بحث في الشكلية في عقد الرهن الحيازي العقاري وفقا للقانون المغربي
الشكلية في عقد الرهن الحيازي العقاري
يعتبر الرهن الحيازي حق عيني تبعي ينشأ بمقتضى عقد بين الدائن المرتهن والمدين الراهن على شيء قد يكون منقولا أو عقارا، بحيث يخول للدائن المرتهن حق حيازة الشيء المرهون، ويكون محل الرهن بين يدي الدائن مما يجعل إمكانية حماية حقه أمرا مضمونا، إذ يستطيع معه مباشرة التنفيذ على الشيء المحوز لاستيفاء دينه إذا حل أجل الدين، وذلك باستعمال حق الأفضلية على باقي الدائنين الذين لهم حقوق على العقار محل الرهن .
وقد عملت مدونة الحقوق العينية الجديدة الصادرة في 24 يونيو2011 بموجب القانون 39.08، والتي ألغت ظهير 2 يونيو 1915 المطبق على العقارات المحفظة على تنظيم أحكام الرهن الحيازي الوارد على العقار وبذلك وضع حد لهذه الازدواجية في الأحكام والقواعد المنظمة له.
فبالنسبة للعقار المحفظ كان هناك نصان قانونيان يطبقان عليه ظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913، والذي يبين المسطرة الواجبة الاتباع لتحفيظ العقار، والنص الثاني هو ظهير 19 رجب 1915 والذي تضمن القواعد التي تطبق على العقار بعد تحفيظه.
أما بالنسبة للعقار غير المحفظ فلم يكن هناك تشريع خاص به، بل كان القضاء مضطرا للرجوع إلى القواعد الفقهية وفق الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي، وقد أدى ذلك إلى تضارب الأحكام القضائية أنذاك، تبعا لتعدد الآراء الفقهية في هذا الخصوص.
وقد نظم المشرع المغربي الرهن الحيازي العقاري في الباب الأول من القسم الثاني المعنون بالحقوق العينية التبعية من القانون39.08 في الفصول من 145 إلى 164 منه، مع الرجوع إلى ق ل ع باعتباره الشريعة العامة كلما كان هناك فراغ تشريعي، وكذا إلى أحكام الفقه الإسلامي المالكي وهذا ما أكدته المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية.
إذن ما هي الشكلية في عقد الرهن الحيازي العقاري؟
إذا كان الأصل في العقود هو مبدأ الرضائية، بحيث أن العقد ينعقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، إلا أنه في بعض الأحيان يتدخل المشرع ليشترط شكل معين لانعقاد بعض العقود وذلك حماية لطرفي العقد، ومن بين هاته العقود نجد الرهن الحيازي العقاري الذي أصبح من العقود الشكلية بمقتضى مدونة الحقوق العينية الصادرة سنة 2011، غير أن هذه الأخيرة (الشكلية) تختلف حسب ما إذا تعلق الأمر بعقار محفظ ( المطلب الأول ) أو غير محفظ (المطلب الثاني ).
المطلب الأول : خصوصيات الرهن الحيازي للعقارات المحفظة
يتطلب رهن العقار المحفظ رهنا حيازيا ضرورة توفر مجموعة من الشكليات حتى يكون نافذا في مواجهة الغير، فبالإضافة إلى شرط الرسمية الذي يعد لازما لقيام عقد الرهن سواء تعلق الأمر بعقار محفظ أو غير محفظ كما سبق ذكر ذلك، فإن هناك بعض الشروط الخاصة بالرهن الحيازي الوارد على العقارات المحفظة والتي تطرقت لها المادة 149 من م ح ع في معرض تبيانها للشروط اللازمة لصحة عقد الرهن الحيازي العقاري، والمتمثلة في التقييد بالرسم العقاري ( الفقرة الأولى) الذي يجب أن يتم داخل أجل محدد(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : تقييد الرهن الحيازي للعقارات المحفظة في الرسم العقاري
لقد نص المشرع المغربي بمقتضى المادة 145 من م ح ع على أنه :”تسري على الرهن الحيازي أحكام الرهن الرسمي إذا تعلق بملك محفظ “، الأمر الذي يستفاد منه أن الرهن الحيازي للعقارات المحفظة يخضع لنفس الشكلية المتطلبة في الرهن الرسمي والمقصود هنا هي شكلية التقييد بالرسم العقاري .
