دراسة عن الاعلام المغربي بين التقارير الدولية والوطنية وقانون مدونة الصحافة الجديد
الإعلام المغربي بين التقارير الدولية والوطنية وقانون مدونة الصحافة الجديد
سعيد شكاك، باحث في سلك الدكتوراه من جامعة الحسن الأول بسطات؛ المغرب
الملخص:
يستمد القانون الجديد لمدونة الصحافة قوته وفعاليته من تطابق مقتضياته مع روح وجوهر دستور المملكة المغربية، الذي يؤكد على حرية الرأي والتعبير، باعتبار الحرية والمسؤولية ركيزتين أساسيتين في ممارسة مهنة الصحافة، وفي تثبيت صرح الديمقراطية المغربية، فضلا على أن قانون مدونة الصحافة، يعد تقدما هاما في مسار تمكين المغرب، من مدونة للصحافة والنشر حديثة وعصرية منبثقة من عملية تشاركية موسعة.
لكن أمام التفاوت القائم بين التنصيص على حقوق الصحفيين المواطنين، في إعلام هادف ومستقل يستجيب لتطلعاتهم وانتظاراتهم المؤكد عليها بوضوح في المواثيق الدولية والوطنية المتعلقة بحرية التعبير، والحق في الوصول للمعلومات، وبين الواقع اليومي المعاش للصحفيين والمهنيين والذي يتم رصده من خلال التقارير الدولية والوطنية الخاصة بحرية التعبير والصحافة. وفي هذا الإطار وجب تسريع المطابقة بين خدمة الصحافة والإعلام العمومي وبين منطوق النصوص التشريعية المنظمة لهذا القطاع، ويتعين من أجل ذلك إعادة تأسيس لحكامة العمل الصحافي بما يمكن من الاستجابة الفعالة للانتظارات القوية والمشروعة للمجتمع المغربي، والتي ازدادت بطبيعة الحال حدة بالنظر إلى ما شهدته السنوات الأخيرة من تطور لسياق جهوي ودولي أصبح أكثر حساسية من ذي قبل لهذه الإشكالية.
Abstract :
The new law of the Press Code derivesitsstrength and effectivenessfrom the conformity of itsrequirementswith the spirit and substance of the Constitution of the Kingdom of Morocco, whichaffirms the freedom of opinion and expression. Freedom and responsibility are fundamentalpillars of the profession of the press. In the process of empoweringMorocco, froma modern and modern press and publishing code emanatingfrom an extensive participatoryprocess.
However, the disparitybetween the emphasis on the rights of citizenjournalists and targeted and independent media responds to their aspirations and expectations, which are clearlyaffirmed in the international and national conventions on freedom of expression, the right to information and the daily reality of journalists and professionals, Expression and press.
In thiscontext, the correspondencebetween the press and public information service and the legislativetextsregulatingthissector must beaccelerated. It isthereforenecessary to re-establish the governance of the press in order to effectivelyrespond to the strong and legitimate expectations of Moroccan society, which, of course, From the development of regional and international context has become more sensitive thanbefore to thisproblem.
الكلمات المفتاحية:حرية الرأي والتعبير، مدونة الصحافة-وسائل الإعلام-سلطة الإعلام-الحق في الوصول للمعلومة-المجلس الأعلى للصحافة.
مقدمة:
تعد وسائل الإعلام أداة فاعلة لا تقوم بنقل المعلومات والرسائل من المؤسسات السياسية إلى المشاهدين فقط، بل تقوم بتحويل هذه الرسائل من خلال صناعة الأخبار وترتيبها في أجهزة لتحقيق غايات منشودة. فالعلاقة بين وسائل الإعلام والعملية السياسية علاقة جدلية، إذ أن وسائل الإعلام التلفزية تعمل على نقل وتحليل النشاط السياسي وفي نفس الوقت تعد جزءا من العملية السياسية، فهي من المصادر المتاحة أمام السياسيين وقادة الرأي للحصول على المعلومات والبيانات، وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم، مما يساعد في كل العمليات والخطوات المصاحبة لصنع القرار السياسي فضلا عن اعتماد الجمهور عليها في تكوينه واعتقاده واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به.
الأكيد أن معطيات الوضع القانوني الراهن يبعث على القلق، منها وجود مسودة مشروع المدونة الرقمية الذي يهدد الحريات على شبكة الانترنيت، والتعثر في صياغة قانون الصحافة الذي تعهدت الحكومات المتعاقبة في المغرب بتعديله منذ 2005 الذي رأى النور اليوم، والتلكؤ الحاصل في إخراج قانون الحصول على المعلومة، وكذلك الارتباك في تقديم القانون المنظم لاستطلاعات الرأي، وقانون الأرشيف، وقانون الإذاعات الجهوية…، فضلا على أن واقع حال المشهد الإعلامي التلفزي في بلادنا، كان مرآة عاكسة بوضوح لطبيعة الصراع السياسي في البلاد[1].
ويرى بعض المهتمين بمجال الإعلام أن الوضع الإعلامي الراهن يتسم باستمرار وجود الرقابة القبلية التي تمارسها وزارة الاتصال على الصحف الدولية، وتهديد المطابع لثنيها عن التعامل مع بعض الجهات، وتناسل الصحف والجرائد الرقمية التي لا تحترم أخلاقيات المهنة كما هو متعارف عليها عالميا، واستمرار احتكار الدولة لوسائل الإعلام السمعية البصرية الممولة من طرف دافعي الضرائب، والتي لم تسعفها الإصلاحات المتعاقبة في الاستجابة لمواصفات الخدمة العمومية.
وإذا كانت قوانين مدونة الصحافة الجديدة، إلى جانب مشروع قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، تشتمل على مقتضيات متقدمة ومتطوّرةٌ بشكل كبير في إطار السياق الإصلاحي الذي يعيشه المغرب[2]، مقارنة مع النصوص المعمول بها سابقا، فإنها لا تشكل تجاوزا لعدد من الإشكاليات الجوهرية التي ظلت تواجه حرية التعبير بواسطة الصحافة في بلادنا، ولا تستجيب بالتالي لعدد من المطالب التي ظلت تطرحها الهيئات المهنية[3]، ومعها الهيئات الحقوقية، وهذا ما أشارت إليه عدة تقارير، ومن ضمنها تقرير “الإعلام والمجتمع في المغرب”[4]، الذي أكد على أن قانون الصحافة ” أصبح متجاوزا بل متقادما، ليس فقط بالنظر إلى التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام عموما، ولكن أيضا وبالأخص بالنظر إلى الواقع الجديد للمشهد الوطني منذ عقد من الزمن”، يدعو إلى “تنظيم ذاتي يعود في المقام الأول، وإن لم يكن يعود حصرا، للمهنيين أنفسهم”، وهو ما يتطلب إحداث سلطة مكلفة بذلك، أي “هيئة مهنية”[5].
ويأتي ورش إصلاح الإعلام بالمغرب من خلال مدونة الصحافة والنشر، في سياق مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها المغرب في مجال الحريات، ولاسيما في مجال الإعلام والصحافة، والاستجابة لانتظارات المهنيين وفعاليات المجتمع المدني والحقوقي في الحصول على قانون يضمن الحرية في إطار المسؤولية، ومواكبة التحولات التكنولوجية الجارية، والتي تطرح تحديات كبرى على القطاع، مع الحفاظ على المكتسبات الموجودة في قانون الصحافة والنشر السابق.
وتعزز مسار اعتماد مدونة للصحافة والنشر حديثة وعصرية سنة 2015، بمصادقة مجلس الحكومة يوم 12 دجنبر 2015، على مشروع قانون رقم 22-11 يتعلق بالصحافة والنشر. وهو مسار انطلق منذ سنة 2012، بناء على رصيد تراكم طيلة العشر سنوات الماضية، ووفق مقاربة تشاركية واسعة شملت الهيآت المهنية والجمعيات والمؤسسات والقطاعات المعنية، حيث توصلت وزارة الاتصال بأزيد من 52 مذكرة من 13 هيئة، وتمخض عنها إعداد مشروع مدونة متقدمة، بثلاث مكونات، تعمل على مواكبة تطلعات المهنيين من صحفيين وناشرين، وفق مقتضيات الدستور الجديد، ووفاء بالتزامات المغرب الدولية.[6]
وعليه، يمكن طرح الإشكالية التالية: إلى أي حد تعكس مدونة الصحافة الجديدة التحول المنشود في ما يخص بسط حرية الصحافة والتعبير عموما؟،هل تلتزم موادها المقترحة بمقتضيات حماية حرية التعبير والصحافة كما نصت عليها المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب؟
جوابا عن هذا التساؤل، سنتطرق إلى رصد واقع الإعلام المغربي من خلال بعض التقارير الدولية والوطنية، فضلا عن قراءة نقدية لمدونة الصحافة الجديدة بالاستناد إلى بعض شهادات المهنيين والخبراء في هذا المجال.
المحور الأول: الإعلام المغربي على ضوء التقارير الدولية والوطنية
ساعدت ثورة الإعلام والاتصال والأنترنيت في تسهيل التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير، وتدفق المعلومات والأفكار واستنهاض حركات المجتمع المدني وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها[7]. بالرغم من أننا نعيش في عالم تزداد فيه المعلومات أكثر فأكثر، بينما يصبح المعنى فيه أقل فأقل على حد تعبير جان بودريار[8].
حري بالإشارة هنا أن تشخيص الوضع الإعلامي بالمغرب عكسته تقارير منظمات دولية أشارت بوضوح إلى مواطن الخلل في المشهد الإعلامي المغربي، وبعض التقارير الوطنية الممجدة والمنتقدة لهذا المشهد الإعلامي.
