ازدراء الاديان بين حرية التعبير والاساءة بقلم الباحثة: ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

ازدراء الاديان بين حرية التعبير
والاساءة
بقلم الباحثة: ايناس عبد الهادي الربيعي 
معهد العلمين للدراسات العليا

ازدراء الاديان بين حرية التعبير
والاساءة
بقلم الباحثة: ايناس عبد الهادي الربيعي
     يعد
تأسيس منظمة الامم المتحدة لراب الصدع بين الامم وتشييد جسور التعاون والتفاهم
وغسل الذاكرة من رواسب الكراهية المتبادلة ليصبح السلام هدفا منشودا بامتياز
ويتمتع بالدعم , ولكن المعتاد ان تلك الدعوات لا تلبث ان تخبو ويخفت بريقها لصالح
دعوات الصراع عندما تغيب الحكمة عن الساحة ويدفن العقل تحت الحقد الاعمى ليغدو
مستقبل شعوب بأكملها رهين الكراهية وخطاب الطائفية ليعتلي مروجوه المزيد من
المنابر التي تروج لهم , اخذت دعوات الحوار بين الحضارات والثقافات بالانهمار ولا
سيما بعد الاساءة للأديان والقانون الدولي الانساني وحرية التعبير
. ان الحديث عن المكانة التي تحظى بها
الاديان السماوية ومدى رفعة تلك المكانة في المجتمعات ومدى توافق تلك المكانة مع
حرية التعبير التي قد تصطدم مع سوء استخدام تلك الحرية لتمارس بشكل مسيئ يستهدف
الامتهان من دين الاخر ولا يسما بوجود الفوارق القائمة في المجالات الدينية
والثقافية الامر الذي يستوجب مراعاة تلك الفروق ومراعاة مشاعر معتنقي الاديان
حفاظا على السلام في تلك المجتمعات
.
لتبرز اهمية موضوعنا
من خلال العمل على توعية سكان العالم متعدد الثقافات في الفرن الحديث على اهمية
الفروقات القائمة بين الثقافات المتعددة في شتى المجالات مع العمل على فهمها
واحترامها من خلال تطوير فهم جديد للثقافة مبني على قاعدة من الحقوق مع توفير فهم
مشترك لا ينطلق من قاعدة ثقافية او دينية معينة مما يوفر فهما مشتركا للقيم
العالمية التي يراد لها ان تكون قائمة ومعتمدة ولا سيما ان الاعلان العالمي لحقوق
الانسان لا ينطلق من قاعدة معينة او ارضية ثقافية او دينية معينة
. ازاء كل توتر داخل كل حضارة لا نجد موقفا
يشابه سابقه في نظيراتها قد تتشابه النتائج او المواقف ازاء التحديات التي تواجه
كل مجتمع ولا سيما بعد احداث 11 سبتمبر وتوالي الاحداث وتنامي مشكلة الارهاب
العالمي وتنامي العنف على المستوى الدولي ضاربا العديد من مناطق العالم ممثلة خطر
لا يستهان به اقتضى توحيد الجهود الدولية لمواجهة هذا الخطر الذي بات يهدد معظم
دول العالم بلا استثناء

.
ان ازدواجية التعامل
مع الاساءة للأديان كانت سببا هاما في توتر الراي العام في مختلف المناطق والبلدان
حول العالم ممن عانت وتعاني من تلك الازدواجية ليكون خط التماس مع تلك الاساءات
للأديان هي الخط الفاصل بين حرية التعبير وقدسية تلك الاديان ولا سيما في منطقة
الشرق الاوسط وهي معضلة تعاني منها منطقة الشرق الاقصى ابتدأ لتكون احداث 11 من
سبتمبر موججا اضافيا لها

.
      
