر عن انتمائه الديني والقومي والمذهبي….الخ,
وتساعد بالنتيجة في تحقيق السلام, فالكثير من الممارسات المنحرفة, والتي لا تتفق
مع القيم الانسانية النبيلة او تتعارض مع الاعتبارات القانونية السائدة انما تعكس
مستوى من الخطا او الانحراف في التعامل مع احداث التاريخ من جهة تقديم التفسيرات
المتنوعة لها, ومن جانب اسلوب التقديم او طريقة العرض المتبعة, والتي تستهدف
التاثير في المتلقي لكي تخلق قناعات محددة في نفسه ولتحقيق غايات معينة لا تعكس
بالضرورة تكوين قناعة تنبني على اعتبارات موضوعية تستهدف معرفة الحقيقة بصرف النظر
عن اتجاهها, ومن ثم التعامل معها بطريقة ايجابية من خلال قيم التسامح والفضيلة
والعفو للوصول الى غاية تحسين السلوك في التعامل الانساني, فهل يمكن للدراسات
الاثارية الجادة المبنية على العقل النقدي المساهمة في تكوين الهوية القومية
والدينية بل المساهمة في خلق هوية انسانية جامعة لتعكس في النهاية اقرارا بالحقيقة
بصرف النظر عن لونها او دينها او طائفتها او مكان وجودها…الخ ؟ فمن المهم جدا ان
لا ينظر للتاريخ باعتباره قصة ممتعة, وانما من الضروري التعامل مع احداثه الحقيقية
كما وقعت غير المزورة او المنمقة بنظرة موضوعية ترفض بعض المقدسات التي جرى
تاليهها من جانب البشر لا من جانب الخالق الواحد الاحد.
4.ان العمل على تدريس مادة القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق
الانسان يجب ان يشمل اختصاصات اخرى ذات علاقة بالقيم التي يبثها الفرعين المذكورين
من فروع القانون الدولي, وعلى وجه التحديد الاختصاصات الطبية “كليات الطب
والصيدلة” حتى ان هناك من اطلق على القانون الدولي الانساني في بدايات ظهوره
في العصر الحديث تسمية “القانون الدولي الطبي” فضلا عن كليات العلوم حيث
تساهم هذه الخطوة في تعزيز الجانب الوقائي الخاص باحترام القواعد القانونية
المنبثقة عن الفرعين المذكورين على ان تكون المناهج المعتمدة ذات صلة بالاختصاصات
المذكورة متضمنة لمفردات تستجيب لطبيعة الادوار او الاعمال التي يقوم بها خريجو هذه
الاختصاصات لضمان تحقيق الغاية من جراء تدريس المواد المذكورة بالنسبة لهذه
الاختصاصات, وعدم الاقتصار على بث مفردات عامة وعائمة عن حقوق الانسان والقانون
الدولي الانساني بحيث لا يجد المتلقي لها اية فائدة من وراء تدريسه اياها, الامر
الذي اكد عليه اعلان ليما الصادر عن المنظمة العالمية للخدمات الجامعية في شهر
ديسمبر عام 1988 بمضمون الفقرة (15) منه بنصها على (تتصدى جميع مؤسسات التعليم
العالي للمشاكل المعاصرة التي تواجه المجتمع. وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي ان تستجيب
مناهج الدراسة في هذه المؤسسات, وكذلك انشطتها, لاحتياجات المجتمع بوجه عام, كما
ينبغي ان تتناول مؤسسات التعليم العالي بالنقد احوال القهر السياسي وانتهاكات حقوق
الانسان داخل مجتمعها) فالمطلوب تحقيق نسبة عالية من التفاعل بين القائم بعملية
التدريس من جهة والمتلقي للمعلومة القانونية من جهة اخرى, والهدف اعلاه يطرح تحديا
صعبا للغاية امام الجميع يمكن ان ننجح في تحقيق الوصول اليه لكن مع بذل الكثير من
الجهود المخلصة التي تؤمن بقيمة الحياة وما يمكن ان تقدمه للانسان رغم قصر الفترة
الزمنية التي يستطيع البشر التمسك بوجودهم خلالها على سطح المسكونة. فمن الغريب
حقا ان تتباين اسعار بعض الوصفات الطبية الى حد غير معقول عندما يطلب مني ان ادفع
مبلغ (95000) خمسة وتسعون الف دينار لقاء وصفة طبية مكونة من نوعين من الدواء من
جانب فرع احدى الصيدليات في حين يطلب مني فرعها الثاني مبلغ (130000) مائة وثلاثون
الف دينار ثمنا للدواء ذاته, وفي الوقت الذي اشيد فيه بالمنصفين من الكوادر الصحية
العراقية اقول ان مستوى الخدمات الطبية في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية
متدني جدا, فذات العلة التي وصف لي احد الاطباء لمعالجتها الدوائين اللذين اشرت
الى تباين ثمنهما بين فرعين لذات الصيدلية لم يتم وصفهما لي ….الخ عندما راجعت
احدى المستشفيات الحكومية المعروفة بل ان “الطبيب/الطبيبة” “الذي/التي”
“راجعته/راجعتها” في احدى المراكز الصحية كتبت لي في قصاصة ورقية
“مخزية” ومن دون اي فحص طبي مطلقا “شريط باراسيتول” !!!! فأين الخلل يا غير المسؤولين ؟؟؟.
