تعليق على حكم محكمة إبتدائية متعلق بالفسخ الاتفاقي
الأستاذة/ ساره محمد السيد همام
ملخص وقائع الدعوى
تتلخص وقائع الدعوى فى الآتي:
تعاقد المدعي مع المدعى عليه على قيام الأخير بشراء الوحدتين ….، …. نظير ثمن وقدره 180000 جنيه عن كل وحده وقد قام المدعى عليه بسداد مبلغ إجمالي قدره 45000 عن كل وحده وأمتنع عن سداد باقي الأقساط المدونة بالعقد بالإضافة إلى 50% غرامة تأخير وذلك بالمخالفة للشرط الصريح الفاسخ المنصوص عليه فى البند الرابع من العقد الأمر الذي حدا به لإقامة تلك الدعوى.
لذلك سوف يكون موضوع البحث الفسخ الاتفاقي.
الاشكاليات
تتمثل الاشكاليات فى الآتي:-
الإشكالية الأولى
هل يجوز لأحد المتعاقدين أن يعدل العقد أو ينقضه بإرادة المنفردة.
الإشكالية الثانية
هل يجوز للمتعاقدين الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه عند عدم وفاء أحد المتعاقدين بإلتزاماته.
الإشكالية الثالثة
هل الشرط الصريح الفاسخ يؤدي إلى استبعاد دور القاضي.
الإشكالية الرابعة
هل هناك ما يمنع من أعمال الشرط الصريح الفاسخ.
الإشكالية الخامسة
ما هي الأثار التي تترتب على الفسخ.
المبادئ
المبدأ الأول
“العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للاسباب التى يقررها القانون (1)
المبدأ الثاني
“يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه”.
المبدأ الثالث
دور القاضي فى التحقق من قيام الشرط وإعماله.
المبدأ الرابع
موانع إعمال الشرط الفاسخ.
المبدأ الخامس
آثار الفسخ.
التعليق
المبدأ الأول
العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون (1).
1- العقد شريعة المتعاقدين(2).
بعد أن يفسر القاضي العقد ويحدد نطاقه لا يبقي إلا أن يلزم المتعاقدين بتنفيذ جميع ما أشتمل عليه ما دام العقد قد نشأ صحيحاً ملزماً، وهو لا يكون صحيحاً ملزماً إلا في الدائرة التي يجيزها القانون أي فى نطاق لا يصطدم فيه مع النظام العام ولا مع الآداب ويطبق القاضي العقد كما لو كان يطبق قانوناً لأن العقد يقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة التعاقدية فيما بين المتعاقدين. بل هو ينسخ القانون فيما يخرج عن دائرة النظام العام والآداب، حيث أن الأحكام القانونية التى تخرج عن هذه الدائرة ليست إلا أحكاماً تكميلية أو تفسيرية لإرادة المتعاقدين فإذا تولي المتعاقدان بإرادتهما تنظيم العلاقة فيما بينهما في العقد كان العقد هو القانون الذي يسري عليهما وهذا هو المعني الذي قصدت إليه الفقرة الأولى من المادة 147 حين قالت “العقد شريعة المتعاقدين”.
وتقول المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي فى هذا المعني “الاتفاقات التى نمت على وجه شرعي تقوم بالنسبة إلى من عقدوها مقام القانون”.
2- فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون.
والنتيجة المباشرة للمبدأ القاضي بأن العقد شريعة المتعاقدين هي أن العقد لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون.
لا يجوز نقض العقد ولا تعديله من جهة القاضي، فلا يجوز للقاضي أن ينقض عقداً صحيحاً أو يعدله بدعوى أن النقض أو التعديل تقتضيه العدالة، فالعدالة تكمل إرادة المتعاقدين ولكن لا تنسخها.
ولا يجوز نقض العقد ولا تعديله من جهة أى من المتعاقدين فإن العقد وليد إرادتين وما تعقده إرادتان لا تحله إرادة واحدة.