وبناء عليه، يجب أن يقيد الرهن الحيازي للعقارات المحفظة بالرسم العقاري عملا بمقتضيات الفصول 65 و 66 و 76 من ظهير 9 رمضان 1913 كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى قانون 14.07، وإلا كان غير موجود بين المتعاقدين وغير نافذ في مواجهة الغير.
ولعل أن إشتراط المشرع الرسمية في عقد الرهن الحيازي لم يكن عبثا أو اعتباطيا، بل لغايات محددة إذ أن المحرر الرسمي يمكن المحافظ على الأملاك العقارية من مراقبة عملية تقييد الرهون وتسهيل هذه المراقبة، وتفعيل سلطاته وصلاحياته، كما يعد وسيلة يطلع من خلالها على هوية وأهلية طرفي العقد، وكذا ضبط الحقوق العينية العقارية الواقعة على الملكية العقارية ضبطا محكما .
إلا أنه في بعض الحالات قد يتم تسليم العقار موضوع الرهن الحيازي دون القيام بإجراء التقييد بالرسم العقاري في المحافظة العقارية، فهل يعد هذا التسليم صحيحا وينتج أثاره أم العبرة بالتقييد بالرسم العقاري ؟
لقد طرح هذا الإشكال على القضاء المغربي كأصل في التصرفات القانونية التي يعتبر فيها الحوز ركنا من الأركان كالصدقات والهبات، وقد حسمت مدونة الحقوق العينية في هذا الإشكال إذ اعتدت صراحة بالحيازة القانونية في التبرعات عندما يتعلق الأمر بعقار محفظ أو في طور التحفيظ ، وذلك من خلال الفصل 274 من م ح ع، فهل يمكن أن نعتد بالحيازة القانونية في الرهن الحيازي أيضا ؟
من خلال الإطلاع على المواد المنظمة للرهن الحيازي العقاري بمقتضى مدونة الحقوق العينية لا نجد أي نص صريح يعتد بالحيازة القانونية، لكن من خلال القراءة المتأنية للفقرة الثانية من الفصل 147 من قانون 39.08 والتي تؤكد على أن معاينة حوز الملك ينبغي أن تكون مضمنة بالعقد عندما يكون العقار غير محفظ، فهذا يعني أن العقار المحفظ لا تشترط فيه المعاينة. بالإضافة إلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 145 من م ح ع بخصوص تطبيق مقتضيات الرهن الرسمي على الرهن الحيازي عنما يرد على عقار محفظ .
وفي هذا السياق جاء في قرار صادرعن المجلس الأعلى ـ محكمة النقض حاليا ـ ما يلي :” بالنسبة للعقار المحفظ فقد يكون التسليم ماديا أو قانونيا، لأن العبرة بالتسجيل لا بالحوز المادي للعقار المرهون، شأنه في ذلك شأن الحوز في التبرعات ” .
ومن ثم، فالعبرة في الرهن الحيازي للعقارات المحفظة هي تقييده بالرسم العقاري دون الحاجة إلى التسليم المادي، إذ بمجرد هذا التقييد ينشأ الحق ثم القوة الثبوتية ويصبح الرهن الحيازي موجودا و قائما، ذلك أن كل ما هو مقيد يعتبر حجة على مضمونه، و بناء على هذا التقييد يمكن للمرتهن المطالبة بتسليم العقار تسليما ماديا .
أما إذا لم يتم تقييد عقد الرهن في الرسم العقاري فإنه يعد غير موجود بالنسبة للغير، وبذلك فالدائن المرتهن لا يتوفر على أية فائدة قانونية مهما كانت المستندات التي يعتمد عليها لإثبات حقه، بل أكثر من ذلك فإن هذا الأخير يظل مالكا لحق شخصي فقط لا في مواجهة الغير فقط بل حتى إزاء المتعاقد معه، وابتداء من تاريخ التقييد يصبح حقه حقا عينيا عقاريا حسب مفهوم ظهير التحفيظ العقاري.
لكن ماذا لو امتنع الراهن عن تقييد عقد الرهن وقام بتسليم العقار المرهون تسليما ماديا للمرتهن ؟
في هذه الحالة يحق للدائن المرتهن مطالبة الراهن بتقييد عقد الرهن جبرا لدى المحافظة حفاظا على حقوقه من الضياع، ذلك أن الحق الغير مقيد ليس له وجود قانوني وبذلك فهو ليس بمأمن من الترامي عليه، إذ يكون مهددا في كل وقت بفقدان الرتبة الأولى إذا ما سارع غيره من الدائنين المرتهنين اللاحقين له إلى قيد رهنهم قبله.
