دراسة لعقد الزواج والشروط الواردة عليه – بحث قانوني
أهم الشروط المشروعة التي تحقق منفعة مشتركة لكلا الزوجين أو أحدهما، كاشتراط أحد الزوجين صفة معينة في الآخر، أو اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليهـا، أو إكمال دراستها وممارسة عملها، وأخيراً اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري إذا طلقها.
وسنتناول حكم كل نوع من هذه الشروط في الفروع الموالية:
الفرع الأول: اشتراط صفة معينة في أحد الزوجين
لقد أعطى الفقه الإسلامي للزوجين الحق في جملة من الخيارات العقدية من بينها خيار الفسخ للعيب[1]، وبالأخص فقهاء الظاهرية الذين قالوا بفسخ العقد سواء قبل الدخول أو بعده إذا تبين خلاف الشرط.[2]
و يضاف إلى ذلك خيار الفسخ لتخلف الوصف الذي يشترطه أحد الزوجين في الآخر، كأن يشترط الرجل في المرأة أن تكون بكراً، أو أن تكون غنية أو جميلة، وفي المقابل قد تشترط الزوجة صفات معينة في زوجها فما أثر هذه الشروط على عقد الزواج ؟ وهل يملك المتعاقد المشترط حق الفسخ إذا تخلف الشرط ؟
لقد اختلف الفقهاء حول جواز ثبوت خيار الفسخ لتخلف الوصف في النكاح، فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه إذا اشترطت الزوجة صفة معينة في الزوج كالجمال والنسب أو أن يكون غنياً أو ذا حرفة معينة، وتبين أنه بخلاف ذلك فالعقد صحيح والشرط باطل ولا تملك الزوجة خيار الفسخ. وذهب رأي آخر إلى القول بثبوت الخيار للزوجة في فسخ النكاح لتخلف الوصف، وهذا هو ظاهر مذهب الإمام مالك وبعض فقهاء الشافعية.[3]
بينما يرى الحنابلة بأنه متى تزوجت امرأة رجلاً واشترطت فيه وصفاً معيناً وظهر خلاف ذلك، فلا خيار لها في الفسخ إلا في شرطي الحرية والنسب.[4]
أما إذا كان الشرط من قبل الزوج، كما لو اشترط أن تكون الزوجة جميلة أو متعلمة أو ذات بشرة بيضاء، فظهرت الزوجة على غير ما اشترط يحق للزوج طلب فسخ النكاح وإذا وقع الفسخ قبل الدخول فلا تستحق المرأة المهر، وإن كان بعد الدخول فلها المهر[5]، وفي هذا يقول ابن تيمية: ” … وأما إذا اشترط السلامة أو شرط الجمال فبانت شوهاء، أو شرطها شابة حديثة السن فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرطها بيضاء فبانت سوداء، أو بكراً فكانت ثيباً، فله الفسخ في ذلك كله. فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده فلها المهر وهو غرم على وليها إن كان غره، وإن كانت هي الغارة سقط مهرها أو رجع عليها به إن كانت قبضته “.[6]
بينما قال الحنفية والشافعية بعدم ثبوت خيار الفسخ للزوج مطلقاً حتى ولو تخلف الوصف الذي اشترطه، لأنه يملك فراقها بالطلاق.[7]
ومن بين الأوصاف الهامة التي قد يشترطها الزوج على زوجته شرط البكارة أو العذرية، وقد ذهب الاجتهاد القضائي الجزائري إلى وجوب اشتراط هذا الشرط في العقد حتى ينتج أثره، حيث جاء في أحد قرارات المحكمة العليا ما يلي: ” … ومتى تبين- في قضية الحال- أن المطعون ضده لم يشترط عذرية الطاعنة في عقد الزواج فإن البناء بها ينهي كل دفع بعدم العذرية. وعليه فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتحميل الطاعنة مسؤولية الطلاق وبحرمانها من التعويض عرضوا قرارهم للقصور في التسبيب مما يستوجب نقض القرار “.[8]
وينتقد الدكتور علي محمد قاسم إعطاء الزوجين الحق في فسخ العقد لتخلف الوصف، بحجة أن عقد الزواج من العقود الخطيرة التي يجب تفادي تعريضها للفسخ والعمل أكثر على استقرارها وثباتها، فليس من المعقول أن يفسخ هذا الميثاق الغليظ لأمور نسبية تختلف درجة تقديرها من شخصٍ لآخر، كشرط الجمال أو العذرية التي يمكن أن تزول بوثبة من المرأة.
