استراتيجية مكافحة العنف ضد الاطفال في القانون الدولي بقلم/ د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

استراتيجية مكافحة العنف ضد
الاطفال في القانون الدولي
بقلم/ د. ايناس عبد الهادي
الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا
استراتيجية مكافحة العنف ضد الاطفال في القانون الدولي
بقلم/ د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا
    يعد اعداد الطفل كعماد للمستقبل وثروة للامة هو
احد  اهداف اي امة في خطاها نحو التكامل، اذ
ان اعداد الطفل وتأهيله في مراحله الاولى من الثوابت التي تختلف من مجتمع لأخر،
وبما انهم من اضعف الفئات في اي مجتمع   يكونوا هم الاحق بالرعاية والاهتمام من منطلق
انساني قبل ان يكون واجب وطني، لذلك باتت جرائم العنف ضد الاطفال من اولويات الدول
ليست لأنها وليدة العصر فهي متجددة بصورها على مر العصور، الا ان انتشارها على
نطاق واسع جعل المجتمع الدولي يخرج عن صمته لوضع حد لما يرتكب من انتهاكات وعنف
بدءا من منزل ذويهم ومدارسهم ومجتمعهم الذي يكونون احد عناصره، ولا سيما ان الغالب
ان ترتكب جرائم العنف ضد الاطفال من قبل اقرب الناس اليهم من يفترض ان يشعروا
بالأمان بوجودهم ليكونوا ضحية عنف غير مرئي، الا ان ما بات ينتشر مؤخرا من
انتهاكات لجرائم اطفال مختطفين ،مقتولين ، مغتصبين ، معرضين لأقسى انواع المعاملة
اللاإنسانية من عنف وضرب وتشويه ليكون نصيبهم عاهات جسدية ونفسية اذا ما شاءت
الظروف ان ينجوا بحياتهم من كل تلك المعاملة القاسية لتكون نقطة تحول في تكوينهم
الجسدي والنفسي مستقبلا.
لا يقتصر
العنف ضد الاطفال على الحالات سابقة الذكر فعمالة الاطفال وتجنيدهم في الحروب مع
الحرمان من الرعاية الصحية والتعليم ولا سيما في الدول الفقيرة احدى اسوأ صور
الانتهاكات ضد الطفولة والاطفال.
    وبما ان الحق في طفولة سوية يمثل احد حقوق
الانسان في القانون الدولي ليكون الاهتمام بها احد اهم الامور التي تناولها القانون
الدولي بالتنظيم ولا سيما بعد المذابح والجرائم التي انتشرت في مطلع القرن العشرين
تزامنا مع الحربين العالميتين الاولى والثانية مع تزايد معدلات العنف والجريمة
التي باتت تنمو وتتخذ اشكال وانماط  متعددة
لتقابل بأساليب وقائية تختلف من مجتمع لأخر لتظهر العديد من الاتفاقيات الدولية
المكرسة لحماية حقوق الانسان عامة والطفل خاصة مع التفريق بوقت حدوث تلك
الانتهاكات في وقت السلم عنها في وقت الحرب ليكون للمنظمات الدولية دورا في اقرار تلك
الحماية ووضعها موضع التطبيق، ولا سيما ان ارتكاب تلك الجرائم قد يختلف المنظور
القانوني لها من بلد لأخر فما يعد جريمة وانتهاك في بلد قد لا يعد كذلك في بلد اخر
لاختلافات الثقافات والمستوى التعليمي بأشكال ودرجات مختلفة وكمثال على ذلك مجتمع
ما قد لا يعارض ضرب طفل اذا ما اخطأ التصرف وان نتج عن ذلك ضرر جسدي في حين ذلك
يواجه بالمعارضة لأي من اشكال التعامل المؤدي للأضرار بالطفل، لذلك عمدت قواعد
القانون الدولي لان تكفل الحق بالمساواة لجميع البشر دون تمييز ومنع اي انتهاك
للحق في الكرامة والسلامة الجسدية والنفسية ومنع اي انتهاك لتلك الحقوق، وفي ظل
ارتكاب ابشع الجرائم وافظعها في حق الانسانية وازدياد اعدادها واتساع نطاقها دفع
الامر المجتمع الدولي للتحرك لمنع تلك الجرائم وقمعها وحماية حقوق الانسان بشكل
عام من كافة انواع الانتهاكات عبر تكريس وسائل قانونية لتوفير حماية دولية لكافة
حقوق الطفل وايجاد رقابة فعالة للوقوف على مدى التطبيق الفعلي لتلك الحماية والتي
تمثلت بضمانات عدة منها الوثائق العالمية الخاصة بحقوق الانسان.
