قراءات محتملة في الصراع الأمريكي الايراني بقلم الباحث الدكتور عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا

قراءات محتملة في الصراع الأمريكي
الايراني
بقلم الباحث الدكتور عمار احمد المكوطر
معهد العلمين للدراسات العليا

    قراءات محتملة في الصراع الأمريكي الايراني
    بقلم الباحث الدكتور عمار احمد المكوطر
    يشهد التفاعل السلبي بين الولايات المتحدة
الأمريكية وإيران شداً وجذباً، تصعيداً وتخفيضاً، تلويحاً بالمواجهة ثم الرغبة
بالدبلوماسية والتفاوض. بيد ان الأزمة لازالت تراوح مكانها وابوابها مشرعة لكل احتمال،
وإن بات سبيل المواجهة العسكرية المباشرة مستبعداً في الأفق المنظور. فليس كل من
الطرفين مستعد لأكلاف مواجهة غير مدركة العواقب او محسومة النتائج لصالحه؛ حتى وإن
كان رابحاً فيها عسكرياً، فلعله يخسر سياسياً او اقتصادياً او  تتعرض هيبته ومكانته الدولية لتراجع، وما يترتب
عليه من تداعيات خطيرة. كما ان البيئة  السياسية والمناخ السياسي الدولي والمحلي لم يحن
بعد او يكون مناسباً لترويج وإنضاج مخارج سياسية من خلال الدبلوماسية ووسائلها
السلمية. ولذا يبحث كل من طرفي الصراع لإيجاد مخارج اخرى عبر خيارات وبدائل تسهم في
تحقيق اهدافه او تعظيم مكاسبه. إيران تضغط سياسياً بتصعيد الضغط على الاتحاد
الأوروبي، حليف الولايات المتحدة، بالخروج من الاتفاقية النووية والعودة إلى
برنامجها النووي، ورفع معدلات التخصيب، وتهدد بإغلاق مضيق هرمز، وحلفاء الولايات
المتحدة في المنطقة والكيان المصطنع، وتستعرض قدراتها العسكرية الصاروخية وطائراتها
المسيرة العابرة للقارات، كما اعلن قائد قواتها البحرية خانزادي. يقابله رد فعل من
الولايات المتحدة بتحشيد عسكري ودولي لفرض حماية دولية في مياه الخليج العربي.
   
هذا المشهد المعلن واضح في معالمه ومشاهده. اما ما قد يجري بحثه في زوايا
صنع القرار قد يختلف الى حد بعيد، خاصة في المدرك الأمريكي إزاء خطورة تصاعد
النفوذ الإيراني وما يشكله من خطر على المصالح العليا للولايات المتحدة وأبرزها
امن وسلامة كيانها المصنع. هو أولوية قصوى تفوق في الأهمية امن وسلامة حلفاءها
الآخرين في منطقة الشرق الأوسط عموماً وقلبه النابض  الخليج العربي، منبع الطاقة الرئيس في العالم،
وموقعه العالمي الهام وتحكمه بعقد الاتصالات والمواصلات بين قارات العالم القديم،
وتوسطه بينها وقربه من اهم الممرات والمضائق المائية بالعالم.
   
إلا ان السياسة الأمريكية وخاصة في عهد الرئيس ترامب لم تعد مكترثة كثيراً
بحماية امن الخليج كما في عهد بقية الإدارات السابقة ، إذ بدأت تنحو باتجاه جلب
الأموال من دول المنطقة اولاً، مقابل حماية تلك الدول، وفسح المجال للنفوذ الروسي
والصيني في دول المنطقة، وإن كان عبر نوافذ الاقتصاد، وحتى التسليح. فقد باتت دولاً
خليجية تتطلع للحصول على منظومة