كما أن مصلحة الزوجين تكون في التستر والارتفاع بهذا العقد عن مستوى عقود المعاوضات المالية. وكذلك فإن معظم الأوصاف التي يريد كل من الزوج أو الزوجة معرفتها في الآخر يمكن التعرف عليها بالتحري عنها قبل إبرام عقد الزواج.[9] خاصة وأن الشرع بين لنا المواصفات التي يجب اختيار الزوجة بناء عليها وهي مجسدة في قوله صلى الله عليه وسلم: ” تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك “.[10] ومعنى ذلك بأنه إذا كان الرجال يرغبون في النساء لهذه الأسباب، فإن الذي يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الدين، أما بقية الأسباب الأخرى فليست هي أساس الاختيار.[11]
وفي اعتقادنا فإن اشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر يكون مستحسناً بل واجباً كلما كان ذلك أدعى إلى استقرار الأسرة وتحقيق آواصر المودة والرحمة والتوافق بين الزوجين، أي أن هذه الشروط تعتبر عاملاً مهماً يجب استغلاله لهذا الغرض. ولكن لا يعني ذلك المبالغة في هذه الشروط، إذ يجب أن يكون الدين هو الصفة الأولى التي يجب أن يراعيها كل من الزوجين، ثم تأتي بعد ذلك الصفات الأخرى التي يرغب فيها الإنسان بطبعه وتميل إليها نفسه.[12]
إن الأصل في إنشاء عقد الزواج أن ينشأ على أساس المودة والرحمة والاحترام المتبادل، ولكن قد يفشل الزوجين في تحقيق ذلك بسبب عدم التفاهم والانسجام والشقاق لينتهي هذا الزواج بالطلاق. ويمكن تفادي ذلك إذا وقع الاتفاق بين الزوجين على عناصر وأوصاف معينة في شكل شروط عند إبرام العقد من أجل ضمان وتأمين الانسجام والتفاهم بين الزوجين، وتحقيق التقارب بينهما في العناصر الدينية والاجتماعية والأخلاقية.[13]
الفرع الثاني: اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها
لقد أجاز الحنابلة للزوجة أن تشترط على زوجها بألا يتزوج عليها[14]، وذهب الإمام مالك إلى أن هذا الشرط ليس له أثر في العقد إلا إذا اقترن بيمين أو طلاق.[15]
ويثير هذا الشرط جدلاً كبيراً نظراً لارتباطه بمبدأ هام أقرته الشريعة الإسلامية وهو مبدأ تعدد الزوجات، ومن ذلك ما ذهب إليه الدكتور رشدي شحاتة من أن هذا الشرط فاسد ومخالف للشرع، فكيف يسمح الرجل للمرأة بأن تمنعه مما أحله الله عليه بأن يعدد! والأصح من هذا حسب رأيه أن يكون للزوجة التي يلحقها ضرر من جراء عدم العدل بينها وبين ضرائرها أن تطلب التطليق للضرر، أو أن تطلب الخلع، أو يكون لها أن تشترط جعل عصمتها بيدها. فإذا وفى الزوج بعهده كان لها ما شرطته وإن خالف وعده واستند إلى ما أباحه له الشارع في التعدد، ففي هذه الحالة يكون للزوجة أن تطلب التطليق.[16]
وفي اعتقادنا أن الاستعاضة عن هذا الشرط بإعطاء الزوجة الحق في طلب التطليق للضرر لا يراعي الآثار السلبية المترتبة على الطلاق من تفكيك للأسرة وتشريد للأطفال وتبعات ذلك على المجتمع. ويمكن تفادي هذه الآثار السلبية قبل وقوعها بالاستناد إلى نص المادة 19 من قانون الأسرة، وإعطاء الحق للزوجة في أن تشترط على زوجها بألا يتزوج عليها، ويعتبر ذلك بمثابة حل وقائي.