هذا هو الأصل ومع ذلك يجوز نقض العقد أو تعديله باتفاق المتعاقدين أو لأسباب يقررها القانون. فيكون نقض العقد أو تعديله من عمل المتعاقدين معا، إما باتفاقهما على ذلك عند النقض أو التعديل أو باتفاقهما عند التعاقد على إعطاء هذا الحق لإحدهما، والقواعد التي تطبق على توافق الإرادتين في إيجاد العقد هي ذاتها التي تطبق على توافق الإرادتين فى نقضه أو تعديله.
المبدأ الثاني – الفسخ بحكم الإتفاق
فى العقد الملزم للجانبين(1)، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بما عليه من إلتزام ناشئ عن هذا العقد، جاز للمتعاقد الأخر أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ، فيمتنع عن تنفيذ ما عليه من التزام، إلى أن يقوم الأول بالوفاء بما عليه، وفي هذه الحالة يقف تنفيذ الإلتزام مع بقاء العقد قائماً.
لكن قد لا يقنع المتعاقد بمثل هذا الموقف السلبي، فيكون له أن يلجأ إلى طلب التنفيذ العيني لاستيفاء حقه عيناً. غير أن الوصول إلى هذه النتيجة قد يطول أمده، وقد يحمل طالب التنفيذ ما لا يطيق ولا يرجوه أو لا يراه المتعاقد مجدياً له أو محققاً لما كان يرغبه أصلاً فيفضل أن يتحلل من العقد ومن الإلتزامات التى يرتبها عليه، فيكون طريقه إلى الإلتجاء إلى الفسخ.
الفسخ – إذا – هو حق للمتعاقد فى العقد الملزم للجانبين، إذا ما أخل المتعاقد الأخر بإلتزاماته، فى حل الرابطة العقدية لكي يتحلل هو من التزاماته والفسخ على هذا النحو يحمل أيضاً معنى الجزاء بالنسبة للمتعاقد الذي أخل بتنفيذ التزاماته، ويكون هدفه إزالة الرابطه العقدية التي دخلت مرحلة التنفيذ بعد إبرامها على نحو صحيح فهو لا يهدف إلى إنجاز هذه الرابطة وترتيب آثارها وإنما نقض القوة الملزمة لها وإزالة آثارها بعد تمامها على نحو صحيح، وذلك نتيجة لعدم تنفيذ الالتزام الناشئ عنها.
نصت المادة 158 من القانون المدنى: “يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عن عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه”.
متي يكون الاتفاق على الفسخ – التدرج في هذا الاتفاق (2):
قد يتفق المتعاقدان على فسخ العقد عند إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه.
فإذا تم هذا الاتفاق بعد أن يخل المتعاقد فعلاً – ويقع ذلك غالباً في ثنايا إجراءات التقاضي بأن يرفع الدائن دعوى الفسخ فيعلنه المدين بقبول الفسخ قبل صدور حكم فى الدعوى – كان هذا بمثابة تقايل ذي أثر رجعي(3)، ويحل الاتفاق في هذه الحالة محل الحكم وله أثره مالم يكن هناك تواطؤ بين المتعاقدين للاضرار بحقوق الغير(4)، ولكن الغالب فى العمل أن المتعاقدين يتفقان على الفسخ مقدماً وقت صدور العقد.
وقد أظهر العمل أن المتعاقدين يتدرجان فى اشتراط الفسخ وقت صدور العقد، فأدنى مراتب هذا الشرط هو الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته وقد يزيدان في قوة هذا الشرط بأن يتفقا على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه، بل قد يتدرجان في القوة إلى حد الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار.
ونبحث الآن فى حكم كل شرط من هذه الشروط:
الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً:
حكم هذا الشرط يتوقف على نية المتعاقدين فقد يكونان أراد به تحتم الفسخ إذا أخل المدين بإلتزامه فيتحتم على القاضي في هذه الحالة أن يحكم بالفسخ ولكن هذا لا يغني عن رفع دعوي الفسخ ولا عن الإعذار (5)، إلا أنه من الصعب استخلاص نية كهذه من مجرد ورود شرط على هذا النحو.
