الانتخابات العراقية المبكرة جدلية المشاركة والامتناع بقلم د. عمار احمد اسماعيل المكوطر

 

 

الانتخابات العراقية المبكرة جدلية
المشاركة والامتناع

بقلم د. عمار احمد اسماعيل
المكوطر

 

 

الانتخابات العراقية المبكرة جدلية المشاركة والامتناع

بقلم د. عمار احمد اسماعيل المكوطر

 

    لا شك أن بروز الأحزاب السياسية مطلع القرن التاسع
عشر يعد بمثابة ثورة في البعد السياسي، نتيجة لتنامي دورها في الحياة السياسية، اعتباراً
في انها فواعل سياسية جديدة، وأحد أجلى مرتكزات النظم الديمقراطية. غدت التعددية الحزبية
ظاهرة منتشرة في الأنظمة السياسية المعاصرة ما خلا عدد يسير من الأنظمة.

     تتشكل البرلمانات أو المؤسسات التشريعية في الأنظمة
الديمقراطية عادة من حزبين أو اكثر، يعبر عنها بممثلين يمثلون جميع شرائح المجتمع في
هذه الهيئات، بعد أن تقدم الأحزاب للهيئة الناخبة مرشحين صالحين لتولي الوظائف النيابية،
لتؤدي هذه الأحزاب وظائفها الأساس في تحقيق التنمية والتحضر، وحماية مصالح الافراد
والمجتمع الاقتصادية واهدافه الاستراتيجية والسياسية و بنيانه الاجتماعي وهويته الثقافية
والحضارية.

    ومن خلال ما تقدم فإن الأحزاب كمؤسسات سياسية
لاغنى عنها فهي التي توفر للنظم الديمقراطية التنسيق الفعال بين الحاكم والمحكومين
، إذ تقوم بذلك على أنها تنظيمات سياسية دستورية مهمتها تلبية حاجات الأفراد وحل مشكلاتهم
، فهي تعمل على تحويل الأخيرة إلى برامج عمل واضحة وخطة محددة لأجل إيصال مطالبهم إلى
صناع القرار ليأخذوا بها ويسعوا لتنفيذها.

     تشكل
الحكومة من الحزب الفائز في النظام الحزبي الثنائي، أو من ائتلاف حزبي في النظم الحزبية
المتعددة إذ يصعب على حزب واحد أن يحوز على أغلبية من اصوات الهيئة الناخبة تمكنه من
تشكيل حكومة بمفرده، بينها تذهب الأحزاب الأخرى غير المشتركة في الحكومة إلى المعارضة،
لتمارس دورها في توجيه ونقد الحكومة وكشف أخطائها وتحديد مسؤولياتها، بمعنى أن احزاب
المعارضة تراقب الحكومة وتنتقدها وتستعد للحلول محلها، وتقدم معلومات هامة للمواطنين
عن نشاط الحكومة يتعذر عليهم الوصول إليها بوسائلهم الشخصية، وعليه فإن دور المعارضة
لامكان له إلا في ظل أنظمة ديمقراطية حقيقية، أي ثمة تلازم وثيق بين الحكم النيابي
الديمقراطي وبين التعددية الحزبية، بما تعنيه من ممارسة سلطة ومعارضة.

    بعد هذه
المقدمة العامة عن النظم الديمقراطية وأهمية الأحزاب السياسية فيها، سواء أكان في مشاركتها
في الحكومة أو في جلوسها على مقاعد المعارضة في البرلمان، تمارس دورها وتسعى لتحقيق
اهدافها في الوصول إلى السلطة وتنفيذ برامجها، ننتقل إلى الوضع العراقي.

     تأسست
الدولة العراقية في العام 1921 كدولة ملكية، بعد انتهت حقبة الدولة العثمانية باحتلال
بريطانيا للعراق ودخول الجنرال مود بغداد في العام 1917.

    كما دخل العراق كأول دولة عربية تنال استقلالها
من بريطانيا في العام 1932 عضو في عصبة الأمم.