أولا: مواطن الخلل للإعلام المغربي من خلال تقارير المنظمات الدولية
احتل المغرب المرتبة 136 عالميا على المستوى الإعلامي، حسب تقرير صادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” سنة 2014[9]، وذلك من أصل 180 دولة في تصنيف مؤشر حرية الصحافة لسنة 2014. فقد وضع هذا المؤشر المغرب ضمن خانة الدول التي توجد في “وضعية صعبة” من حيث احترام حرية الرأي والتعبير، وانتقد الحكومة التي قال إنها تأخرت كثيرا في ترجمة وعودها بالإصلاح التي أعلنت عنه منذ سنة 2011.
ولم يعد خافيا أن التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة ” مراسلون بلا حدود لسنة 2016″، كشف عن احتلال المغرب للمرتبة 131 في العالم من أصل 180 دولة[10]، حيث اعتبرت المنظمة أن حالة حرية الصحافة في البلاد تبقى “غير مستقرة”، ما جعل المملكة تتأخر برتبة واحدة بالمقارنة مع تقرير “مراسلون بلا حدود” الصادر في أبريل 2015، وعلى غرار تقرير السنوات الماضية، انتقدت المنظمة ما اعتبرته “تدهورا ثابتا” لحرية الصحافة بالمغرب، وانتقدت منظمة “مراسلون بلا حدود” ما أسمته “الرقابة والتخويف والغرامات الثقيلة والسجن، وتهديد الصحافيين والصحافيين المواطنين”[11].
وفيما يخص تقرير فريدوم هاوس[12]، فقد صنف المغرب في المرتبة 152 عالميا من بين 197 دولة في ترتيب مستوى حرية الصحافة بدول العالم لسنة 2013، ووضع التقرير المغرب من بين الدول “الخالية من حرية الصحافة” إلى جانب 64 دولة أخرى حلت في المراتب الأخيرة في القائمة، وحصل المغرب، حسب نفس التقرير، على (24 نقطة) سلبية في تقييم القوانين التي تنظم عمل الإعلام، ومدى توفير الحكومة المغربية لقوانين لا تقيد حق الوصول إلى المعلومة، والضمانات الدستورية والقانونية لحرية التعبير، ثم الجوانب السلبية المسجلة في قانون العقوبات وغيره من القوانين الجنائية، والعقوبات المفروضة على القذف والتشهير في قانون الصحافة[13].
كما أشار تقرير “هيومنرايتش وتش”[14]لسنة 2017، إلى أن المغرب صنف في خانة الدول ” غير الحرة” في مجال حرية الصحافة، رغم التعديلات التي أدخلت على قانون الصحافة. وحل المغرب في الرتبة 143 عالميا ضمن 199 دولة، والسادسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال حرية الصحافة[15].
تجدر الإشارة إلى أن تقرير منظمة العفو الدولية لسنة[16]2016، يشير أن السلطات المغربية حاكمت صحفيين رأت أنهم أهانوا شخصيات عامة ومؤسسات الدولة، وسِجل الحكومة في مجال حقوق الإنسان. كما نجد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2017، يقر بأن المغرب حاز على نصيب وافر من الانتقادات، هم حرية الصحافة والحريات العامة[17]. إذ توقف التقرير عند القوانين الجديدة للصحافة والنشر، والتي قال إنها رغم حصرها العقوبات في الغرامات المالية، إلا أن كلا من القانون الجنائي وقانون محاربة الإرهاب، يحتفظان بمقتضيات تسمح بسجن المتهمين بارتكاب القذف. ما يفرض بذلك رقابة ذاتية، قالت الخارجية الأمريكية إنها أصبحت شائعة. وضع صار يشكل عائقا حقيقيا أمام تطور حرية الصحافة بالمغرب، بعدما انتشرت المتابعات القضائية التي تنتهي بالحكم بغرامات مالية ثقيلة، تدفع الناشرين والصحافيين إلى فرض الرقابة على أنفسهم[18].
وفي جوابه على جل هذه التقارير، أقر وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي أن، التقارير الصادرة عن بعض المنظمات الدولية بخصوص حرية الصحافة بالمغرب، هي تقارير ظالمة وغير منصفة، وإن كان لم يسجل تراجعا في حرية الصحافة بالمغرب، إلا أن المغرب لا يمكن أن يقدم بالتصنيف الوارد في التقارير، خاصة وأن بعض الدول سُجلت في تصنيف أفضل من المغرب، رغم أنها شهدت محاكمات عسكرية وأحكام بالسجن في حق صحفيين، كما حصلت دول شهدت اعتداءات متعددة في حق صحفيين على تصنيف أفضل من المغرب، ولهذا عندما نقول أن هذا التقارير ظالمة وغير منصفة، فإننا ننطلق من واقع ملموس.[19]
وبناء عليه، نرى أن هناك جدل وتناقض بين تقارير المنظمات الدولية الغير الحكومية والمعنية بتتبع حرية التعبير وحقوق الإنسان على الصعيد العالمي، والتي تؤكد في جل تقاريرها على انتهاك المغرب لحرية التعبير وحرية الصحافة. والمغرب الذي يكذب هذه التقارير ويقر بانحيازها وعدم موضوعيتها وشفافيتها، ويؤكد على احترامه لحرية التعبير وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومبرره في ذلك عمله على تسريع إخراج مدونة الصحافة إلى الوجود، الخالية من العقوبات الحبسية، وتأسيس المجلس الأعلى للصحافة، ومشروع الحق في الوصول إلى المعلومة، بما يتناسب وطموحات تحقيق دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية الحقيقية[20].
