مدى حجية أحكام التحكيم وفقا للنظام السعودي

مدى حجية أحكام التحكيم وفقا للنظام السعودي

 

تنقضي خصومة التحكيم بصدور حكم حاسم في موضوعها يكون ملزمًا لجميع الأطراف، ويترتب على إثره انقضاء مهمَّة هيئة التحكيم، وتحوز أحكام التحكيم على حجية الأمر المقضيِّ به، ويكون لها ذات القوة المقرّرة للأحكام النهائية الصادرة من القضاء العادي. ويُفهم من ذلك أنَّ موضوع النزاع الذي صدر بشأنه حكم التحكيم، لا يجوز أن يكون محلًا لنزاعٍ جديد تأسيسًا على السبب ذاته بين الأطراف التي صدر بحقّها هذا الحكم، إذْ أنَّ هذه الحجيَّة تمنع هؤلاء الأطراف من رفع دعوى جديدة مبتدأه بادعاء يتناقض مع ما قضى به الحكم الصادر، لأنَّه لو أجيز رفع دعوى بذات النزاع تارة أخرى أمام القضاء أو أمام هيئة تحكيم أخرى لأدَّى ذلك إلى حدوث اختلال واضطراب في المعاملات وإلى انعدام الاستقرار في المراكز النظاميَّة بين الخصوم.

وبالتالي فلا يجوز لهيئة التحكيم التي أصدرت الحكم ولا لأيَّة محكمة أخرى أن تعيد النظر فيما قُضيَ به، لأنَّ الحكم الصادر يحمل عنوان الحقيقة بخصوص ما فصّل فيه بالنسبة لأطراف الدعوى وفي حدود الأساس الذي قُدمت عليه الدعوى، ولا تملك هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم أن تعدِل عن حكمها أو أن تغيّر في مضمونه، حفاظًا على الثقة المنشودة في أحكام التحكيم، والتي ينبغي أن تسير جنبًا إلى جنب مع أحكام القضاء. ولكن يجب ألا نغفل هنا عن الفارق بين أحكام القضاء العادي وأحكام المحكّمين، إذ أنَّ أحكام القضاء يجوز الطعن عليها بالطرق المقرَّرة للطعن،

أما أحكام التحكيم فهي على النقيض من ذلك، فلا يجوز الطعن عليها بطرق الطعن العاديَّة، وإنَّما برفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وفقًا لما نصَّت عليه المادة (49) من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ، التي نصَّت على أنَّه: «لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقًا لأحكام هذا النظام الطعن فيها بأيِّ طريق من طرق الطعن، عدا رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقًا للأحكام المبيّنة في هذا النظام». وقد نصَّت المادة (52) من نظام التحكيم على حجيَّة أحكام التحكيم، حيث نصَّت على أنَّه: «مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا النظام، يحوز حكم التحكيم الصادر طبقاً لهذا النظام على حجيَّة الأمر المقضيّ به، ويكون واجبَ النفاذ». وهذه الحجيَّة التي يتمتَّع بها حكم التحكيم لا تكون حجيَّة مطلقةً بل هي حجيَّة نسبيَّة، لأن حجيَّة الأمر المقضيِّ به التي يحوزها حكم التحكيم تكون مقتصرة فقط على موضوع النزاع وعلى أطرافه فقط دون غيرهم. فمن ناحية حجيَّة حكم التحكيم بخصوص موضوع النزاع، سنجد أنَّ هذه الحجيَّة يحكمها اتفاق التحكيم الذي أبرمه طرفا النزاع سواء أكان هذا الاتفاق في صورة شرط تحكيم أم في صورة مشارطة تحكيم، وبالتالي فإنَّ حجيَّة حكم التحكيم تكون في حدود ما تمَّ الفصل فيه من مسائل تنازع بشأنها الأطراف وتضمَّنها اتفاق التحكيم.

وبناءً عليه فإذا فصل حكم التحكيم في مسائل أخرى لم ترد في اتفاق التحكيم، أو تجاوز هذا الحكمُ الحدودَ التي اتفق عليها الأطراف، فعندها قد يكون الحكم باطلاً. أما من ناحية حجيَّة حكم التحكيم بخصوص أطرافه، فإنَّ هذه الحجيَّة تقتصر هي الأخرى على أطراف النزاع الذين تمَّ إعلانهم بوجود عمليَّة تحكيم وشاركوا في إجراءات التحكيم، ومن ثمَّ فليس لأحكام التحكيم أيَّة حجيَّة في مواجهة الغير، أو في مواجهة الأطراف الذين لم يتم إعلانهم بإجراءات التحكيم. ويعني ذلك أنَّ الحجيَّة التي يتمتَّع بها حكم التحكيم يكون لها إطار ونطاق محدّد بموضوع النزاع وبأطرافه.

وجدير بالذكر أنَّ حجيَّة أحكام التحكيم لا تعني جاهزيَّتها للتنفيذ مباشرة، بل يجب في المقام الأوَّل أن تنقضي مواعيد رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وأن تصدر صيغة تنفيذيّة من القضاء صاحب الاختصاص تنفيذًا لحكم التحكيم وفق شروط وضوابط معيَّنة