أثر النزاعات المسلحة على المعاهدات الدولية دراسة في الوضع القانوني لاتفاقية الجزائر المبرمة عام 1975 د. حيدر ادهم عبد الهادي ح 1

أثر النزاعات المسلحة على المعاهدات الدولية
دراسة في الوضع القانوني لاتفاقية الجزائر المبرمة عام 1975

ج 1
د. حيدر ادهم عبد الهادي
أثر
النزاعات المسلحة على المعاهدات الدولية دراسة في الوضع القانوني لاتفاقية الجزائر
المبرمة عام 1975
الدكتور
حيدر ادهم عبد الهادي الطائي
أولا:الاطار العام
لبحث اثار النزاعات المسلحة على المعاهدات الدولية[1]
أ.تتميز القواعد
القانونية التي تحكم العلاقات بين اشخاص القانون الدولي عموما وبين الدول بعضها مع
البعض الاخر على وجه الخصوص بدرجة عالية من “اللامركزية الشديدة” فضلا
عن وجود حقيقة جوهرية سبق وان اشير اليها من جانب لجنة القانون الدولي عام 1966 في
معرض معالجتها لبعض نصوص مشروع اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 تتعلق بمدى
المخاطر التي قد تواجه كافة الاطراف بل والمجتمع الدولي من جراء اللجوء الى الدفع
تعسفا ببطلان معاهدة معينة واعتراض الطرف الاخر كون مثل هذا السلوك سينطوي على
مخاطر حقيقية تهدد الامن القانوني لموثوقية المعاهدات الدولية, وقد ارتأو
“العديد من اعضاء لجنة القانون الدولي” ان مثل هذه الادعاءات او
التصرفات التي يمكن لبعض الدول ن تلجا اليها في اوقات معينة تشكل مخاطر (بالغة
الجسامة فيما يتعلق بادعاءات نقض معاهدة او الانسحاب منها بسبب انتهاك مزعوم من جانب
الطرف الاخر او بسبب تغير جوهري في الظروف, وللحد من هذه المخاطر سعت اللجنة الى
ان تحدد باكبر قدر ممكن من الدقة والموضوعية الشروط التي يجوز بها الاحتجاج بشتى
الاسباب. غير انه عندما يحتج طرف في معاهدة بهذه الاسباب, فان مسالة ما اذا كان
ادعاؤه مبررا ستتوقف دائما على وقائع قد يكون تقديرها او تقييمها موضع خلاف. وبناء
عليه, ارتأت اللجنة ان من الاساسي ان تتضمن هذه المواد ضمانات اجرائية تقي من
امكانية التعسف في ادعاء بطلان معاهدة او انهائها او تعليق نفاذها كذريعة للتخلص
من التزام غير ملائم)
كما اعترف السير
همفري والدوك المقرر الخاص في لجنة القانون الدولي
حول موضوع قانون
المعاهدات بصعوبة التعامل مع المادة (51) وهي المادة السلف للمادة (65) من اتفاقية
فيينا لقانون المعاهدات[2]
خلال الجلسة 864 للجنة المعقودة عام 1966 الى حدود الضوابط الاجرائية بالكلمات
الاتية (ولعل مرد الصعوبة في المادة 51 هو انها, رغم ضماناتها واحكامها
المتعلقة بالتفاوض واحالتها الى المادة 33 من الميثاق, لا تتناول امكانية حدوث
مأزق. ومن الواضح ان الاطراف, بموجب المادة 51 ستترك لها حرية التصرف مع تحمل
مسؤولية تصرفها. وهذا الطابع الفضفاض ملازم لقواعد القانون الدولي المعاصر
المتعلقة بالفصل في المنازعات)
ومما تقدم  يكتسي عنصران اساسيان اهمية ذات طبيعة خاصة
فالمقرر الخاص “همفري والدوك” يؤكد اولا على الطابع الفضفاض الملازم
لقواعد القانون الدولي المعاصر المتعلقة بالفصل في المنازعات, ويجب ان يكون واضحا
طبقا لعبارات لجنة القانون الدولي المعبر عنها في العام 2008 ان هذه الصورة لم
تتغير كثيرا منذ العام 1966. اما العنصر الثاني فتتمثل بان الاشارات التي اوردها
المقرر الخاص المتعلقة بالاسباب الوقائعية الاخرى للانهاء, من قبيل خلافة الدول,
اشارات جديرة بالاهتمام. وفي سياق اعمال اللجنة, من الواضح ان نشوب نزاع مسلح هو
سبب اخر من تلك الاسباب الوقائعية. ومن الواضح ايضا ان اللجنة اعتبرت كذلك نشوب