5.سؤال في غاية الاهمية من الضروري الانتباه اليه جيدا ابتداء من الان
مضمونه: الى اي مدى يمكن الاستعانة بالامكانيات العلمية المتقدمة والناجمة عن
الذكاء الصناعي في نشر القانون الدولي الانساني, بل وفي عملية التدريس لكافة
الاختصاصات ولكافة المواد الدراسية وحتى في مضمار التقييم العلمي للبحوث المقدمة
الى الترقيات العلمية بحيث تساهم هذه التقنية او الوسيلة في خلق حوار بناء يتعلق
بموضوع المحاضرة التي يجري القائها على المتلقين من الطلبة وغيرهم من الفئات
المستهدفة, دون ان يؤدي هذا الدور المفترض للذكاء الصناعي “الروبوتات
الذكية” في المساعدة بنشر القانون الدولي الانساني الى تقليص فرص العمل امام
الانسان باعتباره “المعلم الاول” وهكذا نستطيع ان نتصور وجود اثنين من
المحاضرين يديرون عملية القاء المحاضرة
ويقدمون المعلومة القانونية بطريقة تكاملية فيما بينهم, وباسلوب يعرض التفاعل الى
مستوى بعيد بحيث تساعد هذه الطريقة في التخلص من طابع الالقاء السلطوي الذي يطبع
عملية القاء المحاضرات من جانب محاضر واحد بحيث تكون امكانيات خلق الحوار وتقديم
التعليقات المفيدة محدودة, وقد تثير امتعاض المتلقين على وجه العموم, وان لم يظهر
الجانب المذكور بوضوح اثناء الدرس. والامر المذكور يجب اخذه على محمل الجد في
المديات القصوى فقد اصبحت الروبوتات منتشرة في كل مكان نتيجة الجائحة “كوفيد
19” بل ان هناك من يذهب الى ابعد من ذلك عندما يؤكد ان عالم ما بعد مرحلة
“كوفيد 19” سيشهد تحولا لجميع النشاطات والاعمال الى الصيغ الرقمية, كما
ان قسما لا يستهان به من الاعمال المرتبطة بالنشاطات التجارية والتفاعل والقوى
العاملة سينتقلون الى العالم الرقمي ايضا, حتى ان “نعوم تشومسكي” وهو
احد اهم المفكرين في العصر الراهن يطرح السؤال الاتي: (يجب ان نسال انفسنا عن
العالم الذي سنخرج به من هذه الازمة, ما هو شكل العالم الذي نريد ان نعيش فيه ؟)
ولا نجد شيئا بارزا من ذلك في العراق بل ان تجربة التعليم الالكتروني في
الاعوام الماضية بالنسبة لمؤسسات وزارتي التربية والتعليم العالي !!! واجهت الكثير
من المعوقات, لعل اكثرها وضوحا انعدام البنى التحتية الضرورية لانجاح مثل هذه
التجربة “تجربة التعليم الالكتروني” الامر الذي يتطلب من الجهات ذات
العلاقة العمل الجاد والدؤوب على توفير المستلزمات الاساسية حيث تؤكد النصوص
القانونية النافذة في العراق على “مجانية التعليم” بالنسبة للمستويات
التي تقع تحت مسؤولية وزارة التربية بل وابعد من المستوى المذكور حيث تنص المادة
“34” من دستور العراق النافذ عام 2005 على (اولا:التعليم عامل اساس
لتقدم المجتمع, وحق تكفله الدولة, وهو الزامي في المرحلة الابتدائية, وتكفل الدولة
مكافحة الامية. ثانيا:التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله.
