ماهية إلغاء قاعدة قانونية وإلغاء قانون بالقانون السوري
يقصد بإلغاء القاعدة القانونية إنهاء سريانها و تجريدها من قوتها الإلزامية سواء أكان ذلك نتيجة إحلال قاعدة جديدة مكانها أو الاستغناء عنها دون أن تحل مكانها قاعدة أخرى .
فلا يلتزم الأفراد بحكمها بعد ذلك , و لا يطبقها القاضي باعتبارها واجبة الاحترام , و يزول على هذا النحو ما كان لها من وصف أنها مصدر رسمي للقانون في الموضوع الذي تناولته بالتنظيم .
و الإلغاء يرد على مختلف القواعد القانونية , أياً كان مصدرها الرسمي , تشـــريعاً أم عرفاً أم ديناً .
على أنه لما كانت الغلبة الآن للتشريع باعتباره أهم المصادر الرسمية للقواعد القانونية فإن البحث في الإلغاء ينصرف عادة إلى إلغاء التشريع خاصة أنه عن طريق التشريع يجوز إلغاء قواعد قانونية وردت في مصادر رسمية غير تشريعية لأجل ذلك كانت أهمية دراسة إلغاء القانون تتصرف عملياً إلى إلغاء التشريع بالذات و هو ما سنتناول أحكامه فيما يلي :
فقد نصت المادة الثانية من القانون المدني السوري على أنه ( لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع).
يتضح من هذا النص أنه يمكن أن يتخذ الإلغاء إحدى صورتين اثنتين :
فهو يمكن أن يكون إلغاء صريحاً للقاعدة القانونية .
و يمكن أن يكون إلغاءً ضمنياً لها .
ــ التمييز بين إلغاء القاعدة القانونية و إبطالها .
يختلف مفهوم الإلغاء عن مفهوم الإبطال أو البطلان فهما و إن كانا وسيلتين لإسقاط القاعدة القانونية و عدم التقيد بأحكامها إلا أنهما يختلفان من حيث السبب و من حيث الآثار .
فالإلغاء باعتباره عملاً قانونياً لا يرد إلا على قاعدة قانونية قد استكمل شروط صحتها و أركانها الجوهرية فلا يهدف الإلغاء إلى إنكار وجود القاعدة القانونية أو الطعن في صحتها بل يهدف إلى إنهاء العمل بها .
إما إلى عدم الحاجة إليها أو لإحلال قاعدة أخرى مكانها ولذلك لا يؤثر الإلغاء في صحة تطبيق القاعدة الملغاة على الماضي أي أن الإلغاء ليس له أي أثر رجعي .
أما البطلان أو الإبطال فهو عكس الإلغاء إذ يستند أصلاً إلى قاعدة تخلف فيها ركن من أركانها أو شرط من شروط صحتها ويأتي الإبطال لإعدام هذه القاعدة واعتبارها كأن لم تكن لذلك كان للبطلان أو الإبطال أثر رجعي أي ينسحب أثر الإبطال أو البطلان على كافة الوقائع أو التصرفات السابقة التي تمت وفقاً لأحكام القاعدة التي تقرر بطلانها أو إبطالها .
و يحدث البطلان أو الإبطال عادة بالنسبة لتشريعات السلطة الفعلية التي تصدر عقب أنقلاباً أو حرب ثم تفشل هذه السلطة في الاستمرار في الحكم أو في إقامة نظام دستوري جديد كما حدث في فرنسا عندما تم إبطال التشريعات التي صدرت في ظل حكومة فيشي التي استمرت أربع سنوات أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا .
ــ أنواع الإلغاء :
أولاً : الإلغاء الصريح :
الأصل في الإلغاء أن يتم بنص صريح يتضمنه تشريع لاحق يقضي بإلغاء التشريع القديم إلغاءً كلياً أو إلغاء بعض أحكامه وهذا هو الإلغاء الصريح .
أمثلته : ما ورد في المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949 والقاضي بإصدار القانون المدني السوري حيث نصت على أنه ( تلغى اعتباراً من التاريخ المذكور مجلة الأحكام العدلية والقرار رقم 3339 الصادر في 12 تشرين الثاني عام 1930 والنصوص المعدلة له ….)