والغالب أن المتعاقدين لا يريدان بمثل هذا الشرط إلا أن يقررا فى ألفاظ صريحة القاعدة العامة المتعلقة بالفسخ لعدم التنفيذ وعلى ذلك لا يغني الشرط عن الإعذار ولا عن الالتجاء للقضاء للحصول على حكم بالفسخ، ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية فلا يتحتم عليه الحكم بالفسخ وله أن يعطي للمدين مهله لتنفيذ التزامه إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك بل هو لا يسلب المدين حقه من توقي الفسخ بدفع الثمن إلى أن يصدر الحكم النهائي بالفسخ.
الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه:
ويفسر هذا الشرط في الأغلب على أنه يسلب القاضي سلطته التقديرية فلا يستطيع إعطاء مهلة للمدين لتنفيذ التزامه، ولا يملك إلا الحكم بالفسخ فيصبح الحكم بالفسخ محتماً كالحكم بالإبطال. ولكن هذا الشرط لا يغني عن إعذار المدين ولا عن رفع الدعوى بالفسخ ويكون الحكم منشئاً للفسخ لا مقرراً له كما هو الأمر فى القاعدة العامة للفسخ.
ولا تعارض في هذه الحالة بين إعذار الدائن المدين وتكليفه بالتنفيذ وبين المطالبة بفسخ العقد ذلك، فإن الإعذار لا يعتبر تنازلاً عن المطالبة بفسخ العقد بل هو شرط واجب لرفع دعوى الفسخ.
الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم:
وهذا الشرط معناه أن فسخ العقد يقع من تلقاء نفسه إذا أخل المدين بالتزامه فلا حاجة لرفع دعوى ولا لحكم ينشئ فسخ العقد وإنما ترفع الدعوى إذا نازع المدين فى إعمال الشرط وادعى أنه قام بتنفيذ التزامه فيقتصر القاضي في هذه الحالة على التحقق من أن المدين لم ينفذ التزامه، فإذا تحقق من ذلك حكم بالفسخ ولكن حكمه يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له.
ولا يعفي الشرط من إعذار المدين، فإذا أراد الدائن إعمال الشرط، وجب عليه تكليف المدين بالوفاء فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه بعد هذا الإعذار انفسخ العقد من تلقاء نفسه.
على أنه لا شئ يمنع الدائن من مطالبة المدين بتنفيذ العقد بدلاً من فسخه، فإن الفسخ لا يقع من تلقاء نفسه إلا إذا أراد الدائن ذلك ويبقى هذا بالخيار بين الفسخ والتنفيذ.
الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار:
وهذا هو أقصى ما يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة وفي هذه الحالة يكون العقد مفسوخاً بمجرد حلول ميعاد التنفيذ وعدم قيام المدين به دون حاجة إلى إعذار المدين ولا إلى حكم بالفسخ إلا ليقرر إعمال الشرط، ويكون الحكم إذاً مقرراً للفسخ لا منشئاً له.
وهذا هو الحكم أيضاً فيما إذا اتفق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى انذار.
والاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار يجب أن يكون صريحاً كما تقضي نص المادة 158 فلا يجوز أن يستخلص ضمناً من عبارات العقد لما ينطوي عليه من خطورة بالنسبة إلى المدين.
ويلاحظ هنا أيضاً أن الشرط لا يمنع الدائن من طلب تنفيذ العقد دون فسخه، وإلا كان تحت رحمة المدين إذا شاء هذا جعل العقد مفسوخاً بامتناعه عن تنفيذ التزامه ويترتب على ذلك أن العقد لا يعتبر مفسوخاً إلا إذا أظهر الدائن رغبته في ذلك، ولا يقبل من المدين التمسك بالفسخ إذا كان الدائن لم يتمسك به.
ومن ثم نرى أن هذا الشرط هو وسط بين الفسخ القضائي والانفساخ بحكم القانون فهو أعلى من الفسخ القضائي – وكذلك أعلى من اشتراط أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه – في أن الحكم بالفسخ فيه، إذا قامت حاجة لصدوره، يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له.
وهو أدنى من الانفساخ بحكم القانون في أن العقد لا ينفسخ فيه إلا إذا أظهر الدائن رغبته في ذلك.