ثالثا:تشجع الدولة البحث العلمي للاغراض السلمية بما يخدم الانسانية, وترعى التفوق
والابداع والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ. رابعا:التعليم الخاص والاهلي مكفول,
وينظم بقانون) ومراعاة اهمية هذا الامر من جهة ضرورة معالجته نظرا لارتفاع معدلات
الفقر في العراق, والحقيقة ان تسخير امكانيات التكنولوجيا الجديدة والرقمية
والمراعية للبيئة بهدف ضمان الانتفاع بها وتطويرها واستخدامها بمسؤولية وبصورة
امنة ومنصفة وشاملة للجميع وقائمة على مبدأي التفكير النقدي والاستدامة, بالتزامن
مع اجراء تقييم مناسب للمخاطر والمنافع المرتبطة بهذه التكنلوجيات, فضلا عن تعزيز
الموارد التعليمية المفتوحة والعلم المفتوح ومرافق التعليم الالكتروني المتاحة
باسعار معقولة من اجل التنمية المستدامة كلها جوانب اكدت عليها المادة (6/ح) من
اعلان برلين من اجل التنمية المستدامة.
6.من الضروري التركيز على اعتماد المنهج الاستقرائي من جانب طلبة الدراسات
العليا عند قيامهم بكتابة رسائلهم واطاريحهم التي يجري تحريرها في موضوعات القانون
الدولي الانساني لكي نتخلص من التكرار النظري وحالة الوصف او النقل لمحتوى النص
القانوني, وهي حالة يتبعها الطلبة في عناوين ومضامين الرسائل والاطاريح الامر الذي
يتطلب تطوير المهارات ذات الصلة بتدريس مادة قاعة البحث
“السيمينار” التي من المفروض ان
تدرس فيها مناهج البحث بطريقة سهلة وعملية ومتميزة, وهذا الامر غير متوافر مطلقا
اذ يجري التعامل مع هذه المادة المهمة من جانب الكافة “الادارات الجامعية
وليس القيادات الجامعية فهي غير متوافرة في العراق, فضلا عن الطلبة, والكادر
التدريسي على وجه العموم” بطريقة دونية او سطحية, فتطوير تدريس هذه المادة
سيشكل الخطوة الاولى في الاتجاه السليم الذي يستهدف افهام الطالب ان كتابة البحث
يجب ان تبدا بفكرة اولية تمثل طبقا لوجهة نظر الباحث الخطوة الاولى باتجاه الحل,
فهذه الفكرة تعبر عن وجود مشكلة للبحث من المهم معالجتها للوصول الى مجموعة
استنتاجات وتوصيات تساهم في وضع الحل لها, ولا اعتقد – وهذه وجهة نظر شخصية –
بافضل من اتباع الية المنهج التجريبي الاستقرائي القائم على الملاحظة والتجريب,
وهو منهج قائم على جمع الادلة الى اقصى حد مستطاع, وتنظيم الامثلة وتبويبها
وتحليلها واستبعاد ما يبدو منها انه لا يشكل ظاهرة ملموسة ترتبط بعلاقة العلة
والمعلول, والامر المذكور يتطلب ان يتجرد الباحث من قناعاته الشخصية وعقائده
واراءه الخاصة, ويتعرض للبحث مستقلا ويتلمس الحكمة مستعينا بالصبر الطويل,
“فلو بدا الانسان من المؤكدات انتهى الى الشك, ولكنه لو اكتفى بالبدء في
الشك, لانتهى الى المؤكدات” “الجملة لفرانسيس بيكون” ولا استطيع ان
اخفي على احد في سياق هذا الموضوع تحديدا دعوتي الى وجوب منح الطلبة المتميزين على
وجه الخصوص “الاكفاء والمتفوقين دراسيا” فرصة الحصول على تعليم متميز
بمادة “قاعة البحث” نظرا لاهميتها الكبيرة في اعداد باحثين متميزين في
مجال القانون, وهو هدف في غاية الاهمية تحققه مادة “قاعة البحث” لانها
من المفروض ان “تمكن المتعلمين من تطوير مهاراتهم المعرفية وغير المعرفية,
مثل التفكير النقدي والكفاءات اللازمة للتعاون, وحل المشكلات, والتعامل مع التعقيد