الفقرة الثانية : آجال التقييد
بالرغم من أن المشرع لم يحدد أجل التقييد، وهذا ما أكده القضاء المغربي أيضا حيث قضى في أحد قراراته بأن : ” القانون العقاري لم يضع أي أجل في مواجهة مكتسبي الحقوق العينية من أجل تسجيل حقوقهم، وليس باستطاعة المحافظ رفض طلب تسجيل عقد قدم إليه بصفة قانونية مهما كان تاريخ هذا العقد “، غير أن مصلحة الدائن تقتضي عليه المبادرة والإسراع حتى تكون له الأسبقية في التقييد على باقي الدائنين المرتهنين .
وتجدرالإشارة إلى أنه إذا انصب الرهن الحيازي على عقار في طور التحفيظ أو كان مقررا على عقار غير محفظ وتحول بعد ذلك لعقار محفظ بعد خضوعه لمسطرة التحفيظ، يجب اتباع شكلية التقييد في الرسم العقاري لكي يعتبر الرهن صحيحا ومنتجا لآثاره .
وفي هذا السياق جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط مايلي :” تحفيظ ـ رهن عقاري حيازي سابق على مطلب التحفيظ ـ تأسيس رهن رسمي لاحق مع جهل الرهن السابق ـ طلب التقييد طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري ـ غياب تدخل وتعرض الدائن المرتهن الحيازي ـ حجز ومسطرة نزع ملكية بناء على طلبه ـ عدم التبليغ للمحافظ ـ بيع بالمزاد لفائدة الغير ـ تسجيل المحضر من طرف المحافظ ـ التوزيع عن طريق المحاصة ـ الأولوية للدائن صاحب الرهن الرسمي .
لا يمكن أن يضار الدائن صاحب الرهن الرسمي المعاصر اللاحق على إيداع مطلب التحفيظ والذي تدخل في طور المرحلة الإدارية، طبقا لمقتضيات الفصل 84 من الظهير العقاري، من التوزيع عن طريق المحاصة بعد البيع بالمزاد العلني للعقار المحجوز والمنزوع ملكيته بناء على طلب الدائن صاحب الرهن الحيازي، السابق والذي لم يتم ظهوره في المطلب ولم يكن أمام المحافظ لا كمتدخل ولا كمتعرض .
في إطار النزاع بين اصحاب الحقوق العينية أحدهم سابق وآخر لاحق على إيداع المطلب، فإن الذي جاء حقه مطابقا لنظام الإشهار ولو كان سابقا على تأسيس الرسم العقاري طبقا للفصل 84 من ظهيرالتحفيظ العقاري، يجب بالضرورة تغليبه على الذي لم يحترم هذا الإشهار .
لا يمكن قانونا تجاهل مطلب تحفيظ تم إشهاره طبقا للقانون، ويكون من الخطأ الإمتناع عن التدخل في المسطرة الإدارية سواء عن طريق التعرض داخل الأجل المنصوص عليه في الفصل 24 أو عن طريق التدخل طبقا للفصل84″.
وما دام أن الدائن المرتهن السابق على مطلب التحفيظ تجاهل التدخل في المسطرة الإدارية سواء عن طريق التعرض وفق الفصل24 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 أو عن طريق التدخل طبقا للفصل 84، فإنه يكون قد ارتكب خطأ بالامتناع، ويكون بذلك ملزما بتحمل نتائج تقصيره، وحتى لو أسلمنا أن مطلب التحفيظ كما تم إيداعه من طرف طالب التحفيظ لم يكن كاملا بعدم إظهاره بأنه مثقل برهن حيازي سابق على المطلب، فإن الفصل 24 من ظ ت ع منحه حق وفرض عليه التزاما من أجل حماية مصالحه والتدخل داخل الآجال القانونية سواء عن طريق التعرض أو طلب التقييد .
المطلب الثاني : شكلية الرهن الحيازي للعقارات غير المحفظة
إذا كانت أحكام الفقه المالكي تقتضي بأن عقد الرهن الحيازي عقد رضائي ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول حتى لو لم يقع التسليم الذي هو شرط تمام، فإن المشرع المغربي عمد بمقتضى مدونة الحقوق العينية إلى وضع جملة من الشروط التي تستوجبها صحة الرهن الحيازي للعقارات غير المحفظة، وذلك خلافا لما كان عليه الوضع في ظهير 2 يونيو 1915 الذي كان قاصرا على تنظيم الرهن الحيازي الوارد على العقارات المحفظة دون غيرها .