النزاع المسلح مسألة “تخضع لمبادئ مختلفة”)
ب.يلاحظ على مجمل
التعليقات التي ثبتتها لجنة القانون الدولي المكلفة باعداد مشروع اتفاقية دولية
بقانون المعاهدات, والتي اعتمدت في العام 1969 ان حالها من موضوع ادراج نصوص خاصة
تعالج اثار النزاعات المسلحة على المعاهدات يشبه الى حد كبير وضع السفينة التي
تتقاذفها الامواج وسط المحيط فمرة تميل الى جانبها الايمن بشدة ومرة اخرى تميل هي
كذلك الى جانبها الايسر بالشدة ذاتها في محاولة بارعة وتجربة دقيقة للوصول بها من
جانب القبطان الى تحقيق حالة التوازن النسبي سعيا لبلوغ مرفأ النجاة فهي تقول في
حولية العام 1966 (وبدا للجنة ان ثمة اعتبارات مختلفة تسري على حالة اندلاع
الاعمال العدائية بين اطراف في المعاهدة. وسلمت بان حالة الوقائع الناجمة عن
اندلاع الاعمال العدائية قد يكون لها اثر عملي يتمثل في الحيلولة دون سريان
المعاهدة في الظروف السائدة, كما سلمت بان ثمة مسائل قد تنشأ بشان الاثار
القانونية لاندلاع الاعمال العدائية فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة عن المعاهدات.
غير انها ارتأت انه في القانون الدولي الراهن يتعين اعتبار اندلاع الاعمال
العدائية بين الدول ظرفا شاذا تماما, وان القواعد التي تحكم اثاره القانونية ينبغي
اعتباره جزءا من القواعد العامة للقانون الدولي التي تسري في العلاقات العادية بين
الدول. وبالتالي فان اتفاقيات جنيف التي تدون قانون البحار لا تتضمن اي تحفظ بشان
حالة اندلاع الاعمال العدائية رغم الاثر الجلي الذي يمكن ان يكون لحدث من هذا
القبيل على سريان العديد من احكام تلك الاتفاقيات, كما لم تسع باي حال من الاحوال
الى تنظيم اثار حدث من ذلك القبيل. صحيح ان مادة في اتفاقية فيينا للعلاقات
الدبلوماسية “المادة 44”[3]
ومادة مماثلة في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية “المادة 26”[4]
تتضمنان اشارة الى حالات “النزاع المسلح” غير ان اعتبارات خاصة للغاية
املت ذكر حالات النزاع المسلح في هاتين المادتين وذلك لغرض وحيد هو التاكيد على ان
القواعد المنصوص عليها في المادتين تصلح حتى في تلك الحالات. غير ان اتفاقيات
فيينا لا تتوخيان تنظيم نتائج اندلاع الاعمال العدائية, ولا هما تتضمنان اي تحفظ
عام بشان اثر ذلك الحدث على سريان احكامهما. وبناء عليه, استنتجت اللجنة انها محقة
في اعتبار حالة اندلاع الاعمال العدائية بين الاطراف في معاهدة حالة تخرج كليا عن
نطاق القانون العام للمعاهدات المزمع تدوينه في هذه المواد, وانه لا ينبغي التحسب
لتلك الحالة ولا الاتيان على ذكرها في مشاريع المواد)
وفي نهاية المطاف
تم ادراج مضمون يتعلق بالاعمال العدائية بالمادة (73) من اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات ونصها (لا تخل احكام هذه الاتفاقية باية مسألة قد تثور بالنسبة الى
معاهدة نتيجة التوارث بين الدول, او المسؤولية الدولية للدولة, او نتيجة لنشوب
القتال بين الدول) ثم انتهت لجنة القانون الدولي في حولية العام 2008 الى القول
بوجود افتراض عام مضمونه ان المادة (65) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لا ينص
على احكام مفيدة يمكن القياس عليها بخصوص حالة النزاعات المسلحة حيث ان الحالة
الاخيرة – حالة النزاع المسلح – تختلف جوهريا عما يمكن تسميته بالحالات العادية للبطلان
او الانهاء او التعليق الواردة في الجزء الخامس من الاتفاقية المذكورة والمشار
اليها في المادة (65)….