ثانيا: واقع الإعلام المغربي على ضوء التقارير الوطنية
بالرجوع للتقارير الوطنية حول حرية الصحافة نجد أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد في تقريره لسنة 2014، على أنه بالرغم من المكسب الدستوري في الفصل 28، عرفت حرية الصحافة والتعبير أشكالا من المس به تمثلت في اللجوء إلى القانون الجنائي لمتابعة بعض الصحافيين، وإصدار عقوبات حبسية وغرامات، وبهذا الخصوص، فقد بلغ عدد الملفات المعروضة على القضاء والمتعلقة بالصحافة 119 قضية[21] وضمنها 82 قضية بتت فيها مختلف المحاكم برسم سنة 2011، مقابل 106 قضية برسم سنة 2012 تم البث في 51 منها وفق المعطيات المقدمة من قبل وزارة العدل والحريات إلى المجلس.
ومن جانبها أكدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في تقريرها السنوي في ماي 2014، حول حرية الصحافة والإعلام للمغرب على أن الحكومة الحالية، لم تتقدم في تنفيذ ما نص عليه الدستور، باستثناء الورش، الذي كان مفتوحا في عهد الحكومات السابقة، التي واصلت العمل فيه، فأعدت قوانين، يمكن الجزم بأنها متقدمة، عما كان في السابق، بخصوص ما ذكرناه من قوانين للنشر والمجلس الوطني والصحافي المهني، غير أن هذه القوانين ليست بها ضمانات كافية، حيث يمكن محاكمة الصحافيين، بقوانين أخرى غير قانون الصحافة[22]؛
وفي نفس السياق نجد التقرير الصادر سنة 2016 من لدن نفس النقابة ينص على أن الإعلام المغربي مازال من بين الإشكالات الكبرى المطروحة في الساحة السياسية، حيث أنه مازال لم يستجب لحد الآن، بالشكل المطلوب، للتطورات الحاصلة على المستوى التواصلي والمهني والسياسي[23].
وبالرجوع للتقرير الصادر عن وزارة الاتصال في مارس 2016 حول جهود النهوض بحرية الصحافة 2015[24]، يتضح أن واقع حريات الصحافة والإعلام، استنادا إلى قياس واقع الصحافة والإعلام بالمغرب، من خلال مجمل المؤشرات المعتمدة في أنظمة قياس منظمة اليونسكو، يظهر التقدم جليا اعتمادا على التصنيفات الدولية المتضمنة في تقارير المنظمات المهتمة بالصحافة والإعلام على الصعيد العالمي[25]. كما أن من مؤشرات التطور، حصول تقدم في تنزيل مختلف السياسات العمومية المرتبطة بقطاع الصحافة والإعلام، وهو ما انعكس إيجابيا من خلال مقارنة رقمية بين مؤشرات النهوض بحرية الإعلام برسم سنة 2015 مع مؤشرات سنوات2012، 2013، 2014[26]، مع الإقرار بوجود تحديات ورهانات، تستدعي من الجميع الانخراط الفعال في مواصلة دينامية الإصلاحات بمقاربة جماعية وتشاركية بغية توسيع دائرة الحريات، وتعزيز صورة المغرب والرفع من تنافسية إعلامه، وتجدر نموذجه التنموي.
المحور الثاني: ملاحظات حول قانون مدونة الصحافة الجديد
يعد الإعلام وسيلة يتم الوصول من خلالها إلى توحيد مشاعر الناس وآرائهم وتشكيل نظرتهم ومواقفهم وما يعتقدونه إزاء شتى الموضوعات التي تتعلق بالمجتمع. لأن رسالة الإعلام تكون ملتزمة بالقيم والتقاليد النبيلة التي نفخر بها في المجتمع وبالقيم الإنسانية السامية التي تتعلق بالعدالة والمساواة والحفاظ على الهوية الثقافية.
ويأتي قانون مدونة الصحافة الجديد، ليعيد تنظيم مهنة الصحافة بالشكل الذي يستجيب للحاجيات[27]، ويتلاءم مع ما تحقق من مكتسبات، وما ينشد من إنجازات[28]، ولا جدال في كون الهدف الأمثل لهذا القانون هو توفير أقصى الضمانات للصحفيين المهنيين، حتى ينعموا بأقوم الشروط وأفضلها، ويتمكنوا بأنجع الوسائل وأحسنها من أداء مهمتهم النبيلة.
في نفس الإطار، أكد مصطفى الخلفي[29]، على أن العلاقة بين وجود صحافة حرة ومسؤولة وضمان حق المجتمع في الخبر، والتعرف على التيارات الموجودة فيه، وضمان حق هذه التيارات في التعبير عن رأيها، كانت هي الدافع إلى الاشتغال على مراجعة المنظومة القانونية، باعتبارها خطوة ضمن أخرى لإرساء حرية الصحافة والتعبير[30].