وعليه تقتضي صحة الرهن الحيازي العقاري ونفاذه في حق الغير توثيقه في محرر رسمي استنادا إلى المادة 147 من م ح ع ، وكذا انتقال حيازة الملك المرهون بتسليمه إلى الدائن المرتهن .
الفقرة الأولى: الرسمية كشرط لانعقاد الرهن الحيازي العقاري
نصت المادة 147 من مدونة الحقوق العينية على أنه : ” يشترط لصحة الرهن الحيازي أن يبرم في محرر رسمي و أن يكون لمدة معينة …”. مما يعني أن المشرع إدراكا منه لأهمية الرهن الحيازي العقار وخطورته لما قد ينطوي عليه من ضياع مصالح أطرافه، أكد على ضرورة إفراغه في محرر رسمي يتم تحريره من طرف موثقين وعدول، لما لهؤولاء من كفاءة وخبرة تضفي على هذا المحرر نوعا من الحماية، تحول دون ضياع حقوق الأفراد وأموالهم.
وعلى ذلك فقد أصبح هذا العقد يتأطر ضمن العقود الشكلية التي لا بد فيها من الكتابة حتى يتم انعقادها سواء تعلق الأمر بعقار محفظ أو غير محفظ أو في طور التحفيظ، وغياب الشكلية المذكورة يرتب بطلان عقد الرهن الحيازي العقاري، طالما أن المشرع استعمل صيغة الوجوب في المادة 147 المذكورة اعلاه، ومن ثم فقد استثنى المحررات العرفية من دائرة عقد الرهن الحيازي العقاري وذلك تفاديا للنزاعات التي تثار بخصوص هذا النوع من المحررات، وهذا خلافا لما كان معمول به سابقا، حيث نجد الإجتهاد القضائي لا يشترط الرسمية في عقد الرهن الحيازي الوارد على العقارات غير المحفظة وذلك منذ زمن بعيد، وهو ما قضت به محكمة الإستئناف بالرباط إذا جاء في أحد قراراتها أن : ” عقد الرهن الحيازي لعقار غير محفظ ـ عقد اتفاقي بين طرفيه ـ صلاحية إزاء الغير (شروط ) ـ تاريخ ثابت ـ تسليم السندات متزامن مع عقد الرهن الحيازي ـ تصحيح الإمضاء .
الرهن الحيازي إزاء الغير هو عقد اتفاقي بين الطرفين .
ليكتسب صحته إزاء الغير، يتعين أن يكون الرهن الحيازي على شكل عقد يتضمن تاريخا ثابتا وأن يشير إلى تسليم سندات الملكية تزامنا مع العقد “.
ومن هنا ، فمجرد التراضي غير كاف لإبرام عقد الرهن الحيازي العقاري، بل يجب أن يرد في محرر رسمي وفق الشكل المحدد قانونا، كما يجب أن يتضمن هذا العقد مجموعة من البيانات الواردة في المادة 147 من م ح ع، من قبيل هوية أطراف العقد، وتعيين الملك المرهون ببيان موقعه ومساحته ومشتملاته وعند الاقتضاء حدوده مع بيان مبلغ الدين المضمون بالرهن والمدة المحددة لأدائه.
إلا أنه ما يؤخذ على المشرع بهذا الخصوص أنه بالرغم من تنصيصه على البيانات الواجب توافرها في عقد الرهن حماية لأطرافه، فإنه لم يحدد الجزاء المترتب في حالة عدم توفر بيان من البيانات الواردة في المادة أعلاه، وإن كان يفهم من سياق المادة أنه في حالة عدم توفر بيان من البيانات يكون عقد الرهن الحيازي غير صحيح، فما معنى ذلك، هل يكون عقد الرهن باطلا أم قابلا للإبطال؟
وبذلك، فتدخل المشرع لتنظيم عقد الرهن الحيازي العقاري وجعله عقدا رسميا، يؤكد الغاية التي توخاها المشرع من فرض الرسمية والتي تتمثل في بيان تاريخ الرهن حتى يمنع على المدين من أن يفاجئ دائنيه برهن يزعم أنه عقده منذ زمن بعيد، مع أنه يكون قد عقده في الواقع وهو على هاوية الإعسار، وبذلك حماية مراكز الطرفين بتأكيده للحقوق والواجبات المتبادلة بينهما، وكذا تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية ليصبح عقد الرهن الحيازي دعامة قوية قادرة على الدفع بعجلة الإستثمار الفلاحي على وجه الخصوص، إذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن أغلب العقارات التي يرد عليها هذا النوع من الرهون تكون غير محفظة .
