دراسة حول توافق إرادة المتعاقدان في مجلس واحد – بحث قانوني
توافق الإرادتين
التمييز بين حالتين:
لم يعرض القانون القديم بنص إلى هذا الموضوع الذي يعد من أدق موضوعات العقد ، بل ترك الأمر فيه للفقه والقضاء . وهذا بخلاف التقنينات الحديثة كالتقنين الألماني وتقنين الالتزامات السويسري والمشروع الفرنسي الإيطالي ، فقد ورد فيها نصوص على جانب عظيم من الأهمية ، نسج على موالها القانون الجديد ، وهي تبين كيف يصدر الإيجاب ومتى يكون ملزماً ، والى أي وقت ، وكيف يقترن به القبول ، سواء أكان المتعاقدان حاضرين مجلس العقد أم كانا غير موجودين في مجلس واحد .
ونستعرض كلا من هاتين الحالتين:
( 1 ) حالة ما إذا ضم المتعاقدين مجلس واحد
( 2 ) وحالة التعاقد فيما بين الغائبين .
1- المتعاقدان في مجلس واحد
الإيجاب والقبول:
تقدم أنه لا يد لتمام العقد من صدور إيجاب من أي من المتعاقدين ح يعقبه قبول مطابق له من المتعاقد الآخر . فنتكلم في مسائل ثلاث : ( أولاً ) صدور الإيجاب ) ثانياً ) اقترانه بالقبول ( ثالثاً ) حالات خاصة في القبول .
1- صدور الإيجاب:
المراحل التي يمر بها الإيجاب:
المفاوضات:
من يصدر منه الإيجاب لا يستقر به الرأي في العادة على أن يصدر إيجاباً باتاً إلا بعد مفاوضات ( [1] ) قد تطول . ويعتبر من قبل المفاوضات أن يعرض شخص التعاقد دون أن يحدد أركانه . كان يضع إعلاناً ينبئ أنه يعرض منزلا للبيع أو للإيجار دون أن يذكر الثمن أو الأجرة . وإذا كانت شخصية المتعاقد محل اعتبار ، فلا يعد إيجاباً بل تفاوضاً أن يعرض شخص التعاقد حتى لو بين أركان العقد ، أما إذا لم يكن هناك اعتبار لشخصية المتعاقد عد هذا إيجاباً . وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص ( م 134 ) يقي بأن عرض البضائع مع بيان ثمنها يعتبر إيجاباً ، أما النشر والإعلان وبيان الأسعار الجاري التعامل بها وكل بيان آخر متعلق بعروض أو طلبات موجهة للجمهور أو للأفراد فلا يعتبر عند الشك إيجاباً وإنما يكون دعوة إلى التفاوض ( [2] ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يعد إيجاباً باتاً ، بل يكون من قبيل المفاوضات ، أن يعرض شخص على آخر القيام بعمل دون أن يتضمن العرض الشروط والتفاصيل اللازمة ( [3] ) .
والقانون لا يرتب في الأصل على هذه المفاوضات أثراً قانونياً ، فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد . ولا مسئولية على من عدل ، بل هو لا يكلف إثبات أنه قد عدل لسبب جدى . وليست المفاوضات إلا عملا مادياً لا يلزم أحداً . لذلك لا يعد السمسار نائباً لأنه إنما يمهد للمفاوضات وهي عمل مادي لا عمل قانوني .
على أن العدول عن المفاوضات قد يرتب مسئولية على من قطعها إذا اقترن العدول بخطأ منه . ولكن المسئولية هنا ليست مسئولية تعاقدية مبنية على العدول بل هي مسئولية تقصيرية مبنية على الخطأ . والمكلف بإثبات الخطأ هو الطرف الآخر الذي أصابه ضرر من العدول ، فإذا اثبت مثلا أن من قطع المفاوضات لم يكن جاداً عند الدخول فيها ، أو كان جادا ولكن لم يخطره بالعدول في الوقت المناسب ، وأنبنى على ذلك أن فاتته صفقة رابحة ، كان له الحق في المطالبة بتعويض .
الإيجاب المعلق:
وقد تنتهي المفاوضات إلى إيجاب معلق ، كأن يعرض شخص التعاقد بثمن معين مع الاحتفاظ بتعديل هذا الثمن طبقا لتغير الأسعار ، فيكون الإيجاب الذي صدر منه بالثمن الذي عينه معلقاً على شرط عدم تغير الأسعار ، أو أن يعرض شخص على الجمهور شيئاً ذا كمية محدودة يعين ثمنه فيتم العقد مع من قبل أولاً وتراعى الأسبقية في القبول حتى ينفد الشيء . ومن هذا يتبين أن الإيجاب المعلق هو إيجاب لا مفاوضة ، ولكنه إيجاب لا ينفذ إلا إذا تحقق الشرط الذي علق عليه .
الإيجاب البات:
فإذا خرج الإيجاب من دور المفاوضة ومن دور التعليق أصبح إيجاباً باتاً . وتقرير ما إذا كان الإيجاب قد وصل إلى هذا الدور النهائي هو من مسائل الواقع لا من مسائل القانون . فينفصل فيه قاضي الموضوع طبقا لظروف كل قضية ولا معقب على حكمة .
القوة الملزمة للإيجاب:
في القانون القديم:
لم يرد في القانون القديم نص يبين ما إذا كان الموجب يبقى ملزماً بالبقاء على إيجابه المدة الكافية لاقتران القبول بالإيجاب . فكان القضاء يذهب إلى أن للموجب أن يعدل عن إيجابه ما دام الإيجاب لم يقترن بالقبول ( [4] ) . ولكنه مع ذلك ذهب إلى أن الإيجاب المقرون بأجل يلزم الموجب بالبقاء على إيجابه طول هذا الأجل ، سواء حدد الأجل صراحة أو ضمناً ، وبنى هذا لا على أساس الإرادة المنفردة بل على أساس أن هناك عقداً تم بين الموجب والموجب له يلزم الأول بألا يعدل عن إيجابه المدة المحددة ، وقد تم هذا العقد بقبول ضمني من الموجب له أو بسكوته لأن هذا الأجل في مصلحته ( [5] ) . وذهب القضاء أيضاً إلى أن عدول الموجب عن إيجابه في وقت غير مناسب قد يجعل للموجب له حقاً في التعويض على أساس المسئولية التقصيرية ( [6] ) .
أما الفقه فكان يقول أيضاً مع القضاء بأن الإيجاب يلزم مدة الأجل ، ولكنه كان يتقلب في تفسير هذه القوة الملزمة بين هذه النظريات الثلاث : نظرية الإرادة المنفردة ، ونظرية العقد الضمني ، ونظرية المسئولية التقصيرية ( [7] ) .
في القانون الجديد:
وأتى القانون الجديد فأقر الوضع على أساس نص تشريعي . فقضت المادة 93 بما يأتي : ” إذا عين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد . 2 – وقد يستخلص الميعاد من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة ( [8] ) ” . فالإيجاب المقترن بميعاد للقبول ملزم للموجب طبقا لنص القانون الجديد . ولم نعد بعد هذا النص في حاجة إلى البحث عن الأساس الذي تقوم عليه هذه القوة الملزمة ، فالنص صريح في أن الإيجاب وحده هو الملزم ، أي أن الإلزام يقوم على الإرادة المنفردة طبقا لنص القانون ، وهذه هي إحدى الحالات التي نص القانون الجديد على أن الإرادة المنفردة تكون فيها مصدراً للالتزام .
ويكون تحديد الميعاد الذي يبقى فيه الإيجاب ملزماً صريحاً في الغالب . ولكن يقع أحياناً أن يستفاد هذا التحديد ضمنا من ظروف التعامل أو من طبيعته . فإذا عرض مالك آلة أن يبيعها تحت شرط التجربة ، فمن الميسور أن يستفاد من ذلك أنه يقصد الارتباط بإيجابه طوال المدة اللازمة للتجربة . وعند النزاع في تحديد الميعاد يترك التقدير للقاضي ( [9] ) . وإذا صدر الإيجاب لغائب دون أن يحدد ميعاد للقبول ، فإن الموجب يبقى ملتزماً إلى الوقت الذي يتسع لوصول قبل يكون قد صدر في وقت مناسب وبالطريق المعتاد ، وله أن يفرض أن إيجابه قد وصل غير متأخر ( [10] ) . فهنا أيضاً يوجد ميعاد ضمني ، إذ قضت طبيعة المعاملة ، والإيجاب قد صدر لغائب ، أن يتربص الموجب مستبقيا إيجابه إلى أن ينقضي الميعاد الذي يتسع عادة لوصول القبول إليه فيما لو كان الموجب له قد أرسل هذا القبول دون إبطاء لا تبرره الظروف ومع افتراض أن الإيجاب قد وصل في الميعاد المقدر لوصوله ( [11] ) .
ويبقى الموجب ملتزماً بالبقاء على إيجابه المدة التي حددها ، وما لم يكن إيجابه قد سقط برفض الطرف الآخر له قبل انقضاء هذه المادة كما سيأتي .
أما إذا لم يحدد الموجب أية مدة للقبول ، فإن إيجابه يبقى قائما ، ولكنه لا يكون ملزما ، بل يجوز له الرجوع فيه أي وقت شاء ما دام أنه لم يقترن بالقبول .
ومن ثم نتبين أن الإيجاب قد يكون قائما ملزما ، وقد يكون قائما غير ملزم ، فالقيام غير الإلزام ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
سقوط الإيجاب:
الإيجاب القائم الملزم:
فإذا كان الإيجاب قائماً ملزماً فإنه يسقط في حالتين:
( الحالة الأولى ) هي أن يرفض الموجب له الإيجاب:
فيسقط حتى لو لم تنقض المدة التي يكون فيها ملزماً ، ويتخذ رفض الإيجاب صوراً مختلفة ، فهو تارة يكون رفضاً محضاً ، وطوراً يكون قبولا يتضمن تعديلا في الإيجاب ( م 96 وسيأتي ذكرها ) ، وثالثة يكون إيجاباً جديداً يعارض الإيجاب الأول .
( الحالة الثانية ) هي أن تنقضي المدة التي يكون فيها الإيجاب ملزماً:
فيسقط ، وينتهي الإلزام والقيام في وقت واحد . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يظل الموجب مرتباً بإيجابه في خلال الميعاد المحدد للقبول متى حدد له ميعاد ، سواء في ذلك أن يصدر الإيجاب لغائب أو لحاضر . فإذا انقضى الميعاد ولم يصل القبول ، فلا يصبح الإيجاب غير لازم فحسب بعد أن فقد ما توافر له من الإلزام ، بل هو يسقط سقوطاً تاماً . وهذا هو التفسير المعقول لنية الموجب ، فهو يقصد ألا يبقى إيجابه قائماً إلا في خلال المدة المحددة ما دام قد لجأ إلى التحديد . وقد يتصور بقاء الإيجاب قائماً بعد انقضاء الميعاد ولو أنه يصح غير لازم ، ولكن مثل هذا النظر يصعب تمشيه مع ما يغلب في حقيقة نية الموجب . ويراعى أن القول بسقوط الإيجاب عند انقضاء الميعاد يستتبع اعتبار القبول المتأخر بمثابة إيجاب جديد . وهذا هو الرأي الذي أخذ به المشروع في نص لا حق . وغنى عن البيان أن الإيجاب الملزم يتميز في كيانه عن الوعد بالتعاقد ، فالأول إرادة منفردة والثاني اتفاق إرادتين ( [12] ) ” .
الإيجاب القائم غير الملزم:
وإذا كان الإيجاب قائماً غير ملزم – وهذا لا يكون إلا في التعاقد ما بين حاضرين في مجلس العقد – فإنه يسقط أيضاً في حالتين :
( الحالة الأولى ) إذا عدل عنه الموجب قبل انفضاض مجلس العقد .