    والتي
منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والصادر في عام 1948 بعد اعتماده من الجمعية
العامة للأمم المتحدة والذي حث على ضرورة احترام حقوق الانسان وحرياته وكفالة
ممارستها بأفضل الظروف ولا سيما ان المادة الاولى منه نصت على: ( يولد جميع الناس
احرار ومتساويين في الكرامة والحقوق…) وهو بهذا النص يشمل جميع فئات المجتمع
ومنهم الاطفال لتعد جميع الحقوق المذكورة في ذلك الاعلان حقوق مكتسبة منذ الولادة ،
لينص الاعلان في المادة (25/2) على حق الامومة والطفولة بحق الرعاية والمساعدة
الخاصتين ليكون الاعلان العالمي لحقوق الانسان الملهم والمصدر القانوني الدولي
للدساتير الوطنية في تفعيل تلك الحماية اضافة لعقد العديد من الاتفاقيات
والاعلانات الدولية لنشر الوعي بتلك المشكلة ،لتقر الجمعية العامة العهد الدولي
للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 والبروتكول الملحق به والذي دخل حيز
النفاذ عام 1976 والذي اقر المبادئ التي اقرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبما
يتعلق بالطفل نجد المادة (6/5) والتي تنص على: (لا يجوز فرض حكم الموت بالنسبة
للجرائم التي يرتكبها اشخاصا تقل اعمارهم عن 18 عاما كما لا يجوز تنفيذه بامرأة
حامل) مع تأكيد المادة(10/1) على حماية الاسرة  لكونها الوحدة الاساسية في بناء المجتمع ، مع
تأكيد المادة الرابعة والعشرين من العهد على حق الطفل في الحماية التي يستوجبها
مركزه كطفل في اسرة وكأحد افراد المجتمع دون تمييز مع التأكيد على تكريس الحماية
العالمية لتلك الحقوق وهو ما جاء متفقا مع ما اقره العهد الدولي للحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966 والداخل حيز النفاذ عام 1976 ،اذ تضمن في
المواد (10-12) على الحق بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية  لكل انسان وخاصة الاطفال مع الزام الدول باتخاذ
الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك والتي منها العمل على خفض نسبة الوفيات في المواليد
الجدد والوقاية من الامراض الوبائية.
     مع
تأكيد المادة الثالثة عشر منه على حق الاطفال في التعليم، ولم يقتصر الامر على هذا
الحد بل امتد الامر للتنظيمات الاقليمية والتي منها الاتفاقية الاوربية لحماية
حقوق الانسان وحرياته الاساسية لعام 1950 والنافذة عام 1953 وبروتوكولاتها الملحقة
بها.
    والتي
تناولت حقوق الانسان بشكل عام ولم تتعرض للطفل الا انها عادت لتوكد سريان نصوص
بروتوكولاتها الاضافية على الاطفال باعتبار حقوقهم جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان ،
لتتميز الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لعام 1969  والنافذة عام 1978 عنها بانها تناولت حقوق الطفل
في المادة (4/1) منها بنصها: (لكل انسان الحق في ان تكون حياته محترمة) وهو ما
دأبت الاتفاقية على تأكيده في موادها اللاحقة بعدم جواز الحكم بالإعدام على من كان
وقت ارتكاب الجريمة دون الثانية عشر من العمر او فوق السبعين عاما او النساء
الحوامل في المادة (17/4) مع تأكيد المادة التاسعة عشر من ذات الاتفاقية على حق كل
طفل في تدابير الرعاية التي يتطلبها وضعه كقاصر في الاسرة والمجتمع والدولة ،وهو
ما سار عليه الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب لعام 1981 في المادة الثامنة
عشر منه.