وعليه يمكن القول أن المشرع أحسن صنعا عندما أبعد طائفة من المحررين ليست لهم الدراية اللازمة لتحرير هذا النوع من العقود التي تستدعي الالمام بالمقتضيات القانونية الخاصة بها من جهة، ومن جهة أخرى اشترط فيها الرسمية لأن ذلك من شأنه تنبيه أطراف العقد إلى خطورة التصرف الذي سيقدمون عليه، وكذا ضمان التعبير عن الارادة بشكل صحيح وتوثيق العقد بكيفية سليمة من الناحية القانونية ما دام سيصدر من ذوي الإختصاص.
الفقرة الثانية: وجوب معاينة حوز الملك المرهون
لقد أوجبت المادة 147 من م ح ع أن يتضمن العقد معاينة حوز العقار المرهون إذا كان غير محفظ ، وإلا كان الرهن باطلا، عند خلو معاينة حوزه من التنصيص عليه في العقد.
وعليه، فالمشرع المغربي اعتبر تسليم المرهون ركنا من أركان الرهن وشرطا من شروط إنعقاده، إذ يشترط في الرهن الحيازي الوارد على عقار غير محفظ، أن يخرج الملك المرهون من يد الراهن، وأن ينتقل إلى حيازة الدائن المرتهن مع التنصيص وجوبا على معاينة هذه الحيازة .
وهذا يعني أن الحوز ومعاينته من طرف محرري العقد العدول والموثقين ومن لهم صلاحية التوثيق، والتنصيص على هذا الحوز في العقد شرط في اختصاص المرتهن بالعقار المرهون .
وعلى ذلك فإن عقد الرهن الحيازي يعتبر صحيحا وقائما بمجرد تحريره وفق الشكل المحدد قانونا، وذلك قبل القبض والتسليم، ولكنه لا يرتب آثاره إلا بانتقال العقار المرهون إلى حيازة الدائن المرتهن، على اعتبار أن هذه الخاصية هي ما يميز الرهن الحيازي العقاري عن غيره من الضمانات وما يضمن فعاليته الإئتمانية، لكن الإشكال يطرح في حالة امتناع المدين الراهن عن تسليم العقار المرهون للدائن ؟
في هذه الحالة يمكن للدائن المرتهن اللجوء إلى القضاء لإرغام الراهن على تحويزه ما رهنه له، أما إذا لم تتم الحيازة حتى توفي الراهن أو قام دائنوه يطلبون ديونهم فإن الرهن لا ينتج أثره تجاههم ويصبح باطلا ولا يستفيد منه شيئا.
وبذلك، فالحكمة من اشتراط تخلي الراهن عن حيازة العقار المرهون وإنتقالها إلى الدائن المرتهن هي إحاطة الغير علما بأن العقار المرهون لم يعد من أموال الراهن الحرة الخالية من الحقوق، إذ أن بقاء هذه الأموال في حيازة الراهن من شأنه أن يخدع الغير ويجعله يعتقد أن الراهن أكثر ملاءة مما هو عليه في الواقع، فيشجعه على إقراضه.
وإذا كان الأصل أن تنتقل حيازة العقار المرهون للدائن المرتهن قصد حماية وضمان مصالحه، فإنه ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان (الراهن والمرتهن) على تسليم العقار المرهون لأجنبي يسمى عدلا، إذ يحتفظ به نيابة عن الدائن المرتهن بأن يحوز العقار لحساب الدائن المرتهن في حق الرهن ولحساب الراهن بالنسبة للملكية.
وللحيازة بواسطة العدل فوائد كثيرة تتمثل في إعفاء الدائن المرتهن من الالتزمات التي تثقل كاهله والمترتبة عن عقد الرهن بما فيها التزامه بإدارة واستثمار العقار المرهون وصيانته، إذ يقوم العدل بذلك، كما يكون العدل ضامنا لتلف العقار المرهون قبل أن يسترده إذا كان التلف بتقصيره، لأن يده على العقار المرهون يد أمانة لا يد ضمان.
أما إذا لم يقع الإتفاق بين الراهن والمرتهن على اختيار الشخص المناسب لحيازة العقار المرهون، تتولى المحكمة اختيار عدل بناء عللى طلب الأطراف.
والجدير بالتنبيه، أنه لايشترط في حيازة المرتهن أن تكون حيازة حقيقية استحقاقية، وإنما تكفي الحيازة العرضية طالما كانت ظاهرة كما هو الحال في رهن الدين الذي يكتفي فيه بسليم السند.