( الحالة الثانية ) إذا انفض مجلس العقد ولو لم يعدل عنه الموجب .
وسنرى تفصيل كل ذلك عند الكلام في مجلس العقد ( أنظر م 94 ( [13] ) ) .
القبول بعد سقوط الإيجاب إيجاب جديد:
وإذا سقط الإيجاب على النحو الذي قررناه فيما تقدم ، فكل قبول يأتي بعد ذلك يكون متأخراً ، ولا يعتد به على اعتبار أنه قبول لإيجاب سابق . ولكن يصح كما رأينا أن يكون هذا القبول المتأخر إيجاباً جديدا موجهاً لمن صدر منه الإيجاب الأول الذي سقط ، فإذا قبله هذا تم العقد .
نرى ذلك في حالة ما إذا رفض الإيجاب بقبول يتضمن تعديلا في الإيجاب أو بإيجاب جديد يعارض الإيجاب الأول . ونرى ذلك كما قدمنا في حالة ما إذا صدر قبول بعد انقضاء المدة التي يكون فيها الإيجاب ملزماً ( [14] ) . ونرى ذلك أيضاً في حالة ما إذا صدر قبول بعد عدول الموجب عن إيجابه . ونرى ذلك أخيراً في حالة ما إذا صدر قبول بعد انفضاض مجلس العقد . ففي هذه الحالات الأربع – وهي الحالات التي رأينا أن الإيجاب يسقط فيها – إذا صدر القبول بعد سقوط الإيجاب فلا يعتد به قبولا ، ولكنه يعدل إيجاباً جديداً .
ب – اقتران الإيجاب بالقبول
الميعاد الذي يصح فيه القبول – مدة قيام الإيجاب:
يصح القبول ما دام الإيجاب قائما . وقد عددنا فيما تقدم الحالات التي يسقط فيها الإيجاب . ونستخلص منها أن الإيجاب المقترن بأجل للقبول صريح أو ضمني يبقى قائماً طول مدة الأجل ، سواء كان التعاقد بين حاضرين أو غائبين . فيجوز في أي وقت في خلال الأجل أن يصدر القبول فيقترن به الإيجاب .
أما إذا كان التعاقد بين حاضرين في مجلس واحد ، ولم يقترن الإيجاب بأجل للقبول ، فإن الإيجاب يبقى قائماً – ويجوز أن يقترن بالقبول – ما دام مجلس العقد لم ينفض . فإذا انفض سقط الإيجاب وامتنع التعاقد .
مجلس العقد:
يبقى الآن أن نبين ما هو المقصود بمجلس العقد . جاء هذا التعبير في المادة 94 من القانون المدني الجديد ، وهذا نصها : ” 1 – إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد ، دون أن يعين ميعاد القبول ، فان الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا ، وكذلك الحال إذا صدر الإيجاب عن شخص إلى آخر بطريق التليفون أو بأي طريق مماثل .
2 – ومع ذلك يتم العقد ، واو لم يصدر القبول فورا ، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب والقبول ، وكان القبول قد صدر قبل أن ينفض مجلس العقد ( [15] ) ” .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” إن الإيجاب إذا وجه لشخص حاضر وجب أن يقبله من فوره . وينزل الإيجاب الصادر من شخص إلى آخر بالتليفون أو بأية وسيلة مماثلة منزلة الإيجاب الصادر إلى شخص حاضر . وقد اخذ المشروع في هذه الصورة عن المذهب الحنفي قاعدة حكيمة ، فنص على أن العقد يتم ولو لم يحصل القبول فور الوقت إذا لم يصدر قبل افتراق المتعاقدين ما يفيد عدول الموجب عن إيجابه في الفترة التي تقع بين الإيجاب والقبول . وقد رؤى من المفيد أن يأخذ المشروع في هذه الحدود بنظرية الشريعة الإسلامية في اتحاد مجلس العقد ( [16] ) ” .
ويتبين من هذا أن الموجب له ، إذا اتحد مجلس العقد حقيقة أو حكماً ( كما في التعاقد بالتليفون أو بأي طريق مماثل ) ، يجب عليه كمبدأ عام أن يصدر قبوله فوراً بمجرد صدور الإيجاب ، فلا يفصل وقت ما بين الإيجاب والقبول . وهذا الوضع – وهو مأخوذ من القوانين الحديثة ( [17] ) – يقتضي أن الإيجاب لا يكاد يقوم حتى يسقط ، وفي هذا من الضيق والحرج ما لا يخفى . فلطف القانون الجديد من حدة هذا الوضع بالالتجاء إلى الشريعة الإسلامية ، وجعل الإيجاب يبقى قائماً ما دام مجلس العقد لم ينقض . ومجلس العقد هو المكان الذي يضم المتعاقدين . وليس الملحوظ فيه هو المعنى المادي للمكان ، بل الملحوظ هو الوقت الذي يبقى فيه المتعاقدان منشغلين بالتعاقد دون أن يصرفهما عن ذلك شاغل آخر . فإذا اجتمع شخصان في مجلس واحد ، واصدر احدهما إيجاباً للآخر ، فليس من الضروري أن يكون القبول فوراً ، بل يجوز أن يبقى الموجب له يتدبر الأمر شيئا من الوقت ، حتى إذا عقد العزم على القبول فعل ذلك . ويكون قبوله صحيحاً بشرطين : ( الشرط الأول ) أن يبقى كل من المتعاقدين منشغلا بالتعاقد . فإذا انصرف أي منهما إلى شيء غيره اعتبر مجلس العقد في انفض ، وسقط الإيجاب . و ( الشرط الثاني ) أن يبقى الموجب على إيجابه ، فلا يرجع فيه أثناء المدة التي يبقى فيها مجلس العقد قائماً .
ولا شك في أن الوضع على هذا الأساس المستمد من الشريعة الإسلامية قد أصبح وضعاً عملياً معقولا ، ولم تعد الفورية في القبول لازمة ، بل يجوز فيه التراخي مدة معقولة لا ينشغل فيها المتعاقدان بغير العقد ويبقى فيها الموجب على إيجابه . وهذا هو ف ينظرنا خير تفسير لقواعد الفقه الإسلامي في مجلس العقد ( [18] ) .
لا تحتيم في القبول:
ومتى قام الإيجاب ولم ينقض الميعاد الذي يصح فيه القبول ، فإن الموجب له يكون بالخيار بين قبول الإيجاب أو رفضه ولا يتحتم عليه أن يقبل ، وإلا قام العقد على الإيجاب وحده .
ومهما يكن من بداهة هذا الحكم ، فإن ظروفاً قد تجعل الموجب له ملزماً بالقبول . ويتحقق ذلك إذا كان هو الذي دعا الموجب إلى التعاقد معه . وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذا المعنى حذف اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ، فكانت المادة 136 من هذا المشروع تنص على أنه ” يجوز لمن وجه إليه الإيجاب أن يرفضه ، ما لم يكن قد دعا إليه ، فلا يجوز له في هذه الحالة أن يرفض التعاقد إلا إذا استند إلى أسباب مشروعة ( [19] ) ” .
والتطبيقات العملية لهذا النص كثيرة متنوعة . فهناك طوائف من الناس تستحث غيرها على الإيجاب وتدعوهم إليه ، كالتجار في النشرات والإعلانات وقوائم الأسعار التي يوجهونها إلى الجمهور ، وكأصحاب الفنادق والمطاعم يفتحون أبوابهم للطارق ، وكأرباب الصناعات يدعون العمال إلى العمل في صناعاتهم . فإذا استجيبت هذه الدعوة إلى التعاقد ، كانت الاستجابة إيجاباً يمتاز عما عداه من ضروب الإيجاب بأن من وجه إليه لا يجوز له أن يرفضه لغير سبب مشروع . وقد عللت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي هذا الحكم العادل بما يأتي : ” وليس هذا الأثر القانوني إلا نتيجة للحالة التي أنشأها صاحب الدعوة ، بل وتطبيقا من تطبقات مبدأ جامع هو مبدأ إساءة استعمال الحق أو التعسف في استعماله . على أن الإساءة في هذا الفرض ترد على مجرد رخصة من الرخص ، وهذه خصوصية تسترعى الانتباه . وقد تعمد المشروع إغفال تعيين الجزاء الذي يترتب على الرفض التعسفي ، فمثل هذا الرفض يرتب مسئولية لا شك فيها . فيجوز أن يقتصر التعويض على مبلغ من المال إذا كان هذا الجزاء كافياً . ويجوز للقاضي في بعض الفروض أن يذهب إلى ما هو ابعد ، فيعتبر أن العقد قد تم على سبيل التعويض إذا كان في الظروف ما يوجب ذلك ( [20] ) ” .
كيف يطابق القبول الإيجاب:
وإذا كان الموجب له لا يتحتم عليه القبول على النحو الذي قدمناه ، إلا أنه إذا اختار أن يقبل وجب أن يكون قبوله مطابقاً للإيجاب مطابقة تامة ، وان يكون متفقا كل الاتفاق مع الموجب في جميع المسائل التي تناولها الإيجاب . وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذا المعنى رؤى حذفه اكتفاء بتطبيق المبادئ العامة . فكانت المادة 137 من هذا المشروع تنص على أنه ” لا يتم العقد ما لم يتفق الطرفان على كل المسائل التي تفاوضا فيها بشأن هذا العقد . أما الاتفاق على بعض هذه المسائل فلا يكفي لالتزام الطرفين ، حتى لو اثبت هذا الاتفاق في ورقة مكتوبة ( [21] ) ” .
على أنه ليس من الضروري لإبرام العقد أن يتم الاتفاق على جميع المسائل مسألة مسألة . فقد نصت المادة 95 من القانون الجديد على ما يأتي : ” إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد ، واحتفظا بمسائل تفصيلية عليها فيما بعد ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها ، اعتبر العقد قد تم . وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها ، فان المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة ( [22] ) ” . والذي يسترعي النظر في الحالة التي جاء فيها هذا النص هو أن المتعاقدين قد حددا مسائل لم يتم الاتفاق عليها واحتفظا بها لتكون محلا للاتفاق فيما بعد ، وبالرغم من إنهما لم يتفقا عليها بعد ذلك ، إلا أن العقد يعتبر قد تم . والذي يبرر هذا الحكم هو أن هذه المسائل ليست جوهرية في العقد ، وان القانون قد افتراض أن نية المتعاقدين انصرفت إلى إبرام العقد حتى لو قام خلاف بينهما على هذه المسائل ، ما دام إنهما لم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها . فتسيراً لنية المتعاقدين على هذا الوجه المعقول أباح القانون للقاضي أن يقضي فيما اختلفا فيه طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة . وهذا أيضاً أمر يسترعى النظر ، فإن مهمة القاضي في هذه الحالة تخرج عن المألوف من عمله ، فهو لا يقتصر على تفسير ما اتفاق عليه المتعاقدان ، بل يجاوز ذلك إلى تدبير ما اختلفا فيه ، فهو إذن يساهم في صنع العقد ( [23] ) . ويوجه هذا الحكم فيما انطوى عليه من جرأة أنه ما دام المفروض أن المتعاقدين قد أرادا إبرام العقد ولو لم يتفقا على هذه المسائل غير الجوهرية ، استتبع ذلك أن نفرض أيضاً إنهما أراد أن يحل القاضي محلهما ليبت فيما اختلفا فيه ، لأن هذا هو السبيل الوحيد للملاءمة بين ما اتفقا عليه من إبرام العقد وما اختلفا فيه من المسائل . فإذا اتفق المؤجر والمستأجر مثلا على المسائل الجوهرية في عقد الإيجار ، فتراضيا على العين المؤجرة والأجرة والمدة وسائر الشروط الجوهرية ، واختلفا فيمن يتحمل ضريبة الخفر أو أجرة البواب أو اشتراك المياه ، وهي عادة مبالغ زهيدة ، ولم يشترطا أن العقد لا يتم إلا إذا اتفقا أيضاً على هذه المسألة التفصيلية ، كان من المستساغ أن يفترض القانون أن المتعاقدين قد أرادا إبرام عقد الإيجار ، وإنهما تركا للقاضي أن يبت في هذه المسألة غير الجوهرية طبقا للعرف إذا لم يستطيعاهما أن يصلا فيها إلى اتفاق . فالأمر إذن لا يعدو أن يكون تفسيرا لنية المتعاقدين ،بحيث لو قام دليل على أن نيتهما لم تنصرف إلى ذلك ، وإنهما لم يقصدا إبرام العقد إلا بعد الاتفاق الكامل حتى على هذه المسائل التفصيلية ، لوجب استبعاد النص ، ولنحتم على القاضي أن يقضي بأن عقد الإيجار لم يبرم ما دام أن المتعاقدين لم يتفقا على جميع المسائل التي تناولاها ، جوهرية كانت أو تفصيلية ( [24] ) .