ونؤكد أيضاً على أن هذا الشرط لا يناقض مبدأ تعدد الزوجات طالما أن الاتفاق على هذا الشرط أمر جوازي ومتروك لإرادة الزوجين. وطالما أن قانون الأسرة الجزائري يبيح مبدأ تعدد الزوجات كأصل عام، وإن كان قد قيده ببعض القيود التي تحول دون إساءة استعمال هذا الحق، وتمنع من وقوع الظلم على الزوجة السابقة أو اللاحقة.[17]
الفرع الثالث: اشتراط الزوجة إكمال دراستها وممارسة عملها
يدخل هذا الشـرط ضمن دائرة الشروط التـي لا توافق عقد الزواج ولا تنافيـه ولكنها تحقق منفعة أو مصلحة معتبرة للزوجة، وسنتولى دراسة شرط إكمال الدراسة أو طلب العلم في البند الأول، ثم شرط عمل المرأة في البند الثاني.
البند الأول: شرط إكمال الدراسة
لقد حثت شريعة الإسلام على طلب العلم ورغبت فيه للرجال والنساء على حد السواء، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. ثم إن المرأة تشكل نصف المجتمع فإذا حرمناها من حقها في التعليم فهذا يعني أن الزوجة الجاهلة ستنجب لنا أبناء جاهلين، في حين أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى زوجات وأمهات متعلمات عساهن ينجحن في إمداد الأمة بذرية صالحة متعلمة تسهم في بناء صرح هذه الأمة ونهضتها.[18]
ولذلك كان من حق المرأة إكمال دراستها واشتراط ذلك في عقد الزواج، فطلب العلم لا يتعارض مع كونها زوجة، بل إننا نلحظ في واقعنا المعاش زيجات كثيرة لنساء يزاولن تعليمهن الجامعي وفي الوقت نفسه هن أرباب بيوت ناجحات.
ويعتبر اشتراط الزوجة على زوجها في العقد أن يكون لها الحق في إكمال الدراسة بمعهد أو جامعة أو ما شابه ذلك، من الشروط التي لا تتناقض مع مقتضى عقد الزواج ولا تخل بالمقصود منه، والتي سكت عنها الشارع بحيث لم يرد بشأنها أمر أو نهي ولكنها تحقق منفعة لكلا الزوجين أو أحدهما، وهو شرط صحيح عند فقهاء الحنابلة، إذ الأصل عندهم الإباحة ما لم يرد الدليل الشرعي على التحريم أو المنع، ولكن يجب التأكيد على ألا يكون استعمال الزوجة لهذا الشرط مشوب بإساءة استعمال الحق أو منافاة مصلحة الأسرة.[19]
واعتبرت دار الإفتاء المصرية في الفتوى التي أصدرتها بتاريخ 12/11/1981 في الطلب رقم 369 لسنة 1981، بأن الزوج لا يلزم بالوفاء بالشرط الذي شرطته عليه زوجته في عقد الزواج بالسماح لها بإتمام دراستها الجامعية استنادا إلى قول جمهور الفقهاء، وإن كان يلزم الوفاء به في مذهب الإمام أحمد بن حنبل.[20]
البند الثاني: شرط عمل الزوجة
لقد نص المشرع الجزائري على هذا الشرط بموجب نص المادة 19 من قانون الأسرة، واعتبرت المادة 67 من نفس القانون على أنه لا يمكن لعمل المرأة أن يشكل سبباً من أسباب سقوط الحق عنها في ممارسة الحضانة، وهذه دلالة واضحة من المشرع في التأكيد على أحقية المرأة في العمل.