     والتي اكدت على حماية الطفل في نطاق حماية
الاسرة كوحدة اساسية في المجتمع، ليكون الميثاق العربي لحقوق الانسان لعام 1994 سارا
بنفس الخطى التي مضت عليها المواثيق السابقة الدعوة لتوفير الحماية للأسرة والطفل
كوحدة اساسية للمجتمع ووجوب كفالة الدولة لتلك الحماية ، كل تلك المواثيق
والاتفاقيات انما هي امتداد لجهود دولية واقليمية شرعت بإقرار تلك الحماية والتي
منها اعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924بعد الحرب العالمية الثانية والذي يعد
استجابة لنداء منظمة انقاذ الطفولة ليكون ذلك الاعلان الوثيقة الدولية الاساسية في
التوافق الدولي لإقرار حقوق الطفل لكونه من اولى الوثائق التي تناولت مفاهيم جديدة
لم تكن يتم التعرض لها مسبقا من حماية الاطفال بغض النظر عن كل الاعتبارات العرقية
والمدنية والدينية ليكون لهذا الامر خطوة السبق في سياق تطور مبادئ حماية الطفل من
جميع انواع الاستغلال وسوء المعاملة لتكون تلك الحماية قضية انسانية بمبادئ لم
يعهدها التنظيم الدولي بهذا الشكل الانساني ليكون خطوة باتجاه اعلان حقوق الطفل
لعام 1959 المعتمد من قبل اللجنة الاجتماعية المؤقتة التابعة للمجلس الاقتصادي
والاجتماعي، ليتبعه الاعلان العالمي لبقاء الطفل ونمائه لعام 1990 بعد عقد اول قمة
عالمية لحقوق الطفل بحضور احدى وسبعين دولة من قادة الدول ورؤسائها كخطوة مهمة
للتصدي لمعاناة ملايين الاطفال حول العالم من مخاطر قد تعيق نموهم وتنميتهم بسبب
الحرب او اعمال العنف او التشرد والنزوح كإحدى اهم المعوقات لتوفير تلك الحماية.
    ليكون
اعلان عام 2002 والذي كان تحت عنوان عالم جدير بالأطفال هو الاعلان المشترك
للالتزام بتعزيز وحماية حقوق كل طفل يكون عمره تحت الثامنة عشرة عبر اقرار احكام
الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل مع التأكيد على بناء عالم جدير بالأطفال تكون فيه
مراعاة حقوق الطفل  ومصالحه على افضل وجه على
اسس قائمة على الديمقراطية والعدالة وعدم التمييز مع العمل على تعزيز قدرات الاباء
والامهات على توفير الرعاية والحماية الامثل لأطفالهم مع التأكيد على التزام الدول
الاعضاء الالتزام الاهداف التي تم اعتمادها ووضعها موضع التنفيذ، ولم تكن المنطقة
العربية بمعزل عن الجهود الاقليمية لحماية حقوق الاطفال ليكون ميثاق حقوق الطفل
العربي لعام 1983 تتويج لمشروع حقوق الطفل العربي الذي كان موضوع  المؤتمر العربي المنعقد في تونس عام 1980.
    الا ان ما يميز ميثاق حقوق الطفل العربي عن
اتفاقية حقوق الطفل بانه جعل سن الطفولة خمسة عشر عاما في حين اخذت الاتفاقية بسن
الثامنة عشرة عاما كحد اقصى لعمر الطفولة اضف الى ذلك لم يغفل عن اهمية دور
الدين  في تنشئة الاطفال ، اما في نطاق
القارة الافريقية فقد تم اقرار الميثاق الافريقي لحقوق الطفل ورفاهيته لعام 1990
والذي صادقت عليه خمسة عشر دولة عضوا في منظمة الوحدة الافريقية.
    ومما
يلاحظ عليه انه يستلهم احكامه من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقية
الدولية لحقوق الطفل وغيرها من الوثائق التي منظمة الامم المتحدة كاتفاقية الامم
المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989وما تضمنته من احكام ومبادئ والبلدان الافريقية في
مجال حقوق الانسان وهو الملاحظ على معظم المواثيق والاعلانات الاقليمية والتشريعات
الوطنية.