وهذه المبادئ قررتها محكمة النقض فقد قضت بأنه “إذا كان العقد مشروطاً فيه أنه إذا خالف المستأجر أي شرط من شروطه فللمؤجر اعتبار العقد مفسوخاً بمجرد حصول هذه المخالفة بدون احتياج إلى تنبيه رسمي أو تكليف بالوفاء، وله الحق في تسلم العين المؤجرة بحكم يصدر من قاضي الأمور المستعجلة فهذا شرط فاسخ صريح يسلب القاضي كل سلطته التقديرية فى صدد الفسخ، ولا يبقى له فى اعتبار الفسخ حاصلاً فعلاً إلا أن يتحقق من حصول المخالفة التى يترتب عليها(6).
يفسخ العقد من تلقاء نفسه بناء على نص القانون(7):
حيث أورد المشرع حكماً خاصاً في حالة بيع المنقول فإذا اتفق الطرفان في عقد بيع المنقول على موعد لدفع الثمن وتسلم المبيع، فإن هذا يكون بمثابة اتفاق على وجود الشرط الصريح الفاسخ فى العقد يترتب عليه فسخ البيع تلقائياً دون حاجة إلى إعذار المشتري وإلى حكم قضائي إذا اختار البائع ذلك في حالة عدم دفع المشتري للثمن فى الميعاد، فالبيع ينفسخ من تلقاء نفسه بمجرد التأخر عن دفع الثمن ويستطيع البائع الذي غالباً ما يكون تاجراً التصرف فى المبيع مرة ثانية لمشتري جديد مع حقه في الرجوع بالتعويض على المشتري وفقاً للقواعد العامة.
المبدأ الثالث – دور القاضي في التحقق من قيام الشرط وإعماله
1- يقوم القاضي بالتحقق من الاتفاق على وجود الشرط الصريح الفاسخ في العقد من خلال البحث عن النية المشتركة للطرفين، فعلى القاضي أن يتأكد من أن اتفاق الأطراف يرمي بوضوح إلى استبعاد السلطة التقديرية للقاضي عند الإخلال بالالتزام الناشئ عن العقد ويجب على المحكمة أن تتحرى طبيعة ونوع الشرط الصريح الفاسخ.
2- إذا تحقق القاضي من وجود الشرط الصريح الفاسخ بالعقد تعين عليه إعماله أي تقرير وقوع الفسخ عند توافر شروطه وعلى القاضي عند منازعة المدين أن يتأكد من توافر شروط أعمال الشرط الصريح الفاسخ، أي من واقعة الإخلال بالالتزام مناط الشرط وعما إذا كان من اللازم صدور حكم قضائي بالفسخ أو إعذار المدين والتحقق من إتمام ذلك، ومراقبة الظروف الخارجية التي تحول دون إعماله كما لو تبين أن الدائن قد أسقط خياره في طلب الفسخ بقبولة الوفاء بطريقة تتعارض مع إرادة فسخ العقد أو كان الدائن هو الذي تسبب بخطئه في عدم تنفيذ المدين لالتزامه أو كان امتناع المدين عن الوفاء مشروعاً بناء على الدفع بعدم التنفيذ في حالة توافر شروطه أو كان عدم التنفيذ راجعاً إلى ظروف طارئه، أو كان هناك نص قانوني آمر يحول دون وقوع الفسخ ويمنع بالتالي أعمال الشرط الصريح الفاسخ طبقاً لما هو متفق عليه.
يتضح من ذلك أن الشرط الصريح الفاسخ لا يؤدي إلى استبعاد دور القاضي كلية بل إلى تغير طبيعة هذا الدور وتوقيته ففي الفسخ القضائي يتدخل القاضي بداية ليحكم بالفسخ بعد التأكد من عدم الوفاء وعدم جدوى الإبقاء على العقد أما فى حالة الشرط الصريح الفاسخ فإن الفسخ يقع تلقائياً ويقتصر دور القاضي لا ليحكم بالفسخ بل ليتأكد من صحة وقوعه فدوره يأتي بعد حدوث الفسخ لا قبله.
المبدأ الرابع – موانع اعمال الشرط الفاسخ
موانع إعمال الشرط الفاسخ(1):
هناك بعض الظروف الخارجية التى تحول دون أعمال الشرط، تلك الظروف قد تكون ذات طبيعة إرادية وقد تكون ذات طبيعة قانونية.
أولاً: تتمثل الظروف الخارجية ذات الطبيعة الإرادية في:
1- تنازل الدائن عن طلب الفسخ أو سقوط خياره فى ذلك يستطيع الدائن النزول صراحة عن الحق في الفسخ سواء في العقد أو تصرف لاحق أو حتى شفاهةً، ويمكن استنتاج النزول الضمني من سكوت الدائن عن التمسك بالفسخ وقبول الدائن للوفاء المتأخر يعد تنازلاً عن الشرط الصريح الفاسخ ويستطيع الدائن مطالبة المدين بتنفيذ التزامه بدلاً من التمسك بالفسخ.
2- إذا تسبب الدائن بخطئة في عدم تنفيذ المدين لالتزامه فلا عمل للشرط الفاسخ ولو كان صريحاً أى أن خطأ الدائن هنا يعد مانعاً من موانع إعمال الشرط الصريح الفاسخ، حيث لا يمكن إعمال الفسخ في حالة سوء نية الدائن المتسبب بخطئه في عدم تنفيذ المدين حسن النية لالتزاماته ومن أمثلة خطأ الدائن إتلاف أو هلاك الشئ الذي يلتزم المدين بتسليمه أو تزويد المدين ببيانات غير صحيحة توقعه في التنفيذ الخاطئ للالتزام أو عدم إنتقاله إلى موطن المدين لتحصيل الدين.
3- يعتبر الامتناع المشروع للمدين عن تنفيذ التزامه مانعاً من موانع إعمال الشرط الصريح الفاسخ، حيث أن مناط إعمال الشرط المذكور هو تخلف المدين عن الوفاء بغير حق إما إن كان امتناع المدين عن الوفاء مشروعاً بناء على الدفع بعدم التنفيذ في حالة توافر شروطه فإنه لا يجوز إعمال الشرط فإذا كان الدائن طالب الفسخ هو الذي أخل بالتزامه فلا يحق له أن يطلب فسخ العقد بحجة عدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ ما في ذمته من التزام.
4- لا يحكم القاضي بالفسخ إذا إنتفى خطأ المدين أي كان حسن النية كما لو كان مرد عدم التنفيذ هو السبب الأجنبي المتمثل في القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير.
ثانياً: موانع إعمال الشرط الصريح الفاسخ ذات الطبيعة القانونية:
يبيح المشرع للأطراف حرية الاتفاق على الشرط الصريح الفاسخ فيما بينهم، إلا أنه يوقف إعمال ذلك الشرط أو يقيدة، في بعض الحالات التى يتعارض فيها مع الأحكام الآمرة التي ينص عليها تحقيقاً لسياسة محددة أو تنفيذاً لأهداف معينه.
ومثال ذلك:
1- إذا حلت بعد إبرام العقد ظروف استثنائية عامه ليس فى الوسع توقعها وتجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلاً جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى حد المعقول أي إن تخلف المدين عن تنفيذ إلتزامه في مثل هذه الظروف لايؤدي إلى فسخ العقد حتي ولو تضمن شرطاً صريحاً فاسخاً وعلى القاضي التدخل فقط لتعديل العقد.
2- لا يطبق الشرط الصريح الفاسخ على عقود الإيجار الخاضعة لقانون إيجار الأماكن، ففي حالة إخلال المستأجر بإلتزاماته لا يمكن فسخ العقد إلا لسبب من أسباب الإخلاء على سبيل الحصر، ولا يجوز إعمال الشرط المذكور إلا وفقاً للضوابط الواردة بالقانون وفي حالة التخلف عن سداد الأجرة يستطيع المستأجر أن يتوقى الفسخ بالقيام بالسداد قبل صدور الحكم النهائي، كما يمتنع تنفيذ حكم الطرد إذا سدد المستأجر عند تنفيذه الأجرة المستحقة والمصروفات والأتعاب أضف إلى ذلك وجوب توجيه الإعذار إلى المستأجر في جميع الحالات.