وبناء عليه، سنحاول تسليط الضوء على قراءة نقدية لقوانين مدونة الصحافة الجديدة، وتوضيح إلى أي حد استجابت هذه النصوص للمطالب التي عبرت عنها الحركة الحقوقية المغربية والنقابة الوطنية للصحافة طيلة العشرية الأخيرة.
إذا كانت قوانين مدونة الصحافة الجديدة، إلى جانب مشروع قانون الحق في الوصول إلى المعلومة السابق ذكرها، تشتمل على مقتضيات متقدمة ومتطوّرةٌ بشكل كبير في إطار السياق الإصلاحي الذي يعيشه المغرب[31]، مقارنة مع النصوص المعمول بها سابقا، فإنها لا تشكل تجاوزا لعدد من الإشكاليات الجوهرية التي ظلت تواجه حرية التعبير بواسطة الصحافة في بلادنا، ولا تستجيب بالتالي لعدد من المطالب التي ظلت تطرحها الهيئات المهنية[32]، ومعها الهيئات الحقوقية، وهذا ما أشارت إليه عدة تقارير، ومن ضمنها تقرير “الإعلام والمجتمع في المغرب”[33]، الذي أكد على أن قانون الصحافة ” أصبح متجاوزا بل متقادما، ليس فقط بالنظر إلى التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام عموما، ولكن أيضا وبالأخص بالنظر إلى الواقع الجديد للمشهد الوطني منذ عقد من الزمن”، يدعو إلى “تنظيم ذاتي يعود في المقام الأول، وإن لم يكن يعود حصرا، للمهنيين أنفسهم”، وهو ما يتطلب إحداث سلطة مكلفة بذلك، أي “هيئة مهنية”[34].
وتجدر الإشارة، إلى أن القانون الجديد لا يهم فقط الصحافيين، ولكنه يخص كل فعل نشر موجه للعموم، سواء قام بذلك الفعل صحافي أو غيره، وتحدد مدونة الصحافة في صيغتها الحالية حوالي 22 جريمة، يمكن أن يتابع بها الصحافي أو أي ناشر، أشهرها القذف والإخلال بالنظام العام، أو إثارة الفزع بين الناس، وتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك، إلا أنه في بعض المحاكمات قد تغيب العناصر المكونة لتلك الجرائم[35].
جدير بالذكر، أن قانون مدونة الصحافة الجديد أرسى الحماية القضائية لسرية المصادر، وحماية الصحافيين من الاعتداءات، وإلغاء 26 عقوبة سالبة للحرية، وتعويضها بعقوبات بديلة مالية، وتضييق نطاق تدخل القضاة عبر تدقيق العبارات، وتقليص العقوبات، وجعل عقوبات الحبس اختيارية، حتى بالنسبة للثوابت، وقد أكد مصطفى الخلفي في هذا السياق أن كل ما تحقق على مستوى القانون المصادق عليه، “يشكل ثورة هادئة ونوعية”[36]، ولذلك اقترح القانون الجديد استبدال العقوبات السالبة للحرية بمقتضيات تشدد على الغرامات لردع الصحافيين، بخصوص تلك المخالفات، لكن السجن الذي اختفى ككلمة في مقتضيات القانون يبقى قائما، فقد يواجه الصحافي الذي لا يتمكن من أداء الغرامة، ولا توجد له ممتلكات يمكن الحجز عليها وبيعها، وذلك عبر سجنه عن طريق تطبيق عقوبة الإكراه البدني[37]، وفي هذا السياق قال الصحفي توفيق بوعشرين[38]أن قانون الصحافة والنشر، خطوة صغيرة للأمام وكان بالإمكان أن يكون أفضل مما كان، وفيه تقدم نسبي فقد أزال 20 عقوبة فرضها القانون السابق، لكنه ترك عقوبات حبسية ثقيلة تجاه جرائم المس بالثوابت حيث لم يحدد القانون بشكل دقيق تلك الجرائم مما يعطي للقضاء، وهو قضاء ليس مستقلا، سلطة واسعة في تكييف الجرائم[39].
