القضاء بالبراءة لتشكك محكمة الموضوع فى صحة إسناد التهمة للمتهم.
لما كان البيِّن من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بيَّن واقعة الدعوى كما صورتها سلطة الاتهام وأحاط بالأدلة التي ساقتها أورد تبريراً لقضائه بالبراءة ما نصه:
” وحيث إن المحكمة ترى من استقراء أوراق الدعوى وما دار بشأنها فى جلسة المحاكمة أن الأدلة التي ساقتها النيابة العامة قاصرة عن بلوغ حد الكفاية لإدانة المتهمين ، وأن التهمة غير ثابتة فى حقهم ثبوتاً يقينياً وآية ذلك ما يلى :
أولاً : أنكر المتهمون بالتحقيقات التهمة المسندة إليهم وظلوا على إنكارها حتى جلسة المحاكمة
ثانياً : أن المحكمة تشير بداءة إلى أن جريمة الشروع تتطلب أركاناً ثلاثة ، أولها : البدء فى التنفيذ . وثانيها : قصد ارتكاب جناية أو جنحة – والعنصر الأخير هو عدم تحقيق النتيجة الإجرامية لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيها ، وبإنزال هذه الأركان على الواقعة المطروحة فقد قدمت النيابة المتهمين بدعوى الشروع فى تداول المواد الخطرة والمؤثمة بمواد الاتهام ، إلا أن المحكمة لا تساير النيابة العامة فيما ذهبت إليه ،
إذ إن حقيقة الواقعة هي مجرد حيازة المواد أما التداول أو الشروع غير متحقق فى هذه الواقعة ، إذ لم يثبت خروج هذه المواد السامة بالفعل من المصنع بقصد توزيعها على العملاء ، ومن ثم فإن أركان جريمة الشروع فى التداول لم تتوافر بعد فى حق المتهمين .
ثالثاً : أن النيابة العامة قد أشارت إلى القصور الشديد قبل منح الترخيص للمتهمين ، فقررت فى مذكرتها التكميلية المرفقة بالأوراق بوجود فراغ تشريعي فى هذه الحالة قاصرة ، وأن المعاينة التي أجراها المسئولون بقسم … عن المبيدات بالإسكندرية قاصرة عن وصف المكان بمحتوياته وغير محققه للغرض منها ،
إذ إنه كان يجب أن تقوم على أسس علمية يتحقق وصولاً إلى صلاحية المنشأة وتجهيزاتها لإنتاج المبيد من عدمه ، وهو الأمر الذى يتعين التحقق منه قبل منح الترخيص وهو ما يلقى بظلال كثيفة من الشكوك والريب على علم المتهمين بحقيقة خطورة المواد المضبوطة بمصنعهم ،
وحيث إنه متى كان ما تقدم وقد أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة وألمت بعناصرها ، فإنه يكفى أن تتشكك فى ثبوت التهمة كي تقضى بالبراءة إذ لا تبنى أحكام الإدانة على الظن والتخمين وإنما على الجزم واليقين ، الأمر الذى يتعين معه تبرئة المتهمين مما أسند إليهما عملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية، مع مصادرة المضبوطات عملاً بالمادة 30 من قانون العقوبات”.
لما كان ذلك ، وكان يكفى فى المحاكمة الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى تقضى بالبراءة إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما تطمئن إليه فى تقدير الدليل مادام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ، ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو دخلها الريبة فى صحة عناصر الاتهام وكانت المحكمة غير ملزمة – وهى تقضى بالبراءة – بأن ترد على كل دليل من أدلة الاتهام ،
لأن فى إغفال التحدث عنه ما يفيد ضمناً أنها اطرحته ولم تر فيه ما تطمئن منه إلى الحكم بالإدانة متى كانت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة ، وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها ما دام ملاك الأمر يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه طالما أقام قضاءه على أسباب كافية لحمله ،
وكان البيِّن من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بيَّن واقعة الدعوى وعرض لأدلة الثبوت فيها مما ينم عن تمحيصه لها والإحاطة بظروفها وبأدلة الاتهام فيما خلص فى منطق سائغ إلى عدم توافر أركان جريمة الشروع فى تداول مواد خطرة وانتهى إلى عدم وجود جريمة فى الأوراق ،
ومن ثم فلا يعيب الحكم المطعون فيه عدم تصديه لما ساقته الطاعنة النيابة العامة من أدلة وقرائن تشير إلى ثبوت الاتهام مادامت المحكمة قد قطعت فى أصل الواقعة وخلصت للأسباب السائغة التي أوردتها إلى عدم وجود جريمة فى الأوراق ، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة فى أسباب طعنها ينحل إلى جدل موضوعي فى تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم بقالة الفساد فى الاستدلال أو الخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 15848 لسنة 76 جلسة 2013/01/03)