لقد اقتضى الفصل 373 جديد من م.ح.ع. أن:
“الأمور الآتية يجب إشهارها بطريق الترسيم برسم الملكية:
أولاً: جميع الصكوك والاتفاقات فيما بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض وجميع الأحكام التي أحرزت قوة ما اتصل به القضاء سواء تعلقت تلك الصكوك والاتفاقات والأحكام بإنشاء حق عيني أو بنقله أو بالتصريح به أو بتعديله أو بانقضائه…”
وقد اعتبر بعض الشراح أن عدم احترام شكلية الترسيم يؤدي إلى نفي أية قيمة قانونية للعقد الذي يعد عديم الأثر بين الأطراف وإزاء الغير (الأستاذ عبد الوهاب الجويني، الشكلية في تكوين الرهون، دراسات في قانون التأمينات، عمل جماعي لهيئة تدريس قانون التأمينات بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، المطبعة العصرية تونس 1997، ص 469).
في حين اعتبر بعضهم أن الترسيم ليس شرطاً لصحة التصرف القانوني (الأستاذ عبد المنعم عبود، مجلة الحقوق العينية المعلق عليها، دار إسهامات في أدبيات المؤسسة، طبعة ثانية 2000، ص 333 و ص 360)، ولذلك فلا يعد الصك غير المشهر باطلاً، إذ لو كان غير منتج لأثره العيني فهو ينتج آثاره الشخصية (الأستاذ حاتم الرواتبي، إشهار الرهن العقاري، دراسات في قانون التأمينات، عمل جماعي لهيئة تدريس قانون التأمينات بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، مرجع مذكور، ص 332).
من ذلك أن المدين يتحمل الالتزامات الشخصية الناشئة عن عقد الرهن كالالتزام بضمان سلامة المرهون، والالتزام بضمان الاستحقاق (الأستاذ عبد المنعم عبود، مرجع مذكور، ص 333).
والحقيقة أن المشرع أصبح يميز بين تكوين عقد الرهن؛ الذي يتكون بتوافر شروطه الأصلية والشكلية، وينتج آثاره الشخصية بين أطرافه؛ وبين تكوين حق الرهن الذي لا يقع إلا بترسيم العقد بالسجل العقاري، ولذلك فلا مجال للقول ببطلان عقد الرهن غير المرسم. ولكن ألا يمكن اعتبار الترسيم في هذه الحالة شرطاً يعلق عليه وجود الحق العيني؟
جاء بالفصل 116 من مجلة الالتزامات والعقود:
“الشرط تصريح بمراد المتعاقدين يوقف وجود الالتزام على حادثة معينة”، فمصدر الشرط إرادة الملتزم وحدها، فهو الذي يملك أن يلتزم التزاماً منجزاً خالياً من كل شرط، كما يمكنه أن يعلق التزامه على شرط.
أما ما يفرضه القانون فهو وضع معين يقرره ويرتب عليه نتائج معينة، وليس له أثر رجعي (الأستاذ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء 3، نظرية الالتزام بوجه عام، الطبعة الثالثة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان 2000، ص 33 إلى 35).
ولذلك فلا يصح اعتبار الترسيم بالسجل العقاري شرطاً يعلق عليه وجود حق الرهن، بل الراجح في نظرنا أن الترسيم إجراء يفرضه القانون حتى ينتج العقد أثره العيني وهو نشأة حق الرهن العقاري. ولكن يجب الإشارة إلى أن الأثر المنشئ للترسيم لا يشمل جميع الرسوم العقارية.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة