الفرق بين الشئ والمال في ضوء القانون المصري
الأشياء وتقسيمها إلى مادية وغير مادية – الشيء والمال – نص قانوني :
إن الشيء هو أكثر التصاقا وأشد ارتباطا بالحق العيني منه بالحق الشخصي . فالحق العيني سلطة قانونية مباشرة على الشيء محل الحق ، ومن ثم يتصل صاحب الحق بالشيء اتصالاً مباشراً دون وسيط . أما الحق الشخصي فعلاقة تقوم بين دائن ومدين ، قد يكون محلها شيئا ولكن الدائن لا يتصل بالشيء اتصالا مباشراً وإنما يتصل به بوساطة المدين .
وهذا يجعل الحق العيني – بخلاف الحق الشخصي – يتركز في الشيء وينصب عليه انصبابا مباشراً ، ويستدعي أن نمهد كما قدمنا للكلام في الحق العيني بالكلام في الشيء .
والشيء ، في نظر القانون ، هو ما يصلح أن يكون محلا للحقوق المالية . فشرط الشيء إذن أن يكون غير خارج عن التعامل ، أي قابلا للتعامل فيه . وتنص المادة 81 مدني في هذا الصدد على ما يأتي :
” 1 – كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلا للحقوق المالية ” .
” 2 – والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها ، وأما الخارجة بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية “( [1] )
تاريخ النص :
ورد هذا النص في المادة 111 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد فيما عدا فروقا لفظية طفيفة . ووافقت عليه لجنة المراجعة ، تحت رقم 83 في المشروع النهائي ، بعد إدخال بعض تعديلات لفظية . ووافق عليه مجلس النواب تحت رقم 83 . ووافقت عليه لجنة مجلس الشيوخ بعد إدخال بعضد تعديلات لفظية ، وصار رقمه 81 . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما أقرته لجنته تحت رقم 81 ، بعد أن جرت مناقشة طويلة في اقتراح تقوم به أحد أعضاء مجلس الشيوخ يرمي إلى إضافة فقرة للنص تقضي بجعل الكنائس والمعابد بمجرد بنائها والصلاة فيها مملوكة للهيئة الدينية العليا ، وقد رفض مجلس الشيوخ هذا الاقتراح ( مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 459 – ص 464) .
ولا مقابل للنص في التقنين المدني السابق ، ولكن حكمه يتفق مع القواعد العامة .
ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري : م 83 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي : م 81 ( مطابق ).
التقنين المدني العراقي : م 61 ( موافق ) .
قانون الملكية العقارية اللبناني : لا مقابل ( ولكن الحكم يتفق مع القواعد العامة . ) .
ويمكن اعتبار قابلية الشيء للتعامل فيه شرطا في الشيء كما اعتبرناها هنا ، وهذا ما يبدون أن التقنين المدني الجديد قد ذهب إليه إذ تقوم المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادة 81 مدني سالفة الذكر : ” وضع المشروع بهذه المادة أساس التفرقة بين الأشياء والأموال ، فبين أن الشيء غير المال ، وأنه ( أي الشيء ) لا يعدو أن يكون محلا للحقوق المالية ، بشرط ألا يكون خارجا عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون “
( [1] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 460 – وانظر في هذا المعنى شفيق شحاتة فقرة 21 ص 39 – ص 40 ) .
كما يمكن اعتبار قابلية الشيء للتعامل فيه أساسا لتقسيم الأشياء إلى أياء قابلة للتعامل فيها وأشياء غير قابلة للتعامل فيها ، فتكون الأشياء غير القابلة للتعامل فيها أشياء في نظر القانون كسائر الأشياء ولكن لا يجوز أن يترتب عليها حقوق مالية .
وسواء أخذنا بالاعتبار الأول أو بالاعتبار الثاني ، فالمهم في كل من الاعتبارين أن نحدد الأشياء غير القابلة للتعامل فيها ، وهذه قسمان : ( القسم الأول ) أشياء تخرج عن التعامل بطبيعتها ، وهي كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” التي يمكن أن ينتفع بها كل الناس بغير أن يحول انتفاع بعضهم دون انتفاع البعض الآخر ، كالهواء والماء الجاري وأشعة الشمس الخ . ولذلك عرفها المشروع بأنها الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها ”
[1] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 460 – وفي الاعتبار الثاني الذي يعترف بصفة ” الشيء ” للأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها ، لا يتدخل القانون – والقانون هنا هو القانون الإداري لا القانون المدني – إلا لتنظيم استعمال الناس لهذه الأشياء بحيث لا يضر بعضهم بعضا ، ولا يرتب القانون حقوقا للأفراد على هذه الأشياء لأنها غير قابلة لترتب حقوق عليها إذ هي خارجة عن التعامل ( بلانيول وريبير وبيكار 3 فقرة 62).
وإذا انقضى حق المؤلف في استغلال مصنفه بمضي خمسين سنة على وفاته ، وقع حق استغلال المؤلف في أيدي الناس كافة ، وكان لكل فرد الحق في نشر المؤلف واستغلاله . ولكن حق الاستغلال على هذا الوجه لا يدخل ضمن الأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها ، إذ أن الشيء هنا لا تستعصي طبيعته على الاستغلال ، بل هو أقرب إلى أن يكون شيئا مباحا يترتب عليه حق لأي فرد يتولى استغلاله . ) .