وفي نفس السياق هناك مجموعة من العراقيل تحد من حرية الصحافة حسب منطوق مدونة الصحافة الجديدة[40]، ويمكن إبرازها كالآتي:
ثقل الإجراءات المتطلبة في إنشاء الصحف، حيث يتم اشتراط عدد من الوثائق والإجراءات التي تجعل من إحداث صحيفة في المغرب، لا يزال مهمة شاقة ومعقدة (المادة 21 من القانون التي تحدد مضامين الملف المطلوب)[41]؛
استمرار تحكم الإدارة في إحداث الصحف الأجنبية، حيث يبقى إذن رئيس الحكومة أو من يفوضه في ذلك ضروريا لإحداث أو نشر أو طبع مطبوع أجنبي (المادة 30 من القانون)، وكذا استمرار ممارسة الحجز الإداري في حق هذا النوع من الصحف (المادة 31 من القانون)[42]؛
استمرار الخطوط الحمراء قائمة ممثلة في الثوابت المعروفة (الإساءة للدين الإسلامي، والنظام الملكي، والوحدة الترابية، والخيار الديمقراطي)، وكذا التعابير العامة التي يمكن أن تقبل أكثر من تأويل، كمثال على ذلك ما ورد بالمادتين 32(الإساءة للدين الإسلامي… والتحريض على المس بالوحدة الترابية) و82(النظام العام)[43]، والتي غالبا ما تكون مدخلا وذريعة لمتابعة الصحفيين والمؤسسات الصحفية إلى جانب متابعة المدونين على المواقع الإلكترونية؛
رغم عدم الإحالة بشكل مباشر على القانون الجنائي[44]، فإن وضع حد نهائي لإشكالية الازدواجية بين القانون العام (التشريع الجنائي)، والقانون الخاص (قانون الصحافة)، يتطلب في تقديرFREEDOM NOW[45]، ختم قانون الصحافة والنشر بعبارة تشير إلى أنه لا تطبق في القضايا المتعلقة بالصحافة، إلا مقتضيات قانون الصحافة والنشر، حتى يتم قطع الشك باليقين كما يقال، لأنه شيء وفقا لهذه الصيغة التي جاء بها القانون، يمنع من إمكانية اللجوء إلى محاكمة الصحافة والصحافيين بالقانون الجنائي أو حتى بقانون الإرهاب، وفي هذه الحالة يجب تدقيق مفهوم الإرهاب وتضمينه في قانون الصحافة على غرار ما هو معمول به في قانون الصحافة الفرنسي؛
كون مدونة الصحافة الجديدة تكاد تكون عبارة عن قوانين جزائية تجرم وتعاقب، بل تفتح المجال للقاضي بأن يستنجد في كثير من الأحيان بالقانون الجنائي لسد الفراغ القانوني[46]؛
إن عدم إشارة القانون إلى العقوبات السالبة للحرية، إذا كان يعد مكسبا، ويمثل استجابة لما كان يطالب به الجسم الصحافي والحقوقي، فإن تحصين هذا المكسب كان يتطلب الإشارة بشكل صريح إلى عدم تطبيق القانون الجنائي في قضايا الصحافة، وبالتالي فإن الالتباس قد يستمر قائما على هذا المستوى؛
إن مقتضى تحديد مدّة زمنية لتقديم الصحافي لحججه يجب أن يلغى، فما معنى أن يدلي الصحافي بجميع حججه قبل بداية المحاكمة، هذا معناه أنه يضع جميع أسلحته رهن إشارة النيابة العامة والطرف الذي يتابعه؛
توسيع دائرة المشمولين بالعقوبات[47] المطبقة في قضايا الصحافة والنشر، لكي تشمل إلى جانب المسؤولين عن النشر والتحرير، المسؤولين عن الطبع والموزعين، والباعة. في هذا الإطار، تبدو الإجراءات المفروضة على مدراء المطابع والموزعين في هذا القانون مثيرة للانتباه، خاصة إذا كان الكاتب أو الناشر معروفا (انظر المواد من 44 إلى 59)[48]؛
إعطاء سلطات تأديبية للمجلس الوطني للصحافة، قد يجعل منه هيأة رقابية جديدة، وقاعدة خلفية للسلطات الإدارية، ومن شأنه أن يبعده عن الأهداف التي تشغلها والأدوار التي تضطلع بها هيئات التنظيم الذاتي المشابهة في التجارب الدولية المقارنة، خاصة الديمقراطية منها، لا سيما وقد تضمن القانون المتعلق بالمجلس ما يكفي من الإجراءات والاحترازات، التي تسمح بإحداث مجلس متحكم فيه (مثلا الإشراف على التحضير لتشكيل المجلس من طرف وزارة الاتصال، والنقابة الأكثر تمثيلا، وهيأة الناشرين الأكثر تمثيلا، هيمنة الناشرين على حساب الصحافيين…)؛
في قانون الصحافة والنشر، تم استبدال العقوبات السالبة للحرية بالعقوبات المالية، لكن المشكل الذي لازال مطروحا هو أن هذه الأخيرة لا تزال مرتفعة، ومن شأن تطبيقها أن يؤدي، من جهة إلى تهديد الصحف في وجودها، ومن جهة ثانية إلى إعسار المحكومين بها عن الأداء، الشيء الذي يكون من نتيجته تطبيق عقوبة الإكراه البدني عليهم[49]، هذا الأمر سيجعلنا من جديد أمام إشكالية العقوبات السالبة للحرية؛
في هذا السياق يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تحديد حد أقصى للعقوبات المالية، وذلك باستلهام التوصية رقم 32 المنبثقة عن الحوار الوطني حول “الإعلام والمجتمع”[50]؛
وسجل مكتب الفيدرالية المغربية للناشرينبارتياح حذف بعض البنود التراجعية الخطيرة من مشروع قانون الصحافة في صيغة أكتوبر 2015، عقب الموقف الحازم للجمع العام الأخير للفيدرالية، ومنها المنع من الحقوق المدنية والسياسية والعائلية، وكذا منع الصحف قبل بداية محاكمتها في قضايا النظام العام، والسحب القضائي لبطاقة الصحافة في مخالفة أي قانون من القوانين، فإنه يؤكد أن صيغة دجنبر2015 من هذا القانون المصادق عليها من قبل البرلمان ما تزال تحتوي على مقتضيات إما تراجعية أو تشديدية، تجعل سلبياتها أكبر بكثير من إيجابياتها، خصوصا وأن منها مقتضيات تمس باقتصاد المقاولة الصحافية وتهدد وجودها، مثل المنع الإيديولوجي لإشهار مؤسسات عمومية تستفيد الحكومة من مداخيلها، وفرض إصدار تعريفة للإشهار من طرف الصحف الإلكترونية والمكتوبة لا يمكن أن تتغير إلا كل سنة، وفرض المرور عبر وكالات الإشهار، وهذا يتنافى مع حرية السوق ومع الطبيعة الديناميكية للمقاولات الصحافية[51].