فالقبول إذن يجب أن يكون مطابقا للإيجاب على النحو الذي قدمناه . أما إذا كان غير مطابق له ، بل اختلف عنه زيادة أو نقصا أو تعديلا ، فإن العقد لا يتم ، ويعتبر مثل هذا القبول رفضاً يتضمن إيجاباً جديدا . فإذا طلب البائع ثمنا للمبيع ألفاً تدفع فوراً ، وقبل المشتري أن يدفع الألف على أن يزيد البائع في المبيع ، أو قبل أن يدفع في المبيع وحده ثمانمائة ، أو قبل أن يدفع فيه وحده ألفاً ولكن بالتقسيط ، لم يتم البيع ، واعتبر هذا القبول إيجاباً جديداً من المشتري . وهذا الحكم هو الذي تنص عليه المادة 96 من القانون الجديد إذ تقضي بما يأتي : ” إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه ، اعتبر رفضا يتضمن إيجاباً جديدا ( [25] ) ” .
ج – حالات خاصة في القبول
الحالة الأولى – مجرد السكوت قد يكون قبولا:
المبدأ العام:
لا محل للكلام في السكوت باعتباره معبراً عن الإيجاب ، فإنه لا يتصور أن يكون مجرد السكوت إيجاباً . ولكن هل يجوز أن يكون قبولا ؟
يمكن القول بوجه عام إن السكوت في ذاته ، مجرداً عن أي ظرف ملابس له ، لا يكون تعبيراً عن الإرادة ولو قبولا ، لأن الإرادة عمل ايجابي والسكوت شيء سلبي ، ويقول فقهاء الشريعة الإسلامية : ” لا ينسب لساكت قول ” . وليس السكوت إرادة ضمنية ، فإن الإرادة الضمنية تستخلص من ظروف ايجابية تدل عليها كما سبق القول . أما السكوت فهو العدم ( [26] ) ، وأولى بالعدم أن تكون دلالته الرفض لا القبول . وهذا هو المبدأ العام ، يقول به الفقه والقضاء في مصر وفي غيرها من البلاد ( [27] ) .
الاستثناء:
على أن هذا المبدأ العام يقيد منه استثناءات اقرها القضاء المصري في ظل القانون القديم ، وأكدها القانون الجديد في نص صريح ، فقضت المادة 98 بما يأتي :
1 – إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول ، فان العقد يعتبر قد تم ، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب .
2 – ويعتبر السكوت عن الرد قبولا ، إذا كان هناك تعامل سبق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا تمخض إيجاب لمنفعة من وجه إليه ( [28] ) ” .
فالاستثناء إذن هو أن يعتبر السكوت قبولا إذا أحاطت به ظروف ملابسة من شانها أن تجعله يدل على الرضاء ( [29] ) . هذه الظروف الملابسة ضرب لها القانون الجديد الأمثلة الآتية :
( 1 ) إذا كان العرف التجاري الذي جرى عليه العمل قضي بأن السكوت يدل على الرضاء ( [30] ) ، كما إذا أرسل المصرف بيانا لعمليه عن حسابه في المصرف ، وذلك أن عدم الاعتراض على هذا البيان يعد إقراراً له ( [31] ) ، أو كانت طبيعة المعاملة تقضي بذلك ، كما إذا أرسل التاجر البضاعة لمن طلبها وأضاف في ” الفاتورة ” شروط مستجدة سكت عنها المشتري ولم يبادر إلى رفضها ( [32] ) .
( 2 ) إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين كما إذا اعتاد عميل استيراد البضائع التي يريدها من تاجر بالكتابة إليه فيرسل له التاجر ما يريد دون أن يؤذنه بالقبول . فإذا طلب العميل شيئاً وظل التاجر ساكتاً كعادته كان للعميل أن يعتبر هذا السكوت رضاء وأن التاجر سيرسل له ما طلب كما عودة ( [33] ) . وقد يكون هناك عقد سابق بين الطرفين ، فيستخلص السكوت قبولا إذا كان العقد الجديد من مكملات تنفيذ العقد السابق ، أو معدلا له ، أو فاسخاً ( [34] ) .
( 3 ) إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه وسكت هذا ، فيعتبر سكوته رضاء ، كالهبة التي لا تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت ، وكعارية الاستعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت ( [35] ) .
وليس فيما تقدم إلا امثلة لم ترد على سبيل الحصر ، فكل سكوت تلازمه ملابسات تدل على الرضاء فهو ” سكوت ملابس ” ( [36] ) ( silence circonstancie ) ، ويعتبر قبولا ، كما إذا علم الموكل بمجاوزة الوكيل حدود الوكالة فإن سكوته إجازة ، وكالمالك الحقيقي في بيع ملك الغير إذا علم بالبيع وسكت دون عذر كان سكوته إقراراً للبيع . في كل هذا لو كان الساكت أراد أن يعترض لتكلم ، ولكنه سكت في معرض الحاجة إلى الكلام ، ويقول فقهاء الشريعة الإسلامية هنا أيضاً : ” السكوت في معرض الحاجة بيان ” .
الحالة الثانية – تنفيذ العقد قد يقوم مقام القبول:
يعتبر القضاء المصري أن التنفيذ الاختياري للإيجاب يقوم مقام القبول ، فيتم العقد به ، ويعتبر قبولا ضمنياً ( [37] ) . أما الزمان والمكان اللذان يتم فيها العقد فيتبع في شأن تحديدهما القواعد العامة إذ لا يوجد نص خاص في ذلك . وتقضي القواعد العامة – على ما سنرى – أن العقد يتم وقت أن يعلم الموجب بهذا التنفيذ الاختياري وفي المكان الذي علم فيه ذلك ( م 97 ) ، ما لم يوجد اتفاق بين المتعاقدين يحدد وقتاً أو مكاناً آخر ، كأن يتضح من إرادة الموجب أنه قصد أن يتم العقد من وقت التنفيذ وفي مكانه فيقوم الموجب له بالتنفيذ وفقاً لهذه الإرادة .
وكانا لمشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذه المسألة ، فكانت المادة 143 من هذا المشروع تقضي بأنه ” إذا تبين من إرادة الموجب أو من طبيعة التعامل أو من مقتضى العرف أن تنفيذ العقد يقوم مقام القبول ، فإن العقد يعتبر قد تم في الزمان وفي المكان اللذين بدأ فيهما التنفيذ . ويجب في هذه الحالة المبادرة بإخطار الطرف الآخر ببدء التنفيذ ” . ولكن هذا النص حذف في المشروع النهائي ، حذفته لجنة المراجعة لأنه ” من التفصيلات التي لا ضرورة لها ( [38] ) ” . على أن النص لو استبقى لبقى وقت تمام العقد ومكانه محددين بحصول التنفيذ لا بعلم الموجب به متى اتضح ذلك ، لا من إرادة الموجب فحسب ، بل أيضاً من طبيعة التعامل أو من مقتضى العرف ، ولوجب على الموجب له أن يبادر بإخطار الموجب ببدء التنفيذ ، ولا يكون هذا الأخطار إلا إبلاغاً للقبول الضمني الذي صدر منذ أن وقع البدء بالتنفيذ ( [39] ) .
الحالة الثالثة – القبول في عقود المزاد:
هناك عقود تتم في بعض الأحيان لا من طريق الممارسة ، بل من طريق المزايدة . واهم هذه العقود البيع والإيجار . فالبيع الجبري عن طريق القضاء أو عن طريق الإدارة يتم بالمزاد . وكذلك البيوع التي تجريها المحاكم الحسبية . وقد يقع البيع الاختياري كذلك بطريق المزاد إذا اختار البائع هذا الطريق . وكثيرا ما تؤجر الجهات الحكومية ووزارة الأوقاف أراضي وعقارات بطريق المزاد . ويعنينا في العقود التي تتم بالمزايدة أن نعرف متى يتم الإيجاب ومتى يتم القبول . فقد بظن أن طرح الصفقة في المزاد هو الإيجاب ، والتقدم بالعطاء هو القبول . وليس هذا صحيحاً . فإن طرح الصفقة في المزاد لا يعدو أن يكون دعوة إلى التعاقد عن طريق التقدم بعطاء ، والتقدم بعطاء هو الإيجاب . أما القبول فلا يتم إلا برسو الم 1زاد ، ويكون هو إرساء المزاد على من يرسو عليه . وهذا هو الذي جرى عليه القضاء المصري في ظل القانون القديم ، فقد كان يعتبر التقدم بالعطاء إيجاباً لا قبولا ، ويرتب على ذلك جواز الرجوع فيه قبل إرساء المزاد ( [40] ) .
وأكد هذا المبدأ القانون الجديد بنص صريح . فقضت المادة 99 بما يأتي : ” لا يتم العقد في المزايدات إلا برسوم المزاد ، ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه ولو كان باطلا ( [41] ) ” . والعطاء يكون باطلا إذا صدر مثلا من شخص لا يجوز له التعاقد في الصفقة المطروحة في المزاد ، كقاض يتقدم بعطاء في مزاد لبيع عين متنازع عليها إذا كان نظر النزاع يقع في اختصاصه . ويكون قابلا للإبطال إذا صدر مثلا من قاصر أو محجور عليه . فإذا بطل العطاء في الحالين لم يبطل أثره وهو إسقاط العطاء الذي تقدمه .
الحالة الرابعة – القبول في عقود الإذعان:
دائرة عقود الإذعان : قد يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب ، فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مناقشة ومفاوضة ، بل هي في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو أن يدع . ولما كان في حاجة إلى التعاقد على شيء لا غناء عنه ، فهو مضطر إلى القبول . فرضاؤه موجود ، ولكنه مفروض عليه . ومن ثم سميت هذه العقود بعقود الإذعان ( [43] ) . هذا الضرب من الإكراه ليس هو المعروف في عيوب الإرادة ، بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر منه متصلا بعوامل نفسية .
ويتبين مما تقدم أن عقود الإذعان لا تكون إلا في دائرة معينة تحددها الخصائص الآتية : ( 1 ) تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين . ( 2 ) احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً ، أو على الاقل سيطرته عليها سيطرة تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق . ( 3 ) صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستر أي لمدة غير محددة . ويغلب أن يكون في صيغة مطبوعة تحتوى على شروط منفصلة لا تجوز فيها المناقشة وأكثرها لمصلحة الموجب ، فهي تارة تخفف من مسئولية التعاقديية وأخرى تشدد في مسئولية الطرف الآخر ، وهي في مجموعها من التعقيد بحيث يغم فهمها على أوساط الناس .