ثانيا:الطابع
الاستثنائي الخاص لاثار النزاعات المسلحة على المعاهدات
سبق وان اوضحنا
الحكم الذي جاءت به اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المادة (73) منها الامر
الذي سيجعلنا نلوذ بما اشارت اليه دراسات فقه القانون الدولي بخصوص اثار النزاعات
المسلحة على المعاهدات الدولية حيث يذهبون “الفقه الدولي” الى التفرقة
بين فئتين من المعاهدات الدولية: الفئة الاولى تتمثل بالمعاهدات التي لا تتاثر
بقيام حالة النزاع المسلح, ومنها على سبيل المثال المعاهدات المنظمة لاوضاع
دائمة
كمعاهدات الحدود, ومعاهدات التنازل عن الاقاليم, والمعاهدات التي ترتب
حقوق ارتفاق دولية. وكذلك الحال مع المعاهدات التي تنظم حالة الحرب,
كاتفاقيات لاهاي المبرمة عام 1907 والخاصة بتنظيم الحرب البرية, واتفاقيات جنيف
الاربعة المبرمة عام 1949….الخ ويضاف ايضا الى هذه الفئة المعاهدات الجماعية
“العامة” او المتعددة الاطراف عندما يثور نزاع مسلح بين بعض اطرافها دون
الكافة حيث يبقى الاخرون بحالة الحياد, فتبقى المعاهدة سارية المفعول في علاقات
الدول المحايدة بعضها مع البعض الاخر, وكذلك بعلاقات هذه الدول مع الدول
المتنازعة, الا ان المعاهدة سيتم وقف العمل بها بالنسبة لعلاقات الدول المتنازعة
اثناء وقت الحرب, ويستأنف العمل بها بعد انتهاء حالة النزاع المسلح. بمعنى ان حالة
النزاع المسلح ستؤدي الى وقف سريان المعاهدة المتعددة الاطراف في علاقات الدول
المتنازعة فقط في حالة عدم وجود نص بالمعاهدة يكرس سريانها حتى اثناء حالة النزاع
المسلح, فاتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية المشتركة للاغراض غير الملاحية
لعام 1997 على سبيل المثال نصت على بقاء سريانها حتى اثناء حالة النزاع المسلح.
وقد اشار المقرر
الخاص في لجنة القانون الدولي بتقريره الثالث حول موضوع اثار النزاعات المسلحة على
المعاهدات الدولية الى ما تقدم في اعلاه فمشروع المادة (7) تضمن الصيغة الاتية
(مشروع المادة “7” نفاذ المعاهدات بناء على المؤدى الضروري لموضوعها
وغرضها 1.في حالة المعاهدات التي يكون المؤدى الضروري لموضوعها وغرضها ان تستمر في
النفاذ خلال النزاع المسلح لا يمنع وقوع نزاع مسلح في حد ذاته نفاذها 2.والمعاهدات
المتسمة بهذا الطابع تشمل ما يلي: أ.المعاهدات التي تسري صراحة في حالة نزاع مسلح
ب.المعاهدات المعلنة او المنشئة او المنظمة لحقوق دائمة او نظام او مركز دائم
ج.معاهدات الصداقة والتجارة والملاحة والاتفاقيات المماثلة المتعلقة بالحقوق
الخاصة للافراد د.معاهدات حماية حقوق الانسان ه.المعاهدات المتعلقة بحماية البيئة
و.المعاهدات المتعلقة بالمجاري المائية الدولية والمنشأت والمرافق المتصلة بها
ز.المعاهدات الشارعة المتعددة الاطراف ح.المعاهدات المتعلقة بتسوية المنازعات بين
الدول بالوسائل السلمية, بما فيها اللجوء الى التوفيق والوساطة والتحكيم ومحكمة