وعليه، فأوجه التقدم الملحوظ في قانون الصحافة الجديد هو إلغاء عقوبة السجن كنوع من العقاب وتعويضها بغرامات ووقف المطبوعات أو المواقع بأمر من المحكمة[52]. على عكس ذلك، كان القانون السابق يفرض عقوبة السجن على مجموعة من الجرائم من بينها الإساءة للملك أو أفراد أسرته، والمس بالنظام الملكي أو الإسلام أو الوحدة الترابية للمغرب، ونشر أخبار كاذبة بسوء نية، والتشهير بالأشخاص أو مؤسسات الدولة. كما أن قانون الصحافة الجديد، لا يوفر ضمانات المحاكمة العادلة للصحافيين رغم كل الرتوشات التي دخلت عليه قبل خروجه إلى حيز التنفيذ، فهو لا يأخذ بحسن النية في النشر، ويعتبر كل صحافي مجرما إلى أن يثبت العكس.[53]
في نفس السياق، رصد الدكتور علي كريمي، عضو اللجنة العلمية التي أعدت مشروع قانون الصحافة والنشر، عددا من الثغرات في القانون الذي دخل حيز التنفيذ، أن قضايا الإعلام والاتصال كانت دائما في يد الحكومة، حينما نقرأ تقنين القضايا الخاصة بالحريات، فإنها قدمت في صورة مشاريع من قبل السلطة التنفيذية، التي لعبت دورا أساسيا، ولم يكن للسلطة التشريعية أي دور، وحتى مقترحات القانون من قبل البرلمان تم إقبارها، على حد تعبير الأستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال[54].
ويعد إخراج المجلس الوطني للصحافة إلى الوجود رافعة أساسية في مواكبة تأهيل قطاع الصحافة والإعلام من خلال المتابعة والرصد والوساطة عن طريق إعمال آليات التنظيم الذاتي للمهنة كما هو متعارف عليها دوليا. لكن ما يعاب على القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، الذي من المفروض أن يشكل هيئة مستقلة لمهني الإعلام تراقب عمل الصحافيين، وتتأكد من مدى احترامهم لأخلاقيات المهنة، أن صيغته الحالية، ستحد من الاستقلالية المنشودة من خلال تركيبة غير متكافئة، تضم ممثلا عن السلطة القضائية، وهيمنة لهيئات الناشرين على حساب الصحافيين المهنيين.