والمخاطر, وبناء القدرة على الصمود, والتفكير بصورة منهجية وخلاقة……ونعتقد
بوجوب استناد التعليم من اجل التنمية المستدامة الى مبادئ احترام الطبيعة وحقوق
الانسان والديمقراطية وسيادة القانون وعدم التمييز والتكافؤ والمساواة بين
الجنسين……فضلا عن ذلك, ينبغي للتعليم من اجل التنمية المستدامة ان يعزز
التفاهم بين الثقافات, والتنوع الثقافي, ونشر ثقافة السلام ونبذ العنف, وتعزيز
النهج الشمولي, ومفهوم المواطنة العالمية المسؤولة النشطة” وهذه المسائل ركز
عليها اعلان برلين من اجل التنمية المستدامة في ديباجته, وهو اعلان صادر في ايار
من العام 2021 مستهدفا بالدرجة الاولى تكريس فكرة قائمة على اساس بناء نظم التعليم
في العالم وفقا لطرق واساليب ومناهج تقود
الى احترام التنمية المستدامة ومتطلباتها.
7.اذا كنا نسلم ان لكل عمل يجري انجازه على الوجه الاكمل مجموعة من الوسائل
او الادوات التي تساعد في الوصول الى الهدف المنوي تحقيقه, وعلى اكمل وجه, فان هذه
الحقيقة تنسحب ايضا على مساحة تعليم القانون الدولي الانساني والقانون الدولي
لحقوق الانسان ونشرهما على اوسع نطاق. لذا من الضروري توفير بعض المستلزمات
الاساسية للتدريسيين التي تساعد في ردم الفجوة الموجودة في ميدان العالم الرقمي
“الافتراضي” بمعنى مكافحة الامية الرقمية, فتوفير اجهزة حاسوب
“لابتوب” للتدريسيين مزودة ببرامج حديثة كل اربع سنوات على سبيل المثال
وتدريبهم عليها بطريقة “جادة وحقيقية” لا تتطلب الكثير من الامكانات
المادية لكنها في الوقت ذاته تساعد التدريسي على ايصال المادة بطريقة افضل وتبعد
الكثير من الملل الذي يتسرب الى نفوس الطلاب عن المحاضرة حيث تتنوع اساليب التعليم
وتتجدد بطريقة ايجابية تعكس الجدية في عملية التعليم من جانب كافة الجهات ذات
العلاقة. والامر المذكور يرتبط ايضا بضرورات الانتباه الى اهمية التنشئة الرقمية
حيث يشير احد الكتاب الى انه “واذا كان هناك من ينشغل حتى اليوم بضرورة
التمييز بين مجتمع المعرفة ومجتمع المعلومات, ويبني اسس رؤاه من منطلق ان الاول
كان سابقا للثاني بقرون خلت, فاننا نجزم ان مجتمع المعلومات الذي هو في اساسه نتاج
مجتمع الشبكات يعزز من دواعي تحديث مجتمعات المعرفة, واعادة تكوينها على وفق
مستجدات البيئة الرقمية, ذلك ان المعرفة اعتمدت التواصل في صيرورتها ومن ثم تداول
مضامينها وتناقحها, وان سمة التواصل الحديث تعود بنا الى ضرورة التزام قواعد
البيئة المستجدة لتعزيز المعرفة. هذا كله يظهر الحاجة الملحة للحاق بالظاهرة
الرقمية والتعامل مع معطياتها بواقعية, وان يجري الاعداد لتنشئة رقمية قويمة تنمي
مهارات التعرض الالكتروني, بالاتجاه الصحيح, وبما يسهم في تعديل سلوكيات
المستخدمين المختصة بتلقي المضامين ومعالجتها, والتعاطي معها في معادلة فكرية
ثقافية منهجية معتدلة. ان مثل هكذا تنشئة تتطلب منظومة مؤسسية اخلاقية راعية
وواعية لبواعث الحرية ومحددات التنظيم, وتهدف الى التعاطي الرشيد مع الجاهزية
الرقمية, ومن ثم نوصي باعتماد المناهج الدراسية في التنشئة الرقمية في المراحل
الابتدائية والثانوية والجامعية في التخصصات كلها, شانها شان المواد المرتبطة