العدل الدولية ط.الالتزامات الناشئة بموجب اتفاقيات متعددة الاطراف متعلقة بالتحكيم
التجاري وتنفيذ الاحكام ي.المعاهدات ذات الصلة بالعلاقات الدبلوماسية ك.المعاهدات
ذات الصلة بالعلاقات القنصلية) كما تمت الاشارة الصريحة الى اعمال القاعدة التي
مضمونها “ان الخاص يقيد العام” اي “قاعدة التخصيص” بالنسبة
لبعض فئات المعاهدات, فمشروع المادة (5) جاءت بالنص الاتي (مشروع المادة
“5” الاحكام الصريحة بشان نفاذ المعاهدات “تكون المعاهدات المنطبقة
على حالات النزاع المسلح وفقا لاحكامها الصريحة نافذة في حالة النزاع المسلح, دون
المساس بابرام اتفاقيات قانونية بين اطراف النزاع المسلح تنطوي على تعليق
المعاهدات ذات الصلة او الاعفاء منها)  كما
جاء مشروع المادة (6) بالنص الاتي (مشروع المادة “6” مكررا القانون
المنطبق وقت النزاع المسلح “يستمر تطبيق المعاهدات المحددة للمعايير, بما
فيها المعاهدات المتعلقة بحقوق الانسان وحماية البيئة, وقت النزاع المسلح, غير ان
تطبيقها يحدد بالرجوع الى القانون الخاص المنطبق, اي القانون المنطبق في حالة
النزاع المسلح)
اما الفئة الثانية
فهي تشمل مجموعة من المعاهدات التي تنتهي بقيام حالة النزاع المسلح ومنها
المعاهدات الثنائية التي تربط الدول المتنازعة, كمعاهدات الصداقة وحسن الجوار,
والمعاهدات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري, والمعاهدات السياسية كمعاهدات التحالف
والضمان والمساعدة وعدم الاعتداء والتحكيم, والمعاهدات التي تنشا حقوقا خاصة
لرعايا الدول المتنازعة كحقوق الملكية ….الخ وقد سارت محكمة النقض الفرنسية في
حكم صادر عنها بتاريخ 22 حزيران 1947 بهذا الاتجاه عندما قررت عدم امكانية تمتع
المواطنين الايطاليين بمزايا معاهدة سابقة على عام 1940 لان مثل هذه المعاهدة تعد
ملغاة نتيجة دخول ايطاليا في الحرب العالمية الثانية, ومع ذلك فان تحديد الموقف من
اثر النزاعات المسلحة على المعاهدات الدولية تبقى مسالة خاضعة لارادة اطراف النزاع
المعبر عنها في نصوص المعاهدات ذات الصلة والمبرمة بينهم خاصة بالنسبة للفئة
الثانية “المعاهدات التي تنقضي بقيام حالة النزاع المسلح”
وبقدر ارتباط ما
تقدم بالطابع الخاص لاثار النزاعات المسلحة على المعاهدات يمكن الاشارة الى مجموعة
من الخصائص التي سنحاول في جانب من دراستها الفصل بين اثار النزاعات المسلحة على
المعاهدات الدولية من جهة, وحالة امكانية التحلل من الالتزامات الواردة فيها او
انهاءها لاسباب اخرى لا علاقة لها بالنزاعات الدولية ووفقا للاتي:
1.في حالات
الانهاء او التعليق الاعتيادية للمعاهدات الدولية يتمثل العامل المحرك بخرق
المعاهدة او كشف بطلانها في حد ذاته.
وفي حالة النزاع المسلح او الاحتلال عن
طريق قوات مسلحة غازية يكون العامل المحرك مستقلا عادة عن خرق المعاهدة او عنصر
البطلان المعني. اي ان العنصر البارز او المهيمن “بمفهوم العلاقة السببية”
هو عنصر خارجي لا علاقة له بخرق احكام المعاهدة.