ولقد أجازت الشريعة الإسلامية عمل المرأة إذا دعتها ضرورة لذلك[21]، بشرط أن تختار عملاً يناسب طبيعتها كأنثى طالما كان هذا العمل مشروعاً وغير مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية.[22]
واستدل العلمـاء على أحقية المرأة في العمل بآيات مـن القرآن، منها قوله تعالى: ” ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما “.[23] وقوله تعالى: ” من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون “.[24]
إن عمل المرأة يكون في حالات كثيرة صوناً لها وحماية لها من التبذل والمهانة وطلب الناس، كما أنه لا يمكن للمجتمعات العربية أن تنمو اقتصاديا أو تنهض حضارياً إذا ما ظلت نصف القوة الإنتاجية في المجتمع – المتمثلة في المرأة – قوة معطلة أو مهمشة أو محظوراً عليها المشاركة في تنمية القطاعات الاقتصادية.[25] إلا أن هناك أولويات أسرية تتمثل في تربية الأولاد يجب أن تكون فوق كل اعتبار، ويجب أن تأخذها المرأة على درجة كبيرة من العناية والأهمية دون أن ينفي ذلك حقها في العمل خارج البيت فهو جائز ولكن بتوافر الشروط التالية:
1- يجب ألا يتعارض عملها خارج البيت مع مسؤوليتها الكبرى تجاه بيتها.
2- أن يتناسب عملها مع طبيعتها كأنثى، كالعمل في مجال التعليم والمستشفيات.
3- ألا يتعارض عملها مع الآداب العامة والنظام العام فليس لـها أن تشتغل في أماكن الفجور واللهو[26]. وليس للزوجة أن تطلب التطليق في هذه الحالة بدعوى منعها من ممارسة حقها في العمل لعدم شرعية الشرط المشترط أصلاً.[27]
ولقد سلك الدستور الجزائري مسلك الشريعة الإسلامية في التأكيد على أحقية المرأة في العمل، إذ نصت المادة 55 من دستور 28 نوفمبر1996: ” لكل مواطن الحق في العمل “. ونصت المادة 22 على أن: ” كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو أي ظرف آخر شخصي أو اجتماعي “. ونصت أيضاً المادة 32 على أن: ” الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة “.
ويتبين لنا من هذه النصوص أن حق المرأة في العمل ثابت ومقرر لها بموجب نصوص القانون، ولا يتوقف ذلك عند التشريعات الداخلية، بل يتعداه إلى الاتفاقيات الدولية، حيث أكدت المادة 10 من اتفاقية القضاء على كافة أوجه التمييز ضد المرأة على احترام حق المرأة في العمل.[28]
غير أن الزوجة قد ترغب في التأكيد على ضمان زوجها لحقها في العمل وعدم منعها من ممارسة عملها، فتلجأ إلى تضمين هذا الشرط في عقد الزواج، وقد أولى المشرع الجزائري هذا الشرط أهمية خاصة بالنص عليه في نص المادة 19.
ومتى قبل الزوج بهذا الشرط فيجب عليه الوفاء به، ولا يكون من حقه منع زوجته من العمل ما دام قد أذن لها بذلك، لأن هذا الإذن يعتبر إذناً دائماً يدوم بدوام العلاقة الزوجية بينهما، فإذا طلب منها أن تمتنع ورفضت ذلك فلا تعد ناشزاً ولا تسقط نفقتها عليه.
واستثناءاً من ذلك يجوز للزوج منع زوجته من العمل في حالتين:
1) تعسف الزوجة في استعمال حقها في الخروج للعمل كأن تظهر بمظهر المتبرجة أو بصورة تدعو إلى الفتنة، أو الإكثار من الخروج من المنزل بلا سبب حقيقي.
2) منافاة خروج المرأة للعمل مع مصلحة الأسرة وهي مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ويراعي في ذلك مدى تأثير عمل المرأة على صحة الزوجة وأيضاً مدى تأثير عملها على أداء واجباتها الزوجية، أو حاجة الأسرة إليها بسبب مرض أحد أقاربها، وغير ذلك من الأسباب التي تدعو القاضي إلى إبطال شرط عمل المرأة لمنافاته لمصلحة الأسرة، ودرءاً للأضرار والمفاسد الناجمة عن تقديم المصلحة الخاصة للزوجة على مصلحة الأسرة[29]، وهذا يعني أنه ليس للزوج أن يرجع عن موافقته التي أبداها لزوجته بالسماح لها بالعمل إلا لسبب مشروع، ودون أن يلحق ضرراً بالزوجة عملاً بقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار).
