دراسة قانونية حول اثر الصكوك الاسلامية في تحقيق التنمية

دراسة قانونية حول اثر الصكوك الاسلامية في تحقيق التنمية

رسالة دكتوراه في الحقوق كلية الحقوق – قسم الشريعة الإسلامية – جامعة المنصورة

موضوع‭ ‬الصكوك‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬المهمة،‭ ‬إذ‭ ‬يرتبط‭ ‬بموضوعات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬منها‭: ‬القرض،‭ ‬المضاربة،‭ ‬الإجارة‭.. ‬وغيرها‭. ‬وتعد‭ ‬الصكوك‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعاصر،‭ ‬خاصة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬وهي‭ ‬تعد‭ ‬صيحة‭ ‬تمويلية‭ ‬جديدة‭ ‬مبعثها‭ ‬فقه‭ ‬المعاملات‭ ‬الإسلامية‭.‬

والصكوك‭ ‬أداة‭ ‬تمويلية‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬افتقدته‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬الشراكة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬التنمية‭ ‬بصيغ‭ ‬المضاربة‭ ‬والمشاركة‭ ‬والتحول‭ ‬عن‭ ‬التمويل‭ ‬بالمرابحة‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭.‬

إعداد‭ ‬وتقديم‭: ‬د‭. ‬كوثر‭ ‬الأبجي

الطالب‭ :‬‭ ‬محمود‭ ‬محمد‭ ‬طلعت‭ ‬سعد‭ ‬أمين‭ ‬

قضايا‭ ‬مهمة

يأتي اختيار هذا الموضوع نتيجة للأسباب الآتية:

1- ما أثير من تباين في وجهات النظر بين رجال الدين ورجال القانون حول الأخذ بنظام الصكوك الإسلامية لحل الأزمة الاقتصادية، ومدى مطابقة الأخذ بنظام الصكوك مع الشريعة الإسلامية.

2- التأكيد على صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في كل زمان ومكان.

3- التأكيد على فضل السلف من الفقهاء والمحدثين وغيرهم من العلماء لما قدموه من خدمات جليلة للأمة.

4- حاجة المجتمع الماسة إلى بديل للقروض الربوية والسندات.

وبذلك يهدف البحث إلى بيان ماهية الصكوك مقارنة بمصادر التمويل الأخرى وأنواعها وضوابط إصدارها وتداولها وآثارها في التنمية الاقتصادية مع استعراض لتجربة نظام الصكوك في بعض الدول.

وقد استكمل الباحث دراسته للوفاء بأهدافه من خلال فصل تمهيدي وبابين كما يلي:

الفصل التمهيدي: تناول ماهية الصكوك وأهميتها وخصائصها والمقارنة بينها وبين مصادر التمويل المختلفة وذلك من خلال مبحثين.

وتوصل هذا الفصل إلى أن الصكوك وثائق متساوية القيمة يتم اصدارها وفقاً لضوابط ومعايير تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، تمثل حصة شائعة في ملكية محددة بمدة زمنية محددة، وتكمن أهميتها في أنها تشبع تفضيلات المدخرين وتسهم في تنمية أسواق رأس المال، ووسيلة عادلة في توزيع الثروة؛ حيث إنها تمكن المستثمرين من الانتفاع بالربح الحقيقي الناتج من المشروع، وتتنوع وفقاً للآجال والأغراض المختلفة، فضلاً عن أنها تساعد على إنشاء المشروعات العملاقة التي يصعب على القطاع الخاص أو الدولة القيام بها، حيث لا تظهر أرباح هذه المشروعات في المدى القريب، كما أنها تساعد أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة على المشاركة في تلك المشروعات وعدم احتكار أصحاب الأموال الطائلة لها والتحكم في اقتصاد السوق، مما يوجد فرص عمل كثيرة ويحقق العدالة الاجتماعية.. وهي من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية.