بالتربية الاخلاقية والاسرية والفنية والرياضية واخلاقيات المهنة, تهدف الى تنمية
مهارات الاستخدام الرقمي الوظيفي السليم, وهي تختلف بالتاكيد عن مواد مبادئ
الحاسوب التي صارت في اغلب حالاتها ابجديات فاقت مستوى مهارات التلميذ او الطالب
العديد من مفرداتها ومستويات القائمين على تدريسها, بحكم الاستخدام الرقمي اليومي
من قبل الاطفال والشباب, على الالعاب الالكترونية او صناعة المحتويات الرقمية عبر
وسائط التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية المتاحة, مع ضرورة ان تغطي تلك
المناهج مناحي التنبيه بالاثار القانونية والاجتماعية والاسرية التي قد يتعرض لها
المستخدم العراقي جراء سوء استخدامه للانترنيت بمشاركة نخبة المختصين في المجالات
الرقمية والقانونية والصحية والنفسية والتربوية” الاقتباس من مقالة للدكتور
صفد الشمري منشورة في صحيفة الصباح, العدد 5122 الصادر يوم الاثنين الموافق 24
ايار من العام 2021″
8.ما زالت اقسام او جهات “التعليم المستمر” في المؤسسات
التعليمية العراقية بحالة من الغيبوبة المزمنة او الموت السريري نظرا للياس من
وجود رغبة حقيقية في تفعيلها سواء من جانب المؤسسات التعليمية من جهة او من جانب
الاطراف التي يمكن ان تكون مستفيدة من التعرف على القانون الدولي الانساني والقانون
الدولي لحقوق الانسان بسبب غياب الدعم المادي والمعنوي, وانعدام الوعي بضرورة
توافر ثقافة قانونية متميزة في مجال الفرعين المذكورين من فروع القانون الدولي رغم
اهميتهما الكبيرة, والتي يتاتى جانب منها في العمق الاخلاقي السامي الذي يتصل
بمفاهيم القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان فضلا عن صلتهما
بجوانب دينية ذات مضمون اخلاقي متميز, وندعي ان مرد ذلك يرتبط بعشعشة الفساد في
عقول وقلوب ونفوس “الادارات الجامعية” التي لا يهمها سوى المنصب الاداري
الذي يمارس من جانبهم بما يوفره من امتيازات وامكانيات لمصلحة الاسرة والاقارب
والمحسوبين عليهم دون الالتفات الى اهمية مراعاة المصلحة العامة عن طريق اعطاء كل
ذي حق حقه. ومع وجود مثل هذه الممارسات الفاسدة وما يترتب عليها من اثار سلبية هل
يمكن ان نتصور تحول التعليم فعلا الى اداة للتغيير الاجتماعي الايجابي ؟ واستخدام
التعليم كوسيلة للوصول الى الهدف المذكور اكدت عليه ديباجة اعلان ليما عندما عدته
احد المبادئ الاساسية الاربعة التي يقوم عليها التعليم في العالم بنصها في الفقرة
(د) على (واذ تؤكد المبادئ الاساسية التالية المتعلقة بالتعليم:…….د-التعليم
اداة للتغيير الاجتماعي الايجابي, وينبغي ان تكون في ذاته ذا صلة بالحالة
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لبلد بعينه, وان يسهم في تحويل الوضع
القائم نحو البلوغ الكامل لجميع الحقوق والحريات, وان يكون خاضعا للتقييم الدائم)
9.ضرورة تفعيل عمل بعض المؤسسات ذات العلاقة بالقانون الدولي الانساني
والقانون الدولي لحقوق الانسان, عن طريق مساهمتها في التعريف بمفاهيم الفرعين
القانونيين المذكورين, كالمركز الوطني لحقوق الانسان, والمراكز البحثية التابعة
لوزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة في المجالات كافة, فالذي يبدو انها تغط في سبات