أما إذا كان الداعي وراء رجوع الزوج عن موافقته للعمل، هو أن تتفرغ زوجته لرعاية أطفاله الصغار أو مرض أحدهم، فلا شك أن الرجوع عن الموافقة في هذه الحالة يكون مبرراً. ولكن يجب أن يقيد ذلك بعدم إلحاق الضرر بالزوجة كما لو كانت الزوجة مشرفة على التقاعد، فإنه يكون في تركها للعمل ضرر كبير لها بحرمانها من حقوق التقاعد، ويكون للقاضي هنا دور كبير في الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة عن رجوع الزوج عن موافقته لزوجته بالعمل.[30]
الفرع الرابع: اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري إذا طلقها
إن من أهم الآثار القانونية الناجمة عن فك الرابطة الزوجية التعويض في حالة الطلاق التعسفي، ويشمل هذا التعويض نفقة العدة ونفقة الإهمال ونفقة المتعة، وكذلك التعويض الذي قد يحكم به من جراء الطلاق التعسفي، وينبغي عند الحكم تحديد طبيعة المبالغ المحكوم بها لصالح المطلقة وفي أي إطار تدخل هذه التعويضات.[31]
ويجب أن يراعى في التعويض عن تعسف الزوج في الطلاق جسامة الضرر الذي أصاب المطلقة وكذا ارتفاع الأسعار وتغييرها، وهي مسألة متروكة لتقدير قاضي الموضوع. ومن هنا، فإن مبدأ التعويض عن الطلاق التعسفي الوارد في المادة 52 يعتبر وسيلة ناجحة للحد من الطلاق، ومن شأنه تحسين المركز القانوني للمرأة في قانون الأسرة وإقرار التوازن في الحقوق والواجبات الزوجية.[32]
إن سبب التعويض عن الطلاق التعسفي هو تعسف الزوج في استعمال حقه في الطلاق، فإذا اجتمع هذا العنصر مع الضرر الذي لحق بالزوجة المطلقة سواء كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً، فإنه يجوز للمطلقة أن تطلب من المحكمة أن تقضي لها بتعويض مالي لجبر الضرر اللاحق بها.[33]
وإذا كان مبدأ تعويض الزوجة عن الضر اللاحق بها ثابت في نظر قانون الأسرة الجزائري، فإن السؤال المطروح هنا:
هو هل يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج دفع راتب شهري لمدة سنة أو أكثر على سبيل التعويض، إذا طلقها زوجها بغير سبب ضماناً لحقوقها ؟
لقد اختلفت آراء الفقهاء حول حكم هذا الشرط على قولين:
القول الأول: يـرى أصحاب هذا الرأي بأن الزوج لا يكون مسؤولاً عن تعويض زوجته عن الطلاق، ولا يجوز للزوجة أن تطلب التفريق تحت طائلة الضمان أو التعـويض؛ لأن ذلك يؤدي إلى حرمان الزوج من استعمال حقه في الطلاق، وهو حق متصل بنظام الأسرة ويعتبر من النظام العام.[34]
القول الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي بأن الزوج مسؤول عن تعويض زوجته إذا طلقها بغير سبب، وخاصة إذا وافق على هذا الشرط في عقد الزواج. وتأييداً لهذا الرأي فقد أقرت محكمة النقض المصرية في حكم لها، بأنه إذا تعهد الزوج بتعويض زوجته إذا طلقها، فإن هذا التعهد ليس فيه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ولا قواعد النظام العام. وأقرت أيضاً بأنه ينتفي على الزوج واجب الالتزام بهذا الشرط إذا كان قد طلق زوجته بناء على سبب منها.[35]
وفي الحقيقة، فإن اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري على سبيل التعويض إذا طلقها تعسفياً، هو شرط صحيح وموافق لمقتضى نص المادة 52 من قانون الأسرة، فالغرض من هذا الشرط هو ضمان حق المرأة في التعويض، وبهذا يترجح لدينا الأخذ بالقول الثاني.