وأمثلة هذه العقود كثيرة : فالتعاقد مع شركات النور والماء والغاز ، ومع مصالح البريد والتلغراف والتلفون ، وعقد النقل بوسائله المختلفة من سكك حديدية وكهربائية وبواخر وسيارات وطيارات وغير ذلك ، والتعاقد مع شركات التامين بأنواعه المتعددة ، وعقد العمل في الصناعات الكبرى ، كل هذا يدخل في دائرة عقود الإذعان . ومن ثم نرى أن القبول في هذه العقود هو كما قدمنا إذعان . فالموجب يعرض إيجابه في شكل بات نهائي لا يقبل مناقشة فيه ، فلا يسع الطرف الآخر إلا أن يقبل إذ لا غنى له عن التعاقد ، فهو محتاج إلى الماء والنور والغاز ، وكثيرا ما تعرض له حاجة إلى الاتصال بالناس عن طريق التراسل ولا بد له من التنقل والسفر في بعض الأحايين ، وهو مضطر إلى العمل ليكسب ما يقوم بأوده . وقد نصت المادة 100 من القانون الجديد على هذا المعنى في العبارات الآتية : ” القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ( [44] ) ” .
طبيعة عقود الإذعان:
وقد انقسم الفقهاء في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين . فبضعهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقودا حقيقية ، ويذهب فريق آخر إلى إنها لا تختلف عن سائر العقود .
أما الفريق الأول – وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتابعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجيه وهوريو – فينكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية ، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار ، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ . فقعد الإذعان أقرب إلى أن يكون قانونا أخذت شركات الاحتكار الناس باتباعه فيجب تفسيره كما يفسر القانون ، ويرعى في تطبيقه مقتضيات العدالة وحسن النية ، وينظر فيه إلى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وضع لتنظيمها . ويرى الأستاذ ديموج ، ويتفق في هذا مع فقهاء القانون العام ، أن عقد الإذعان هو مركز قانوني منظم ( institution ) يجب أن يعني في تطبيقه بصالح العمل أولاً ، ثم بما يستحق الحماية من صالح كل من طرفي العقد .
ويرى الفريق الثاني – وهم غالبية فقهاء القانون المدني – أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين ، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود . ومهما قيل من أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الآخر ، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية ، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي ، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف ، فتضطرب المعاملات وتفقد استقرارها ، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي . ويكون ذلك بإحدى وسيلتين أو بهما معاً : الأولى وسيلة اقتصادية فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر ، والثانية وسيلة تشريعية فيتدخل المشرع – لا القاضي – لينظم عقود الإذعان .
حكم عقود الإذعان في القانون القديم والجديد:
وقد كانت الحماية في مصر ، في ظل القانون القديم ، حماية قضائية . فكان القضاء من جهة يعتبر عقود الإذعان عقوداً حقيقية واجبة الاحترام ( [45] ) ، فيحترم الشروط لمطبوعة ف يعقد الإيجار ( [46] ) ، وفي عقود التأمين ( [47] ) ، ويلزم من يتعامل مع شركة باحترام لوائحها المطبوعة ( [48] ) ، ومن يتعاقد مع مصلحة السكك الحديد بمراعاة نظمها ولوائحها ( [49] ) . ويقيد المستخدم في عقد العمل باحترام لوائح الخدمة التي يخضع لها ( [50] ) . إلا أن مع ذلك يغلب الشروط المكتوبة على الشروط المطبوعة ( [51] ) ، ويبطل الإعفاء الإتفاقي من المسئولية ( [52] ) ، ويفسر الالتزام في مصلحة الطرف المذعن ( [53] ) ، وينسخ الإرادة السابقة بالإرادة اللاحقة ( [54] ) .
وجاء القانون الجديد فجعل الحماية تشريعية ، ونظم بنصوص خاصة عقد التزام المرافق العامة وعقد العمل وقد التأمين . وأتى بنصوص عامة لتنظيم عقود الإذعان كافة ، فجعل بذلك للقضاء المصري في ظل القانون القديم سنداً تشريعياً في عهد القانون الجديد ، ومهد أمامه الطريق ليخطو خطوات أوسع في حماية الجانب المذعن . وندع النصوص الخاصة في العقود التي سلفت الإشارة إليها تدرس في مواضعها . ونقتصر هنا على إيراد النصوص العامة .
فقد نصت المادة 149 على أنه ” إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة . ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ( [55] ) ” . وهذا النص في عمومه وشموله أداة قوية في يد القاضي يحمى بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات الاحتكار . والقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً ، ولا معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به . فإذا كشف شرطاً تعسفياً في عقد إذعان ، فله أن يعدله بما يزيل اثر التعسف ، بل له أن يلغيه ويعفى الطرف المذعن منه ، ولم يرسم المشرع له حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة . ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته هذه باتفاق خاص على ذلك ، فإن مثل هذا الاتفاق يكون باطلا لمخالفته للنظام العام ، ولو صح للجأت إليه شركات الاحتكار وجعلته شرطاً مألوفاً ( clause de style ) في عقودها .
ونصت المادة 151 على ما يأتي : ” 1 – يفسر الشك في مصلحة المدين .
2 – ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ( [56] ) ” . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي ويراعى من ناحية أخرى أن الأصل أن يفسر الشك في مصلحة المدين عند غموض عبارة التعاقد غموضاً لا يتيح زواله . وقد استثنى المشروع من حكم هذا الأصل عقود الإذعان ، فقضى أن يفسر الشرك فيها لمصلحة العاقد المذعن ، دائناً كان أو مديناً . فالمفروض أن العاقد الآخر ، وهو أقوى العاقدين ، يتوافر له من الوسائل ما يمكنه من أن يفرض على المذعن عند التعاقد شروطاً واضحة بينة . فإذا لم يفعل ذلك اخذ بخطأه أو تقصيره وحمل تبعته ، لأنه يعتبر متسبباً في هذا الغموض من وجه : أنظر المادة 1288 من التقنين الاسباني وكذلك المادة 915 من التقنين النمساوي وهي تنص على أن إبهام العبارة يفسر ضد من صدرت منه ( [57] ) ” .
الحالة الخامسة – القبول في عقود الجماعة وفي العقود النموذجية:
تضمن المشروع التمهيدي نصين ن احدهما خاص بعقود الجماعة ( contrats collectives ) ، والثاني بالعقود النموذجية ( contrats – type ) .
فكانت المادة 146 من المشروع التمهيدي تنص على أنه ” في عقود الجماعة يتم القبول برضاء الأغلبية ، وترتبط الأقلية بهذا القبول ” . ومثل عقود الجماعة عقد العمل الجماعي ( contrat collectif du travail ) ، وهو العقد الذي ينظم شروط العمل ما بين طائفة أصحاب الأعمال وطائفة العمال . ويتم الإيجاب والقبول فيه برضاء الأغلبية من كل من الطائفتين . وترتبط الأقلية بالعد . وهنا نرى أن كل فرد من الأقلية قد ارتبط بعقد لم يقبله ولم يكن طرفاً فيه ، وأصبح لا يستطيع الانحراف في عقد فردي عن نصوص العقد الجماعي . وفي هذا خروج بين على القواعد المدنية ، يعلله أن عقود الجماعة أقرب إلى القوانين منها إلى العقود ، وهي على كل حال تنشيء مراكز قانونية منظمة ( institutions ) .
وكانت المادة 147 من المشروع التمهيدي تنص على أنه ” إذا وضعت السلطة العامة أو أية هيئة نظامية أخرى نموذجاً لأحد العقود ، فإن من يبرم هذا العقد ويحيل على النموذج يتقيد بالشروط على الوردة فيه ” . والعقد النموذجي هو الذي تضعه سلطة عامة أو أية هيئة نظامية أخرى ، كعقود الإيجار النموذجية التي تضعها وزارة الأوقاف أو المجالس البلدية أو النقابات . ويقضى النص السالف الذكر بأن من يتعاقد محيلا في تعاقده على عقد نموذجي يتقيد بالشروط الواردة فيه ، لأن الإحالة عليه تفترض أن المتعاقد قط اطلع على ما ورد فيه من الشروط وارتضاها .
وقد حذف هذان النصان في المشروع النهائي ، حذف الأول لأن مكانه يحسن أن يكون في تشريع خاص ، وحذف الثاني لوضوح الحكم الوارد فيه ( [58] ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( [1] ) هناك عقود تتم عادة دون مفاوضات تسبقها ، منها : العقود المألوفة في الحياة اليومية كمن يأكل في مطعم أو ينزل في فندق أو يشتري صحيفة ، والعقود التي تبرم دون سابق مفاوضة في الحياة التجارية وهي تقتضي السرعة في البت والتعامل ، وعقود الإذعان وهي تتميز بايجاب بات في بادئ الأمر يعقبه اذعان من المتعاقد الآخر أو قبول لا بد منه على ما سنرى .
( [2] ) وقد سبت الإشارة إلى هذا النص عند الكلام في التعبير الصريح والتعبير الضمني ( انظر فقرة 76 ) ، وبينا هناك أن هذا النص في حذف في لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه ، إذ يسهل على القضاء تطبيق هذا الحكم دون نص عليه .
( [3] ) 2 مارس سنة 1904 م 16 ص 147 – انظر أيضاً حكماً آخر في 24 ابريل سنة 1902 م 14 ص 264 .
( [4] ) استئناف مختلط في 30 يناير سنة 1896 م 8 ص 101 – وفي ) يونيه سنة 1898 م 10 ص 322 – وفي 8 مارس سنة 1900 م 12 ص 156 – وفي 2 مارس سنة 1904 م 16 ص 147 – وفي 21 ابريل سنة 1904 م 16 ص 213 – وفي 15 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 32 – وفي 13 مارس سنة 1945 م 57 ص 88 .
( [5] ) استئناف مختلط في 21 مايو سنة 1879 بوريللي بك م 301 فقرة 5 – وفي 18 يناير سنة 1912 م 24 ص 100 – وفي 23 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 62 .
( [6] ) محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة في 6 يناير سنة 1923 جازيت 14 ص 13 رقم 17 .
( [7] ) أنظر كتاب ” نظرية العقد ” للمؤلف ص 244 – ص 246 .
( [8] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 130 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – إذا حدد ميعاد للقبول التزم الموجب بإيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد . 2 – وقد يستخلص الميعاد ضمناً من الظروف أو من طبيعة التعامل ” . وفي لجنة المراجعة اقترح أن يكون التزام الموجب لا بإيجابه بل بالبقاء على إيجابه ، فإن هذا أدق في الدلالة على المعنى المقصود ، فوافقت اللجنة على ذلك كما ادخلت بعض تعديلات لفظية ، وأصبح رقم المادة 95 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 95 . ووافقت عليها كذلك لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 93 . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 36 – ص 38 ) .وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يسبق هذا النص جاء فيه ما يأتي : ” كل من صدر منه إيجاب يلتزم بإيجابه ما لم يصرح بأنه غير ملزم أو ما لم يتبين من الظروف أو من طبيعة التعامل أنه لم يقصد أن يلتزم بإيجابه ” ( م 129 من المشروع التمهيدي ) . وحذف هذا النص في المشروع النهائي اكتفاء بالنص الذي استبقى في حالة الإيجاب المقترن بأجل ، إذ أن هذه الحالة هي وحدها التي تظهر فيها الفائدة العملية من القول بالضفة الملزمة للإيجاب . أما إذا لم يقترن الإيجاب بأجل ، فيمكن القول بأنه لو كان النص المحذوف قد استبقى لأفاد أن الموجب يبقى في هذه الحالة ملزماً بالبقاء على إيجابه المدة المعقولة ، وحذف النص جعله غير ملزم . ولكن الفائدة العملية من هذا القول تكاد تكون معدومة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 30 ) .
( [9] ) هذه العبارات مأخوذة من المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 37 ) .
( [10] ) وقد كانت المادة 132 من المشروع التمهيدي تجري على هذا الوجه ، وحذفت في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 40 ) . ويلاحظ إننا انتقلنا في هذا الفرض من تعاقد يصدر الإيجاب فيه لحاضر في مجلس العقد إلى تعاقد يصدر الإيجاب فيه لغائب .