وبقدر تعلق الامر
باتفاقية الجزائر المبرمة عام 1975 فالملاحظ انها الغيت قبل بدأ الحرب العراقية
الايرانية “4 ايلول 1980 وفقا للادعاء العراقي و22 ايلول 1980 وفقا
للادعاء الايراني” مما يعني عدم امكانية معالجة الوضع القانوني للاتفاقية
المذكورة من جهة القول بتأثير حالة النزاع المسلح على سريانها “انتهائها
نتيجة النزاع المسلح” وانما يجب البحث في الحجج التي سيقت لانهاء العمل بها,
ومدى امكانية القبول بها “بالحجج التي قدمت” وفقا للاليات الاعتيادية
لانهاء الاتفاقيات الدولية, وهذا ما يشكل التصور الاول. في حين يمكن اللجوء الى
تصور اخر “تصور ثاني” اذا سلمنا بالطابع الفضفاض للقواعد المنظمة
للعلاقات الدولية على وجه العموم فضلا عن وجود تفاصيل يمكن ان تشكل ظروف خاصة دفعت
باتجاه النزاع المسلح حيث شكلت عملية الغاء الاتفاقية من الجانب العراقي المقدمة
الاساسية للرد العسكري يوم 22 ايلول 1980 والتصور الاخير يعني تداخل الاسباب
الاعتيادية لانهاء الاتفاقية مع حالة النزاع المسلح او التوتر الشديد في العلاقات
بين العراق وايران بعد قيام الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني في الاخيرة وتولي
الرئيس السابق صدام حسين مقاليد الحكم في العراق عام 1979.
2.الخاصية الاخرى
لاثار النزاع المسلح على المعاهدات الدولية تتمثل بان سبب الانهاء او التعليق ليس
هو خرق المعاهدة المعنية, لكنها اعتبارات الضرورة والامن التي تمليها ظروف النزاع
المسلح, ففي هذا الجانب الذي يبدو واضحا للغاية لا يكون النزاع المسلح معيارا
للحالات الاخرى للانهاء او التعليق المتعارف عليها في اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات 1969 ويبدو واضحا الى حد معقول ان اعتبارات او خيارات السياسة العامة
بين الانهاء او التعليق تفرضه عناصر الامن والرد المتناسب. اي ان عناصر السياسة
العامة تشمل عنصر الضرورة. ولا يبدو هذا العامل متوافرا بالنسبة للموقف العراقي من
الاتفاقية عام 1980 كونه استند الى خرق الجانب الايراني لها قبل بداية النزاع
المسلح في ايلول عام 1980 ومع ذلك فان القول بالغاء الاتفاقية قد يكون تحصيلا
حاصلا بالضرورة بعد ان قام النزاع المسلح بين البلدين مما يعني عدها ملغاة ويجب
التفاوض على ابرام اتفاقية جديدة بين البلدين تراعى فيها مصالحهما, وبشكل خاص
مصالح الجانب العراقي كون الموضوع يتعلق بالاطلالة البحرية للعراق التي يجب ان لا
تنال منها سلبا اية ظروف او احوال او ضغوط لحساسية الجانب المذكور باعتبار العراق
من اكثر الدول التي تعاني من حالة التضرر الجغرافي.
3.اشارت لجنة
القانون الدولي الى التنافر الموجود بين مناقشات اللجنة ذاتها التي افضت الى
اعتماد المادة (65) والاثار العملية للنزاع المسلح, ففي الوقت الذي ركزت اللجنة
على بروز عناصر لنزاع قانوني, وما يترتب عليه من ضرورة النص على التسوية السلمية
حيث تعكس المادة (65) هذه الشواغل, وكل هذه التصورات التي عبرت عنها لجنة
القانون الدولي بخصوص المادة (65) تتنافر مع الاثار العملية للنزاع المسلح,
مما
قد يعني ان المعاهدة منتهية عمليا نتيجة قيام الحرب العراقية الايرانية 1980 –
1988 ويجب على الجانبين خلق مجموعة من التصورات الايجابية والمنتجة التي تحقق
مصالح العراق وايران وفقا لمفهوم الصفقة الواحدة بحيث يشمل الامر ايضا موضوع
الانهار المشتركة……الخ.