وتزداد أهمية هذا الشرط في حالات كثيرة، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة المطلقة التي كثيراً ما تكون قد تجاوزت السن الذي تطلب فيه للزواج، وقد تترك بدون عائل ينفق عليها، وقد لا يكون متاحاً لها المكوث في بيت أهلها، أو عند زوجة الأخ أو الأخت.[36]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- يثبت للزوجين في الشريعة الإسلامية خيار فسخ النكاح للعيب دون حاجة إلى اشتراطه، فإذا وجد الزوج في زوجته بعض العيوب المنفرة كالجنون والبرص والجذام، فللزوج أن يرجع على المرأة بما أعطاها من صداق إذا وقع الفسخ قبل الدخول، وإن كان بعد الدخول ثبت لها صداقها. وإن وقع الزوج في تغرير أو غش فيرجع بالصداق على من غره. سعيد اللحام ، المرجع السابق، ص115.
[2]- ابن حزم، المحلى، المجلد العاشر، مكتبة دار التراث، القاهرة، بدون سنة، ص115.
[3]- علي محمد قاسم، المرجع السابق، ص90، ص91.
[4]- مجد الدين أبي البركات، المرجع السابق، ص24؛ محمد بن إبراهيم النيسابوري، المرجع السابق، ص78.
[5]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص490.
[6]- ابن القيم الجوزي، زاد المعاد في هدي خير العباد، المرجع السابق، ص31.
[7]- علي محمد قاسم، مرجع سابق، ص94.
[8]- قرار المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية والمواريث، ملف رقم 243417، مؤرخ في 23/05/2000، مجلة الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية، المرجع السابق، ص109.
[9]- علي محمد قاسم، المرجع السابق، ص98، ص99.
[10]- ابن حجر الهيثمي، المرجع السابق، ص17.
[11]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص478.
[12]- السيد سابق، المرجع السابق، ص21.
[13]- سعاد سطحي، الكفاءة في الزواج في الفقه الإسلامي والواقع المعيش، مجلة المعيار، المرجع السابق، ، ص129.
[14]- والجدير بالذكر أن هذا الشرط ليس قاصر على الزوجة فقط، إذ يجوز لولي الزوجة أن يشترط في عقد النكاح على زوج ابنته بألا يتزوج عليها. محمد حجي، المعيار المعرب، الجزء الثالث، (نوازل النكاح)، دار الغرب الإسلامي، المغرب، 1981، ص144.
[15]- محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، المجلد الثاني، دار إحياء الكتب العربية، بدون سنة، ص241.
[16]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص514.
[17]- علي علي سليمان، حول قانون الأسرة ، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، 1986، العدد02، ص444.
[18]- مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، المرجع السابق، ص111.
[19]- محمد عزمي البكري، المرجع السابق، ص253.
[20]- محمد عزمي البكري، نفس المرجع، ص255، ص256.
[21]- سيد الجميلي، أحكام المرأة في القرآن، دار الكتاب العربي، لبنان، 1984، ص140.
[22]- رعد مقداد محمود، النظام المالي للزوجين، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2003، ص129.
[23]- سورة النساء، الآية 32.
[24]- سورة النحل، الآية 97.
[25]- عبد المالك سالمان، نحو رؤية جديدة لحقوق المرأة في المجتمعات العربية، www.amanjordan.org
[26]- محمود محمد حمودة، محمد مطلق عساف، المرجع السابق، ص53.
[27]- بن داود عبد القادر، المرجع السابق، ص180.
[28]- بن داود عبد القادر، المرجع السابق، ص179.
[29]- محمد عزمي البكري، المرجع السابق، ص357.
[30]- واصف البكري، تعديلات قانون الأحوال الشخصية الأردني، www.mizaangroup.org/studies.htm
[31]- لوعيل محمد لمين، المركز القانوني للمرأة في قانون الأسرة الجزائري، دار هومه، 2004، ص119.
[32]- بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، المرجع السابق، ص363.
[33]- عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص306.
[34]- محمود زكي شمس، مختارات من أحكام الأحوال الشخصية في التشريعات اللبنانية والسورية، المجلد الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية لبنان، 1999، ص887.
[35]- رشدي شحاتة، المرجع السابق، ص 362، ص371.
[36]- نشوة العلواني، المرجع السابق، ص122