فشلٌ ذريع لنص قانوني يحمي الأخلاق !
بقلم المحامي القدير عارف الشعال
في منتصف القرن التاسع عشر تفشت في أوروبا ظاهرة تجارة وتبادل المطبوعات والصور والرسوم الجنسية المنافية للآداب العامة والمفسدة للأخلاق والمثيرة للشهوات والغرائز الجنسية! حتى صارت تجارة رابحة تدرُّ المال الوفير!
تنادى علماء الاجتماع والقانون لمعالجة هذا الداء الوبيل الذي أخذ يفتك بأخلاق المجتمعات، فانعقد في لوزان (سويسرا) سنة 1893 مؤتمراً لمكافحة المطبوعات المنافية للأخلاق، وأنشأ لهذا الغرض مكتباً في جنيف أناط به العمل على مقاومة انتشار هذه المطبوعات.
ثم انعقد مؤتمر دولي آخر عام 1904 في كولونيا (ألمانيا) لهذه الغاية، تلاه مؤتمراً ثالثاً في باريس عام 1908، تمخض عنه اتحاد يضم كافة الجمعيات والهيئات التي تقوم بمكافحة المطبوعات والصور المنافية للأخلاق،
أدت هذه الحركة إلى عقد مؤتمر باريس الدولي 18 نيسان 1910 اشتركت فيه غالبية الدول الأوروبية والولايات المتحدة والبرازيل، وأسفر عن اتفاقية دولية بين هذه الدول تقضي بفرض عقوبة على من كل من يصنع أو يحرز أو يستورد بقصد الإتجار أو التوزيع مطبوعات ورسومات منافية للأخلاق.
وبتاريخ 12 أيلول 1923 عقدت في جنيف اتفاقية دولية تتفق في فحواها مع اتفاقية باريس آنفة الذكر.
تأثرت الدول المختلفة بهذه الاتفاقية والحركة الحقوقية الدولية لمناهضة هذه الآفة، فأدرجت في تشريعاتها الجزائية نصوصاً تعاقب على انتهاك الأخلاق العامة بالإتجار بهذه المطبوعات، ففرض المشرع الفرنسي عقوبة على هذا الفعل، ومنه استقاها المشرع اللبناني ونصَّ عليها في المادة 533 من قانون العقوبات، ومنه أخذها المشرع السوري كما هي ونصَّ عليها في المادة 519 من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات وبالغرامة كل:
((من أقدم على صنع أو تصدير أو توريد أو اقتناء كتابات أو رسوم أو صور يدوية أو شمسية أو أفلام أو إشارات أو غير ذلك من الأشياء المخلة بالحياء بقصد الاتجار بها أو توزيعها أو أعلن أو أعلم عن طريقة الحصول عليها))
المفارقة المذهلة!
بعد كل هذا الجهد الحقوقي الدولي الواسع للذود عن الفضيلة والأخلاق، أتى شخص أميركي يدعى “هيو هيفنر” وتحدى كل هذه المؤتمرات العالمية والاتفاقيات الدولية، ومنظمات المجتمع المدني التي تناضل من أجل الفضيلة، وضرب عرض الحائط بكافة النصوص الجزائية، وأسس مجلة إباحية شهيرة تدعى “بلاي بوي” أصبحت بين الأكثر توزيعاً في العالم بعدة اللغات في 30 دولة، وصل توزيعها مجتمعة فيها إلى 7 ملايين نسخة. وتوفي في أيلول 2017 تاركاً ثروة تقدر بـ 43 مليون دولار جمعها من وراء الإفساد وقلّة الأخلاق!!
السؤال الذي يطرح نفسه هنا وحاصة في ظل معلومات متواترة تفيد بأن تجارة المواد الإعلامية الإباحية تدرُّ أرباحاً فلكية يسيل لها اللعاب:
ما هو جدوى هذه النصوص التي تزيّن قوانين العقوبات المختلفة، بعد فشلها في مكافحة هذه الجريمة؟
مصدر المعلومات القانونية أعلاه:
{الدكتور “عدنان الخطيب” – شرح ق.ع.ع القسم الخاص2 – ط 1954 – ص 359 وما بعدها}