( [11] ) أنظر في مثل ثالث لتحديد ميعاد للقبول تحديداً ضمنياً محكمة الاستئناف المختلطة في 18 يناير سنة 1912 م 24 ص 100 .
هذا وتقديم عطاء في مناقصة متى وصل إلى علم من وجه إليه العطاء – والعلم هنا يقع على تقديم العطاء في ذاته ولا يشمل مضمون العطاء لأن هذا يكون سريا كما تقضي بذلك طبيعة المعاملة – يكون ملزماً لا يجوز الرجوع فيه حتى قبل فض المظاريف ، لأن الإيجاب قد أقترن بأجل ضمني هو الميعاد الذي حدد لإرساء العطاء .
( [12] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 36 – وانظر أيضاً في هذا المعنى محكمة الاستئناف المختلطة في 17 نوفمبر سنة 1917 م 3 ص 62 .
( [13] ) كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يعدد الحالات التي يسقط فيها الإيجاب ، فكانت المادة 133 من هذا المشروع تنص على ما يأتي : ” يسقط الإيجاب : 1 ) إذا انقضت صفته الملزمة قبل أي قبول . 2 ) إذا رفضه من وجه إليه . 3 ) إذا كان من وجه إليه الإيجاب قد عارضه بإيجاب آخر ” . ولما عرضت هذه المادة على لجنة المراجعة قررت حذفها لأنها تشتمل على تعداد يحسن تركه للفقه ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 40 – ص 41 في الهامش ) .
( [14] ) أنظر في حالة وصول القبول متأخراً ، سواء لأنه صدر بحيث يصل في الميعاد ولكنه وصل متأخراً بالفعل أو صدر بحيث لا يمكن أن يصل في الميعاد ، نظرية العقد للمؤلف ص 253 حاشية رقم 1 و 2 . هذا وقد كانت الفقرة الأولى من المادة 141 من المشروع التمهيدي تجري على الوجه الآتي : ” يعتبر القبول بعد الميعاد بمثابة إيجاب جديد ، ومع ذلك إذا كان القبول قد أرسل في الوقت المناسب ، ولكنه وصل إلى الموجب بعد الميعاد ، وكان الموجب ينوي إلا يرتبط بهذا القبول ، وجب عليه ، إن علم أن القبول رغم تأخره في الوصول قد أرسل في الوقت المناسب ، أن يخطر الطرف الآخر فوراً بتأخر القبول ، فإذا نهاون في الأخطار اعتبر القبور غير متأخر ” وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا النص ما يأتي : ” ويجب التفريق بين القبول الذي يرسل بعد انقضاء الميعاد المحدد له وبين القبول الذي يرسل في الوقت المناسب ولكن يتأخر وصوله إلى الموجب . فالقبول الثاني دون الأول هو الذي يرتب على عاتق الموجب ، إذا انصرفت نيته إلى عدم الارتباط به ، الالتزام بأن يخطر الآخر فوراً بذلك . فإذا تهاون في الأخطار وأصبح التأخير بذلك منسوباً إلى خطئه ، فيعتبر أن القبول قد وصل في الوقت المناسب ” . ولما عرض النص على لجنة المراجعة قررت حذفه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 49 – ص 51 ) .
( [15] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 131 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد ( فيما عدا فروقا لفظية طفيفة ) . ولما تلى النص في لجنة المراجعة لوحظ أن المشروع اخذ بنظرية مجلس العقد في الفقه الإسلامي على أن يكون مفهوماً أنه لم يرد الإمعان في وجهة النظر المادية التي نراها عادة في كتب الفقه . فوافقت اللجنة على النص بعد تعديلات لفظية طفيفة ، وأصبح رقم المادة 96 في المشروع النهائي ، ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 96 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تساءل أحد الاعضاء عما إذا كان من الممكن الاستغناء عن الفقرة الثانية من المادة فأجيب بالنفي لأن تلك الفقرة تعالج حكم القبول إذا صدر قبل ارفضاضا مجلس العقد . وقد وافقت اللجنة ووافق مجلس الشيوخ على المادة تحت رقم 94 . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 39 – ص 44 ) .
( [16] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 42 .
( [17] ) أنظر المادة 4 من تقنين الالتزامات السويسري والمادة 147 فقرة 1 من التقنين الألماني .
( [18] ) نحن هنا نأخذ بالمذهب الحنفي وهو المذهب الذي قصد القانون الجديد أن يستمد منه في هذه المسألة . وقد اختلفت الحنفية مع الشافعية في ذلك . فالحنفية يرون كما قدمنا جواز القبول ولو تراخى عن الإيجاب ما دام قد صدر في مجلس العقد . أما الشافعية فيشترطون الفور في القبول ، فإذا لم يصدر القبول فوراً سقط الإيجاب ولو لم يرجع فيه الموجب . ولكنهم في الوقت ذاته يقولون بخيار المجلس ، فيجوز للموجب له أن يرجع في قبوله قبل انفضاض مجلس العقد . ومن ثم أصبح مذهب الشافعي ، بفضل هذه الصياغة الفنية ، معقولا ، وأصبح الفرق بينه وبين المذهب الحنفي محدود المدى من الناحية العملية . فالحنفية يقولون إن الموجب له يستطيع أن يؤخر قبوله إلى ما قبل انفضاض المجلس ، والشافعية يقولون بل يجب أن يقبل فورا ، ولكنه يستطيع الرجوع في قبوله إلى ما قبل انفضاض المجلس . أما المذهب الملاكي فيشترط الفورية كالذمهب الشافعي ، ويمنع خيار المجلس كالمذهب الحنفي ، وهذا هو مذهب القوانين الحديثة . ولم يختره القانون الجديد لما ينطوي عليه من ضيق وحرج . وتنقل هنا بعض ما جاء في البدائع في هذه المسألة : ” وأما الذى يرجع إلى مكان العقد فواحد وهو اتحاد المجلس ، بأن كان الإيجاب والقبول في مجلس واحد . فان اختلف المجلس لا ينعقد ، حتى لو أوجب أحدهما البيع فقام الاخر عن المجلس قبل القبول أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلاف المجلس ثم قبل لا ينعقد ، لان القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر في المجلس ، لانه كما وجد احدهما انعدم في الثاني من زمان وجوده ، فوجد الثاني والاول منعدم فلا ينتظم الركن ، الا ان اعتبار ذلك يؤدى إلى انسداد باب البيع ، فتوقف أحد الشطرين على الآخر حكما . وجعل المجلس جامعا للشطرين مع تفرقهما للضرورة ، وحق الضرورة يصير مقضيا عند اتحاد المجلس ، فإذا اختلف لا يتوقف . وهذا عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله الفور مع ذلك شرط لا ينعقد الركن بدونه . وجه قوله ما ذكرنا ان القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر والتأخر لمكان الضرورة وانها تندفع بالفور . ولنا ان في ترك اعتبار الفور ضرورة لان القابل يحتاج إلى التأمل ، ولو اقتصر على الفور لا يمكنه التأمل ” ( البدائع 5 ص 137 ) .
هذا التحليل الرائع هو الذي تقف عنده . ولا نجاري المذهب الحنفي بعد ذلك في تصويره لمجلس العقد تصويراً مادياً ضيقاً يخرج به عن مقتضيات الحياة . وهذا بعض ما جاء في البدائع في صدد هذا التصوير الضيق : ” وعلى هذا إذا تبايعا وهما يمشيان أو يسيران على دابتين أو دابة واحدة في محمل واحد ، فان خرج الإيجاب والقبول منهما متصلين انعقد ، وان كان بينهما فصل وسكوت وان قل لا ينعقد ، لان المجلس تبدل بالمشى والسير وان قل . . . ولو تبايعا وهما واقفان انعقد لاتحاد المجلس . ولو أوجب أحدهما وهما واقفان فسار الآخر قبل القبول أو سارا جميعا ثم قبل لا ينعقد ، لانه لما سارا وسارا فقد تبدل المجلس قبل القبول ، فلم يجتمع الشطران في مجلس واحد . . . . . ولو تبايعا وهما في سفينة ينعقد ، سواء كانت واقفة أو جارية ، خرج الشطران متصلين أو منفصلين ، بخلاف المشى على الأرض والسير على الدابة ، لان جريان السفينة بجريان الماء لا بإجرائه ، ألا ترى أن راكب السفينة لا يملك وقفها فلم يكن جريانها مضافا إليه فلم يختلف المجلس ، فأشبه البيت . بخلاف المشى والسير . أما المشى فظاهر لانه فعله ، وكذا سير الدابة مضاف إليه ، ألا ترى انه لو سيرها سارت ولو وقفها وقفت ، فاختلف المجلس بسيرها ” ( البدائع 5 ص 137 ) . ونرى من ذلك أن فقهاء الحنفية يشترطون اتحاد المجلس الحقيقي ، ثم يقلبون المسألة على وجوهها المنطقية ، فيخلص لهم أنه إذا اختلف المجلس بالتنقل الاختياري ( المشي أو السير على الدابة ) لا ينعقد البيع ، أما إذا اختلف بالتنقل غير الاختياري ( جريان السفينة ) ينعقد . وفي هذا ذهاب بالمنطق إلى ابعد مدى ، وفيه من الحرج في التعامل مالا يخفى ، إذ يمتنع على ” شخصين يمشيان أنو يسافران على دابة أو على غيرها من وسال النقل أن يتعاقدا لاختلاف المجلس ، مع أنه لا يوجد ما يدعو إلى الوقوف عند الاتحاد الحقيقي للمجلس ، فيكفي الاتحاد الحكمي ، وقد اقر فقهاء الحنفية هذا الاتحاد الحكمي في التنقل غير الاختياري للضرورة ، والضرورة ذاتها هي التي تقضي علينا أن نكتفي بالاتحاد الحكمي في التنقل الاختياري أيضاً . وقد أراد شارح المجلة الأستاذ سليم باز رفع الحرج في حالة يكثر وقوعها وهي السفر بالسكة الحديدية ، فذكر في هذه المسألة ما يأتي : ” أما لو تبايعا وهما في السفينة فإنه يصح لكون السفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها لأنهما لا يملكان إيقافها ( طحطاوي عن النهر ) ، قلت ومثل السفينة سكة الحديد ” ( شرح المجلة لسليم باز ص 86 ) .
( [19] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 – ص 46 .
( [20] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 في الهامش . وقد جاء أيضاً في المذكرة الإيضاحية في صدد النشرات والإعلانات التي يوجهها التجار إلى الجمهور ما يأتي : ” وقد تقدم في الفقرة الثانية من المادة 134 من المشروع أن النشرات والإعلانات وقوائم الأسعار التي يجري التعامل بها وغير ذلك من البيانات الموجهة للجمهور أو الافراد تعتبر في الأصل دعوة لحث الناس على الإيجاب . فليس ينصرف حكم النص في الصورة التي يواجههاالى الإيجاب النهائي الملزم الذي ينقلب إلى ارتباط تعاقدي متى اقترن به القبول ، وإنما ينصرف هذا الحكم إلى مجرد الدعوة للتقدم بالإيجاب . والاستجابة لهذه الدعوة هي التي تعتبر إيجاباً نهائيا ملزما ، يمتاز عما عداه من ضروب الإيجاب بأن من وجه إليه لا يجوز له أن يرفضه لغير سبب مشروع ” ، ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 في الهامش ) .
( [21] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 46 . أنظر أيضاً محكمة استئناف أسيوط في 3 يونيه سنة 1948 المحاماة 28 رقم 273 ص 805 .