ويكون أيضاً الإلغاء صريحاً أذا نص التشريع الجديد إلى إلغاء ما يخالفه من قواعد ومن أمثلة ذلك ما ورد في قانون الإيجار رقم 6 لعام 2001 حيث نصت الفقرة جـ من المادة 17 على أنه ( يلغى كل نص تشريعي يخالف هذا القانون أو لا يئتلف مع أحكامه )
وأيضاً المادة 49 من قانون حماية حقوق المؤلف رقم 12 تاريخ 27 / 2 /2001 م حيث نصت على أنه ( يلغى كل نص يخالف أحكام هذا القانون )
ويلاحظ أن هذا الإلغاء يعتبر أبسط أنواع الإلغاء وأكثرها وضوحاً كما يعتبر أكثرها استعمالاً من الناحية الفعلية .
ذلك أن أغلب التشريعات الجديدة تتضمن نصاً خاصاً يقضي بإلغاء أحكام التشريعات المخالفة لها أو التي جاءت لتحل محلها .
ويعتبر أيضاً من قبيل الإلغاء الصريح أن يتضمن التشريع نصاً على أن يعمل بها مدة معينة فإذا انقضت تلك المدة أصبح التشريع بحكم الملغى صراحة استناداً إلى نصه هو بالذات .
إذ قد تدعو بعض الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية أو بعض الظروف الخاصة إلى توقيت العمل بأحكام التشريع ضمن مدة زمنية معينة فإذا انقضت هذه المدة أعتبر التشريع ملغى بصورة تلقائية .
ومن أمثلتها ما ورد في المادة الأولى من قانون الإيجار اللبناني الصادر عام 1940 والقاضي بإعطاء القاضي بصفة مؤقتة وحتى انتهاء الحرب سلطة منح المستأجر مهلة للإخلاء لا تتجاوز الستة أشهر .
ويعتبر أيضاً من قبيل الإلغاء الصريح حالة ما إذا كان بقاء التشريع نافذاً يتوقف على توفر شرط معين بحيث تزول قوتها الإلزامية إذا تخلف هذا الشرط .
ثانياً : الإلغاء الضمني :
يمكن أن يتحقق الإلغاء الضمني في إحدى صورتين :
1- الإلغاء الضمني بطريقة التعارض بين النص الجديد والنص القديم .
يكون بصدور تشريع جديد يتضمن أحكام قانونية متعارضة مع أحكام قانونية واردة في تشريع سابق ويستحيل تطبيقهما معاً .
فعندئذً تكون الأحكام القانونية الجديدة قد ألغت ضمناً ما تقرر من أحكام قانونية وردت في التشريع السابق .
على أن ما تجدر ملاحظته هو أنه في هذه الحالة لا يكون من الإلغاء الضمني إلا في حدود التعارض والتناقض بين الأحكام القانونية القديمة وبين الأحكام القانونية الجديدة .
فإذا صدر تشريعان متعاقبان في الزمان ومتناقضان في الأحكام تناقضاً كلياً أُعتبر التشريع القديم بحكم الملغى .
أما إذا كان التعارض جزئياً فإن الإلغاء الضمني لا يكون عندئذ إلا بالنسبة للأحكام المتعارضة من أحكام التشريع القديم مع التشريع الجديد أي يقتصر الإلغاء الجديد على الحدود التي يتحقق فيها التعارض .
على أنه يشترط لتطبيق هذه القاعدة أن تكون النصوص المتعارضة والمتعاقبة من طبيعة واحدة من حيث العموم والخصوص .
فالنص العام يلغي نصاً عاماً والنص الخاص يلغي نصاً خاصاً إذا أتت أحكامهما متعارضة أما التعارض بين حكم عام وحكم خاص فهو لا يؤدي إلى إلغاء أحدهما للآخر ولكنه يؤدي فقط إلى تقييد النص العام بواسطة النص الخاص سواء كان النص الخاص هو النص الجديد أو النص القديم .
لذلك فإن صدور قانون العمل الموحد رقم 91 لعام 1959 بشأن تنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال لا يترتب عليه إلغاء نصوص عقد العمل الواردة في القانون المدني ولكنه يقيد هذه النصوص في حالة التعارض .