وعلى العكس من كل ذلك فإن الشرط الصريح الفاسخ يتم إعماله بالكامل في حالة عقود الإيجار الخاضعة لأحكام القانون المدنى.
المبدأ الخامس – آثار الفسخ
زوال العقد بأثر رجعي:
إذا ما تقرر فسخ العقد بحكم من القضاء أو بالإرادة المنفردة ترتب عليه اعتبار العقد كأن لم يكن على الرغم من أنه سبق أن نشأ صحيحاً ومتمتعاً بالقوة الملزمة فالفسخ يقع بأثر رجعي ولا يقتصر على المستقبل وإنما يعود إلى تاريخ إبرام العقد فيعتبر العقد كان لم يكن، ويستتبع ذلك إزالة كل آثر ترتب عليه، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد.
ويقتضي ذلك أن يرد كل متعاقد إلى الآخر ما حصل عليه من أداء وفقاً للعقد أي يسترد كل طرف ما قدمه للآخر ويجوز استرداد ما دفع بغير حق لأن الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام زال سببه بعد أن تحقق.
ففي عقد البيع يترتب على الفسخ عودة العين المبيعة إلى البائع واسترداد المشتري ما دفعه من الثمن ويكون ذلك بذات العمله المسددة بالإضافة إلى الفوائد من تاريخ قيد صحيفة دعوى الفسخ ويجوز لكل من المتعاقدين حبس ما استوفاه حتي يسترد ما له فى ذمة الطرف الآخر ويجوز إجراء المقاصة.
استثناء على الأثر الرجعي للفسخ:
1- يجوز للمتعاقدين الاتفاق على استبعاد الأثر الرجعى للفسخ، ذلك أن آثار الفسخ لا تتعلق بالنظام العام ومن ثم يجوز الاتفاق على ما يخالفها جملة بالنزول عن الفسخ أو تفصيلاً بالإبقاء على بعض شروط العقد بالرغم من فسخه فإذا حصل اتفاق من هذا القبيل فإن الفسخ لا ينتج أثاره إلا في حدود هذا الاتفاق.
مثال ذلك:
اتفاق الأطراف على بقاء الشرط الجزائي المنصوص عليه في العقد كتقدير للتعويض في حالة عدم التنفيذ وإعمال هذا الشرط رغم فسخ العقد باعتباره شرطاً مستقلاً عن العقد ويجوز الاتفاق على أن الفسخ لا ينتج أثره إلا بالنسبة للمستقبل دون المساس بما تم تنفيذه من العقد فى الماضي.
2- ينص المشرع أحياناً على استثناء بعض شروط العقد وأعمالها استقلالاً رغم زوال العقد بالفسخ أو بالبطلان.
مثال ذلك:
شرط التحكيم الذى اعتبره المشرع – طبقاً لما هو مستقر في المعاملات المالية الدولية اتفاقاً مستقلاً- سواء ورد فى طلب العقد أو في ورقة مستقلة ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو انهائه أى آثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته.
3- لا يطبق الأثر الرجعي للفسخ على العقود الزمنية كعقد الإيجار وعقد العمل سواء كانت محددة المدة أو غير محددة المدة أو دورية التنفيذ كعقد التوريد فالفسخ يقتصر آثره على المستقبل ابتداء من تاريخ تقريره بحيث يعتبر العقد موجوداً فى الفترة ما بين انعقاده وفسخه.
وتعبر محكمة النقض عن ذلك بقولها “من المقرر بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر الدوري التنفيذ، كالإيجار إنه يستعصي بطبيعته على فكرة الأثر الرجعي لأن الزمن فيه مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذى ينعقد عليه والتقابل بين الالتزامين فيه يتم على دفعات بحيث لا يمكن الرجوع فيما نفذ منه فإذا فسخ عقد الإيجار بعد البدء في تنفيذه فإن آثار العقد التى انتجها قبل الفسخ تظل قائمة عملياً ويكون المقابل المستحق عن هذه المدة له صفة الأجرة لا التعويض ولا يفسخ العقد إلا من وقت الحكم النهائي الصادرة بالفسخ لا قبله ويعتبر الفسخ هنا بمثابة إلغاء للعقد(1).