كذلك تبرز الصكوك الإسلامية الدور التنموي للمصارف الإسلامية بعيداً عن القروض بفائدة وعن المضاربات المحرمة، وهي بديل للسندات، وتجمع الصكوك بين خصائص الأسهم والسندات وتتلافى عيوبهما مما يجعلها من أفضل مصادر التمويل التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتوفر أيضاً الموارد التمويلية اللازمة للاستثمارات الإنتاجية طويلة الأجل التي تعد من أكبر معوقات التنمية في الدول الإسلامية.

كما أنها توفر تكلفة الفائدة، مما يؤدي إلى خفض تكلفة الإنتاج، ومن ثم سعر المنتج، مما يؤدي إلى تحسين الاقتصاد والمنافسة الفعالة داخل السوق المحلي والدولي.

صكوك‭ ‬الاستثمار

ومن أهم أنواع الصكوك صكوك الاستثمار التي تقوم على المشاركة في تمويل مشروع أو استثمار طويل أو قصير الأجل طبقاً للقاعدة الشرعية «الغنم بالغرم»، بما يعني المشاركة في الربح والخسارة، وهي تقارب نظام الأسهم؛ حيث تطرح الصكوك للاكتتاب العام، ولحامل الصك الحق في المشاركة في رأس المال والتداول، وله حق الهبة والإرث وما يتعلق بالمعاملات المالية من أحكام، وقد تقوم المصارف الإسلامية أو بيوت التمويل الإسلامي بإصدار هذه الصكوك بعد إنشاء المشروع، ويتم العمل طبقاً لقوانين الدولة التي يتم فيها المشروع، ولابد من تواجد هيئة للرقابة الشرعية للتأكد من أن كل ما يتعلق بهذه الصكوك يتم طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها ووفقاً لقوانين الدولة وتشريعاتها.

وهي بذلك تؤدي إلى دعم الاقتصاد الوطني باستغلال الثروات الطبيعية للدول النامية وإيجاد أـسواق جديدة للشركات الصناعية الكبرى بتصريف منتجاتها ونقل التكنولوجيا إليها دون الوقوع في أيدي الشركات الدولية التي تسعى دائماً إلى السيطرة على الثروات الطبيعية للدول النامية.

ومن أهم خصائص صكوك الاستثمار خلوها من الربا، كما أنها لا تخلق الائتمان، وتثبت لصاحبها حق ملكية شائعة في المشروع أو منافعه، وتستثمر في مجال مباح، وتعتمد على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة.

الباب الأول: يتعلق بأنواع الصكوك الإسلامية وضوابط إصدارها وتداولها، وذلك من خلال فصلين، حيث توصل الباحث إلى النتائج التالية:

ضوابط اصدار الصكوك وشروطها:

1- يجب أن يكون العقد مستوفياً لأركانه، وألا يتضمن شرطاً يخالف الشريعة الإسلامية، إذ يجب أن يتوفر بالعقد: «الصيغة، العاقدان، والمعقود عليه» فضلاً عن الشروط الأخرى، وهي تجنب المعاملات المحرمة مثل الغرر والربا.. الخ.

2- يجب أن يتضمن عقد الإصدار المعلومات الكافية شرعاً عن العاقدين والمشاركين في الإصدار كوكيل الإصدار ومدير الإصدار ومتعهد الدفع وأمين الاستثمار وغيرهم من الأطراف المشاركة، وبيان واجبات وحقوق كل منهم بياناً نافياً للنزاع والغرر.

3- يجب أن ينص العقد على الشروط التي تضمن منفعة مباحة للعاقدين في عقد الإصدار حتى يكون ذلك أبعد عن النزاع، بمعنى أنه لا يجوز أن تكون المنفعة محل العقد غير مشروعة مثل الخمر أو الخنزير… ونحوها.

4- يجب أن يتضمن تمهيد العقد بياناً للمصطلحات والتعريفات الواردة في العقد لمنع الخلاف بسبب تفسير ألفاظ العقد.