عميق نظرا للترهل الاداري, وانعدام الكفاءة في مجال ادارة مثل هذه المؤسسات رغم الامكانيات
التي توافرت لها او لبعضها في اقل تقدير على الصعد المتنوعة, ومن الجوانب كافة
المادية والمعنوية, فالذي يبدو انهم يريدون كل شيئ او انهم او بعضهم قد حصل على كل
شيئ ولا يقدمون بالمقابل شيئا مما يقودنا الى الدعوة الجادة والعمل الحقيقي باتجاه
هيكلة هذه المؤسسات البحثية واعادة تنظيمها بما يؤدي الى قيامها بدور جاد وحقيقي
في خدمة الناس, فالمؤسسات البحثية القائمة في العراق او غالبيتها الطاغية في اقل
تقدير القت بنفسها وسط معركة كبيرة سحقت فيها امام التحدي العلمي الواسع النطاق
الذي يواجه العراق كله ومؤسساته التعليمية بحيث وصل الحال الى بروز مشكلة الامية
بمفهومها البدائي التقليدي مرة اخرى في بلاد شهد تاريخه المجيد ظهور الحرف الاول
“عدم القدرة على القراءة والكتابة” حتى اننا اصبحنا نواجه نماذج من طلبة
الدراسات العليا لا يفرقون بين مفردة “سلطة” ومفردة “سطلة” بل
انهم يكتبونها في اجاباتهم على الاوراق والدفاتر الإمتحانية ولا يرون ضيرا في هذه الاخطاء التي يشيب لها
رأس اقطاب العربية, وانا لست منهم, وعلى سبيل المثال ايضا يكتب احد طلبة الدراسات
العليا في اجابة له على احد الاسئلة الاتي (عندما لا يستطيع احد الخصوم اثبات دفعه
يمكن للقاضي ان يلجأ الى “الحلف” !!! وعندها ينطبق المثل الذي يقول
“جاك الفرج يا تارك الصلاة”) !!! فلا حول ولا قوة الا بالله العلي
العظيم, وهذا غيض من فيض. الا تثير مثل هذه الحالات ضرورة مراجعة النظام القانوني
الذي يتحكم بقبول طلبة الدراسات العليا ؟
10.ما زال الحال بالنسبة لتدريس مادة القانون الدولي الانساني فضلا عن
القانون الدولي لحقوق الانسان في الجامعات والكليات الاهلية “الخاصة” في
خبر “كان” فمن الواضح للغاية تدني مستوى التعليم في هذه التجمعات التي
تحول بعضها في اقل تقدير “لشركات متدنية مخربة لأخلاق الشباب” ووصولها
لمستويات مخيفة من الانهيار في التعامل مع المواد الدراسية كافة نظرا لانعدام
الرغبة وغياب الارادة الصادقة لدى المسيطرين على ادارات هذه التجمعات البشرية
للعمل باتجاه تخريج طلبة متميزين من النواحي العلمية…الخ فبدلا من العمل
بالاتجاه المذكور يبدو التوجه مغايرا, فقد ظهرت انواع من الصراع الذي يجري من
خلاله استخدام طرق فاسدة تستهدف تحقيق الربح باي شكل من الاشكال دون اي شعور
بالمسؤولية تجاه الوطن والشعب والدين والانسان..الخ الامر الذي يجب الانتباه اليه
ومعالجة الواقع السيئ المذكور وفقا لارادة صلبة تستهدف تحقيق الاصلاح وبخطوات
ثابتة, فمن العسير الغاء الدور الذي يجب ان تقوم به مؤسسات التعليم الاهلي وبطريقة
ايجابية للمساهمة في خدمة المجتمع والوطن والانسان في العراق لا ان تتحول بفضل
الادارات الجامعية المنبطحة والمرتبطة بجهات سياسية بصورة او باخرى “الحكام
الحقيقيين والحكام الظاهريين” الى اداة لتخريب اخلاقيات المجتمع وتدمير مستوى
التعليم العالي في العراق الذي كان يعد من بين ابرز دول المنطقة المقدمة لخدمات
تعليمية متميزة, “فالعلم بلا ضمير ما هو الا خراب للروح” على حد تعبير
“فرانسوا رابيليه” كاتب عصر النهضة الفرنسي الشهير.