( [22] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 138 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد مع بعض فروق لفظية . ولما تلى في لجنة المراجعة لاحظ بعض الأعضاء أن التمييز بين المسائل الجوهرية والمسائل التفصيلية أمر دقيقي في بعض الأحوال ، فلا يحسن تركه لتقدير القاضي خشية التحكم ، ودارت مناقشة طويلة حول هذه المسألة ، واستقر الرأي على إبقاء المادة بعد تعديلات لفظية تحت رقم 97 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليها دون تعديل ، ثم وافق عليها كل من لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 95 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 – ص 49 ) . وانظر أيضاً المادة 2 من تقنين الالتزامات السويسري والمادة 61 فقرة 2 من تقنين الالتزامات البولوني .
( [23] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وفي هذه الحالة يتولى القاضي أمر الفصل في المسائل التفصيلية التي أرجئ الاتفاق عليها ما لم يتراض العاقدان بشأنها . وعلى هذا النحو يتسع نطاق مهمة القاضي ، فلا يقتصر على تفسير إرادة العاقدين بشأنها . وعلى هذا النحو يتسع نطاق مهمة القاضي ، فلا يقتصر على تفسير إرادة العاقدين ، بل يستكمل ما نقص منها ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 46 ) .
( [24] ) يؤيد ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” ومهما يكن من أمر فينبغي التنويه بأن هذه الأحكام لا تعدو أن تكون مجرد تفسر لإرادة المتعاقدين . فإذا تعارض هذا التفسير مع ما أراده المتعاقدان ، بأن اشترطا صراحة أو ضمنا أن يكون العقد باطلا عند عدم الاتفاق على المسائل التي احتفظ بها ، وجب الاحترام هذه الإرادة ، ولا يتم العقد ما لم يحصل الاتفاق على تلك المسائل ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 47 ) .
( [25] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 141 من المشروع التمهيدي ، وكانت هذه المادة تشتمل على فقرتين ، حذفت الفقرة الأولى منهما في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، أما الفقرة الثانية فجاءت مطابقة للنص الذي ورد في القانون الجديد . وقد وافقت عليها لجنة المراجعة ومجلس النواب ولجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ دون تعديل ، وأصبحت المادة 96 في القانون الجديد ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 49 – ص 51 ) .
( 26 )* بعض المراجع :
بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 108 – ديموج في الالتزامات 1 فقرة 185 وما بعدها و 2 فقرة 556 – فاليري ف يالعقد بالمراسلة فقرة 21 وما بعدها وتعليقاته في داللوز 1905 – 1 – 345 و 1908 – 2 – 10 و 1913 – 1 – 281 – جيز في نظرية العمل السلبي ( مجلة القانون العام 10905 ص 746 ) – بارولت في السكوت باعتباره منشئاً للالتزامات ديجون 1912 – كوهن في العقد بالمراسلة باريس 1921 ص 103 وما بعدها – ليفي ديجون 1912 – كوهن في العغقد بالمراسلة باريس 1921 ص 103 وم ابعدها – ليفي ديجون 1927 – كوهين ( Cohin ) في العمل السلبي الخاطئ باريس 1929 – أوبري ورو 4 فقرة 343 – بودري وبارد 1 فقرة 44 – فقرة 48 – بنكاز تكملة بودري 2 فقرة 395 – والتون 1 ص 197 – ص 199 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 160 – فقرة 166 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 54 – الدكتور حشمت أبو ستيت فقرة 88 .
( [26] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ينبغي التفريق بين التعبير الضمني عن الااردة وبين مجرد السكوت . فالتعبير الضمني وضع ايجابي ، أما السكوت فهو مجرد وضع سلبي . وقد يكون التعبير الضمني بحسب الأحوال ايجاباً أو قبولا ، أما السكوت فمن الممتنع على وجه الاطلاق أن يتضمن ايجاباً ، وإنما يجوز في بعض الفروض الاستثنائية أن يعتبر قبولاً ” مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 57 ) .
( [27] ) قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن سكوت الحكومة عن الرد على صاحب مصنع يطلب ترخيصاً لإقامة آلة ميكانيكية في مصنعه لا يعد قبولا أو ترخيصا من جانبها حتى لو تأخرت الحكومة عن الرد في الميعاد القانوني وحتى لو حصل صاحب المصنع على تصريحات شفيوة من بعض الموظفين بأن الحكومة ستعطيه الترخيص المطلوب ( 26 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 123 ) . وكذلك قضت محكمة إسكندرية الابتدائية المختلطة في دائرتها التجارية بأن سكوت المشتري أكثر من ثمانية أيام دون أن يرد على بعرض يعرضه البائع ويشترط فيه شرطاً في صفقة ظلت المفاوضات دائرة فيها بين البائع والمشتري مدة أسابيع عديدة لا يعتبر رضاء من المشتري ، بل يجب أن يكون رضاؤه واضحاً جلياً بعد هذه المفاوضات الطويلة ( 6 ديسمبر سنة 1926 جازيت 17 ص 187 رقم 276 ) . وقضت المحاكم الفرنسية بأن مجرد سكوت شخص عن الرد على خطاب يعتبره فيه مرسله مساهما في شركة معينة ويخبره فيه أنه سجل في حسابه قيمة الأسهم التي احتسبها عليه ، لا يعتبر قبولا بالاكتتاب في الأسهم المذكورة ( نقض فرنسي في 25 مايو سنة 1870 داللوز 70 – 1 – 257 وفي 18 أغسطس سنة 1909 داللوز 1910 – 1 – 207 ) ، وبان الناشر الذي يرسل لشخص دون سابق اتفاق مجلة دورية لا يحق له أن يعتبر هذا الشخص قد اشترك في هذه المجلة ما دام لم يصدر منه قبول بذلك ، ولا يعتبر قبولا مجرد امتناع هذا الشخص عن رد المجلة حتى لو ذكر في المجلة أن عدم الرد يعد قبولا بالاشتراك ( محكمة السين الابتدائية في 19 ابريل سنة 1893 جازيت دي باليه 93 – 2 – 162 – محكمة دوية الإستئنافية في 10 مارس سنة 1874 داللوز 74 – 2 – 153 ) ويلاحظ أن من يتلقى المجلة ويسكت ، إذا كان سكوته لا يعد قبولا ، فإن قبوله قد يستخلص ضمناً من أعمال مادية ايجابية يقوم بها ، كأن يواظب على تسلم المجلة وقراءتها بانتظام ( أنظر دي هلتس 1 لفظ ( convention ) فقرة 6 ) .
( [28] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 142 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد فيما عدا فروقا لفظية طفيفة وفيما عدا عبارة وردت في المشروع التمهيدي في آخر الفقرة الثانية نصها كالآتي : ” ويكون كذلك سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولا لما ورد في ( القانون ) من شروط ” . ووافقت لجنة المراجعة على النص ، بعد إدخال تعديلات لفظية طفيفة ، وأصبح رقم المادة 100 في المشروع النهائي ، ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 100 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اعترض على الجزء الأخير من الفقرة الثانية ” ويكون كذلك سكوت المشتري ألخ ألخ ” . وبعد المناقشة قررت اللجنة بقاء المادة مع حذف هذا الجزء الأخير لأنه يواجه تطبيقاً يحسن أن يترك فيه التقدير للقضاء في كل حالة بخصوصها ، وأصبح رقم المادة 98 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 64 ) . وانظر فيما يقابل هذا النص المادة 6 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 180 من قانون الالتزامات اللبناني .
( [29] ) ويجوز أن يكون السكوت بمنزلة القبول لا بالنسبة إلى إتمام العقد فحسب ، بل وكذلك بالنسبة إلى إلغائه أو الإقالة منه ( استئناف مختلط 11 ابريل سنة 1917 م 29 ص 358 ) .
( [30] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ويجوز أن يجعل عرف التجارة للسكوت شان التبول . وتفريعا على ذلك قضى بأنه لا تجوز المنازعة في بيع يعتبر ف يعرف السوق تامان وفقاً للشروط المدونة في بطاقة أو مذكرة لم يردها العاقد من فوره ، متى كان هذا العرف يفرض على من يطلب نقض البيع بعد فوات الوقت أن يقيم الدليل على عدم انعقاد العقد ، وهو دليل لا يسوغ للعاقد أن يستخلصه من إهماله أو خطئه الشخصي ( استئناف مختلط في 12 فبراير سنة 1930 م 42 ص 272 ) ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 59 ) .
( [31] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 22 مارس سنة 1905 م 17 ص 169 – 9 ديسمبر سنة 1909 م 22 ص 73 – 3 فبراير سنة 1915 م 27 ص 146 – 2 مايو سنة 1916 م 28 ص 287 – 14 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 111 – ويلاحظ أن الأحكام السابقة إذا اعتبرت السكوت موافقة على الحساب المقدم ، فإنها تستثنى حالة الغلط في الحساب والحذف والإضافة والتزوير ، وما إلى ذلك ، فمثل هذا يصحح .
( [32] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 12 فبراير سنة 1930 م 42 ص 272 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) – نقض فرنسي في 11 يوليه سنة 1923 سيريه 1924 – 1 – 117 – وفي 15 يوليه سنة 1926 سيريه 1926 – 1 – 262 .
( [33] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 27 ابريل سنة 1899 م 11 ص 200 – 2 مايو سنة 1912 م 24 ص 315 – 18 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 56 .
( [34] ) مثل استكمال تنفيذ العقد مشتر لآلات ميكانيكية استنفد الأجل المضروب لفحص هذه الآلات وطلب أجلاً جديدا لفحص تكميلي كان متوقعا في عقد البيع ، فله أن يعتبر سكوت البائع رضاء بمنحه هذا الأجل الجديد ( تقض فرنسي في 7 مارس سنة 1905 سيري 1905 – 1 – 427 ) . ومثل تعديل العقد ما قضت به محكمة الاستئناف المختلطة من أنه إذا عدل البائع من شروط البيع فلم يضرب للتسليم أجلاً محددا بل جعله في أقرب ميعاد مستطاع ، وسكت المشتري على ذلك ، فسكوته يعتبر رضاء بهذا التعديل ( استئناف مختلط 18 نوفمبر سنة 1915 م 38 ص 56 ) . ومثل فسخ العقد أن شخصاً أوصى بكميات كبيرة من الفحم من انجلترا ، ثم نشبت الحرب ، فأخبره المصنع أنه يستحيل عليه إرسال ما يطلب بعد أن منعتة الحكومة الانجليزية تصدير الفحم ، فسكت ، ثم عاد بعد ذلك يطالب المصنع بتنفيذ تعهده . فقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه بصرف النظر عما إذا كان التزام المصنع أصبح تنفيذه مستحيلا بقوة قاهرة ، فإن سكوت المشتري قد جعل المصنع على حق في اعتقاده بفسخ العقد ( 11 ابريل سنة 1917 م 29 ص 358 ) .
( [35] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الشخص الذي يصدر منه إيجاب بضمان آخر يريد استئجار عين من الحكومة يعد مقيداً بهذا الضمان بمجرد رسو المزاد على من كفله دون حاجة لقبول الكفالة من جانب الحكومة ، إذ السكوت في هذه الحالة يعتبر قبولا ( 13 فبراير سنة 1896 م 8 ص 118 ) .