4.الخاصية الرابعة
المتعلقة باثار النزاع المسلح على المعاهدات الدولية تتمثل بانتفاء او تقلص اهمية
التسوية السلمية باعتبارها ضمانة اجرائية, فسيناريو التسوية السلمية سيشهد تحولا
ملموسا بحدوث النزاع المسلح, كما سيكون تحديد النزاع او النزاعات القانونية امرا
معقدا حيث ستؤدي العوامل المتداخلة التي ينطوي عليها الامر الى سلسلة متعاقبة من
النزاعات المتعاقبة, ويمكن الربط بين الوصف الاخير والموقف من اتفاقية 1975 فهل
انتهت بالغاء العراق لها قبل بدأ الاعمال المسلحة فضلا عن تصرفات ايرانية واعلانات
صريحة تشير لعدم احترام الاتفاقية والاكتراث لبنودها[5] ؟
ام انها انتهت نتيجة بداية الحرب رغم انها اتفاقية حدود في جانب منها مع وجود نص
صريح فيها يوجب التعامل معها كوحدة قانونية لا تقبل التجزئة مما يعطيها خاصية
ناتجة عن ارادة الطرفين الامر الذي يعني امكانية الالغاء بقوة النص ؟ والذي يبدو
مبدئيا التداخل الكبير والواضح في العوامل السياسية والاعتبارات غير القانونية
البارزة في موقف الجانب الايراني قبل العام 1975 وبعد التاريخ المذكور وتاثيرها
سلبا على الاطار القانوني الذي جاءت به مما ادى الى تازيم علاقات البلدين لينعكس
ذلك على واقع الاتفاقية اذ فشلت في تامين علاقات متوازنة بينهما.


[1] من المهم ان اوضح ابتداء الى
مسالة تبدو مهمة بالنسبة لي في اطار وجهة النظر القانونية التي اعبر عنها في هذه
السطور, وهي ان الاشارة لبعض النصوص القانونية الواردة في هذه السطور لا تعني
بالضرورة حكما مطلقا لا يقبل اثبات العكس, وعلى وجه التحديد بالنسبة للموضوع الذي
احاول ان اناقش بعض فقراته المتمثل بالوضع القانوني لاتفاقية الجزائر المبرمة عام
1975 لكنها في كل الاحوال تعبر عن توجهات قانونية ملزمة لمجموعة من اشخاص القانون
الدولي بحيث يمكن القول معها انها تمثل الراي السائد لاغلبية الدول في الموضوع محل
النقاش.
[2] اعتمدت من قبل مؤتمر الامم المتحدة بشان قانون المعاهدات
الذي عقد بموجب قراري الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 2166 المؤرخ في 5 كانون
الاول 1966 ورقم 2287 المؤرخ في 6 كانون الاول 1967 وقد عقد المؤتمر في دورتين في
فيينا خلال الفترة من 26 اذار الى 24 ايار 1968 وخلال الفترة 9 نيسان الى 22 ايار
1969 واعتمدت الاتفاقية في ختام اعماله في 22 ايار 1969 وعرضت للتوقيع في 23 ايار
1969 ودخلت حيز النفاذ في 27 كانون الثاني 1980.
[3] نصت المادة (44) من اتفاقية
فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 على (على الدولة المعتمد لديها – حتى في
حالة قيام الحرب – ان تمنح التسهيلات للاشخاص المتمتعين بالمزايا والحصانات بخلاف
من هم من رعاياها وكذلك اعضاء اسر هؤلاء الاشخاص مهما كانت جنسياتهم لتيسر لهم
مغادرة اراضيها في اسرع وقت, ويجب عليها اذا ما استدعى الامر ان تضع تحت تصرفهم
وسائل النقل اللازمة لاشخاصهم ولمتعلقاتهم)
[4] نصت المادة (26) من اتفاقية
فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 على (على الدولة المضيفة – حتى في حالة النزاع
المسلح – منح موظفي البعثة القنصلية وخدمهم الخاصين من غير رعايا الدولة المضيفة,
وافراد عائلاتهم الذين يشكلون جزءا من اسرهم بغض النظر عن جنسياتهم, الوقت
والتسهيلات الضرورية لتمكينهم من تهيئة سفرهم ومغادرة البلاد في اول فرصة ممكنة
بعد انتهاء وظائفهم. وعليها بصورة خاصة وعند الاقتضاء ان تضع تحت تصرفهم وسائل
النقل الضرورية لهم ولامتعتهم باستثناء الامتعة التي اكتسبوا ملكيتها فيها والتي
يكون تصديرها الى خارج البلاد ممنوعا عند المغادرة)
[5] تم الغاء اتفاقية الجزائر