4- إذا استحال إعادة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد جاز للقاضي الحكم بالتعويض أى أن من يستحيل عليه رد ما حصل عليه يحكم عليه بتعويض معادل لما كان يجب عليه رده.
فلو أن البيع هلك في يد المشتري أو تصرف فيه للغير ثم فسخ البيع حكم القاضي عليه بتعويض يعادل قيمة المبيع وقت الهلاك والتعويض قد يكون كلياً في حالة الهلاك الكلي وقد يكون جزئياً في حالة الهلاك الجزئي.
5- يجوز للدائن المطالب بالفسخ بالإضافة إلى استرداد ما أداه أن يطلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب تقصير المدين فى الوفاء بالتزامه وما أدى إليه ذلك من فسخ العقد ففسخ البيع بسبب عدم الوفاء بالثمن قد يؤدي إلى الإضرار بالبائع إذا ما كان سعر المبيع بالسوق قد انخفض عن وقت تمام البيع كالسيارات أو الالآت مثلاً هنا يمكن الحكم للبائع بتعويض عما لحقه من ضرر بسبب انخفاض سعر السوق وعما يخسره من الثمن عند إعادة البيع.
ولا يستند التعويض في هذه الحالة إلى المسئولية العقدية بعد أن تم فسخ العقد وإنما يستند إلى المسئولية التقصيرية وإذا طلب الدائن التنفيذ جاز له أن يطلب التعويض على أساس المسئولية العقدية عن الأضرار التي لحقته بسبب إخلال المدين بإلتزامه.
أثر الفسخ بالنسبة للغير
أولاً:
القاعدة أن أثر الفسخ يمتد إلى الغير، فالعقد الذي تقرر فسخه يزول كل أثر له فيما بين المتعاقدين ويتأثر بذلك الغير الذي تلقى حقاً من أحد المتعاقدين على الشئ الذى ورد عليه العقد حيث تزول الحقوق التى يكون الغير قد تلقاها من أحد المتعاقدين قبل الفسخ فإذا أشترى شخص عيناً ثم باعها وحكم بعد ذلك بفسخ البيع الأول فإن البائع يسترد العين من المشتري الثاني وبالمثل إذا كان المشتري قد رتب على العين حقاً للغير كرهن أو ارتفاق فإن البائع يسترد العين خالية من مثل هذا الحق فالفسخ يؤدي إلى زوال حق المشتري وحق من انتقلت إليه الملكية منه أو من رتب المشتري لمصلحته حقاً من الحقوق فيسترد البائع العين غير محملة بأي حق للغير.
ثانياً:
ولكن اعتبارات حسن النية واستقرار المعاملات أدت إلى وضع عدة قواعد لتوفير الحماية اللازمة للغير وذلك بالإبقاء على الحقوق التي تكون قد ترتبت له على الشئ الذى يرد إلى صاحبه الأصلي بمقتضي الأثر الرجعي للفسخ ويستطيع الغير التمسك بحقه في مواجهة صاحب العين.
1- تنفذ في مواجهة المتعاقدين أعمال الإدارة التى يجريها أحدهما على الشئ قبل الحكم بالفسخ.
فالقاعدة هي بقاء أعمال الإدارة الصادرة من المالك الذي تقرر فسخ سند ملكيته لصالح من تعامل معه بحسن نية فإذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشيء الذى ورد عليه العقد الذي فسخ وذلك بمقتضي عقد من عقود الإدارة فإن حقه يبقى بالرغم من الفسخ ولكن يجب أن يكون الغير حسن النية لا يعلم وقت التعاقد بما يهدد سند التعاقد معه من أسباب الفسخ.
فإذا كان المشتري الذى فسخ عقده قد أجر الشئ الذي أشتراه فإن الإيجار يظل قائماً لمصلحة المستأجر إذا كان حسن النية.
2- يترتب على تسجيل دعوى الفسخ أن حق المدعى إذا ما تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون فإنه يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية على العقار ابتداء من تاريخ تسجيل هذه الدعوى أو التأشير بالحكم الصادر بها.