( [36] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” أما السكوت فمن الممتنع على وجه الإطلاق أن يتضمن إيجاباً ، وإنما يجوز في بعض فروض استثنائية أن يعتبر قبولا . وقد تناول النص هذه الفروض ، وتقل بشأنها عن تقنين الالتزامات السويسري ضابطاً مرنا يهيئ للقاضي أداة عملية للتوجيه قوامها عنصران : أولهما التثبت من عدم توقع أي قبول صريح ، وهذه الواقعة قد تستخلص من طبيعة التعامل أو من عرف التجارة وسنتها أو من ظروف الحال . والثاني التثبت من اعتصام من وجه إليه الإيجاب بالسكوت فترة معقولة . . . ويراعى . . . أن انقضاء الميعاد المعقول أو المناسب هو الذي يحدد وقت تحقق السكوت النهائي الذي يعدل القبول ويكون له حكمه ، وفي هذا الوقت يتم العقد . أما فيما يتعلق بمكان الانعقاد فيعتبر التعاقد قد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجب عند انقضاء الميعاد المناسب إذ هو يعلم بالقبول في هذا المكان . ولم تعرض التقنينات اللاتينية ، فيما عدا استثناءات خاصة ، لقيمة السكوت كطريق من طرق التعبير عن الإرادة . بيد أن التقنينات الجرمانية وغيرها من التقنينات التي تأثرت بها تورد على النقيض من ذلك أحكاماً وافية في هذا الشأن . ويستخلص من دراسة مختلف المذاهب ومقارنتها في النصوص التشريعية وأحكام القضاء أن مجرد السكوت البسيط لا يعتبر إفصاحاً أو تعبيراً عن الإرادة . أما السكوت ” الموصوف ” وهو الذي يعرض حيث يفرض القانون التزاما بالكلام فلا يثير إشكالاً ما ، لأن القانون نفسه يتكفل بتنظيم أحكام . وليس يبقى بعد ذلك سوى ” السكوت الملابس ” وهو ما تلابسه ظروف يحمل معها محمل الإرادة ، فهو وحده الذي يواجهه النص ، محتذياً في ذلك حذو أحدث التقنينات وأرقاها ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 57 – ص 58 ) .
( [37] ) قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن تنفيذ أحد العاقدين لاتفاق رغم وجود بعض مآخذ كان بوسعه أن يتمسك بها قبل التنفيذ يحول دون طلب القضاء بإبطال هذا الاتفاق أو تعديل شروطه فيما بعد ( 20 مارس سنة 1935 م 47 ص 213 ) . وقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة بأنه يجوز أن يستفاد الرضاء من القيام بعمل من أعمال التنفيذ لا سبيل معه إلى الشك في انصراف نية العاقد الذي لم يوقع العقد إلى القبول ( 6 يونية سنة 1916 جازيت 7 ص 19 ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن خير طريقة لتفسير العقد تستخلص من التنفيذ الذي ارتضاه العاقدان ( 16 مايو سنة 1916 م 28 ص 233 – 16 فبراير سنة 1922 م 34 ص 182 ) . وقضت أيضاً بأن شركة المياه التي تعاقدت مع مشترك على توريد المياه له على أساس الربط الجزاف لا يجوز لها أن تلزمه بدفع ثمن ما يستهلكه على أساس ما يحتسبه العداد ما لم تقم الدليل على إنها ألغت التعاقد على أساس الربط الجزاف ( 21 مارس سنة 1917 م 29 ص 301 – 24 ابريل سنة 1930 م 42 ص 447 ) .
( [38] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 56 – ص 57 . وانظر المادة 3 من المشروع الفرنسي الإيطالي .
( [39] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يتناول هذا النص حالة تقرب من حالة السكوت . إلا أن التنفيذ الاختياري الذي يكون متقدما على الرد يدخل في نطاق القبول الضمني . ويراعى أن الأخطار ببدء التنفيذ ليس إلا إبلاغاً للقبول الضمن الذي صدر منذ أن حدث البدء في التنفيذ . فهذا الحادث هو الذي يحدد الزمان والمكان اللذين يتم فيهاما العقد دون حاجة إلى انتظار علم الموجب بذلك . وقد استثنيت هذه الحالة كما استثنيت حالة السكوت من حكم القاعدة التي تقضي بأن التعاقد ما بين الغائبين يعتبر تاما في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 56 – ص 57 في الهامش ) . ويلاحظ أنه اشير في المذكرة الإيضاحية إلى استثناء حالة السكوت أيضاً من حكم القاعدة التي تقضي بأن التعاقد ما بين الغائبين يعتبر تاما في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول . وهذا يحتاج إلى تفصيل . فقد رأينا فيما قدمناه في موضع آخر من المذكرة الإيضاحية أن هذا الاستثناء لا يقوم إلا في تحديد الزمان . أن تحديد المكان فتجري عليه القاعدة العامة ، ويعتبر التعاقد عن طريق السكوت قد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجب عند انقضاء الميعاد المناسب إذ هو يعمل بالقبول في هذا المكان . على أن الاستثناء بالنسبة إلى زمان العقد ليس إلا استثناء ظاهريا ، إذ أن السكوت إذا اعتبر قبولا يكون صدوره والعلم به حاصلين في وقت واحد ، فلا ؟؟؟ نظريتي الإعلان والعلم في هذا الخصوص .
( [40] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن العطاء الذي يتقدم به شخص في بيع يجري بالمزاد العلني أمام المجلس الحسبي ، ثم يرجع فيه قبل موافقة المجلس ، يعتبر إيجاباً يجب أن يتعلق به قبول المجلسن ويجوز على ذلك الرجوع فيه قبل القبول ( 9 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 ص 281 ) . وقد يشترط من يطرح الصفقة في المزاد صراحة أن له الخيار بلا قيد في قبول أي عطاء أو رفضه ، فيكون الشرط صحيحاً . وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بأنه إذا عرضت في المزاد ارض لتأجيرها على مقتضى شروط واردة بقائمة المزاد تتضمن أن لصاحب الأرض الخيار بلا قيد في قبول أو رفض أي عطاء ، فإن تقديم العطاء ، ومجرد قبول المالك لجزء من التامين النقدي وتحريره إيصالاً عنه لم ينص فيه إلا على أن صاحب العطاء ملتزم بدفع باقي التامين في اجل حدده بكتابة منه على القائمة ولم يشر فيه بشيء إلى حقوق صاحب الأرض الواردة في قائمة المزاد ، بل بالعكس اشر على القائمة في يوم حصول المزاد الذي حرر فيه الإيصال بأن المالك لا يزال محتفظا بحقه في قبول أو رفض العطاء – كل ذلك لا يفيد تمام عقد الإيجار بين الطرفين ، ولا يمنع المالك من أن يستعمل حقه في قبول العطاء أو عدم قبوله في أي وقت شاء حتى بعد انصراف صاحبه . فإذا هو فعل ذلك في نفس اليوم فقبل عطاء آخر بأجرة أكثر وحرر بالفعل عقد الإيجار بعد أن دون هذا العطاء الآخر في القائمة قبل إقفال المزاد ، كان هذا هو العقد التام اللازم ( نقض مدني في 15 ديسمبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 149 ص 443 ) .
أما إذا أرسى من طرح الصفقة المزاد على من رسا عليه ، فقد تم العقد ولا يجوز للراسى عليه المزاد الرجوع فيه بعد ذلك . وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأنه ما دام قد ثبت بمحاضر جلسة المجلس الحسبي أن الراسى عليه المزاد قبل الشراء بثمن معين ، ووافق المجلس الحسبي على هذا الثمن وقرر إيقاع البيع ، وما دام الإيجاب والقبول قد وقعا ممن يملكون التعاقد وحصل الاتفاق على المبيع والثمن ، فيكون البيع قد تم ، ولا عبرة بتحرير العقد لأن العقد ليس إلا السند الكتابي للبيع ، وليس للراسي عليه المزاد أن يرجع بعد ذلك في العقد من تلقاء نفسه ، لأنه لا يملك الجوع بغير إرادة الطرف الآخر ( 14 فبراير سنة 1935 المحاماة 15 رقم 317 / 2 ص 372 ) .
وقد يقدم شخص عطاء يكون عرضاً مستجداً ومستقلا عن شروط المناقصة ، فإذا قبله من طرح الصفقة في المناقصة تم العقد بينهما ، ولا يجوز الرجوع فيه بعد ذلك ( أنظر في هذا المعنى : نقض مدني في 13 يناير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 368 ص 699 ) .
ويلاحظ في كل ما قدمناه أن هذا هو القضاء المصري في ظل القانون القديم ، حيث كان الإيجاب غير ملزم ويجوز الرجوع فيه مادام أنه لم يقترن بالقبول . أما في ظل القانون الجديد حيث الإيجاب ملزم إذا اقترن بأجل ولو ضمني ، فقد قدمنا أن صاحب العطاء لا يجوز له الرجوع في عطائه بعد أن يصل العطاء إلى علم من وجه له ، لأن العطاء يعتبر إيجاباً ملزماً إذ هو قد اقترن بأجل ضمني هو فض المظاريف وإرساء العطاء على من يرسو عليه .
( [41] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 144 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” لا يتم العقد في المزايدات إلا برسو المزاد . ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه ، أو باقفال المزاد دون أن يرسو على أحد ” . ولما تلى النص في لجنة المراجعة ، اضافت اللجنة عبارة ” ولو كان باطلا ” بعد عبارة ” عطاء يزيد عليه ” ، وأصبح رقم المادة 101 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 101 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تناقش الأعضاء في حكم المزايدات التي يشترط في اعلانها أن لصاحب الشان الحق في رفض أو قبول أي عطاء يقدم فيها ، فقيل إن إرساء المزاد لا يتم إلا باستعمال حق الخيار المشروط في الإعلان ، وفي حكم المزايدات الحكومية التي تحتاج إلى تصديق طبقا للقواعد المالية ، فقيل أنه لا يمكن إرساء المزاد إلا بعد التصديق عليه إذ التصديق هو القبول بارساء ممن يملكه . وسال أحد الأعضاء كيف يكون العطاء باطلا ، فاجيب . بإمكان تحقق ذلك فيما لو كان صاحب العطاء قاصراً أو معتوهاً . ثم وافقت اللجنة على المادة مع حذف عبارة ” أو بإقفال المزاد دون أن يرسو على أحد ” ، وقد راعت في ذلك أن الارساء هو الذي يتم به العقد ، فإيراد هذه العبارة يكون مجرد تزيد قد يحمل على محمل آخر . وأصبح رقم المادة 99 . ثم وافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 64 – ص 67 ) . هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ينطبق هذا النص على جميع عقود المزايدات ، وبوجه خاص على البيوع والإيجارات التي تجري بطريق المزايدة وهو يحم خلافاً طال عهد الفقه به . فافتتاح المزايدة على الثمن ليس في نطق النص إلا دعوة للتقدم بالعطاءات . والتقدم بالعطاء هو الإيجاب . أما القبول فلا يتم إلا برسو المزاد . وقد اعرض المشروع عن المذهب الذي يرى في افتتاح المزايدة على الثمن إيجاباً وفي التقدم بالعطاء قبولا . ويراعى أن العطاء الذي تلحق به صفة القبول ، وفقاً لحكم النص ، يسقط بعطاء يزيد عليه حتى لو كان هذا العطاء باطلا أو قابلا للبطلان ، بل ولو رفض فيما بعد . ويسقط كذلك إذا اقفل المزاد دون أن يرسو على أحد . وليس في ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة ، فما دام التقدم بالعطاء هو الإيجاب فهو يسقط إذا لم يصادفه القبول قبل انقضاء الميعاد المحدد . أما الميعاد في هذا الفرض فيحدد اقتضاء من دلالة ظروف الحال ومن نية المتعاقدين الضمنية ، وهو ينقضي بلا شك عند التقدم بعطاء اكبر أو بإقفال المزاد دون أن رسو على أحد ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 64 – ص 65 ) . نضيف إلى ما تقدم أن العطاء اللاحق يسقط العطاء السابق ، لا باعتباره تصرفا قانونياً بل باعتباره واقعة مادية . ولا يمنع العطاء اللاحق أن يكون واقعة مادية أنه وقع باطلا كتصرف قانوني .
