السب والقذف من المسائل التي تخضع للتكييف القانوني لمحكمة النقض

السب والقذف من المسائل التي تخضع للتكييف القانوني لمحكمة النقض

 

الوقائـع:

أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح …. ضد الطاعنين . بوصف أنهما قذفا فى حق المدعى بالحقوق المدنية على النحو المبين بالأوراق . وطلب عقابهما بالمواد 302 ، 303 ، 305 من قانون العقوبات وإلزامهما بأن يؤديا له مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت .

والمحكمة المذكورة قضت عملاً بمواد الاتهام بتغريم كل متهم مائتى جنيه وإلزامهما بأن يؤديا للمدعى بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت . استأنفا ومحكمة …. ـ قضت بقبول الاستئناف شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية .

فطعنت النيابة العامة والمدعى بالحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض ومحكمة النقض قضت …. بقبول الطعن شكلاً ، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة …. لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى . ومحكمة الإعادة قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف . فطعن الأستاذ / …. المحامى بصفته وكيلاً عن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض … إلخ .

المحكمـة:

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القذف قد أخطأ فى تطبيق القانون ، ذلك بأنه اعتبر العبارات التى تضمنتها إعلانات البيع بالمزاد العلنى المنسوب إليهما إعدادها ووضعها فى الطريق العام قذفاً فى حق المدعى بالحقوق المدنية ، مع أنها مجرد إعلان قانونى عن البيع تمت تنفيذاً لأحكام القانون الخاص بإجراءات نشر ولصق الإعلانات فى حالة البيع الجبرى ، ولم تكن بقصد الإساءة إليه أو التشهير به ، مما يعيبه ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن نقل عن صحيفة الادعاء المباشر ما أورده المدعى بالحقوق المدنية بها بما مفاده أنه نظراً لمديونيته لبنك … بمبالغ نقدية قام الأخير باستصدار أمر بالحجز التحفظى على محل …. للملابس المملوك له ،

ثم قام الطاعنان وهما مدير البنك المذكور ونائبه بتعليق لافتات من القماش فى أربعة من شوارع …. وميادينها مدون عليها عبارة بيع المحل المذكور بيعاً جبرياً بالمزاد العلنى لصالح البنك ، رغم منازعة المدعى بالحقوق المدنية فى مقدار المبلغ المحجوز من أجله وأنه كان يتعامل مع البنك بصفته الممثل القانونى لشركة أخرى فضلاً عن عدم استيفاء ذلك البيع الجبرى لبعض من إجراءات صحته ، عرض الحكم للمستندات المقدمة من الطاعنين والمتضمنة الحكم النهائى المثبت لمديونية المدعى بالحقوق المدنية للبنك ، والأمر الصادر بتوقيع الحجز التحفظى على المحل المملوك له ، ومحضر وضع الأختام عليه ، وأورد بعض المبادئ القانونية المتعلقة بجريمة القذف ونصوص قانون المرافعات الخاصة بإجراءات نشر ولصق الإعلانات فى حالة البيع الجبرى ،

ثم خلص الحكم من ذلك إلى أن العبارات التى ضمنها الطاعنان لللافتات المعلقة ببعض شوارع وميادين … عن بيع محل … المملوك للمدعى بالحقوق المدنية بيعاً جبرياً بالمزاد العلنى لصالح البنك ، توجب احتقاره عند أهل وطنه وتضربه مادياً ومعنوياً وتقلل من احترامه بين زملائه التجار ، الأمر الذى يعد مكوناً لجريمة القذف الى انتهى الحكم إلى إدانتهما بها . لما كان ذلك ، وكانت المادة 302/1 من قانون العقوبات التى دين الطاعنان بمقتضاها قد نصت على أن : ” يعد قاذفاً كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه ” . وكان من المقرر أنه وإن كان المرجع فى تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف ، هو بما يطمئن إليه قاضى الموضوع فى تحصيله لفهم الواقع فى الدعوى ، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ فى تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم أو يمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها ،

كما أن تحرى ألفاظ المعانى التى استخلصتها المحكمة وتسميتها باسمها المعين فى القانون – سباً أو قذفاً – هو من التكييف القانونى الذى يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التى تهيمن على الاستخلاص المنطقى الذى يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة . لما كان ذلك ، وكان ما تضمنته اللافتات المنسوب إلى الطاعنين إعدادها ووضعها فى الطريق العام من عبارات إعلان عن بيع المحل المملوك للمدعى بالحقوق المدنية بيعاً جبرياً بالمزاد العلنى فضلاً عن أنها – وعلى ما يبين من المفردات المضمومة – قد صادفت حقيقة الواقع وجاءت على نحو يتفق وصحيح إجراءات القانون الخاصة بالإعلان عن البيع الجبرى ، ليس من شأنها أن تحط من قدر المدعى بالحقوق المدنية أو تجعله محلاً للاحتقار والازدراء بين أهل وطنه ، أو تستوجب عقابه أو خدش شرفة أو اعتباره ،

ومن ثم فهى لا تقع تحت نص المادة 302 من قانون العقوبات ولا تشكل أى جريمة أخرى معاقب عليها قانوناً ، فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة الطاعنين عن تلك الواقعة ودانهما بجريمة القذف يكون قد بنى على خطأ فى تأويل القانون ، وكان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة الطاعنين عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر طبقاً للمادتين 220 ، 253 من هذا القانون أن ولاية محكمة الجنح والمخالفات تقتصر بحسب الأصل على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم واختصاصها بنظر الدعوى المدنية الناشئة عنها – استثناء من القاعدة – مبنى على الارتباط بين الدعويين ووحدة السبب الذى تقام عليه كل منهما ومشروط فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية بحيث لا يصح رفعها استقلالاً أمام المحاكم الجنائية ،

ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعوى المدنية متى كان الفعل محل الدعوى الجنائية ومناط التعويض فى الدعوى المدنية المرفوعة تبعاً لها غير معاقب عليه قانوناً – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة – فإنه كان يتعين على المحكمة أن تقضى بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية .

لما كان ذلك ، وكان العيب الذى شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ فى تأويل القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها فى الحكم، فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم المحكمة فى الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون بنقض الحكم المطعون فيه دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن والقضاء بإلغاء الحكم المستأنف وببراءة الطاعنين مما أسند إليهما وبعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى المدنية المرفوعة عليهما من المطعون ضده وإلزامه بمصروفاتها ، دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع اعتباراً بأن الطعن لثانى مرة ، مادام العوار الذى شاب الحكم لم يرد على بطلان فيه أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه مما كان يقتضى التعرض لموضوع الدعوى .

(الطعن 2990 لسنة 64 ق جلسة 6/ 3/ 2003)