( والقسم الثاني ) أشياء تخرج عن التعامل بحكم القانون ، وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في شأنها : ” والأشياء التي تخرج عن التعامل بحكم القانون هي التي ينصف القانون على عدم جواز التعامل فيها بوجه عام ، كالحشيش والأفيون والأشياء التي تدخل ضمن الأموال العامة . ولا يغير من هذا الوصف إجازة نوع معين من التعامل في هذه الأشياء ، كبيع الحشيش والأفيون لأغراض طبية ، وإعطاء رخص لاستعمال بعض الأموال العامة الخ ”
[1] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 460 – وقد كتبنا في الجزء الأول من الوسيط ، في صدد الشيء غير القابل للتعامل فيه ، ما يأتي : ” يكون الشيء غير قابل للتعامل فيه .. إذا كانت طبيعته أو الغرض الذي خصص له يأبى ذلك ، أو إذا كان التعامل فيه غير مشروع . فالشيء لا يكون قابلا للتعامل فيه بطبيعته إذا كان لا يصلح أن يكون محلا للتعاقد ، كالشمس والهواء والبحر ، ويرجع عدم القابلية للتعامل إلى استحالته ( أما إذا كان الشيء يمكن التعامل فيه ولكن لا مالك له فهو مال مباح ، كالطير في الهواء والسمك في البحر ، ويملكه من يستولى عليه ويستطيع أن يتعامل فيه ) . وقد يصبح التعامل ممكنا في هذه الأشياء من بعض النواحي ، فأشعة الشمس يحصرها المصور الفوتوغرافي ، والهواء يستعمله الكيميائي في أغراضه ، والبحر يؤخذ من مائه ما يصلح أن يكون محلا للامتلاك . فعند ذلك تصبح الشمس والهواء والبحر قابلة للتعامل فيها من هذه النواحي الخاصة … وقد يكون الشيء غير قابل للتعامل فيه لأن ذلك غير مشروع ، وعدم المشروعية يرجع إما إلى نص في القانون ، أو إلى مخالفة هذا التعامل للنظام العام أو للآداب . على أن نص القانون الذي يمنع من التعامل في الشيء يكون مبنيا على اعتبارات ترجع هي ذاتها إلى النظام العام أو إلى الآداب أو إليهما معاً ، ووجود النص دليل على عناية المشرع بالأمر فآثر أن يورد له نصاً . أو هو إيضاح في مقام قد يكون عدم النص فيه مؤديا للغموض ، كالنص الذي يحرم التعامل في التركة المستقبلة . أو هو تحديد لأمر يرى المشرع تحديده ، كما حدد الربا الفاحش . أو هو تحريم لأمر تقضي ظروف البلاد الخاصة بتحريمه ، كما حظر المشرع المصري الاتجار في الحشيش والمخدرات وكما حرم بيع الوفاء ” ( الوسيط 1 فقرة 227) .
وفي الفقه الإسلامي تدعى الأشياء التي يحرم التعامل فيها ، كالخمر ولحم الخنزير ، بالمال غير المتقوم . .
والحقوق المالية التي يكون الشيء محلا لها كثيرة التنوع . فمنها الحقوق العينية الأصلية ، كحق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق . ومنها الحقوق العينية التبعية ، كحق الرهن وحق الامتياز . ومنها الحقوق الشخصية ، كحق المشتري في تسلم المبيع وفي انتقال ملكيته إليه وحق المستأجر في تسليم العين المؤجرة وفي تمكينه من الانتفاع بها وحق المؤجر في استردادها وحق المقرض في استرداد مبلغ القرض . ومنها لاىلار ىرلاى رلاىرلاتسيمنبتسي بنمسيبت سي حا ينبم سيبتسيم بالحقوق التي تقع على شيء غير مادي ، كحقوق المؤلف فيما يسمى بالملكية الأدبية والفنية والحقوق التي تسمى بالملكية الصناعية وبالملكية التجارية .
وظاهر مما تقدم أن الأشياء تنقسم انقساما مبدئيا إلى أشياء مادية وأشياء غير مادية . والأصل في الأشياء أن تكون مادية ، أي أن يكون لها حيز مادي محسوس ، كالأرض والمباني والمركبات والمواشي والمحصولات والمأكولات والمشروبات . ولم يكن القانون يعرف غير الأشياء المادية ، ولكن تقدم الفكر البشري مع اختراع الطباعة وازدهارها والتجارة والصناعة أخذ ينشئ بالتدريج أشياء غير مادية ، أي أشياء غير ذات حيز محسوس ، هي نتاج العقل البشري من تأليف أدبي وفني ومن مخترعات ومبتكرات في الصناعة والتجارة . وإلى الأشياء غير المادية هذه تشير المادة 86 مدني عندما تقول : ” الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة ” …
____________________________________________________________________________________
( [1] ) وفي هذا المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” وروعي في هذا الفصل لتمييز بين الأشياء والأموال . فالمال في عرف القانون هو الحق ذو القيمة المالية أيا كان ذلك الحق ، سواء أكان عينيا أم شخصيا أم حقاً من حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية إلخ . أما الشيء ، سواء أكان مادياً أم غير مادي ، فهو محل ذلك الحق . وقد أريد بذلك تحاشي ما وقع فيه التقنين ( السابق ) ومعظم التقنينات الأجنبية من خلط بين الشيء والمال ، مما جعل تلك التقنينات تعرف المال في بعض نصوصها بأنه شيء … وفي بعض النصوص الأخرى أنه حق . فأدى ذلك إلى إطلاق التقسيمات الخاصة بالأشياء على الأموال أيضاً ، في حين أن بعض هذه التقسيمات لا يصدق إلا على الأشياء كتقسيم الأشياء إلى مثليه وقيمية وإلى قابلة وغير قابلة للاستهلاك “
( مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 457 ) .