فقد عرف الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة (19) منه بانها
“حرية اعتناق الآراء دون تدخل ,واستسقاء الانباء والافكار وتلقيها وأذاعتها
بأية وسيلة دون تقيد بالحدود الجغرافية
,فيما اشار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
الصادر عام 1966 الى انه “لكل فرد الحق في حرية التعبير وهذا الحق يشمل حرية
البحث عن المعلومات أو الافكار من أي نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود
وذلك اما شفاها او كتابة او طباعة سواء كان ذلك في قالب فني أم بأية وسيلة أخرى
يختارها ” , لكن العهد الدولي قيد ممارسة هذه الحقوق ببعض القيود بالاستناد
لنصوص القانون التي تكون ضرورية وهي كالتالي
: من اجل احترام حقوق او سمعة الاخرين .
    
من اجل حماية الامن الوطني او النظام العام او الصحة العامة او الاخلاق اذ
قيد العهد الدولي تلك الحرية بضوابط كانت مدار خلاف السلطات على الدوام فقد يلغى
في الانظمة الدكتاتورية

.
ان الازمات الثقافية
التي اعتدنا ان تثار بين العالم العربي الاسلامي والمجتمع الغربي كانت دافعا
للتأمل في تلك العلاقة بين العالمين انطلاقا من عدم السماح للمسلمات بارتداء
الحجاب في المدارس الفرنسية كأولى علاماته ولم تكن الرسوم المسيئة للرسول (عليه
وعلى اله افضل الصلاة والتسليم ) ثانيها بثاني العلامات فطوال سنوات مضت لم تكن
العلاقة بين الطرفين موضع للاختبار من حيث قدراتهم على التعايش السلمي
.
     
فالحديث عن علاقة الاديان بحرية التعبير تقودنا الى محاولة فهم السياقات
التي تحظى بها الاديان من مكانة رفيعة غي المجتمعات وكيفية تعاطي تلك المجتمعات مع
الاديان ايمانا وتأويلا مقارنة مع الطبيعة الحقيقية لتلك الاديان
. فحرية التعبير ليست شيء مطلق او انه لا يجب
ان ينظم كما انه من غير المقبول والقول بعدم السماح للمفكرين بعدم التعبير غن
افكارهم او ان يحتفظوا بها لأنفسهم فوازع التفكير الانساني هو ايضا الدافع لان
يفكر بصوت عال ,فالفكر والكلام يكملان احدهما الاخر ويدعمان الحريات كما ان الفكر
هو المغذي للروح الانسانية كما يغذي الطعام والماء جسم الانسان
.
       
فكما تقدس حادثة (المحرقة الهولوكوست ) كونها حقيقة تاريخية فهذا لا يمنع
المفكرون من تناولها بما يتوافق مع مناهجهم العلمية وادواتهم البحثية بما لا
يتعارض مع عدالة القيم الثقافية لتلك المجتمعات وحرية التعبير التي تحظى باهتمام
المجتمعات, فلا يجب ان تحظى جماعة ما بمراعاة المشاعر دون الاخرى حفظا للسلام بين
المجتمعات وهو ما يبين اهمية الحوار والجدل الفكري بين الشرق والغرب واهمية العمل
على جعل مواطني العالم متعددي الثقافات قادرين على التعرف على الفروق القائمة في
المجالات الثقافية والدينية وحسم تلك الفروقات واحترامها من خلال تطوير مفهوم جديد
للثقافة يكون مبنيا على قاعدة الحقوق ,فمن المعلوم ان الاعلان العالمي لحقوق
الانسان لا ينطلق من ارضية تقاليد او ثقافة او دين معين الامر الذي يساعد على
توفير فهم مشترك حول الاختلافات الثقافية القائمة بالفعل ليمون هذا الحوار هو
الخالق لبيئة ملائمة لتكريس الاحترام المتبادل
.
      