5- يجب أن يتضمن عقد الإصدار أحكام التداول والاسترداد والتخارج للصك، والأصل في تداوله الجواز ما لم يخالف الشريعة الإسلامية، فالصك يمثل حصة شائعة في موجودات الإصدار تستمر طيلة مدة الصك، ومن ثم يحق لحامله في هذه الحالة التصرف فيه إما بالبيع أو الشراء ولكن لا يجوز إجارة الصكوك.

والاسترداد جائز شرعاً إذا كان بالقيمة السوقية وليس بالقيمة الاسمية، كذلك فالتخارج جائز شرعاً إذا خلا من المحرمات كالربا أو شبهته.

الباب الثاني: يتناول آثار الصكوك الإسلامية ودورها في التنمية الاقتصادية وبعض التجارب في هذا المجال، وذلك من خلال فصلين. وتمثلت نتائجه فيما يلي:

تتضمن التنمية بمعناها الحضاري القدرة الذاتية على التحكم والتطور والابتعاد عن المحاكاة والتقليد، خاصة التحرر من التبعية الخارجية، حتى لا تتحكم الدول الكبرى بالضغط على الدول النامية، فيجب أن ترتبط التنمية بالاكتفاء الذاتي، وهو ما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

وتؤدي الصكوك إلى تحسين دخول أبناء المجتمع ومستويات معيشتهم بالتنمية عن طريق الزيادة في تدفقات الدخول الحقيقية، بمعنى زيادة كمية السلع والخدمات المقدمة لهم خلال وحدة زمنية محددة بما يرتبط بعناصر قابلة للحساب الكمي، كما تمثل التنمية عملية يزداد بواسطتها الدخل القومي الحقيقي خلال فترة زمنية ليست قصيرة بشرط أن يكون معدل زيادة الدخل الحقيقي أكبر من معدل زيادة السكان حتى يرتفع متوسط نصيب الفرد من هذا الدخل، فهي بذلك تعد تغيراً كيفياً في حياة الناس يمثل عملية حضارية متواصلة التطور.

وتتمتع الصكوك الإسلامية بالمرونة التي تجعلها حلاً لكافة المشكلات الاقتصادية، وبديلاً شرعياً لسياسات الخصخصة والاقتراض الربوي، كذلك المشكلات التقنية في تنفيذ البرامج المالية والسياسات النقدية المختلفة، وتؤدي الصكوك الإسلامية بأنواعها دوراً تنموياً كبيراً في الدول الإسلامية والعربية إذا تم استخدامها بالشكل المناسب، وتمكن القائمين عليها من استدراج الأموال المهاجرة وإشراك الفوائض المالية في التنمية التي يجب أن تشمل الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، كما تستعين ميزانية الدولة بالصكوك لتمويل عجز الميزانية بدلاً من الاقتراض الأجنبي الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية.

النتائج‭ ‬العامة‭ ‬للبحث

1- تعد الصكوك من أهم الأوراق التي لا تتأثر بالأزمات الاقتصادية لكونها تعتمد على الاقتصاد الحقيقي الذي يتمثل في السلع والخدمات، مما يجعلها أقل عرضة للمخاطر من غيرها من الأدوات المالية الأخرى.

2- تتميز صكوك الإجارة بالمرونة لأنها من الأوراق المالية القابلة للتداول، وبالتالي تتسم بالأهمية والمزايا، وهي جاذبة للمستثمرين.

3- يحقق صك القرض الحسن دوراً مهماً في التنمية من خلال القدرة على توفير التمويل لغير القادرين الذين لا يستطيعون تكلف عناء الفائدة بالبنوك الربوية محولاً هذه الفائدة إلى أرباح إضافية تمكن المستثمر من زيادة مدخراته، ومن ثم تزداد استثماراته وتنخفض تكلفة الإنتاج.

4- تعد الصكوك بديلاً شرعياً للسندات التي تعتمد على الفوائد المحددة مقدماً ولا تولي أهمية للربحية الحقيقية التي تقوم على المشروعات النافعة التي تحقق تنمية حقيقية وتقوم على مبدأ المضاربة الشرعية وتطبق أحكامها.