S400
من الاتحاد
الروسي. إن الولايات المتحدة المتراجعة اقتصادياً على  الصعيد العالمي، والبنى التحتية، وهذا ما اشار
اليه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق برجنسكي ، ووزير الخارجية الأسبق كيسنجر.
   فقد
كان الاقتصاد الأمريكي يمثل اكثر من 40% من الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية
الثانية عام 1945، وعملتها الدولار مغطاة بالذهب، اما الآن فلم يعد اقتصادها يمثل
اكثر 25% من الاقتصاد العالمي، ولم تعد عملتها مغطاة ذهباً. ويمثل إدراكها لهذا
التراجع النسبي مؤشراً خطيراً على مكانتها الدولية، ومطامحها في البقاء كقطب اوحد
في العالم ولو الى 25 سنة قادمة، وهذا ما قد يبدو للمتخصصين بهذا الشأن مستبعداً.
   وتحاول الولايات المتحدة إعادة بناء اقتصادها
عبر آلية جمع الأموال من دول، يمثل وجودها وامنها بالنظور الأمريكي  مرهون بحمايتها وتواجدها. كما تسعى لتحقيق ذات
الهدف بتقليص النفوذ الإيراني وتحجيم قدراتها العسكرية والاقتصادية، وحيث تعجز عن
إحداث ذلك بوسيلة معتمدة واحدة، كالمواجهة 
العسكرية او الحصار، فقد باتت تعزز ذلك بوسائل اخرى، ومن اهم تلك الوسائل
قطع اذرع إيران الخارجية ، ولكن فشلها حتى الآن باليمن وسوريا ولبنان قد اعاقها،
وإذ ان ذلك يعد ضرورياً ومكملاً لبلوغ مقاصدها، فليس من المستبعد دراسة خيارات
وبدائل جديدة وإن  كانت مستبعدة  حتى وقت 
قريب . ومما قد يبدو قريباً من بين خياراتها، إحداث تغيير سياسي مفاجئ
بالعراق، بإيصال ضابط عسكري ما إلى السلطة ودعمه.
   فذاك
قد يحقق لها قطع جسر الإرضاع العسكري والتسليحي لذراع إيران (حزب الله)، الأقوى
والأكثر قلقاً لمصالح الولايات المتحدة العليا، عبر سوريا من العراق، كما يشكل
عنصر ضغط وإضعاف على نظام بشار الأسد الحليف الاستراتيجي لإيران، ويجعله منفردا
ومحاطاً بعدوين شرسين، هما تركيا والكيان المصطنع ، كما يحجم من النفوذ الروسي في
حالة إسقاطه او حتى إضعافه، فالنظام يعيش وضعاً وحصاراً اقتصادياً قاسياً، ومدين
بعشرات المليارات لإيران وروسيا.
    مما قد يعجل بإسقاطه او انفتاحه على الولايات
المتحدة وتنفيذ مشاريعها وسياساتها في سوريا ومنطقة حوض المتوسط
.
    وتستغل الولايات المتحدة الوضع الدولي
والمحلي العراقي لإنجاز اهدافها ، فالوضع العراقي مأزوم ومختنق سياسياً،  فقد تستغل الغضب الشعبي العارم من فشل الأحزاب
السياسية الحاكمة  في العراق منذ 2003،
والفساد المستشري، وسوء الخدمات والبطالة والفقر وغيرها.
   إلا
ان ما قد يطرح ، في ان مشروعها هذا يعوقه شخصية عسكرية مؤثرة و مؤسسة عسكرية
عراقية قوية، بيد ان ذلك قد لايعي الولايات المتحدة ، فهي ضليعة في خلق وإدارة
الأزمات والانقلابات العسكرية ، ولها تأريخ طويل فيه ، مثال ذلك ما احدثته من انقلابات
عسكرية كثيرة في أمريكا اللاتينية وغيرها من دول العالم.
   
ولعل الأكثر تعقيداً، ما لا تدركه الولايات المتحدة من بدائل إيرانية تواجه
به المشروع الأمريكي المفترض حتى الآن.
    فقد تقع
في خطا الحساب، كما وقعت في السابق، باحتلال العراق ومن ثم تقوية النفوذ الإيراني
فيه وتعاظم دورها وتأثر بها إقليمياً وعالمياُ. إزاء كل ما تقدم نرى ان الوضع
الدولي والاقليمي قلق، وانه في منعطف خطير، بعيدة عنه مؤشرات الأمن والاستقرار،
وأن الصراع الأمريكي الإيراني لن يحل بالأمد المنظور، او انه يصل إلى حالة تهدئة
وتعاون، كما ان الوضع العراقي قلق للغاية ومستقبله السياسي بات مفتوحاُ على أكثر من
احتمال، وانه لازال في مرحلة انتقالية لم تصل بعد إلى مرحلة بناء دولة مؤسسة مدسترة،
ولم ينضج وعي سياسي شعبي وحزبي بعد، يعيد إنتاج دولة ديمقراطية مدينة حديثة
.