مما لا يخفى ان وسائل الاعلام مارست دورا اساسيا في اندلاع العديد من
الازمات منها ما فعلته صحيفة (بولاندز بوستن ) الدنماركية بنشرها الرسوم
الكارتونية الشهيرة وذلك بإهمال المهنية في الاسلوب من خلال ارتكابها الحادثة محل
الجدل مما يجعل من واجب الاعلاميين ان يساهموا في علاج ما اقترفته اقلامهم , فحرية
الراي وفق ما سببته تلك الازمة خرجت من نطاق حرية الراي والتعبير الى التحريض على
الاساءة اذ تشكل العلاقة بين الاديان والمجتمعات مصدرا اساسيا للتوتر في مجتمعات
العالم العربي وعند البحث حول موضوع الحريات الصحفية نجد ان البلدان العربية على
اختلاف الانظمة الموجودة تتميز بتقييدها للحريات الصحفية وعدم كون الصحافة في تلك
البلدان ذات دور رقابي وتوعوي حاسم من خلال العمل على توعية المواطن باتجاه ادراك
حقوقه وحرياته الاساسية ليدخل الحق في التعبير من ضمن مؤشرات التنمية الانسانية في
كافة انحاء العالم

.
ان حرية الرأي
والتعبير هي من الحقوق الفردية شديدة الالتصاق بالإنسان وطبيعته كما انها تعد من
الحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية التي تكفل وجوده في المجتمع من خلال الحق في
التعبير في الشؤون العامة والموضوعات ذات الاهتمام الشعبي ,فمعارضة هذا الحق او
سلبه او الحد منه ينطوي على معارضة بذرة كامنة في الانسان اذا ما منعت من النمو
بشكل طبيعي يتيح لها طرح ثمارها فأنها تكون مشوهة داخل نفسية الفرد تولد رادات فعل
سلبية على الصعيد الاجتماعي تتمثل في السلبية المطلقة والخروج من دائرة الفعالية
فلا يحق له ان يتكلم او ان يعبر عن رأيه ليكون تحت وطأة الاستبداد السياسي الذي هو
أحد تجليات الاستبداد الفكري

.
     
وهو ما يثير التساؤل هل نحن امام صراع حضارات ؟أم أن الامر مجرد توتر داخل
كل حضارة قد يتشابه في بعض المظاهر والنتائج منها عدم توفر الاجماع على فكرة معينة
في أي من تلك المجتمعات على موقف واحد من الاساءة للأديان تحت مسمى حرية التعبير
عن الرأي الامر الذي يثير التساؤل حول مستقبل هكذا نوع من التوتر وتواصل الحوار
بين الثقافات

.
فبعد سنوات من احداث
11سبتمبر المأساوية وشن حرب عالمية ضد الارهاب بالسلاح والتشريع والقيود الادارية
والامنية والاعلامية فأن مخاطر الارهاب تتفاقم مع اتساع نطاق المجندين للأعمال
الارهابية ولا سيما بعد انتماء العديد ممن ولدوا في اوروبا وتشبعوا بثقافتها
للتنظيمات الارهابية في مختلف بقاع العالم والشواهد على ذلك لا تعد,
 ليثار التساؤل حول مدى صلاحية تلك الاستراتيجيات
لمكافحة الارهاب وهل اتت ثمارها بالشكل الذي كان يراد منه الحد من تلك الظاهرة
,لنتوصل الى ان النتاج الادبي للأديان وحرية التعبير تعد من اهم خطوط التماس في
تلك العلاقة لاتهامها بالازدواجية فالسخرية من مكون معين يقابل بالاستهجان بينما
في حالة اخرى يعد ذلك حرية تعبير وهو ما يتطلب العمل بشكل جاد على ازالة كل ما
يمكن ان يعد سلوكا دافعا لأي مكون للشعور الغبن او التجاهل فقط لأنه من مكون معين
ساعين لنشر ثقافة ان لا افضلية لمكون على اخر الا بمقدار ما يقدمه لخدمة الانسانية
وتطورها وتجنيبها الماسي للعيش في عالم بعيدا عن التطرف والسلوكيات المرفوضة
.