مؤدى ذلك أن الغير حسن النية إذا ما أكتسب حقاً عينياً عقارياً قبل تسجيل دعوى الفسخ أو التأشير بالحكم الصادر بها فإن هذا الحق يظل قائماً لا يؤثر فيه الفسخ.
فإن كان المشتري قد باع العقار الذى أشتراه لمشتري جديد حسن النية وقام بتسجيل عقده قبل تسجيل دعوى الفسخ التى رفعها البائع الأول أو التأشير بها على هامش تسجيل البيع، فإن صدور الحكم بالفسخ بعد ذلك لا يؤثر على حقوق المشتري الثاني فيظل العقار ملكاً له ولا يسري عليه حكم الفسخ.
ونفس الحكم إذا قام المشتري برهن العقار لدائن حسن النية ثم تقرر فسخ العقد الذى اشترى به فإن الرهن يبقى قائماً لمصلحة الدائن المذكور رغم الفسخ وما يترتب عليه من عودة الشئ المرهون إلى البائع.
3- توفر قواعد الحيازة حماية للغير حسن النية، فإذا كان الشيء محل التعامل منقولاً وتسلمه الغير بحسن نية استناداً إلى سبب صحيح كعقد بيع مثلاً فإنه يستطيع التمسك بقاعدة الحيازة فى المنقول سند الحائز ويكتسب ملكية المنقول بالحيازة ويمتنع عن رد هذا المنقول إلى مالكة الأصلي. فالمشتري الحائز يستطيع أن يتمسك بالقاعدة المذكورة فى مواجهة البائع الأصلي وتكون الحيازة سبب ملكيته وإذا كان محل التعامل عقاراً كان للمشتري من المشتري أن يتمسك بالتقادم الخمسي لاكتساب ملكية هذا العقار أو الحق العيني الذى تقرر له عليه(2).
الخاتمة
إذا كان العقد يفسخ عن طريق الفسخ القضائي وهو الطريق الأول لحل الرابطة العقدية والتخلص منها في حالة عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزاماته، من خلال دعوى يرفعها الدائن أمام القضاء بطلب استصدار حكم بفسخ العقد وذلك بعد إعذار المدين.
والقاضي فى هذا الصدد يتمتع بسلطة تقديرية واسعة تمكنه ألا يقضي بالفسخ ويمنح المدين أجلاً لتنفيذ التزامه أو تنفيذه على النحو المتفق عليه فالقاضي هو الذي يحتفظ بقرار الفسخ.
والطريق الثاني لنقض العقد أو إزالته هو التقايل أو التفاسخ وهو اتفاق بين طرفي العقد (بعد إبرامه) على نقضه والرجوع عنه، فالتقايل هو عقد يتم بين المتعاقدين بقصد إزالة عقدهما السابق والأصل أن هذا الاتفاق لا يؤدي إلى إزالة العقد باثر رجعي إلا إذا تم الاتفاق على ذلك بشرط ألا يخل هذا الاتفاق بحقوق الغير التي اكتسبها بمقتضى العقد محل التقايل.
الطريق الثالث لفسخ العقد هو الفسخ بحكم الاتفاق أو الشرط الصريح الفاسخ والذي بمقتضاه يتفق المتعاقدان على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه.
والقاضي هنا لا يتمتع بسلطة تقديرية إزاء الحكم بالفسخ حيث أن حكم القاضي في هذة الحالة يكون مقرراً وليس منشئاً للفسخ.
قائمة المراجع
الكتب العامة
الدكتور/ رمضان أبو السعود مصادر الالتزام
الدكتور/ عبد الرازق السنهوري مصادر الالتزام
الدكتور/ محمد حسين منصور الوجيز في مصادر الالتزام
المجالات والدوريات القانونية
مجلة الحقوق للبحوث القانونية العدد الأول 2010 مقال بعنوان نحو الفسخ بالإرادة المنفردة دكتور محمد حسن قاسم.
موقع www.eastlaws.com
حكم محكمة إبتدائية متعلق بالفسخ الاتفاقي – تعليق قانوني