الذكاء السيبراني في عالم التجسُّس الإلكتروني في المنطقة العربيَّة. بقلم : الدكتور سماح مهدي العلياوي

الذكاء السيبراني في عالم التجسُّس
الإلكتروني في المنطقة العربيَّة.
 بقلم : الدكتور سماح مهدي العلياوي
الذكاء السيبراني في عالم
التجسُّس الإلكتروني في المنطقة العربيَّة.
بقلم : الدكتور سماح مهدي
العلياوي
    
لقد حاول الفلاسفة والعظماء إيجاد طريقة للتعامل مع الظروف والمُتغيِّرات
الإقليميَّة والدُّوْلية للتخلص من المفهوم الحربي الثابت وتحريك الجيوش على مستوى
السِّياسة الخارجية، وبالتالي، فقد وجد الفيلسوف الصيني
سون تزو” (Sun Tzu)، أسلوب يعتمد على تخريب الذات من خلال
الأدوات الداخلية دون الركون إلى الحرب، لأن تنفيذ سياسة الدَّولة عن طريق القتال
في ساحات المعركة لها نتائج سلبية وغير عملية، وتوصف بالهمجية، وأن أفضل فنون
الحرب هو عدم القتال أو ما يُسمَّى بـ”القتال الناعم
” (Soft fighting) من خلال تخريب كل المرتكزات ذات القِيَمة
في دولة العدو حتى تتحوُّل المدركات الحقيقية في دولة العدو إلى درجة من عدم الثقة
واليقين، وهو أن لا يرى في الدَّولة المُنافسة عدواً، وأن يكون نظامها، وحضارتها،
وتطوُّرها بنظر العدو تكون هي البديل، وبهذه الحالة يُمكن السَّيطرة على العدو
بدون الحرب
.
ويتكون تخريب الذات
أو القتال الناعم من أربعة مراحل زمنية محكمة، وهي: المرحلة الأولى، يتمُّ إسقاط
الأخلاق في المجتمع المُنافس، والمنظومة الأيديولوجيَّة في مختلف المجالات الّتي
يتشكل بها الرأي العام، مثل: الدين، والعادات والتقاليد الإجتماعيَّة عن طريق تجنيد
الأشخاص وشراء المرتزقة، والمرحلة الثانية، يتمُّ تدمير المنظومة التعليمية،
واستبدال المنشآت والمنظمات الّتي تأسست بموجب الترتيب الزمني والواقعي للمجتمعات
بأخرى وهمية، والمرحلة الثالثة، زعزعة الاستقرار في الدَّولة العدو، والمرحلة
الرابعة، انهيار البُنية الإجتماعيَّة، وتآكل الهياكل المؤسَّسية والدستورية في
الدَّولة العدو من خلال الاعتماد على التجسُّس وبث التفرقة
.
   
وتُعدُّ إسرائيل في طليعة دُوَل العالم الّتي تمتلك أكبر عدد من شركات
التجسُّس، وهي حوالى (27) شركة إسرائيليَّة ناشطة في مجال التجسُّس بعد الولايات المتَّحدة،
وقد أكَّد خبير معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب “دانيال كوهين
” (Daniel Cohen) بأن خبراء وحدات النخبة في الجيش
الإسرائيلي يستخدمون مهاراتهم في تأسيس شركات أمن المعلومات، ومقرها في مدينة
هرتسيليا شمال تل أبيب في وادي السيليكون الإسرائيلي، وهو يشبه إلى حداً ما وادي
السيليكون في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وقد تمكن كبير الباحثين في معمل
“سيتيزن لاب

(Citizen Lab)
،
وهو “بيل مارزاك

(Bill Marzac)
من برمجة
ما يُسمَّى “ثمرة إسرائيل المحرمة

(Israel’s forbidden fruit)
،
وتحوُّل هذه البرمجة هاتفك المحمول إلى جاسوس خاص لصالح من أرسلها، كما أكَّدت
منظمة “برايفسي إنترناشيونال

(Praise International)
البريطانية بإنه قد تمَّ تأسيس شركة تدعى (NSO Group Technologies) وتختصر (NSO)، وتعمل في عالم الذكاء السيبراني، وهي واحدة
من أكبر الشركات التكنومعلوماتية للمراقبة، وتُعدُّ أنشطتها الأكثر سرية في العلم،
ويعمل بها نحو (500) شخص، ويقدر رأس مالها بـ(900) مليون دولار، وتعمل مع الجيوش
الاستخباراتية لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية الإلكترونية، وفي ظلّ ما يُسمَّى
ثورات الربيع العربي عام 2010، فقد استخدمت أغلب الدُّوَل العربيَّة تقنية
التجسُّس عبر الشركات الإسرائيليَّة مثل: قطر، والمغرب، واليمن، والسعودية،
والبحرين، والإمارات العربيَّة المتَّحدة، بغية التجسُّس على الناشطين في مجال
حقوق الإنسان والجهات المعارضة، وقد حاولت شركة “أبل” ايجاد ثغرة معينة
للتخلص من هذا النوع من التجسُّس من خلال تثبيت برامج خاصَّة، وقتها أعلنت الشركات
الإسرائيليَّة أن مهمتها التعاقد مع الحكومات الشرعية بهدف مكافحة الإرهاب
والجريمة المنظمة هذا وقد أكَّدت منظَّمة العفو الدُّوْلية في واشنطن بأنها تلقت
رسائل عن انتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية، وبعد تحقيق مطول اكتشفت منظَّمة
العفو الدُّوْلية بأن مواقعها الرسمية قد تعرضت للتجُّسس من قِبَل الشركات
الإسرائيليَّة غير أن هذه الشركات نفت تدخلها في عمل المنظمات الدُّوْلية، كما
استخدمت الإمارات تقنية التجسُّس الإسرائيليَّة للتجسس على أمير قطر “تميم بن
حمد آل ثاني”، ورئيس الحرس الوطني السعودي “متعب بن عبد الله”،
ورئيس الوزراء اللبناني “سعد الحريري”، وقد أكَّد الموظف السابق في
وكالة الأمن القومي الأميركي “إدوارد سنودن
” (Edward Snowden)، والمتهم بجريمة الخيانة
العُظمى بأن الشركة الإسرائيليَّة لعبت دوراً في تعقب الصحافي السعودي “جمال
خاشقجي” قبل مقتله في إسطنبول
.