* بعض المراجع ك سالي في إعلان الإرادة 229 وما بعدها – ديجيه في تطورات القانون الخاص ص 121 – الدولة والقانون الموضوعي والقانون الوضعي ص 55 – هوريو في مبادئ القانون العام ص 207 – ريبير في القاعدة الخلقية في الالتزامات ص 55 وما بعدها – بلانيول وريبير وإسمان 1 ص 122 وما بعدها – ديموج في الالتزامات 2 ص 616 وما بعدها – موران 0 ( Morin ) في القانون والعقد سنة 1927 ص 36 وما بعدها – ديريه ( dereux ) في تفسير الأعمال القانونية باريس سنة 1905 ص 152 و ص 210 – جونو ( Gounot ) في مبدأ سلطان الإرادة ديجون سنة 1909 ص 227 وما بعدها – دولا ( Dollat ) باريس سنة 1905 – فورتييه ( Fortier ) ديجون سنة 1909 – بيشون ( Pichon ) ليون سنة 1913 – سارا ريم ( Sarat – Remy ) في مراجعة الشروط التعسفية في عقود الإذعان باريس سنة 1928 – ميسول ( Missol ) في عقد التأمين كعقد من عقود الإذعان باريس سنة 1934 – ساليه ( Salle ) في التطور الفني للعقد باريس سنة 1930 ص 11 وما بعدها – جوسران في مجموعة دراسات جيني جزء 2 ص 333 – وفي مجموعة دراسات لامبير جزء 3 ص 143 – ومقال في مجلة القانون المدني ربع السنوية سنة 1937 ص 21 – نظرية العقد للمؤلف ص 279 – ص 288 – الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 222 – ص 226 – الدكتور احمد حشمت أبو ستيت ص 82 – ص 85 – الدكتور محمد عبد الله العربي في الإكراه الاقتصادي ليون سنة 1924 – الدكتور عبد المنعم فرج الصدة في عقود الإذعان في القانون المصري القاهرة سنة 1946 .
( [43] ) ويسمى الفرنسيون العقود التي يكون فيها القبول على النحو المتقدم بعقود الانضمام ( contrats d’adhesion ) ، لأن من يقبل العقد إنما ينضم إليه دون أن يناقشه . وهذه تسمية ابتدعها الأستاذ سالي في كتابه الإعلان عن الإرادة ( ص 229 – ص 230 ) . وقد آثرنا أن نسمى هذه العقود في العربية بعقود الإذعان ، لما يشعر به هذا التعبير من معنى الإضرار في القبول . وقد صادفت هذه التسمية رواجاً في اللغة القانونية من فقه وقضاء ، وانتقلت إلى التشريع الجديد .
( [44] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 145 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” القبول في عقود الإذعان يكون مقصورا على التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ” . ولما تلى النص في لجنة المراجعة أدخلت عليه تعديلات لفظية أصبح بعدها مطابقاً للنص الوارد في القانون الجديد ، وأصبح رقم المادة 102 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النوابعلى المادة دون تعديل . ووافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ على المادة دون تعديل تحت رقم 100 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 67 – ص 71 ) . وانظر المادة 172 الفقرة الثانية من قانون الالتزامات اللبناني . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” من حق عقود الإذعان وهي ثمرة التطور الاقتصادي في العهد الحاضر ، أن يفرد لها مكان في تقنين يتطلع إلى مسايرة التقدم الاجتماعي الذي اسفرت عنه الظروف الاقتصادية . وقد بلغ من أمر هذه العقود أن اصبحت ، في رأي بعض الفقهاء ، سمة بارزة من سمات التطور العميق الذي اصاب النظرية التقليدية للعقد . على أن المشروع لم يرمجاراة هذا الرأي إلى عايته ، بل اجتزأ بذكر هذه العقود ، واعتبر تسليم العاقد بالشروط المقررة فيها ضربا من ضروب القبول . فثمة قبول حقيقي تتوافر به حقيقة التعاقد . ومع ذلك فليس ينبغي عند تفسير هذه العقود إغفال ما هو ملحوظ في إذعان العاقد ، فهو أقرب إلى معنى التسليم منه إلى معنى المشيئة . ويقتضي هذا وضع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود تختلف عن القواعد التي تسري على عقود التراضي . وقد أفرد المشروع لهذه القاعدة نصاً خاصاً بين النصوص المتعلقة بتنفيذ العقود وتفسيرها . وتتميز عقود الإذعان عن غيرها باجتماع مشخصات ثلاثة : اولها تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين . والثاني احتكار هذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها . والثالث توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع أو المرافق إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها . وعلى هذا النحو يعتبر من عقود الإذعان تلك العقود التي يعقدها الافراد مع شركات الكهرباء والغاز والمياه والسكك الحديدة ، أو مع مصالح البريد والتليفونات والتلغرافات ، أو مع شركات التأمين ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 68 – ص 69 .
( [45] ) استئناف مختلط في 20 يونية سنة 1928 م 40 ص 437 .
( [46] ) عقد الإيجار للمؤلف فقرة 129 ص 129 هامش رقم 2 .
( [47] ) استئناف مختلط في 29 يناير سنة 1890 م 2 ص 360 – وفي 11 ابريل سنة 1906 م 18 ص 188 .
( [48] ) استئناف مختلط في 7 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 44 – وفي ) مارس سنة 1929 جازيت 20 ص 108 .
( [49] ) استئناف مختلط في 20 ابريل سنة 1927 م 39 ص 405 – محكمة الإسكندرية الجزئية المختلطة في 25 يونية سنة 1921 جازيت 12 ص 35 – محكمة القاهرة التجارية الوطنية في 30 اكتوبر سنة 1948 المحاماة 28 رقم 443 ص 1076 .
( [50] ) استئناف مختلط في 22 يناير سنة 1919 م 31 ص 134 – وفي 19 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 41 .
( [51] ) محكمة مصر الكلية الوطنية في 21 ابريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 126 ص 267 – محكمة الإسكندرية التجارية المختلطة ؟؟؟ 1915 جازيت 6 ص 22 .
( [52] ) استئناف مختلط في 11 يونية سنة 1913 م 25 ص 435 – وفي 10 ينايرة سنة 1924 م 36 ص 140 – وفي 6 مايو سنة 1926 م 38 ص 396 – وفي 7 مايو سنة 1947 م 59 ص 207 .
( [53] ) استئناف مختلط في 12 ابريل سنة 1926 م 40 ص 295 . وتشدد المحاكم في إعمال شرط من شروط الإسقاط في بوليصة التأمين : استئناف مختلط في 6 ديسمبر سنة 1944 م 57 ص 18 – وفي 17 مارس سنة 1948 م 60 ص 86 .
( [54] ) وقد قضت محكمة مصر الابتدائية المختلطة بأن اعتياد شركة التأمين على أن تقصد المؤمن له في محل إقامته لنستوفى الأقساط يلغى الشرط القاضي بأن الدفع يكون في محل الشركة ( 16 يناير سنة 1928 جازيت 20 رقم 93 ص 87 ) .
( [55] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 217 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان الطرف المذعن بقبوله دون مناقشة ما عرض عليه لم ينتبه إلى بعض الشروط التعسفية التي تضمنها العقد ، جاز للقاضي أن يجعل ذلك محلا للتقدير ” . فاقترحت لجنة المراجعة تعديله على الوجه الآتي : ” إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية ، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن عن تنفيذها ، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلا كل اتفاق على خلال ذلك ” . وأصبح رقم المادة 153 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ اقترحت إضافة عبارة في آخر النص هي ما يأتي : ” دون إخلال بحق المذعن في التعويض إن كان له محل ” ، لأنه لا يكفي في مثل هذه العقود أن يعفي القاضي المذعن من تنفذها ، بل يجب أيضاً تعويضه إن كان للتعويض محل . وبعد أن وافقت اللجنة على هذا الاقتراح رجعت في موافقتها ورفعت هذه الإضافة لأن القواعد تغني عن الحكم الوارد في العبارة المضافة ، واستبدلت كلمة ” منها ” بعبارة ” من تنفيذها ” . وأصبح رقم المادة 149 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 291 – ص 294 ) . هذا ويلاحظ مما تقدم أن النص الذي كان وارداً في المشروع التمهيدي اضعف من نص القانون الجديد في ناحيتين : الأولى أنه يشترط في الشروط التعسفية أن يكون الطرف المذعن لم يتنبه إليها ، والثانية أن الجزاء على شرط تعسفي لم يتنبه له الطرف المذعن جاء منطوياً على شيء من الغموض ، فلم يصرح النص بأن للقاضي أن يعدل الشرط أو يلغيه ، بل اقتصر على القول بأنه يجوز للقاضي أن يجعله محلا للتقدير . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” في هذا النطاق الضيق يطبق هذا الاستثناء ، فلا يبلغ الأمر حد استبعاد الشرط الجائر بدعوى أن المذعن قد أكره على قبوله متى تنبه إليه هذا العاقد وارتضاه . فالإذعان لا يختلط بالإكراه ، بل إن التوحيد بينهما أمر ينبو به ما ينبغي للتعامل من أسباب الاستقرار . ثم إن ما يولى من حماية إلى العاقد المذعن ينبغي أن يكون محلا لأحكام تشريعية عامة – كما هو الشأن في حالة الاستغلال – أو لتشريعات خاصة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 292 ) . ولا شك أن النص الذي خرج به القانون الجديد أصلح في معالجة استغلال الطرف المذعن من نص المشروع التمهيدي . وقد زاده مجلس الشيوخ تأكيداً ، فقد كانت العبارة الواردة فيه : ” أو أن يعفى الطرف المذعن منها ” قد وردت على النحو الآتي : ” أو أن يعفى الطرف المذعن من ؟؟؟ ” ، فرؤى أن الإعفاء يكون من الشرط التعسفي ذاته لا من تنفيذه فحسب .
( [56] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 216 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” يفسر الشرك في مصلحة المدين ” ، وفي الفقرة الثانية من المادة 217 على الوجه الآتي : ” لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ” . فضمت الفقرتان في مادة واحدة في لجنة المراجعة ، وأصبح رقمها 155 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليهادون تعديل . ثم وافقت عليها لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ دون تعديل تحت رقم 151 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 299 – ص 301 ) .
( [57] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 300 – هذا وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في ظل القانون القديم أن عقد التأمين يفسر لمصلحة المؤمن له ( 28 مايو سنة 1941 م 93 ص 205 ) .
( [58] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 67 – ص 68 في الهامش . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذين النصين في المشروع التمهيدي ما يأتي : ” لا يطرأ على القبول في عقود الجماعة مجرد عرض يغير من أوصافه ، بل يجاوز أمره ذلك فيصبح القبول معدوماً على وجه الإطلاق . والحق أن هذه العقود وهي من ابرز مظاهر النشاط الاقتصادي الحديث لا تنطوي على حقيقة التعاقد . وأظهر ما يكون هذا المعنى بالنسبة للأقلية التي ترتبط بقبول الأغلبية دون أن ترتضي ذلك . وقد بلغ من أمر الثغرة التي أصابت مبدأ سلطان الإرادة من جراء هذا الوضع أن أصبح اصطلاح ” الارتباطات النظامية ” أغلب على الالسنة في هذا المقام من اصطلاح ” عقود الجماعة ” . وقديما وعت قوانين التجارة في نظام الصلح في الافلاس صورة من صور هذه العقود . بيد أن صورة أخرى أعظم أهمية وابلغ أثراً قد أخذت بظهور عقد العمل الجماعي مكانها في الحياة الاقتصادية الحديثة تحت ضغط حركات العمال والنقابات . فقد يتفق أرباب العمل والعمال على قواعد خاصة بشروط العمل ، وبهذا يتكون عقد جماعة يرتبط به أولئك وهؤلاء جميعاً سواء فيهم من قبل أو من لم يقبل . ويترتب على ذلك بطلان كل حكم في عقود العمل الفردية يتعارض مع نصوص هذا العقد . ويجب التفريق بين عقود الجماعة والعقود النموذجية ، فللأخيرة حقيقة التعاقد . وإحالة الطرفين إلى النموذج التي تولت وضعه أو إقراره السلطات العامة أو الهيئات النظامية ( كالنقابات مثلا ) تفترض قبولهما للشروط الواردة فيه ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 68 في الهامش ) .