المبرمة عام 1975 من الجانب العراقي بصورة رسمية بموجب قرار مجلس قيادة الثورة
المرقم 1507 الصادر بتاريخ 17 ايلول عام 1980 ومع ذلك وفي سياق الرسائل المتبادلة
بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين والرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني
بتاريخ 14 اب عام 1990 فقد وافق الرئيس العراقي طبقا للفقرة (1) منها على امكانية
اعتماد اتفاقية الجزائر على ان يكون ذلك مترابطا مع الاسس او الاعتبارات التي اشار
اليها في رسالته السابقة والمؤرخة في 30 تموز 1990, وعلى وجه الخصوص ما يتعلق
بالفقرة (6) من قرار مجلس الامن المرقم 598 الصادر باجماع اراء الدول الاعضاء في
المجلس بتاريخ 20 تموز 1987 ونص الفقرة (6) هو (6.ان يجري الحوار فيما يتعلق بشط
العرب على اساس العناوين الثلاثة الاتية: أ.السيادة الكاملة عليه للعراق كما هو
حقه التاريخي المشروع ب.السيادة للعراق على شط العرب مع تطبيق مفهوم خط التالوك في
حقوق الملاحة بين العراق وايران بما في ذلك حق الملاحة والصيد والمشاركة في ادارة
الملاحة فيه وتقاسم الارباح منها ج.احالة موضوع شط العرب للتحكيم على وفق صيغ يتفق
عليها الطرفان مع الالتزام المسبق بالقبول بما يسفر عنه التحكيم, وحتى تبت جهة
التحكيم بالامر, يباشر بتنظيف شط العرب على وفق صيغ يتفق عليها الطرفان ليكون
صالحا للملاحة والاستعمال)
من جانب اخر يمكن ايجاز الموقف الايراني من الاتفاقية بخصوص عدم
احترامهم لبنودها حيث قامت ايران للفترة من حزيران لغاية ايلول عام 1980 بما يقارب
من (187) انتهاك عسكري مع استخدام المدفعية من عيار 175 ملم امريكية الصنع لقصف
مدينتي خانقين ومندلي العراقيتين منطلقة من الاراضي العراقية التي كان من المفروض
ان تجري عملية اعادتها الى العراق بموجب اتفاقية الجزائر حيث يعني التصرف الايراني
اعلاه انتهاكها لعناصر التسوية الشاملة التي تعد نقطة جوهرية تضمنتها اتفاقية
الجزائر الامر الذي يمكن ان يفسر وبوضوح قيام ايران بالغائها من جانب واحد,وعلى
اثر ذلك قام العراق بالغاء الاتفاقية بتاريخ 17 ايلول من العام 1980.
كما صدرت مجموعة من التصريحات تقر بعدم احترام ايران لاتفاقية
الجزائر, ومنها التصريح الصادر عن الرئيس الايراني ابو الحسن بني صدر بتاريخ 19
ايلول 1980 لوكالة الصحافة الفرنسية عندما قال (على الصعيد السياسي لم تقم ايران
بتنفيذ اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975, وان نظام الشاه لم ينفذها) كما اصدر
الجيش الايراني اربعة بيانات عسكرية, ومنها البيان رقم (3) الصادر بتاريخ 19 ايلول
عام 1980 الذي اعترف فيه باستخدام القوة الجوية الايرانية في النزاع مع العراق
فضلا عن البلاغ رقم (4) وفيه جرى الاعتراف باشعال النيران في حقول نفط خانة
العراقية, كما اطلقت المدفعية الايرانية النيران على الطائرات المدنية البريطانية
والفرنسية التي كانت تستهدف الهبوط في مطار البصرة, ثم اغلقت ايران شط العرب بوجه
الملاحة البحرية الاجنبية بل ان الجانب الايراني وعلى لسان الدكتور صادق طبطبائي
طبقا لما نشرته صحيفة اطلاعات الايرانية بتاريخ 19 حزيران 1979 وهو المساعد
السياسي لوزارة الداخلية الايرانية وممثل الامام الخميني في هذه الوزارة كان قد
صرح (بان الحكومة المركزية الايرانية لا تتمسك باتفاقية الجزائر) اضافة الى تصريح
الجنرال فلاحي بتاريخ 15 ايلول 1980 وهو مساعد رئيس اركان الجيش الايراني عبر
شبكات التلفزيون الايرانية الناطقة باللغتين العربية والفارسية ان ايران لا تعترف
باتفاقية الجزائر, وان منطقة زين القوس وسيف سعد هي مناطق ايرانية وكذلك الحال
بالنسبة لشط العرب.