   اضف
الى ذلك مارست المنظمات الدولية والاقليمية دورا مهما في تعزيز تلك الحماية فقد
عملت منظمة اليونيسف (صندوق الامم المتحدة لرعاية الامومة والطفولة )  منذ انشائها عام 1946 كوكالة لإغاثة الاطفال في
اوربا التي دمرتها الحروب آنذاك وحمايتهم عبر العالم  وتنشط المنظمة في (162) بلدا مسترشدة باتفاقية
حقوق الطفل لتسعى هذه المنظمة بالتعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية وحركات
المجتمع المدني لعقد قمتين عالميتين للطفل الاولى عام 1990 والثانية عام 2002
ليكون الهدف التأكيد على العمل باتفاقية حقوق الطفل، ولم تكن منظمة اليونسكو بمعزل
عن تلك الجهود فقد سعت المنظمة المنشاة عام 1945 للعمل على تشجيع نشر الثقافة
والعلوم دون تمييز مع اقتراح الاساليب التربوية المناسبة لتهيئة اطفال العالم للاضطلاع
بمسؤوليات الانسان الحر، ولم تكن تلك المنظمات الوحيدة التي اضلعت بتلك المهام المنضوية
تحت عنوان حماية الاطفال فمنظمة العمل الدولية اصدرت العديد من الاتفاقيات الدولية
المعنية بهذا الشأن منها الاتفاقية الدولية بشان السن الدنيا لقبول الاطفال في
الصناعة لعام 1973 والتي حددته بخمسة عشر عاما وكذلك عقد الاتفاقية الخاصة بالفحص
الطبي للأطفال والشباب العاملين على ظهر السفينة والاتفاقية الخاصة بالعمل الليلي
للأطفال واتفاقية الحد الادنى لاستخدام الاطفال لعام 1973، ولا ننسى ذكر دور منظمة
الاغذية والزراعة في حماية حقوق الطفل واهم ما صدر عنها الاعلان العالمي حول
استئصال الجوع وسوء التغذية لعام 1974 والذي اقر كحق لكل انسان ومرأة وطفل لا يمكن
التنازل عنه، وهو ما تبنته جمعية الصحة العالمية بالقرار رقم (10/47) بالحث على
منع السلوكيات التقليدية الضارة التي تؤثر على صحة النساء والاطفال اضافة للإعلانات
المقدمة من جانبها او بمساعدة وكالات اخرى للطفال كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير
والمؤسسة الدولية الانمائية.
   ومما
تقدم وباستعراض الجهود الدولية لحماية الاطفال ومكافحة العنف  الموجه ضدهم ان توفير الحماية لهم تتحقق بتوفير
العناية الصحية والنفسية سواء وقت السلم او وقت الحرب والتي تتحقق عبر مجموعة من
التشريعات الدولية الهادفة لتوفير تلك الحماية الواردة في تلك المواثيق  وبما يتناسب مع منح كل طفل حماية تتناسب وطبيعة
الظروف التي يحيا بها وينمو بها وذلك عبر تفعيل اليات للرقابة على الانتهاكات التي
يمكن ان يتعرض لها ملايين الاطفال في العالم بكل صوره واشكاله عبر وضع حد لتلك
الجرائم والانتهاكات ومحاربتها بمختلف الوسائل الممكنة عبر اتخاذ الاجراءات
الضرورية للتصدي لتلك الظاهرة بكافة مظاهرها وسلوكياتها ولا سيما انه وعلى الرغم من
وجود نصوص قانونية تحمي الاطفال في كافة مراحل طفولتهم الا انهم ما زالوا عرضة
للعنف وبشكل يمكننا القول بانه بات يتزايد في السنوات الاخيرة فحق الطفل في
الحماية هو امر تفرضه الفطرة الانسانية وتحميه التعاليم السماوية وتحث عليه
المواثيق والاتفاقيات الدولية الضامنة لتلك الحماية سواء في اوقات السلم او الحرب
الا ان التطبيق العملي لتلك التشريعات وما يترتب عنها من التزامات في وضعها موضع
التطبيق هو الاساس الفعال لها فأطفال اليوم هم ذخيرة الوطن وعدة المستقبل.