وبمقارنة هذه القوانين من جهة أخرى مع المعايير الدولية يسجل عدم مطابقة هذه القوانين، خاصة قانون الصحافة، وذلك في النقط التالية:
وجود اتجاه لفرض رقابة مسبقة على وسائل الإعلام الإلكترونية، يتجلى في المادتين 34 و35[55]، اللتين تتعارضان مع المادة 19 من العهد الدولي[56]؛
وجوب الحصول على إذن المركز السينمائي المغربي(CCM) للتصوير، ومن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA)، لبث المحتويات الصوتية أو الفيديو عبر الأنترنيت، مع ضرورة تسجيل المواقع الإخبارية لدى الوكالة الوطنية لتنظيم الاتصالات(ANRT) في أسماء النطاقات ma، فكل هذه التدابير تشكل قيودا على ممارسة حرية الصحافة، وشكلا من أشكال الرقابة على المحتوى، وهي تتعارض مع المبادئ العالمية للأنترنيت ومع التزامات المغرب في هذا المجال؛
كما أن قيودا على المحتوى (الإسلام، الملكية، الوحدة الترابية، الخيار الديمقراطي)، ينص عليها القانون لمنع توزيع المطبوعات الأجنبية، يجب أن تكون مبررة، حسب الأصول وفقا للمعايير الدولية لحرية التعبير ولمبدأي الضرورة والتناسب المبينة في المادة 19 من العهد الدولي
إجراءات الطوارئ لمنع دخول مطبوعات أجنبية أو إغلاق أحد المواقع الإخبارية (المادتان 31 و37)[57]، يجب أن تسحب من الحكومة وتسند للقضاء؛
العقوبات ضد وسائل الإعلام، بما في ذلك إغلاق ومصادرة المطبوعات من قبل القاضي، يجب أن تحترم هي الأخرى مبدأي الضرورة والتناسب؛
صياغة المادتين 76و77 المتعلقة بحماية النظام العام من المرجح أن ترغم المهنيين على ممارسة الرقابة الذاتية[58]، نظرا لأنها تحتوي على عبارات غير دقيقة، من قبيل الضرر للإسلام؛
وفي تقييمها للنصين المتعلقين بالقانون الأساسي للصحافي المهني والمجلس الوطني للصحافة، اعتبرت الفدرالية المغربية للناشرين أن صدورهما في حد ذاته أمر إيجابي على الرغم من بعض الثغرات التي كان من الممكن تجاوزها[59]، وتعتبر مخالفة للدستور وللمعايير الدولية والتقاليد المهنية، مثل حضور ممثل للحكومة بصفة استشارية لاجتماعات المجلس الوطني، وتقرير عقوبات تأديبية خيالية قد تصل إلى 755 مليون سنتيم بالسنة لمقاولة صحافية، وسنة من العطالة بالنسبة لصحافي، وفتح المجال للذهاب للقضاء رغم معالجة المجلس لشكاية معينة[60].وعلى الرغم من أن اختيار الفدرالية المغربية للناشرين كان مع عقوبات تأديبية متناسبة مع الفعل، وهذا استثناء ضمن كل مجالس الصحافة في العالم التي لا تصدر في مخالفات أخلاقيات المهنة، إلا عقوبات معنوية، فإن قانون الصحافة لم يراع في جوانب كثيرة منه هذه المسؤولية الذاتية للجسم الصحافي المغربي في ما يسمى بقضاء الزملاء، وأخرج فصولا من قانون الصحافة إلى القانون الجنائي[61]، وضاعف العقوبات في أخرى تصل إلى تسع مرات في الحد الأدنى للغرامات وثلاث مرات في الحد الأقصى، واستبدل العقوبات الحبسية بغرامات مرتفعة، مما سيسقط الصحفيين في السجن في النهاية عن طريق الإكراه البدني، واستحدث عقوبة الحجز لمدة ثلاثة أشهر، أو طيلة أطوار المحاكمة فيما يتعلق بالنظام العام وفي مواد أخرى، كما أنه لم يحدد سقفا للتعويضات عن الضرر يتلاءم مع قدرات المقاولة الصحافية، مع الاحتفاظ بتعريف فضفاض للقذف والإصرار على عدم تضمينه حسن النية، وكذا إمكانية المنع من مزاولة المهنة لمدة عشر سنوات[62].
وفي نفس الاتجاه أكد الصحفي محمد العوني[63]، أن الحكومة قدمت كلا من مشروع قانون الصحافة ومشروع قانون الصحافي المهني، بالإضافة إلى مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، بشكل متفرق من أجل أن يتم تجزيئ النقاش حول هذا الموضوع، رغم أن هذه القوانين تؤطر المجال نفسه، وكان من الأجدر أن تتم مناقشتها دفعة واحدة”[64]. كما أن بعض الباحثين والمهتمين بحرية التعبير والصحافة، يرون في خضم الأجواء السائدة التي تكشف حقيقة الموقف من الصحافة والإعلام، استمرار التضييق على حرية الصحافة، واستمرار متابعة الصحفيين وسجنهم، جرى التحضير لما يسمى إصلاح مدونة الصحافة والنشر[65]. السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا، هل يتعلق الأمر بالفعل بإصلاح أم فقط بتعديل نص قانوني؟
خاتمة:
عموما، لا يمكن للإعلام في كل دولة أن يكون أفضل مما هو عليه أوضاعها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فالإعلام بكل فصائله ليس إلا ظاهرة تعكس واقعا معينا. فهو كالمرآة التي لا يمكن أن تعكس على صفحتها إلا الصورة التي أمامها بجمالها وبشاعتها أو بطبيعتها أو بزخرفها. وحتى تلك المرايا التي تجسم الصورة أو تصغرها لا تستطيع أن تخفي الملامح العامة للوجه.
ومن ثمة، فالإعلام الجيد هو أمة تكلم نفسها، بمعنى أدق أنه مرآة لمختلف تلويناتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تعكس الهموم والطموحات، النجاحات والانتكاسات، والسعادة والآلام في حياة تلك الأمة…هو ذاك الإعلام الجيد، وتلك هي وظيفته الحقيقية، ولعل إعلامنا التلفزي يسير في درب الرقي الطويل، وقد يتوه عن الطريق بين الفينة والأخرى ويرتكن، لكنه بذلك يحتاج إلى من يحمل هم الرقي به ليس لسقف الخدمة العمومية وحسب، بل إلى سقف السلطة الرابعة، بما تحمله الكلمة من ثقل.