5- يجب أن يكون الصك مستوفياً لأركانه ولا يتضمن شرطاً يخالف قواعد وأحكام الشريعة.

6- تعد الصكوك الإسلامية أداة تمويلية إسلامية تتيح المشاركة الشعبية لدعم احتياجات ومتطلبات التنمية الاقتصادية بتوجيه أموالها نحو الاستثمار المباشر في القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة.

7- التنمية بمفهومها الحضاري هي القدرة الذاتية على التحكم والتطور والابتعاد عن المحاكاة والتقليد، والتحرر عن التبعية الأجنبية، حتى لا يقع المجتمع تحت سيطرة دولة أخرى.

8- تثبت الصكوك الإسلامية سبقاً تنموياً مهماً وكبيراً على مستوى العالم بالنسبة لمدارس الفكر القديمة والحديثة لمعالجة مشكلات تمويل العجز، وتتفق مع قواعد التشريع الإسلامي.

9- عند تحول مؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة من نظام الفائدة الربوية إلى الصكوك الإسلامية فهي تقيم تنظيماً فنياً وإدارياً جديداً، حيث تتحول أهدافها من إدارة الاقتراض إلى إدارة الاستثمار، ومن التركيز على الضمان إلى التركيز على الجدوى الاقتصادية.

10- حظيت الصكوك الإسلامية باهتمام دولي في تركيا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من دول العالم لإمكانية استخدامها سداً لعجز الموازنة وبديلاً مناسباً لاستخدام الفائدة خاصة بعد الأزمة العالمية الأخيرة.

11- تم عمل مؤشر للصكوك الإسلامية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

12- يحتاج المجتمع إلى دور مؤثر وفعال من المؤسسات الإعلامية للدول لنشر التوعية المطلوبة وتوضيح أهمية الصكوك ومخالفتها للأوعية التمويلية التقليدية.

13- بلغت إصدارات الصكوك في ماليزيا 67% من إصدارات الصكوك دولياً، تليها الإمارات العربية المتحدة بإصدارات تبلغ 8% من الإصدارات الدولية، ثم المملكة العربية السعودية
بنسبة 7%.

التوصيات

1- ضرورة قيام الحكومة والجهات التشريعية والتنظيمية والشركات والمؤسسات التابعة للدولة بتطبيق نظام الصكوك الإسلامية باعتبارها أداة تمويلية رئيسة وفعالة.

2- مراعاة تحقيق مقاصد التشريع الإسلامي عند تطبيق نظام الصكوك وبما يتفق مع العقود الشرعية.

3- ضرورة التعريف بأدوات التمويل الإسلامية ومميزاتها وجوانب اختلافها مع الأدوات التقليدية ومقاومة الأفكار السلبية عن الصكوك.

4- تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار باستخدام الصكوك للاستفادة من المدخرات.

5- توفير بيئة تشريعية مناسبة تساعد في إصدار الصكوك بما يحقق ذلك من نتائج إيجابية بتعزيز الإصدار ودعم اقتصاد السوق.

6- إنشاء هيئات تنظيمية ورقابية تتولى الإشراف على إصدار الصكوك وتداولها وتوافقها مع الشريعة الإسلامية بما يحقق سلامة إجراءاتها واتفاقها مع مصالح الدولة والمستثمرين ويضمن تضييق الخلاف الفقهي واستقرار السوق المحلي وزيادة الثقة والسلامة المالية.

7- مراعاة الضوابط الشرعية لكل الجهات التي تتعامل بالصكوك بشكل مباشر أو غير مباشر بما يحقق السلامة الشرعية لهذا النظام.

8- القيام بتوعية إعلامية لنشر ثقافة الصكوك داخل الدولة وخارجها لاستقطاب الأموال المستثمرة في الخارج.

9- سن القوانين والتشريعات المكملة التي قد يحتاجها تطبيق الصكوك الإسلامية في جميع مراحلها لاستخدامها
الاستخدام الأمثل.