طبيعة حالات الطعن بالتعقيب

1-حالات الطعن بالتعقيب، حالات للذكر

من البين أن صيغة الفصل 175 من م.م.م.ت (مجلة المرافعات المدنية والتجارية التونسية) تفيد إمكان الطعن في حالات معينة. وقد رأى الأستاذ نذير بن عمو أن هذه الحالات قد وردت للذكر مستنداً إلى استعمال المشرع عبارة “يمكن” التي تفيد الإمكان بغير حصر. وقد رفض هذا الفقيه الرجوع إلى الصياغة الفرنسية للفصل المذكور، وقد جاء فيها:

“Le recours en cassation n’est ouvert contre les jugements rendus en dernier ressort que dans les cas suivants :…”

وذكر مؤكدا أنها تختلف اختلافاً جوهرياً عن النص في صياغته العربية.

(Nadhir Ben Ammou,Le pouvoir du contrôle de la cour de cassation, Thèse pour le doctorat, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis 1996 n163 p78).

لا مناص من الإقرار بسلامة استبعاد الصياغة الفرنسية أساساً لتأويل النص القانوني، فقد سبق للمشرع ولمحكمة التعقيب أن صرحا بعلوية الصياغة العربية للنصوص القانونية (أمر 8 سبتمبر 1958 أول نص تونسي يصدر بعد اتفاقيات الاستقلال الداخلي يقر أفضلية النص العربي على النص الفرنسي، قرار تعقيبي مدني عدد 6396 مؤرخ في 18/2/1969 النشرية 1969 ص25)، كما أكد المشرع سنة 1993 هذا الحل (القانون عدد 64 المؤرخ في 5/7/1993). لكن استبعاد الصياغة الفرنسية لا يكفي للتسليم بوجاهة الرأي المبسوط آنفاً.

2- حالات الطعن بالتعقيب، حالات للحصر

لقد وضع المشرع مبدأ التقاضي على درجتين جاعلاً الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الثانية حكماً نهائياً، إذ ينتهي به التقاضي مبدئياً، ولهذا يكون الطعن في هذا الحكم استثناءً يجب النص عليه صراحة كما ينبغي تقييد تأويل أحكامه، ولذلك فلا يمكن أن تكون حالات الطعن بالتعقيب إلا حصرية (محمد بن سلامة، حول محكمة التعقيب، مجلة القضاء والتشريع، جوان 1975 ص82 و83. نورالدين الغزواني، الجديد في وظائف محكمة التعقيب، ملتقى التعقيب 1989 ص28).

ولكن قد يعارض هذا التحليل بالقول إن الزيادة لا تكون إلا في حدود مرجع نظر محكمة التعقيب كمحكمة لا تنظر إلا في القانون، أي أن هذه الزيادة لن تخرج عن مفهوم مخالفة القانون.

ويبدو هذا الملحظ، على وجاهته، قابلاً للرد إذ أننا نرى أن الطبيعة الاستثنائية للطعن بالتعقيب تفرض حصر حالاته فيما أورده النص. وقد نجد سنداً لهذا التأويل في الفصل156 من م.م.م.ت الذي ورد به “يمكن الطعن في الحكم النهائي بالتماس إعادة النظر فيه…”

فلئن استعمل المشرع لفظ “يمكن”، فإن المراد هو المكنة المقيدة لأننا بصدد طعن في حكم نهائي، أي طعن استثنائي. ويتدعم هذا الرأي بحجة لغوية إذ أن الفصل 175 من م.م.م.ت ينص على “يمكن الطعن…وذلك في خصوص الحالات الآتية”، والخصوص في اللغة ضد العموم، وهو يعني الانفراد. فهذه الجملة تدل، إذاً، على أن الطعن لا يكون إلا في هذه الحالات وحدها.

وقد درج المشرع على استعمال هذه العبارة مفيداً الحصر، فها هو في الفصل 114 من م.م.م.ت يقول “الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف وذلك في خصوص ما تسلط عليه الاستئناف “.

وهو ينص في الفصل 191 من م.م.م.ت على أن القرار الذي تصدره محكمة التعقيب بالنقض يرجع الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل الحكم المنقوض “في خصوص ماتسلط عليه النقض “.

نستنتج مما تقدم أن حالات الطعن بالتعقيب حصرية لا تقبل الإضافة والزيادة مطلقاً.

 

بقلم:

يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة