نظام العمل الجديد يحمي حق العامل في بيئة نظيفة
د. محمد عرفة
تتعرض بيئة العمل للعديد من مصادر التلوث الكيماوية والفيزيائية والطبيعية التي تضر بسلامة العمال وصحتهم, ما يؤثر سلبا في كفاءتهم وفي قدرتهم على الإنتاج والعطاء. وقررت الأنظمة السعودية حق الفرد في بيئة نظيفة, فتضمن النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 27/8/1412هـ نصا يقرر هذا الحق هو نص المادة التي تقرر أن تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها”.

وحرص نظام العمل الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 26/8/1426هـ على كفالة حق العامل في بيئة نظيفة خالية من الملوثات؛ حيث خصص الفصل الأول من الباب الثامن منه (المواد من 121 إلى 126), فضلا عن نصوص أخرى متفرقة؛ فألزم صاحب العمل باتخاذ العديد من الإجراءات لحفظ المنشأة في حالة صحية جيدة ونظيفة وإنارتها وتأمين المياه الصالحة للشرب والاغتسال وغير ذلك من قواعد الحماية والسلامة والصحة المهنية, كما ألزمه أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الأخطار والأمراض الناجمة عن العمل والآلات المستعملة, ووقاية العامل وسلامته, وعليه أن يعلن في مكان ظاهر في المنشأة التعليمات الخاصة بسلامة العمل والعمال, وذلك باللغة العربية وبأي لغة أخرى يفهمها العمال عند الاقتضاء, ولا يجوز لصاحب العمل أن يحمل العمال أو يقتطع من أجورهم أي مبالغ لقاء توفير هذه الحماية, بل يلزم النظام صاحب العمل أن يقوم بإحاطة العامل قبل مزاولة العمل بمخاطر مهنته, وألزمه استعمال وسائل الوقاية المقررة لها, وعليه أن يوفر أدوات الوقاية الشخصية المناسبة للعمال وتدريبهم على استخدامها.

كما يلزم النظام صاحب العمل باتخاذ الوسائل العلمية المناسبة لمنع أو تقليل وإزالة الأخطار الصحية في أماكن العمل وعلى وجه الخصوص التخلص أولا بأول من الغبار الضار بالصحة والأبخرة, وذلك باستخدام أجهزة شافطة أو إيجاد نظام للتهوية أو بأية طريقة أخرى مناسبة, ومنع التيارات الضارة, والتخلص بقدر الإمكان من الروائح الكريهة. ويلزم النظام صاحب العمل أن يتخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من الحريق، وتهيئة الوسائل الفنية لمكافحته، بما في ذلك تأمين منافذ للنجاة، وجعلها صالحة للاستعمال في أي وقت، وأن يعلق في مكان ظاهر من أماكن العمل تعليمات مفصلة بشأن وسائل منع الحريق (م 125). كما يلزم صاحب العمل اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التدخين في الأماكن المغلقة.

وعلى الرغم من أهمية نصوص نظام العمل في كفالة حق العامل في بيئة نظيفة؛ إلا أنها جاءت في عبارات عامة, فلم تتطرق بشكل تفصيلي إلى توضيح التزامات صاحب العمل بالوقاية من المخاطر الكيماوية التي تحدث من تأثير المواد الكيماوية المستعملة أو التي تتسرب إلى جو العمل كالغازات أو الأبخرة أو الأتربة أو السوائل. فهناك العديد من الملوثات الكيماوية الشائعة في بيئة المنشآت الصحية والزراعية والتجارية, مثل أكاسيد النيتروجين, وأكاسيد الكبريت, وأكاسيد الكربون, والمركبات الهالوجينية, والرصاص, وكبريتيد الهايدروجين, والمبيدات الزراعية الحشرية والعشبية, لذا فإننا نرى أنه من الأفضل أن تتضمن التعليمات التي تصدر تنفيذا لأحكام هذا النظام ما يفيد التزام صاحب العمل باتخاذ جميع الوسائل اللازمة للتأكد من أن الظروف السائدة في بيئة العمل توفر وقاية كافية لصحة العمال, من كل الملوثات بما فيها الملوثات الكيماوية, وتوفر له أحوالا مناسبة لتلافي أي نقص في الهواء النقي أو بطء تجدده, وتلافي وجود الهواء الفاسد والتيارات الضارة, وألا تقل كمية الهواء النقي اللازم لكل شخص عن 15 إلى 75 مترا مكعبا في الساعة, وألا تزيد سرعة الهواء في داخل أماكن العمل على 15 متراَ في الدقيقة في الشتاء و50 متراَ في الدقيقة في الصيف, وذلك طبقاَ للمقاييس التي وضعتها الهيئات والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية.

ومن المقاييس العالمية التي يجب مراعاتها أيضا أنه لا يجوز أن تقل فتحات التهوية الطبيعية التي تفتح على الهواء الطلق مباشرة عن 10 في المائة من مساحة الأرضية, وألا تقل هذه الفتحات عن سدس مساحة الأرضية في الأماكن التي تكون أرضها منخفضة عن منسوب سطح الأرض المجاورة.

ونلاحظ أيضاَ أن نظام العمل لم يجعل التزام المحافظة على بيئة العمل وعدم تلويثها التزاما مفروضا على صاحب العمل وحده, بل فرضه أيضا على العامل؛ حيث ألزمه استعمال الوسائل الوقائية المخصصة لكل عملية, وأن يحافظ عليها, وأن ينفذ التعليمات الموضوعة للمحافظة على صحته ووقايته من الإصابات والأمراض, وعليه أن يمتنع عن ارتكاب أي فعل أو تقصير يتسبب عن عدم تنفيذ التعليمات أو إساءة استعمال الوسائل المعدة لحماية مقر العمل وصحة العمال المشتغلين معه وسلامتهم أو تعطيلها. ولم يكتف النظام بفرض الالتزامات على صاحب العمل وعلى العامل, بل قرر للعامل الحق في العلاج في حالة إصابته بإصابة عمل أو بمرض مهني, حيث يلتزم صاحب العمل بعلاجه وتحمل جميع النفقات اللازمة لذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, بما فيها الإقامة في المستشفى والفحوص والتحاليل الطبية والأشعة والأجهزة التعويضية ونفقات الانتقال إلى أماكن العلاج, كما يمنح العامل في حالة عجزه المؤقت عن العمل الناجم عن إصابة العمل الحق في معونة مالية تعادل أجره كاملا لمدة 30 يوماَ, ثم يستحق 75 في المائة من أجره طوال الفترة التي يستغرقها علاجه (م 137), وحظر تشغيل المرأة في الأعمال الخطرة أو الصناعات الضارة (149م).

لهذا, فإننا نرى ضرورة تفعيل هذه النصوص النظامية, وذلك بفرض رقابة دورية وفاعلة من وزارة العمل ومن مكتب العمل؛ بحيث يتم إلزام أرباب العمل في القطاع الخاص اتخاذ جميع الضوابط النظامية لحماية بيئة العمل, كما أنه من المتوقع أن يكون هناك دور فاعل وملموس للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في حماية حق العامل في بيئة نظيفة خالية من التلوث.

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

نظام العمل السعودي الجديد وحماية حقوق العمال