    شهد العراق نظاماً ملكياً برلمانياً تعددياُ في
إطاره العام ، وحتى سقوط الملكية في انقلاب 1958 الذي تحول إلى ثورة لاحقاً بفعل تأييد
شعبي كبير ، بدأت التعددية الحزبية تشهد تراجعاً ملحوظاً انتهت بوصول حزب البعث إلى
السلطة، خاصة في عهد صدام، وتشكيل دولة الحزب الواحد. بعد احتلال العراق من قبل الولايات
المتحدة في العام 2003، شرعت دولة الاحتلال في زعمها لتشكيل نظام ديمقراطي تعددي، ودولة
دستورية، فكتب بعد قانون إدارة الدولة الذي حكم من خلاله الحاكم المدني بول بريمر البلاد،
دستور العراق النافذ في العام 2005. بالرغم من ان المادة الأولى من هذا الدستور تنص
على أن نظام الحكم جمهوري نيابي ديمقراطي، إلا انه جاء بديمقراطية توافقية، عززت من
المحاصصة السياسية تحدت مبدأ التوافق والمشاركة.

    إن من
طبيعة الديمقراطية التوافقية أن تكون هناك تعددية حزبية مفرطة في اغلب الأحيان، وهذه
تفرز حكومات ضعيفة وغير مستقرة سياسياً، وتشهد مخاضات عسيرة ومساومات كثيرة لتشكيلها،
وهذا ما شهده العراق في جميع حكوماته السابقة، وما قد يأتي ايضاً في المستقبل وفق طبيعة
هذا النظام.

   لم يوفق
هذا النظام السياسي  التوافقي من أداء فاعل
يحقق طموح وآمال الشعب، وأسهمت الأحزاب والكتل السياسية فيه وعرقلت اي نجاح يصبو إليه
، فكانت الأخيرة جميعها تشترك في الحكومة ولم يذهب اي منها لتشكيل معارضة لتراقب وتنتقد
وتقوم أداء الحكومة، مما أدى إلى اشتراكها بسوء الإدارة والفساد ، وعدم تقديم أي منجز
حقيقي يلتمسه المواطن، إنما عزز هذا الأداء، الضعف في كفاءة النظام السياسي وقدراته،
وزاد من عجزه في مواجهة المشكلات وحل الأزمات، حتى انتهت في العام 2014 ان تحتل مجاميع
ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لعدة محافظات عراقية ، بما قدر بثلث مساحة
العراق تقريباً ، مما استلزم التضحية بموارد بشرية ومادية باهظة لاستعادتها .

    وحتى بعد هذا التاريخ استمرت هذه الأحزاب بذات
النهج، ولم تغير زعاماتها من سياساتها، أو تقوم بمراجعة شاملة لتقييم وتقويم مسارها،
ومعالجة نقاط الخلل والفشل، ووضع خطط و برامج علمية وفعلية فاعلة، تخدم في بناء الدولة
وخدمة المواطن، أدى بالنتيجة الى حالة من التذمر والقنوط الشعبي الواسع، من أي عملية
اصلاحية او تصحيحية.

    يعيش المجتمع
العراقي عموماً، مرحلة انقسام عمودي حاد، فالغالبية العظمى تميل نحو العزوف عن المشاركة
في انتخابات العاشر من تشرين الأول، كرد فعل على ما تقدم من أسباب، وثمة شريحة اخرى
منه تتجه نحو المشاركة، بدافع انتماء حزبي او مصلحي، ومنها نتيجة لدعوات من بعض المؤسسات
الدينية المؤثرة أو بعض المؤسسات الأكاديمية، أملاً منها في احداث شيء من التغيير.

    إن التغيير
والإصلاح هو أمل وحلم كل فرد عراقي يتطلع لبناء دولته ، وليعيش بكرامة وأمن وسلام،
لكن السؤال الذي يثيره كثير من دعاة المقاطعة الانتخابية، كيف يكون ذلك (التغيير)،
في ظل ذات الأحزاب وزعاماتها، وقلة حظوظ المستقلين بالفو، أو إذا ما فاز بعضهم ، فإن
عددهم سيكون قليل وتأثيرهم أقل منه، كما أنه ليس بينهم اتفاق مسبق على برنامج عمل أو
لعدم اتحاد رؤاهم الأيديولوجية أو منطلقاتهم الفكرية أو الثقافية، مع وجود أحزاب وكتل
لديها من مقومات القوة العددية والمادية والإعلامية الشيء الكثير؟ مهما يطرح من أسئلة
أو حث من هنا وهناك، ليس من مؤشرات على مشاركة كبيرة فاعلة، تعطي ما يلزم من شرعية
سياسية حقيقية لنظام يعيش حالة من التصلب وعدم القدرة على المرونة والتكيف للاستجابة
لحاجات ومتطلبات بيئته الداخلية والخارجية على السواء.