2- الإلغاء الضمني بطريق تنظيم الموضوع نفسه من جديد :
يتحقق الإلغاء الضمني في هذه الصور عندما ينظم التشريع الجديد تنظيماً كاملاً موضوعاً معيناً على أسس جديدة كان التشريع القديم قد سبق ونظمه .
ففي هذه الحالة يعتبر التشريع الجديد قد ألغى التشريع السابق ولو لم ينص صراحة على هذا الإلغاء وتعليل ذلك هو أن المشرع عندما يعمل إلى وضع تشريع جديد ينظم بصورة كاملة موضوعاً من الموضوعات , فهذا يعني أنه قد استغنى عن أحكام التشريع السابق الخاصة لتنظيم هذا الموضوع وقرر أنه يستعيض عنها بأحكام التشريع الجديد .
ويلاحظ أنه من النادر أن يعيد المشرع تنظيم موضوع سبق ونظمه بتشريعاً سابق دون أن يتضمن التشريع الجديد نصاًَ يقضي صراحة بإلغاء التشريع السابق ولذلك يصعب إيجاد أمثلة عملية على هذه الحالة .
وغالباً ما تعتبر عملية إصدار دستور جديد وإن كان لا ينص على إلغاء الدستور السابق وقيامه بتنظيم الحالة السياسية للدولة تنظيماً كاملاً يجعل من الدستور القديم دستوراً ملغى بصورة تلقائية .
وبالإضافة إلى أنواع الإلغاء التي نصت عليها المادة الثانية من القانون المدني السوري فأن التشريع يلغى أيضاً بإلغاء أو زوال الوضع الذي كان ينظمه .
فإلغاء الأوقاف الذرية في سوريا استتبع حكماً إلغاء كافة القوانين والأنظمة والقرارات المتعلقة بهذه الأوقاف .
على أن الإلغاء سواء كان إلغاءاً صريحاً أو إلغاءً ضمنياً فأنه يؤدي إلى زوال التشريع بالنسبة للمستقبل وليس بالنسبة للماضي أو بمعنى آخر ليس للإلغاء أثر رجعي .
كما أنه لا يملك حق إلغاء التشريع سوى السلطة التي سنته أو سلطة أعلى منها وهكذا فالتشريع العادي لا يلغى إلا بتشريع عادي آخر أو بتشريع أساسي أعلى منه درجة .
كما أن التشريع الأساسي لا يلغى إلا بتشريع أساسي يصدر عن سلطة تأسيسية جديدة أو يصدر وفقاً للإجراءات التي نص الدستور على ضرورة اتباعها عند تعديل نصوصه .
أما الأنظمة أو التشريع الفرعي فيمكن أن يلغى بتشريعً فرعي آخر صادر عن السلطة التنفيذية أو بتشريع أساسي أو بتشريع عادي .
يبقى لنا أن نتساءل هل يلغي العرف تشريعاً ؟
أو بعبارة أخرى هل يصبح التشريع لاغياً بعدم استعماله مدة طويلة ؟
في الواقع أن الإجابة على هذا التساؤل تدخل في نطاق دراسة مبدأ التدرج بين مصادر القانون المختلفة إذ أن عدم الاستعمال يؤدي إلى نشوء عرف بعدم الاستعمال ووفقاً لنص المادة الثانية من القانون المدني السوري يعد العرف أدنى مرتبة من التشريع وكما نعلم لا يملك الأدنى مرتبة وهو العرف إلغاء الأعلى مرتبة منه وهو التشريع إذ يبقى التشريع قائماً مهما مضى من الزمن يمكن الرجوع إليه في أي وقت .
كما أن المادة الثانية من القانون المدني كانت واضحة وصريحة باعتبار أن التشريع لا يلغى بعدم استعماله عندما نصت على أنه ( لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق )….
* وقد أشارت إلى ذلك المذكرة التحضيرية للقانون المدني حيث ذكرت تعليقاً على نص المادة الثانية سالفة الذكر ( وغنيٌ عن البيان أن النص على عدم جواز نسخ التشريع إلا بمقتضى تشريعاً آخر يستتبع عدم جواز نسخ النص التشريعي بمقتضى عرف لاحق ) .
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
ماهية إلغاء قاعدة قانونية وإلغاء قانون بالقانون السوري